قضايا وآراء

القضية الفلسطينية على المحك: كيف تُمرَّر تصفيتها بأيادٍ عربية؟

إسلام الغمري
"قضية تحرر وطني، وأي محاولة لتقديمها في غير هذا السياق هي مقدمة لتصفيتها نهائيا"- إكس
"قضية تحرر وطني، وأي محاولة لتقديمها في غير هذا السياق هي مقدمة لتصفيتها نهائيا"- إكس
لم تكن القضية الفلسطينية يوما أمام خطر وجودي كما هي اليوم، فبينما يُصوَّر تهديد دونالد ترامب بترحيل سكان غزة وكأنه الخطر الأكبر، يجري تحضير الحل البديل تحت الغطاء العربي، ليتم تقديمه باعتباره "المخرج الوحيد" أمام الفلسطينيين. في الحقيقة، هذا "الحل العربي" ليس سوى الوجه الآخر لمخطط التصفية الشامل، والذي يُراد فرضه بالقوة، وترويجه عبر الدعاية الإعلامية، ليبدو وكأنه "البديل المنقذ" في مواجهة المشروع الأمريكي الصريح.

ما الذي يجري؟ مؤامرة تحت ستار الإنقاذ

الشهر القادم، ستعقد القمة العربية لإعلان موقف رسمي مما يُعرف بـ"خطة ترامب"، لكن الحقيقة أن هذه القمة لن تناقش رفض المخطط الأمريكي، بل ستطرح بديلا عربيا يبدو مختلفا في الشكل لكنه متطابق في الجوهر. الخطة المصرية، التي يتم إعدادها منذ شهور، هي نفسها التي أعلن ترامب أنه يؤيدها، ووصفها بأنها "الخطة الأصلية التي ستنجح".

الحقيقة أن هذه القمة لن تناقش رفض المخطط الأمريكي، بل ستطرح بديلا عربيا يبدو مختلفا في الشكل لكنه متطابق في الجوهر. الخطة المصرية، التي يتم إعدادها منذ شهور، هي نفسها التي أعلن ترامب أنه يؤيدها، ووصفها بأنها "الخطة الأصلية التي ستنجح"

الملامح الأساسية للمخطط العربي الجديد

1- إدارة عسكرية وأمنية مصرية لغزة، بتمويل خليجي

سيتم تسويق هذا الحل على أنه "ضمانة عربية لحماية الفلسطينيين"، لكنه في الحقيقة يهدف إلى تصفية المقاومة تدريجيا، وتحويل غزة إلى منطقة تحت السيطرة الأمنية العربية بدلا من الاحتلال المباشر.

2- تفكيك المقاومة مقابل إعادة الإعمار

المخطط يقوم على فرض معادلة "السلاح مقابل الإعمار"، بحيث يتم ربط أي مشاريع تنموية بإضعاف القدرات العسكرية للمقاومة، تمهيدا للقضاء عليها تماما.

3- إعادة إعمار غزة وفق معايير أمنية تمنع احتضان المقاومة

سيتم إنشاء مشاريع إسكانية جديدة تهدف إلى إنهاء البيئة الحاضنة للمقاومة، تماما كما جرى في الضفة الغربية بعد انتفاضة الأقصى. الشوارع ستُوسّع، والمباني ستُصمم بحيث تُسهّل المراقبة الأمنية، وستُمنع أي بنية تحتية يمكن أن تخدم العمل العسكري الفلسطيني.

4- نقل السكان مؤقتا إلى مخيمات من الكرافانات والخيام

سيتم ترحيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين مؤقتا إلى مخيمات بدعوى إعادة الإعمار، وهي خطوة تمهيدية لفرض واقع جديد يُسهّل التحكم فيهم أمنيا، وربما يفتح الباب أمام توطينهم لاحقا في مناطق أخرى.

5- شيطنة المقاومة وتصويرها كعقبة أمام "رفاهية الفلسطينيين"

سيتم توظيف الإعلام العربي الرسمي لتشويه صورة المقاومة، واتهامها بأنها تُعطّل "المشروع الحضاري الجديد"، وتحريض الرأي العام العربي ضدها، باعتبارها العائق الوحيد أمام تحسين الأوضاع في غزة.

