كتاب عربي 21

خذوا الدرس من أسد سوريا

أعد حافظ ولده باسل لولاية العهد، ولما خطفته المنون، آل الأمر لطبيب العيون بشار ليحكم سوريا بالحديد والنار، لربع قرن إلا قليلا.
وسقط فرعون سوريا، وصار لاجئا سياسيا، فبشار الذي ولد على سرير من دمسق، وآلت إليه ولاية عهد أبيه حافظ الأسد، والذي كان عاقدا العزم على البقاء في حكم بلد تحولت مدنه الى خرائب، وأهله الى نازحين مشتتين في الأرض، آثر السلامة وفر بجلده، متناسيا أمر "الرسالة الخالدة"، ومن قبل فر أبوه حافظ بجنده من هضبة الجولان، دون إطلاق رصاصة واحدة، فور اشتعال حرب حزيران/ يونيو عام 1967، وكان وقتها وزير الدفاع، متعللا بأن الأولوية لحماية مركز حكم البعث في دمشق، وكان ذلك في نظر البعث مؤهلا لترقيته لرئاسة الحكومة ثم رئاسة الدولة، وكما أن معاوية بن أبي سفيان جعل من دمشق حاضرة لملك نسله من بني أمية، فقد أعد حافظ ولده باسل لولاية العهد، ولما خطفته المنون، آل الأمر لطبيب العيون بشار ليحكم سوريا بالحديد والنار، لربع قرن إلا قليلا.

أذهل انتصار قوى الثورة السورية العالم، لأنه لم يكن فقط على جيش كثير العدد والعدة، بل جيش مسنود بسلاح الجو الروسي، وبالمال والعتاد الإيراني، وبمقاتلين من حزب الله اللبناني، وعندما جاءت لحظة الحقيقة، وإدراك ان باطل بشار زهوق، كان الروس والإيرانيون فص ملح وداب (بالمصري)، وكان حزب الله وقتها في حال دفاع عن النفس في وجه هجمات إسرائيلية شرسة مثلت خطرا وجوديا للحزب.
كان النصر الذي حققته قوى المعارضة على حكم آل الأسد ملحميا، لأنها قهرت واحدة من أضخم الآلات الحربية في الشرق الأوسط بأسلحة يدوية، فقد كان الجيش السوري يتألف عند ظهور المعارضة المسلحة من 365 الف نظامي، مسنود بـ 450 الف جندي احتياطي، ولديه سلاح طيران به 850 قاذفة اس دفينا ونيفا بيتشورا، و85 طائرة اعتراضية و64 هليكوبتر قتالية، و6200 دبابة تي 80 وتي90 الى جانب صواريخ أرض-جو (سام) بلا حصر، وكل هذا البناء انهار كبيت الكرتون في غضون أيام معدودة، لأن المعارضة كانت تحارب من أجل وطن، بينما كان جند الجيش يحاربون من أجل عائلة الأسد، ثم أدركوا أنه "ما بدهاش" فرموا السلاح أرضا.

أذهل انتصار قوى الثورة السورية العالم، لأنه لم يكن فقط على جيش كثير العدد والعدة، بل جيش مسنود بسلاح الجو الروسي، وبالمال والعتاد الإيراني، وبمقاتلين من حزب الله اللبناني، وعندما جاءت لحظة الحقيقة، وإدراك ان باطل بشار زهوق، كان الروس والإيرانيون فص ملح وداب (بالمصري)، وكان حزب الله وقتها في حال دفاع عن النفس في وجه هجمات إسرائيلية شرسة مثلت خطرا وجوديا للحزب.

