أن تخرج أصوات عربية سياسية أو إعلامية أو شعبية تندد بعملية
"طوفان الأقصى" لعدم جدواها على صعيد حل القضية
الفلسطينية في ظل اختلال
موازين القوة العسكرية بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، فهذا
رأي في وجاهة
ويستحق النقاش دون تخوين أي طرف للطرف الآخر.
وأن تصدر أصوات تدعو إلى نسيان العمل المسلح والالتفات إلى
المقاومة
المدنية في ظل تغير المزاج العام الدولي منذ ثورة وسائل التواصل الاجتماعي، فهذا
رأي فيه وجاهة أيضا ويخضع للنقاش.
لكن، أن تصدر أصوات وجهات إعلامية تصف حركة "حماس" وقادتها
بالإرهابيين، فإن هذا خارج المُفكر فيه وخارج أية منظومة معرفية وسياسية وأخلاقية
وتاريخية ودينية عربية.
منذ سنوات تقربت مصر والإمارات إلى إسرائيل تقربا بدا مغايرا للإجماع
العربي وللثقافة السياسية العربية الرسمية، ثم تحول هذا التقارب إلى تحالف
استراتيجي مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية.
منذ سنوات تقربت مصر والإمارات إلى إسرائيل تقربا بدا مغايرا للإجماع العربي وللثقافة السياسية العربية الرسمية، ثم تحول هذا التقارب إلى تحالف استراتيجي مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية.
أعقب ذلك بوادر انفتاح سعودي على فكرة التطبيع مع إسرائيل، ما جعل
أنظار العالمين العربي والإسلامي يترقبون بحذر ما إذا كانت السعودية هي الدولة
الأخرى التي ستتجه نحو إسرائيل بعد الإمارات والبحرين.
ومع الحرب الإسرائيلية على
غزة عقب عملية "طوفان الأقصى"
في السابع من أكتوبر العام الماضي، لم يتوقف قطار التطبيع بين السعودية وإسرائيل،
بل رفعت الأولى من خطابها السياسي الرسمي ضد سياسة إسرائيل سواء في الحرب القائمة
أو في الأسباب الرئيسية للحرب المتمثلة باستمرار
الاحتلال للأرض الفلسطينية.
مناسبة هذا الكلام تقرير تلفزيون بثته قناة "MBC" قبل
نحو أسبوع يصف فيه حركة "حماس" وقادتها بالإرهاب، في خطوة أثارت استياء
فلسطينيا وعربيا.
وإذا كانت المملكة قد أمرت بسحب التقرير من التداول الإعلامي وحذفته
من وسائل التواصل الاجتماعي، وفتحت تحقيقا في ذلك، فإن ما جرى ليس مجرد هفوة أو
خطأ في التقدير:
أولا، لا يمكن لمثل هذا التقرير أن يرى النور دون موافقة من إدارة
القناة، ما يعني أن التقرير يعبر عن الروح السياسية للجهة المالكة للقناة
(السعودية).
ثانيا، بالمقابل، كان الموقف السعودي منذ الحرب الإسرائيلية على غزة
ولا يزال داعما للقضية الفلسطينية ومنددا بالحرب الإسرائيلية، ما يتنافى تماما مع
لغة التقرير التلفزيون، بل يمكن الذهاب أبعد من ذلك عند إعادة قراءة البيانات
الرسمية السعودية خلال العام الحالي، ثم الموقف السعودي الذى نفى تصريحات أميركية
تحدثت عن استمرار السعودية في جهودها نحو التطبيع مع إسرائيل.
ثالثا، لكن عند قراءة بيان الخارجية السعودية في السابع من أكتوبر
العام الماضي من عملية "طوفان الأقصى"، يمكن فهم خلفيات تقرير قناة الـ "mbc"،
فقد جاء البيان عاما ومساويا للجانبين كما أي بيان يأتي من دولة بعيدة جغرافيا عن
العالم العربي ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بالصراع العربي الإسرائيلي
"تتابع السعودية عن كثب تطورات الأوضاع غير المسبوقة بين عدد من الفصائل
الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، مما نتج عنها ارتفاع مستوى العنف..، وتدعو
المملكة للوقف الفور للتصعيد بين الجانبين.. وتذكر المملكة من مخاطر انفجار الأوضاع
نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة".
السياسة السعودية الرسمية ثابتة حيال رفض استمرار الاحتلال الإسرائيلي وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم، لكن إلى جانب هذا الثابت القديم ـ الجديد، ظهر ثابت آخر خلال الأعوام القليلة الماضية يتمثل في رفض استخدام الفلسطينيين للعنف في الدفاع عن حقوقه وأرضهم.
يُلاحظ في هذا البيان حالة التوتر وعدم الانسجام السياسي، فمن جهة
بدأ البيان بالفصائل الفلسطينية ومسؤوليتها عن العنف الحاصل، ومن جهة أخرى أكد
البيان أن استمرار الاحتلال للأرض الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه سبب
في انفجار الأوضاع.
رابعا، كيف يمكن حل هذا التناقض؟ تكمن الشيفرة السياسية السعودية بين
هذين الحدين لانفجار الأوضاع (عملية طوفان الأقصى، واستمرار الاحتلال للأرض
الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه).
بمعنى أن السياسة السعودية الرسمية ثابتة حيال رفض استمرار الاحتلال
الإسرائيلي وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم، لكن إلى جانب هذا الثابت القديم ـ
الجديد، ظهر ثابت آخر خلال الأعوام القليلة الماضية يتمثل في رفض استخدام
الفلسطينيين للعنف في الدفاع عن حقوقه وأرضهم.
بعبارة أخرى، ظهرت استراتيجية سعودية جديدة تقوم على مبدأ
الدبلوماسية بدلا من مبدأ الكفاح المسلح، وهذا هو السبب في أن الرياض اتخذت قرارا
بتغيير تعامله مع إسرائيل ضمن سياسة الخطوات الناعمة التدريجية.
هنا نفهم منطوق بيان الخارجية السعودية من عملية "طوفان
الأقصى" في السابع من أكتوبر العام الماضي عندما حملت الفصائل الفلسطينية
مسؤولية الحرب.
خامسا، ضمن ما تقدم أعلاه، يمكن التوصل إلى رأي أن تقرير قناة الـ "MBC" لم يكن خروجا عن السياسة الرسمية السعودية، بقدر ما كان مجرد رفع
مستوى الخطاب من جانب القناة في وقت (المقتلة الإسرائيلية في غزة وجنوب لبنان) يضر
بالسعودية ويجعلها ليست رافضة للمقتلة الإسرائيلية فحسب، بل شريكا سياسيا معها.
سادسا، هل كشف تقرير الـ "MBC" بهفوته هذه مكنون السياسة السعودية
الحقيقية؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال في هذه المرحلة، مرحلة الحرب الشاملة
على غزة ولبنان، ولكن الأشهر المقبلة كفيلة بالإجابة على هذا السؤال، وإن كان صاحب
هذا المقال وغيره من ملايين العرب يتمنون على السعودية أن تبقى كما عرفناها على
الأقل حيال القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى.