كتاب عربي 21

السلطة وإباحة الدم الفلسطيني

لمصلحة من تهديد المقاومين الذين يتعرضون في هذا السياق إلى مختلف التهديدات والدسائس بالتصفية الجسدية من طرف فيه أنه يحدث باسم السلطة؟ (الأناضول)
يبدو أن عديد المسؤولين في السلطة الفلسطينية لا يقرؤون ما يكتب عنهم، وإذا قرؤوا لا يبالون ولا يهتمون. فقد سبق قبل أسابيع قليلة أن نصحتهم لوجه الله بتجنب كل ما من شأنه تعميق الجراح وتوسيع الشقة بين الفلسطينيين في هذا الظرف الحرج والخطير، ويعطي فرصة للعدو الذي يفتك بالجميع.

لكن الجماعة فيما يبدو لا تتعامل مع المسألة الوطنية من هذا المنظور. بل منهم من ينفخ في الاتجاه المعاكس، ولا يتردد في تهديد المقاومة بلغة عدائية إلى أقصى الحدود. من بين هؤلاء مستشار الرئيس الفلسطيني محمود الهباش وقاضي القضاة وعضو سابق بحركة حماس الذي اعتبر مؤخرا أن "إنهاء حماس فريضة شرعية وواجب ووطني، ودماؤهم مستباحة". متحديا الجميع بقوله "ليغضب من يغضب، وليرضى من يرضى".

خطاب صادم، ولغة مخيفة تعبر عن حقد دفين. هذا الشخص لا يتحدث عن الجيش الإسرائيلي الذي يتلذذ بقتل الأطفال والنساء، وإنما يوجه خطابه إلى إخوان له في الوطن. ويؤسس هذا الخطاب على خلفية إسلامية يستعمل مفرداتها بشكل مغلوط ومغرض مثل قوله بأن القضاء على حركة حماس "فريضة شرعية" وليس مواجهة العدو الصهيوني!!.

منهم من ينفخ في الاتجاه المعاكس، ولا يتردد في تهديد المقاومة بلغة عدائية إلى أقصى الحدود. من بين هؤلاء مستشار الرئيس الفلسطيني محمود الهباش وقاضي القضاة وعضو سابق بحركة حماس الذي اعتبر مؤخرا أن "إنهاء حماس فريضة شرعية وواجب ووطني، ودماؤهم مستباحة". متحديا الجميع بقوله "ليغضب من يغضب، وليرضى من يرضى".
علينا تجنب الاقتراب من المطبخ الفلسطيني وأن نرفض المساهمة في نشر الغسيل الداخلي للفصائل الفلسطينية. فما يجري على الأرض أكبر وأهم من هذا التراشق المبتذل بالتهم والتهديدات. وإنما نسأل لمصلحة من تهديد المقاومين الذين يتعرضون في هذا السياق إلى مختلف التهديدات والدسائس بالتصفية الجسدية من طرف فيه أنه يحدث باسم السلطة؟. أليس ذلك تأييد مباشر للصهاينة ودعم لهم بالتسريع في القضاء على نخبة فلسطينية شجاعة تدافع عن قضيتها ببسالة نادرة؟. أليس ذلك إعلانا صريحا بأن السلطة بسكوتها عن مثل هذه  الصريحات المتشنجة تضع نفسها في موضع الريبة والشك، وتدفع بالمراقبين نحو الاعتقاد بكونها شريكة في هذه الحرب الاستئصالية التي يستنكرها العالم ويطالب بإيقافها في أقرب وقت؟.

ألا يعرف السيد محمود الهباش وهو إمام جمعة أن استباحة دماء الفلسطينيين حرام حرام، وأن الجهاد في مثل هذه الأوضاع فرض على كل قادر. وأن قتل مجاهد في سبيل وطنه يعتبر من الكبائر. هذه أبجديات يعلمها حتى العوام، فما بالك بمسؤول في سلطة تحكم باسم شعب مهدد في وجوده.

أمام وضع كهذا وجب التذكير بالمسائل التالية:

ـ لا بد من الأخذ بعين الاعتبار هذه التهديدات بجدية. إذ بمجرد الإفصاح عنها وبهذه الحدة والعبارات الملغمة فهي تعكس درجة عالية من الحقد ولرغبة في تجسيد هذه الطاقة الشريرة على الأرض في أول فرصة تتاح. فهذه الأصوات تهيئ الأرضية المناسبة للشروع في الاقتتال الأهلي من أجل استكمال مهمة القضاء على عوامل المقاومة في الساحة الفلسطينية على أيدي بعض الفلسطينيين الذين اختلطت بهم السبل وفقدوا التمييز بين الخطوط الحمراء والقضايا المصيرية والأوليات الوطنية.

ـ قد يكون هذا التصريح وغيره رسائل موجهة إلى العدو، لإقناعه بأن هناك من يطالبها بمنح الثقة فيه حتى يواصل نفس المهمة ويحقق نفس الغرض. المهم بالنسبة له وقف الحرب الصهيونية مقابل قيام السلطة بردع المقاومة بوسائلها الخاصة. لكن هؤلاء يدركون أن الإسرائيليين لن يثقوا فيهم وفي قدرتهم على فعل أي شيء يحول دون إتمام مشروعهم الاستعماري. السلطة لم تعد تزن في المعادلات الراهنة وبالأخص التوازنات القادمة. إسرائيل لم تعد في حاجة إلى وسطاء فلسطينيين لتأمين نفسها وفرض إرادتها.

ـ لا يذهب الظن بالقراء إلى أن كل أعضاء السلطة وتحديدا جميع الفتحويين يفكرون بمثل هذه الطريقة الهوجاء. كثير منهم يخالفون هذا المنهج الاستئصالي، ويرفضون بشدة مثل هذه التصريحات المتناقضة مع الخط الوطني الذي سبق لهم أن رسموه بدماء قادتهم. لهذا كانت قيادة حماس محقة عندما أصرت إلى حد الآن على ضرورة إطلاق سراح مروان البرغوثي وأحمد سعدات، لأن الأول من شأنه أن يساعد كثيرا على إعادة الروح النضالية لعموم الفتحويين الذين يبحثون عن شخصية جامعة ذات ثقل تاريخي تتولى توحيد القوى والفصائل، وترفض الخضوع لإرادة العدو الصهيوني وشروطه. أما الثاني فهو شخصية يسارية صلبة ذات قيمة رمزية نادرة. فرغم أزمة اليسار الفلسطيني والعربي بقي الرجل يشكل أيقونة يفتخر بها الجميع.

ومجرد التمسك بهاتين الشخصيتين يعكس إيمان المقاومة بوحدة المصير، وتثبت كونها أكبر بكثير من أن تتورط في معركة هامشية مع دعاة الحرب الأهلية، أو بتعبير أدق مع دعاة الفتنة الذين سيكون التاريخ هو الحكم الفيصل في خلافهم مع حماس وغيرها من فصائل المقاومة ذات المرجعية الإسلامية. فما يحصل داخل فلسطين في السياق الراهن مختلف تماما عما حدث ويحدث في دول أخرى بالمنطقة.