لو اعتبر الديكتاتوريون بخبر من غبر من رصفائهم، لآثروا السلامة فور تصاعد موجات الرفض الشعبي لحكمهم، فالرئيس المصري حسني مبارك لم يعتبر بما حدث لنظيره في تونس زين العابدين بن علي، الذي اضطر إلى الفرار، بعد أن وجد نفسه أسيرا حبيسا، وقذافي ليبيا لم يكن يعي عظات التاريخ أو الجغرافيا، فوجد نفسه محشورا في أنبوب للصرف الصحي، وعلي صالح في اليمن أخطأ التقدير في مواجهته للحراك الشعبي الرامي لإسقاط حكمه، وحسب أنه يستطيع مواصلة اللعب بالبيضة والحجر، فكان أن نزل القبر.

في التاريخ المعاصر شواهد بلا حصر، على أن قوى متمردة هزيلة التسليح، تستطيع أن تتغلب على قوى ضخمة وعاتية ذات أعتدة ضاربة وكاسحة، فقد فشل الجيش الأمريكي في هزيمة جيوش الفلاحين في فيتنام ولاوس وكمبوديا، فجلس  يفاوضهم ويسلمهم مقاليد الحكم، وحدث هذا مع ثوار الساندنيستا في نيكاراغوا، وحركة فارابوندو مارتي في السلفادور، وفارك في كولمبيا،  وفي السودان، حيث فاوض نظام نميري (1969-1985) متمردي جنوب البلاد، ووقع معهم اتفاق سلام في 1972، ثم فاوضت حكومة عمر البشير (1989-2019) الحركة الشعبية التي استأنفت القتال في جنوب البلاد، ووقعت معها اتفاق سلام في 2005، وصار رئيس الحركة النائب الأول لرئيس الجمهورية، بعد أن كان موصوما بالكفر والعمالة لإسرائيل.

الرئيس المصري حسني مبارك لم يعتبر بما حدث لنظيره في تونس زين العابدين بن علي، الذي اضطر إلى الفرار، بعد أن وجد نفسه أسيرا حبيسا، وقذافي ليبيا لم يكن يعي عظات التاريخ أو الجغرافيا، فوجد نفسه محشورا في أنبوب للصرف الصحي، وعلي صالح في اليمن أخطأ التقدير في مواجهته للحراك الشعبي الرامي لإسقاط حكمه، وحسب أنه يستطيع مواصلة اللعب بالبيضة والحجر، فكان أن نزل القبر.
أحد الذين عليهم الاعتبار من الدرس الذي تلقاه بشار الأسد قبل أيام معدودة، هو عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة (الرئاسة) وقائد عام الجيش السوداني، الذي يتعين عليه أن يعي دروس التاريخ، كي يدرك أنه ما من سبيل للجيش السوداني لهزيمة قوات الدعم السريع التي يخوض حربا ضدها، وذلك قياسا على فشل هذا الجيش، والعديد من جيوش الدول الأخرى في دحر أي حركة تمرد، مع الأخذ في الاعتبار أن الدعم السريع أقوى، ومن كل الأوجه، من حركات التمرد السودانية مجتمعة، عددا وعدة، وبالمقابل لا سبيل لقوات الدعم السريع لهزيمة الجيش لتصبح لقيادته (آل دقلو) اليد العليا في أمور الحكم والسياسة، فهذه القوات ليست ثورية، كما القوات التي حررت سوريا من قبضة آل الأسد، بل هي جهوية وقبلية تأتمر بأمر آل دقلو، ولا تحظى من ثم بسند جماهيري، وعليه، ومهما طال أمد هذه الحرب ستنتهي بالتعادل السلبي.

وعودا إلى الثورة السورية الظافرة، تجدر الإشارة إلى أن هناك دوائر معينة تسعى لتبخيس انتصارها، بزعم أنه جاء نتيجة ترتيبات إقليمية ودولية. فماذا عن عشرات الآلاف من شهداء تلك الثورة على مدى 13 سنة؟ وماذا عن المدن التي صارت خرائب يهرب منها البوم؟ وماذا عن ملايين السوريين المبعثرين في أقطاب الأرض؟ هل كان كل ذلك وأنهار الدماء التي جرت منذ عام 2011 جزءا من فيلم هندي أخرجته أطراف خارجية؟