كتب

هل يمكن إصلاح المنظمات الدولية في ظل النظام العالمي الليبرالي الأمريكي؟ (2)

تعدُّ نهاية الحرب العالمية الثانية، البداية الفعلية لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية النظام العالمي الجديد. الأناضول
تعدُّ نهاية الحرب العالمية الثانية، البداية الفعلية لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية النظام العالمي الجديد. الأناضول
الكتاب: "المنظمات الدولية في عالم متغير"
الكاتب: د. حسين طلال مقلد
الناشر: دار الكتاب الجامعي ، دولة الإمارات العربية المتحدة، 2025
(عدد الصفحات: 715  من القطع الكبير)

تأسيس منظمة الأمم المتحدة


كانت الحروب والصراعات السمة الغالبة بين الدول الأوروبية من جهة وبينها وبين جيرانها من جهة أخرى، وكانت الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 أكثر إيلاماَ لهول الخسائر البشرية والمادية التي تعرضت لها الدول المنتصرة والمهزومة معاَ في أوروبا، مما دفعتها إلى التفكير لتنظيم علاقاتها على أسس ونظام جديد يجنبها ويلات الحروب، لذلك سعت الدول المنتصرة في الحرب إلى تأسيس عصبة الأمم عام 1919م، لتضم الدول المنتصرة والدول المستقلة أو التي تستقل بعد هذا التاريخ.

وتُعَدُّ عصبة الأمم من السوابق الفريدة في هذا الصدد، لكنَّها فشلت في تحقيق أهدافها ولم تضع حدًّا للحروب، لأنَّ عهد العصبة لم يضع قيدًا على سيادة الدول هذا من جهة، وسيطرة الدول الكبرى عليها من جهة أخرى، مما جعل هذه الدول تُسَّخِرُ العصبة لخدمة أهدافها ومصالحها الاستعمارية، ولم تلتزم الدول الكبرى بعهد العصبة. ولذا كانت أول من خرق هذا العهد وشنت الحروب على الدول المجاورة والصغيرة كألمانيا وروسيا، لذلك جاءت خسائر الحرب العالمية الثانية 1939 ـ 1945 التي سببتها هذه الدول أكثر فداحة وجسامة.

تُعَدُّ عصبة الأمم من السوابق الفريدة في هذا الصدد، لكنَّها فشلت في تحقيق أهدافها ولم تضع حدًّا للحروب، لأنَّ عهد العصبة لم يضع قيدًا على سيادة الدول هذا من جهة، وسيطرة الدول الكبرى عليها من جهة أخرى
عقب نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945، قام النظام الدولي على أساس الاستقطاب العسكري والإيديولوجي بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود المعسكر الرأسمالي الغربي، ممثلا في حلف دول شمالي الأطلسي، والاتحاد السوفييتي الذي يقود المعسكر الاشتراكي ممثلا في حلف وارسو، وسمي ذلك النظام الدولي بنظام القطبية الثنائية، لأن كلا من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كانا أهم القوى الرئيسية الفاعلة في النظام الدولي، وحافظا على التوازن والاستقرار الدوليين حتى نهاية الحرب الباردة، وانهيارالاتحاد السوفييتي، مع إعادة بناء العولمة الرأسمالية الجديدة تحت حماية وهيمنة الولايات المتحدة، التي تحولت إلى أكبر قوة عظمى مفرطة القوة في النظام الدولي الجديد الأحادي القطبية.

أسهمت الدول العربية المستقلة عام 1945م في نشأة الأمم المتحدة وبشكل خاص مصر التي شاركت بشكل فعال في مؤتمر سان فرانسيسكو وفي مختلف القضايا التي أثيرت فيه خاصة العلاقة بين الجمعية ومجلس الأمن والحد من سلطته في مشروع الميثاق.

ومنذ أن ظهرت الأمم المتحدة إلى الوجود في 26 تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1945، بعد تصديق الدستور من قبل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ـ وبأغلبية من الموقعين الآخرين الـ 46، ظلت الأمم المتحدة تمثل مصدرا للشرعية الدولية، رغم احتلال الولايات المتحدة الأمريكية موقعا فريدا في قيادتها، نظرا لإسهامها الكبير في نسبة موازنتها 22 في المئة، و27 في المئة من موازنة قوات حفظ السلام، رغم أن الجدل القائم والمعاداة الأمريكية في الجمعية العمومية يحجبان هذا الواقع.

