منذ أن ظهر محمد حمدان دقلو (حميدتي ) في
الخرطوم ببدلة وربطة عنق، أو بجلابية وعمامة بيضاء، بدلا من الكدمول (عمامة داكنة
اللون يعتمرها رجال أفريقيا جنوب الصحراء)، مؤتزرا حلة فريق أول، ورتبة نائب رئيس
مجلس السيادة، في أعقاب خروج الرئيس عمر البشير من قصر الحكم في نيسان/ أبريل من
عام 2019، ظل كثيرون يعتبرونه مجرد مهرج في السيرك السياسي، ويتداولون أقواله
الممعنة في الركاكة والطرافة: نحن هدفنا، ما عندنا هدف/ حجر العسل من الأحجار
الكريمة؛ (حجر العسل قرية في وسط السودان)/ قال تعالى "صاحب العقل
يميِّز"، والرسول قال "البيان بالعمل"/ إذا دعتك قدرتك إلي ظلم
الناس فالكلام ده مش كويس/ يسرني مخاطبة هذه الكوكوة من الرياضيين (يقصد الكوكبة)
/ لازم نندهس (ننتهز) الفرصة .
وقلتها هنا في "عربي21" وفي أكثر
من مقال، بأن الديمقراطية تتعرض لإشانة السمعة من أهل الولايات المتحدة، وأن ذلك
يتجلى ذلك بقوة خلال الحملات الرئاسية الانتخابية، ومن يتابع المهرجانات
الخطابية
بين مرشحي الرئاسة حاليا، كامالا هاريس، ودونالد
ترامب، يحس بأنه يشهد
"سيركا"، للمهرجين فيه نصيب الأسد، في غياب أسد حقيقي، وأن الفتك الذي
يلحقه ترامب بمعمار اللغة الإنجليزية، يضاهي ما يفعله حميدتي باللغة العربية
والمنطق، غير ان حميدتي على جرائره الكثيرة، بريء من جنس الهتر الذي يمارسه ترامب
وأنصاره بحق هاريس: غبية، حمقاء، لا تحمل رخصة ممارسة القانون (وكانت يوما أعلى
سلطة قانونية في ولاية كاليفورنيا)، وشقت طريقها الى الكونغرس ب"رهن
جسدها"، وكانت هندية عندما عرفناها قبل سنوات، وفجأة صارت سوداء، وهي تريد
فتح حدود بلادنا للمجرمين والمعتوهين من المكسيك.
من يستمع إلى ترامب وهو يزكي نفسه لمنصب
الرئيس، يحسب أنه ينافس على دور في فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني: أنا ذكي،
ووسيم، ولي معجبون ومعجبات بالملايين، وزوجتي ميلانيا أجمل بكثير من كمالا هاريس،
التي ظهرت على غلاف مجلة تايم بملامح تشبه ميلانيا، لأن صورتها تلك بريشة فنان،
وليتني أعثر على ذلك الفنان ليرسم صورتي. كلما اعتليت منصة وقف عشرات الآلاف
مشدوهين أمامي، وجمهور مخاطباتي أكبر من جمهور مسيرة الحقوق المدنية التي قادها
مارتن لوثر كنغ (شارك في المسيرة في آب/ أغسطس 1963 أكثر من 300 ألف شخص، وهو
الأمر الذي لم تشهده مسيرة قبلها أو بعدها).
الديمقراطية أفضل الخيارات السيئة لحكم الشعوب، فهي تقوم على حكم الأغلبية، وهذه الأغلبية أتت بهتلر فقاد بلاده وأوربا إلى الدمار، وأتت بنتنياهو الذي جعل من إسرائيل دولة منبوذة خارجيا كما لم يحدث من قبل، وآلت قيادة الدولة السوفيتية إلى ستالين بأغلبية أصوات المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي، فسفح دماء الشيوعيين وخصوم الشيوعيين، والأغلبية جعلت من ترامب الذي انكشف سجله الإجرامي مؤخرا، رئيسا في كانون الثاني/ يناير 2017 لأربع سنوات،
صحيفة ذا نيشن الأمريكية قالت إنه ليس فيما
يصدر عن ترامب خلال جولاته في مختلف الولايات، ما ينم عن أنه جاد في الفوز
بالرئاسة، "لأنه يقدم نفسه كغبي طفولي كسول"، وتقول الصحيفة، إن كسله
يتجلى في أنه لا يعرف، ولا يريد ان يعرف مواطن الضعف في هاريس، "فلو اطلع على
سجلها في الكونغرس لاكتشف انها تأتي في المرتبة الثانية في اليسارية، بعد بيرني
ساندرز، ولكن ولأنه لا يقرأ فإنه لا يعرف شيئا عن ذلك السجل، ويظل يهرف بعموميات
ساذجة وضحلة.