لماذا هذا المخطط أخطر من تهديدات ترامب؟

التهديدات الأمريكية واضحة وصريحة، وهي تُواجَه برفض عالمي واسع، لكن الخطة العربية تُمرَّر تحت غطاء "الحرص على الفلسطينيين"، مما يجعل خطرها مضاعفا. الأخطر أن هذه الخطة تُستخدم لتقسيم الفلسطينيين وإحداث شرخ بينهم، بحيث يجدون أنفسهم في مواجهة إعلامية وسياسية مع الشعوب العربية نفسها، بعد أن يتم إقناع الجماهير بأن المقاومة تُعطّل الحل العربي "الوحيد المتاح".

كيف نُحبط مخطط التصفية؟

1- فض أي إدارة أمنية عربية لغزة

لا يمكن القبول باستبدال الاحتلال الإسرائيلي باحتلال عربي بواجهة مصرية، فالمسؤول الوحيد عن قطاع غزة يجب أن يكون قيادة فلسطينية وطنية تمثل الشعب بحق.

2- التأكيد على أن إعادة الإعمار حق وليس منّة مشروطة

لا يمكن السماح بتحويل ملف الإعمار إلى أداة ضغط لابتزاز المقاومة وإجبارها على نزع سلاحها.

3- إعادة توحيد الصف الفلسطيني عبر انتخابات حقيقية

الحل لا يكون بفرض إدارة عسكرية على غزة، بل بإجراء انتخابات فلسطينية شاملة تُنتج قيادة موحدة قادرة على إدارة الصراع سياسيا وعسكريا.

4- تحريك الشارع العربي والإسلامي لرفض أي تسوية مشبوهة

يجب ألا يُترك المجال للإعلام الرسمي لتضليل الجماهير، بل لا بد من كشف حقيقة المخطط، وفضح الجهات التي تعمل على تمريره.

5- رفض تحويل المقاومة إلى "إرهاب" تحت ستار مكافحة التطرف

كما أفشل الفلسطينيون مخططات تصفية سابقة، وكما صمدت غزة رغم المجازر والدمار، فإن هذا المخطط أيضا لن يمر، طالما بقيت الإرادة الفلسطينية حيّة، وطالما بقي الوعي الشعبي العربي قادرا على كشف الحقيقة ورفض أي تسوية لا تحقق الحرية الحقيقية لأرض فلسطين

أي محاولة لتصوير فصائل المقاومة الفلسطينية كتهديد للأمن القومي العربي يجب أن تُواجَه بحملة مضادة تُذكّر بأن هذه المقاومة هي التي دافعت عن المسجد الأقصى، وكسرت هيبة الاحتلال الإسرائيلي.

الخاتمة: المعركة لم تنتهِ بعد

المعركة التي نواجهها اليوم ليست فقط مع الاحتلال الإسرائيلي، بل مع مخطط عربي رسمي لتصفية القضية الفلسطينية تحت شعار "الإنقاذ". هذه المؤامرة، التي يتم التحضير لها بدقة، لن تنجح إلا إذا قبل الفلسطينيون بأن يُفرض عليهم هذا الحل، أو إذا تواطأت الشعوب العربية بالصمت أمامه.

لكن كما أفشل الفلسطينيون مخططات تصفية سابقة، وكما صمدت غزة رغم المجازر والدمار، فإن هذا المخطط أيضا لن يمر، طالما بقيت الإرادة الفلسطينية حيّة، وطالما بقي الوعي الشعبي العربي قادرا على كشف الحقيقة ورفض أي تسوية لا تحقق الحرية الحقيقية لأرض فلسطين.

إن القضية الفلسطينية ليست أزمة إنسانية تبحث عن "حل اقتصادي"، بل هي قضية تحرر وطني، وأي محاولة لتقديمها في غير هذا السياق هي مقدمة لتصفيتها نهائيا. هذا ما يجب أن يعيه الجميع قبل فوات الأوان.
التعليقات (0)