وقد استبشرت الدول الصغيرة والضعيفة من دول العالم خيرا من النصوص المغرية التي جاءت في ميثاق المنظمة وديباجته، ولكن آلية عمل وهيكلية المنظمة والهيئات المنبثقة عنها، جعلتها عديمة الفائدة مثل سابقتها، وأداة للتسوية السياسية التي فرضها المنتصر على المهزوم من ناحية، وأن تكون أداة طيعة في يد الدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا من ناحية ثانية لتحديد شكل النظام الدولي الجديد في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

تبددت أحلام الشعوب بالعدل والمساواة والأمن والاستقرار، وبدأت مأساة العالم الثالث الذي أصبح يذبح يومياَ باسم المنظمة الدولية والقانون الدولي والشرعية الدولية وإرادة المجتمع الدولي، إذ كان نظام الوصاية الذي سنته المنظمة أكثر ضرراَ من صك الانتداب، ولأن سياسة الدول الغربية كانت ولا زالت مدفوعة باعتبارات تتعلق بمصالحها في العالم و المنطقة العربية والشرق الأوسط بصفة خاصة، والتي تقوم على تأمين مصالحها النفطية، وضمان أمن إسرائيل.

المنظمات الدولية بعد الستينات من القرن العشرين: أمريكا وقيادة النظام العالمي الجديد منذ العام 1945 ولغاية الآن

تعدُّ نهاية الحرب العالمية الثانية، البداية الفعلية لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية النظام العالمي الجديد. كان على الحلّ الرسمي لتناقضات "حرية الداخل وعبودية الخارج" أن ينتظر حتى عام 1945، عندما قادت واشنطن دول العالم لصياغة مشروع ميثاق الأمم المتحدة ووعدت الشعوب بحرية تكوين دولها وفي الموافقة على إعلان آخر بعد ثلاث سنوات، حين أكّدت حقوق الإنسان العالمية عام 1948، وبوضوح فإنّ قيام النظام الدولي الحالي المكوّن من 193 دولة ذات سيادة وعلى قدم المساواة في الأمم المتحدة يمثّل تقدّماً هائلاً بعد العصور الإمبراطورية حين حكمت العشرات منها ثلث البشرية. ومع ذلك وفي سعيها وراء القوة العالمية، سرعان ما بدأت واشنطن في تحدّي الاتفاقيات الأممية التي حدّدت نظامها العالمي الخاصّ، مخالفة السيادة الوطنية من خلال التدخّلات السرية لوكالة المخابرات المركزية والحروب الوحشية في جميع أنحاء العالم وانتهاك حقوق الإنسان وممارسة التعذيب.

ربما يكون مركز النظام العالمي قد تحوّل من آيبريا إلى بريطانيا ثم إلى الولايات المتحدة، لكن التطور المستمر للمبادئ الأساسية من حقبة لأخرى قد سهّل هذه التحولات الإمبراطورية، الآن بدأت القوة العالمية للولايات المتحدة في التلاشي، بدأ عالم صيني ناشئ يتحدّى المعيار العالمي لهذا النظام من خلال إخضاع حقوق الإنسان كمبدأ منافس للسيادة الوطنية غير الخاضعة للرقابة.

لقد أصبح هذا التركيز على الحرِّية الفردية مقابل السيادة الوطنية، سلاح واشنطن هذه الأيام لمقاومة صعود الصين، هذا طبعاً دون الالتفات إلى ما يقوم به جنودها القتلة في كافة بقاع الأرض، ووكلاء أجهزة مخابراتها المنحرفون، الذين يقومون بعملياتهم السرية ويديرون الانقلابات، إضافة لرجال شرطتها المنفلتون في شوارع المدن الأمريكية ومعاملتهم الوحشية للمواطنين من غير البيض.

يقول الدكتور حسين طلال مقلد في سياق تحليله لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على منظمة الأمم المتحدة ،وتوظيفها لها لخدمة أهداف سياستها الخارجية :"إنَّ الموافقة الأمريكية على العضوية في الأمم المتحدة والتي جاءت من خلال حصول المشروع على أغلبية قدرها 98 من 100 ، وتصبح أمريكا أول دول تصدق على ميثاقها، وهذا كان نتيجة للاغراءات التي قدمت لأمريكا من خلال سيطرتها على حق النقض الفيتو بالإضافة للموافقة على عقد المؤتمر التأسيس في سان فرانسيسكو وان يكون مقر الأمم المتحدة في نيويورك.