أما غباء ترامب فمغلف بكسله، وما من نص
مكتوب او مرتجل صدر عن ترامب، إلا وفضح أنه يفتقر إلى الذكاء، وأنه لا يجهد نفسه
للحصول على معلومات، يزكي بها نفسه ويزعزع بها مواقف خصومه"، وتمضي الصحيفة
قائلة ان طفوليته تتبدى في تلاحم مع الغباء والكسل، وفي أنه وبدلا من التطرق الى
مواضيع السياسة والاقتصاد، يظل يرغي ويزبد وهو يطلق النعوت على هاريس، ويتباكي على
نصر مزعوم انتزعه منه الرئيس الحالي جو بايدن في
انتخابات عام 2016 الرئاسية.
في عام 2017 كتبت كارول مكغراناهان في مجلة
"إثنولوجست" التي تعنى بدراسة الإنسان وعلاقاته بالآخرين "جميع
السياسيون يكذبون، ولكن ترامب هو أكبر كذاب ومحترف كذب عرفته سوح السياسة الأمريكية"، أما المؤرخ الأمريكي دوغلاس
برينكلي فقد كتب في مجلة سايكوأنالتيك دايالوغ (تختص بعلم النفس التحليلي) قائلا
ان ترامب كاذب متسلسل، فالكذب عنده ممارسة سياسية ثابتة، إرضاء لأهواء نفسه
وجمهوره.
رؤساء أمريكيون كثر مارسوا الكذب لتضليل
الرأي العام المحلي أو العالمي، أو لتفادي تبعات قانونية، فليندون جونسون كذب
كثيرا ومرارا لإخفاء مدى تورط جيش بلاده في فيتنام، وبيل كلينتون كذب أمام
المحققين لتعمية علاقته مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، ثم اضطر إلى
الخطرفة بأقوال حول الفوارق بين "الحب الشفهي والتحريري"، أما ريتشارد
نيكسون فقد كذب وكذب لإخفاء ضلوعه في فضيحة التجسس على مقر الحزب الديمقراطي
(ووترغيت)، وكلفه الكذب منصبه، بينما كذب جورج دبليو بوش عن وجود أسلحة دمار شامل
لدى العراق، لتبرير غزوه في عام 2003، أما ترامب فقد ارتقى بالكذب الى درجات لم
يسبقه عليها احد، كما يقول مارك باراباك المحرر في جريدة لوس انجلس تايمز، فهو
يكرر الكذبة المرة تلو الأخرى، حتى تصبح في تقديره "حقيقة".
كما قال مفكرون كثر، فالديمقراطية أفضل
الخيارات السيئة لحكم الشعوب، فهي تقوم على حكم الأغلبية، وهذه الأغلبية أتت بهتلر
فقاد بلاده وأوربا إلى الدمار، وأتت بنتنياهو الذي جعل من إسرائيل دولة منبوذة
خارجيا كما لم يحدث من قبل، وآلت قيادة الدولة السوفيتية إلى ستالين بأغلبية أصوات
المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي، فسفح دماء الشيوعيين وخصوم الشيوعيين،
والأغلبية جعلت من ترامب الذي انكشف سجله الإجرامي مؤخرا، رئيسا في كانون الثاني/
يناير 2017 لأربع سنوات، ولعل أبرع من قال إن الأغلبية ليست دائما على حق، هو الشاعر
المهجري إيليا أبو ماضي:
لما سألت عن الحقيقة قيل لي / الحق ما اتفق السواد عليه
فعجبت كيف ذبحت ثوري في الضحى / والهند ساجدة هناك لديه