المشاركة الأمريكية النشطة والمتحمسة من تأسيس الأمم المتحدة وحتى نهاية الستينات من القرن الماضي، حيث كان أمريكا تسهم بتمويل الأمم المتحدة بنسبة قدرها 40% إلى أن حددت النسبة بـ 25%، قادت أمريكا الحرب ضد كوريا الشمالية في بداية الخمسينات، بتفويض من الأمم المتحدة وتبنت القرار 377 المعروف بـ"الاتحاد من أجل السلام" وأصرت على شغل تايوان لمقعد مجلس الأمن الدولي حتى بداية السبعينات وسياستها الجديدة مع نكسون والتي توجهت نحو الانفراج في العلاقة مع الصين.

أمريكا توظف الأمم المتحدة لخدمة أهداف"إسرائيل" وسياساتها الخارجية

مع بداية السبعينات وحتى بداية التسعينات هي مرحلة التهديد وكسر العظام والتهشيم، وذلك نتيجة التحالف بين الأغلبية الكبرى من دول العالم الثالث والدول الاشتراكية ، وجاء ذلك مع تبني الجمعية العامة للقرار 3379 عام 1975، الذي ساوى بين العنصرية والصهيونية واعتبر الصهيونية لون من ألوان العنصرية، وهذا ما انعكس على الأمم المتحدة من خلال انسحاب أمريكا لفترات طويلة أو قصيرة في عهد المحافظين الجدد بقيادة روناد ريغان من المنظمات الدولية مثل اليونسكو، ومنظمة العدل الدولية، وامتنعت عن تسديد حصتها المالية في المنظمات التي لا ترضى عنها.

مرحلة الاختطاف والتي بدأت ف عام 1991 مع انهيار الاتحاد السوفيتي واستمرت حتى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ، وفي هذه المرحلة نجحت أمريكا في فرض شعار "النظام العالمي الجديد". على العالم ، واستطاع استغلاله من خلال الاجماع العالمي على تحرير الكويت من العراق عام 1991، حيث تم استغلاله من خلال الانفراد بقيادة النظام العالمي، ومع أحداث 11 أيلول 2001 تم استغلالها من قبل إدارة جورج بوش الأبن المحافظة الجديدة للبدء بالتدخل في العالم من دون العودة الى الأمم المتحدة من خلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 . كما هيمن المحافظين الجدد على الأمم المتحدة من خلال تعيين بول وللفويتز رئيساً للبنك الدولي وجون بولتون المندوب الدائم لأمريكا في مجلس الأمن الذي تم تعيينه من قبل الرئيس في العطلة القضائية للكونغرس الذي كان يعارض تعيينه".

أما في مرحلة إدارة الرئيس بايدن، فقد انحازت الإمبريالية الأمريكية إلى جانب الكيان الصهيوني في حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة عقب عملية طوفان الأقصى في 23أكتوبر 2023،وانهارت العلاقات بين "إسرائيل" والأمم المتحدة ، وبالتالي من المفهوم أن تصبح الأمم المتحدة حذرة من توسيع مسؤولياتها في غزة، خاصة بعد مقتل أكثر من مئة من موظفيها جراء الحرب الدائرة.

فالاصطفاف غير المسؤول ودخول أمريكا كطرف رئيسي  في الحرب على غزة والتحالف مع العضوي مع "إسرائيل" ضد المدنيين الأبرياء في غزة، أصبح عاريًا وبلا رتوش،إذ زودت الولايات المتحدة "إسرائيل" بالسلاح، وطلبت إدارة بايدن من الكونجرس تخصيص مبلغ إضافي قدره 14.3 مليار دولار كمساعدة لاسرائيل، بينما تواصل "إسرائيل" حرب الإبادة الجماعية وترتكب الجرائم ضد السكان المدنيين الفلسطينيين في غزة.

تبددت أحلام الشعوب بالعدل والمساواة والأمن والاستقرار، وبدأت مأساة العالم الثالث الذي أصبح يذبح يومياَ باسم المنظمة الدولية والقانون الدولي والشرعية الدولية وإرادة المجتمع الدولي، إذ كان نظام الوصاية الذي سنته المنظمة أكثر ضرراَ من صك الانتداب، ولأن سياسة الدول الغربية كانت ولا زالت مدفوعة باعتبارات تتعلق بمصالحها في العالم و المنطقة العربية والشرق الأوسط بصفة خاصة، والتي تقوم على تأمين مصالحها النفطية، وضمان أمن إسرائيل.
تم منع الولايات المتحدة، المسؤولة عن مجلس الأمن، من الاضطلاع بمسؤوليتها في مواجهة الأزمة الفلسطينية الخطيرة التي تهدد الأرواح والأمن الإقليمي، من خلال استخدام حق النقض (الفيتو) الأمريكي الأخير ضد قرار وقف إطلاق النار الإنساني في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 9 ديسمبر/كانون الأول 2023. وهو ما يعكس رغبة واشنطن في استمرار الحرب وجعل قطاع غزة غير صالح للسكن والاستمرار في قتل الشعب الفلسطيني وارتكاب المزيد من المجازر والتطهير العرقي.

بفضل الدعم الأميركي غير المشروط، لا يوجد شريك سلام إسرائيلي يمكن التعامل معه اليوم أو "في اليوم التالي".لا يوجد فرق بين الإدارة الديمقراطية والجمهورية في الولايات المتحدة، والدليل هو أن إدارة ترامب لم تتراجع عن اعتراف إدارة ترامب بضم "إسرائيل" غير القانوني للقدس الشرقية ومرتفعات الجولان في عام 2018.

استنزاف أمريكا في الحروب دفاعًا عن قيادتها للنظام العالمي الليبرالي

منذ نشأته، لم يضع النظام العالمي الأمريكي الجديد في السلطة مجرد بدائل أو عملاء، بل سمّاهم حلفاء، حتى لو كانوا في مواقف ضعيفة، لتعظيم صورة مصالحهم الوطنية. لإدارة مثل هذه التحالفات المثيرة للجدل، لجأت الولايات المتحدة إلى "مرهم المساعدات الخارجية ولسعة العمليات السرية" ، واستخدمت ومنذ تأسيسها عام 1947، وكالة المخابرات المركزية كآلية حاسمة لحل التناقض الكامن في صميم نظام أمريكا العالمي الليبرالي .. تلاعب واشنطن في الانتخابات وعززت الانقلابات لتأكيد أن القادة الوطنيين في جانبها. بين الأعوام 1945 لغاية 2000، تدخّلت الولايات المتحدة في نتائج 81 عملية انتخابة في جميع أنحاء العالم، بما فيها 8 مرات في إيطاليا و5 مرات في اليابان، وغيرها الكثير في أمريكا اللاتينية، بين الأعوام 1958 و1975 جرى تنفيذ العديد من الانقلابات العسكرية الدموية برعاية أمريكية ونجم عنها تغيّر الحكومات في 30 دولة، تمثل ربع الدول الأعضاء ذات السيادة في الأمم المتحدة.

تحوّل الصراع خلال الحرب الباردة إلى سلسلة من الحروب البديلة قسّمت بشكل فعّال 40 عاماً من تلك الحرب في ثلاث مراحل متميزة. أولاً، كان هناك سلاح نووي للمواجهة في أوروبا بين حلفاء واشنطن في الناتو وحلفاء موسكو في حلف وارسو (1948 ـ 1962). بعد ذلك كانت هناك سياسة حافة الهاوية النووية خلال أزمة الصواريخ الكوبية، وما تلاها في شنّ القوى العظمى حرباً بديلة في فيتنام (1962 ـ 1975). اتسمت المرحلة الثالثة (1975 ـ 1989) بالقتل والصراعات المدمرة في جنوب إفريقيا وأمريكا الوسطى وآسيا الوسطى. في كل مرحلة تالية، ونتيجة للتكاليف ومخاطر الجيوش الدائمة الهائلة، أصبحت القوّات التلقيدية والنووية ممنوعة، فانفتح المجال للعمليات السرية والحرب بالوكالة، التي بلغت ذروتها في أنكولا، حيث تقاتل العملاء السوفيت والأمريكيون لمدة ربع قرن كامل دون مشاركة أي مقاتلين من القوى العظمى في سوح المعارك.

بعد فشل المحاولة الأمريكية لغزو كوبا، انتقل مسرح عمليات الصدام الساخن إلى فيتنام، بين الأعوام 1962 لغاية 1975، دمّرت القوات الجوية الأمريكية أرياف فيتنام الجنوبية وجزء من شمال فيتنام بإلقاء ما يقارب من 6.1 مليون طناً من القنابل. ويعادل هذا 3 أضعاف إجمالي متفجّرات الحرب العالمية الثانية. في الوقت الذي دخلت فيه قوّات فيتنام الشمالية والفيتكونك منتصرة عاصمة الجنوب في سايغون عام 1975، كان قد قُتِل ما يقرب من 4 ملايين شخصاً منهم مليوني مدنياً و1.1 مليون جندياً فيتنامياً شمالياً ومن الفيتكونك. وخسر الأمريكيون وحلفاؤهم من جنود فيتنام الجنوبية 250000 فتيلاً، بينهم 58000 من أفراد الجيش الأمريكي. ولا تشمل هذه الأرقام الخسائر الفادحة من الحروب السرية الموازية التي كانت الولايات المتحدة تشنّها خلال تلك السنوات في كمبوديا ولاوس المجاورتين.

بعد الهزيمة في فيتنام، نقلت أمريكا ومخابراتها المركزية العمليات إلى أمريكا الوسطى والجنوبية لتنفيذ الأعمال الإرهابية والحرب البديلة كما حدث للكونترا في نيكراكوا ...أما في أفغانستان سجلت وكالة المخابرات المركزية نصراً ساحقاً بتوظيف الإسلام الأصولي المتمثل في قاعدة أسامة بن لادن. "من خلال إنفاق ملياري دولاراً فقط على مدى عقد من الزمن، دمّرت النسخة الأفغانية لخطة المخابرات المركزية من الحرب البديلة 995 مركبة مدرّعة سوفيتية و745 طائرة وقتلت 15000 عسكرياً من أفراد الجيش الأحمر وسبّبت خسارة مالية للخزينة السوفيتية قدرها 96 مليار دولاراً. وهي الظروف التي جاء فيها ميخائيل كوربجوف إلى السلطة، فأمر بوقف (الجرح النازف) في أفغانستان واضطر الجيش الأحمر إلى الانسحاب في حالة الهزيمة".

بعد ذلك انقلب السحر على الساحر، فحصلت الأحداث الإرهابية في يوم 11 سبتمبر من عام 2001 وما لحقها من غزو لأفغانستان في نفس ذلك العام، وغزو العراق، الذي ليس له علاقة بتلك الأعمال الإرهابية، عام 2003.. وللحقيقة التاريخية، ما كان يوجد بين الإرهابيين الذين بلغ عددهم 19 إرهابياً أي أحد من العراق، أو حتى برعاية أو بتكليف من حكومة العراق.

انتهت الحرب في أفغانستان بهزيمة لأمريكا، كانت تكاليف هذه الهزيمة باهظة بالفعل. خلال عقدين من جهود التهدئة الفاشلة ونشر 775000 جندياً أمريكياً في أفغانستان، تكبّدت الولايات المتحدة وحدها 2442 قتيلاً ونحو 20000 جريحاً. يُقدّر أنه قُتل 170000 أفغانياً بينهم 47000 ضحية من المدنيين. وصل إجمالي التكاليف الأمريكية في هذا الصراع حوالي 2.2 ترليون دولاراً في النفقات العسكرية وحدها".

كما استنتج الجيش الأمريكي في دراسة له، أن أداءه العام في حرب العراق كان كئيباً، قُتِل ما يقارب من 4500 جندياً أمريكياً وجُرِح 32000 آخرون. أما تقديرات خسائر العراق، فتراوح عدد القتلى المدنيين من العمليات العسكرية الأمريكية ما بين 200000 إلى أكثر من مليون ضحية. وصلت التكاليف المباشرة للحرب إلى ما يقرب من 2 ترليون دولاراً، بعد إنفاق مليارات لا حصر لها خلال عقد من إعادة الإعمار.

اقرأ أيضا:هل يمكن إصلاح المنظمات الدولية في ظل النظام العالمي الليبرالي الأمريكي؟ (1)
التعليقات (0)