قضايا وآراء

غزة: ريفيرا الشرق الأوسط بين أوهام ترامب وواقع الأرض

أشرف دوابة
"خطة ترامب لا تقف عند غزة بل إنها خطة تمتد إلى ما حولها"- جيتي
"خطة ترامب لا تقف عند غزة بل إنها خطة تمتد إلى ما حولها"- جيتي
في مؤتمر صحفي مشترك بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أدلى الرئيس الأمريكي بتصريح يكشف عن النوايا الخفية والعدوانية المستمرة للوبي الصهيوني، حيث قال: إن الولايات المتحدة الأمريكية ستسيطر على قطاع غزة وتحوله إلى "ريفيرا الشرق الأوسط"، وطالب مصر والأردن بإخراج الفلسطينيين من القطاع. وقد جاءت ردود مصر والأردن رافضة لذلك التصريح.

وهذا التصريح يعود بالذاكرة إلى صفقة القرن، ولكنها الآن صفقة معدلة وفقا لخيال ترامب الواسع وبصورة أكثر بجاحة وإجراما وبلطجة في حق شعب رويت دماؤه بأرض أبنائه، وتشبث بأرضه تشبث الأرض بنفسها، وأبى إلا أن يرجع إلى دياره المهدمة رغم قسوة الطقس وصعوبة المعيشة ليعمرها بروحه قبل أن تبنيها يده مرات ومرات، وترامب يريد تحويل تلك الأرض الطاهرة إلى منتجع سياحي تنتهك فيه الحرمات وتداس فيه القيم.. تلك الأرض التي ما عرفت ذراتها سوى مقارئ القرآن، والتشبع بدماء الشهداء الأطهار الأخيار.

آن لحكام العرب أن يستفيدوا من دروس التاريخ، فما تمدد ترامب بأطماعه الصهيونية إلا نتيجة للتخاذل والتآمر العربي، وخطة ترامب لا تقف عند غزة بل إنها خطة تمتد إلى ما حولها من بلاد المسلمين لتحقيق الحلم الصهيوني

لقد أوكل الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مهمة هندسة صفقة القرن في ولايته الأولى لصهره "جاريد كوشنر"، وقد جاءت تلك الصفقة استكمالا لوعد بلفور حيث منح من لا يملك أرضا لمن لا يستحق، وقد أبرزت الولايات المتحدة الأمريكية وقتها الشق الاقتصادي لصفقة القرن، تمهيدا لظهور الشق السياسي لها ببيع ما تبقى من فلسطين وتصفية قضيتها، واليوم تريد تنفيذ الاثنين معا وإنهاء قضية فلسطين دفعة واحدة.

وقد برز الشق الاقتصادي لصفقة القرن من خلال إعلان البيت الأبيض، عن انطلاق المؤتمر أو الورشة الاقتصادية الدولية في العاصمة البحرينية، المنامة، في 25 و26 حزيران/ يونيو 2019، تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار" كجزء أول من خطة سلام الشرق الأوسط، والتي كان هدفها تشجيع الاستثمار في الأراضي الفلسطينية، ومنح قادة الحكومات والأعمال والمجتمع المدني فرصة لحشد الدعم لمبادرات اقتصادية، في ظل وجود اتفاق سلام.

وقد كان المخطط من خلال صفقة القرن هو ميلاد دولة فلسطينية منزوعة صفات الدولة، تسمى "فلسطين الجديدة"، في الضفة الغربية وغزة، باستثناء المستوطنات الإسرائيلية المقامة في الضفة، وأن تكون بلدية القدس (الإسرائيلية) مسؤولة عن جميع مناطق القدس باستثناء التعليم، الذي تتعامل معه الحكومة الفلسطينية الجديدة، وتدفع السلطة الفلسطينية الجديدة لبلدية القدس الضرائب والمياه، وتقوم مصر بتأجير أراض جديدة لفلسطين لغرض إنشاء مطار وتيسير إقامة مصانع وتيسير العمل التجاري والزراعي، وتكون الحدود بين فلسطين الجديدة وإسرائيل مفتوحة أمام مرور المواطنين والبضائع، وتكون حدود قطاع غزة مفتوحة لمرور البضائع والعمال إلى إسرائيل ومصر، وعن طريق البحر. ويتم إقامة "أوتستراد" بارتفاع 30 مترا يربط الضفة الغربية وقطاع غزة تساهم فيه: الصين 50 في المئة، واليابان 10 في المئة، وكوريا الجنوبية 10 في المئة، وأستراليا 10 في المئة، وكندا 10 في المئة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي 10 في المئة. ويقع على عاتق الدولة الفلسطينية الدفع لإسرائيل مقابل حماية الدولة الوليدة من كل عدوان خارجي، وفي غضون خمس سنوات، يتم إنشاء ميناء بحري ومطار في فلسطين الجديدة، وحتى ذلك الحين يتم استخدام المطار في إسرائيل والموانئ البحرية في إسرائيل.

أما تمويل صفقة القرن فقد تم التخطيط له ليكون من خلال الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ودول الخليج المنتجة للنفط، حيث توفر الدول الداعمة ميزانية قدرها 30 مليار دولار على مدى خمس سنوات للمشاريع الوطنية في فلسطين الجديدة، ويتم تقسيم الأموال التي ستدفعها الدول الداعمة: الولايات المتحدة الأمريكية 20 في المئة، والاتحاد الأوروبي 10 في المئة، ويتم تقسيم الباقي (70 في المئة) على دول الخليج المنتجة للنفط حسب إنتاجها من النفط.

ما طرحه ترامب لن يتحقق وصفقة القرن وتبعاتها لن يكتب لها الحياة، وسوف تنكسر على سندان صمود أهل غزة

وقد كان نتاج ما حدث أن انتفخ ترامب في أول ولايته الثانية متبجحا بما قال، بل جاء تصريحه مفاجئا لقادة الكيان الصهيوني أنفسهم. ولم يتوقف عند ذلك، بل أهان رئيس مصر وملك الأردن -بعد رفضهما تصريحاته- بقوله إنهما سيفعلان ما يريد، واستدعاهما لزيارة البيت الأبيض، هذا البيت الذي شهد عيانا بيانا أول ظهور لمصطلح "صفقة القرن" على لسان الرئيس المصري إبان زيارته لترامب في ولايته الأولى.

لقد آن لحكام العرب أن يستفيدوا من دروس التاريخ، فما تمدد ترامب بأطماعه الصهيونية إلا نتيجة للتخاذل والتآمر العربي، وخطة ترامب لا تقف عند غزة بل إنها خطة تمتد إلى ما حولها من بلاد المسلمين لتحقيق الحلم الصهيوني من النيل إلى الفرات، وليس ببعيد عنا قصة حكام المسلمين في بلاد الأندلس وما آل إليه أمرهم، والمثل العربي الذي يقول: أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

إن ما طرحه ترامب لن يتحقق وصفقة القرن وتبعاتها لن يكتب لها الحياة، وسوف تنكسر على سندان صمود أهل غزة. وكذب ترامب وصدق رسولنا الكريم الذي وصف أهل تلك الديار بأنهم ظاهرون على الحق لا يضرهم من خذلهم. وما حدث بعد طوفان غزة لن يكون مثل ما قبله، فأمريكا بتصريحات ترامب وتصرفاته الهوجاء تضع بذور انهيار إمبراطوريتها، وتلك التصريحات المنحرفة والصفقة المخزية لا مكان لها سوى مزبلة التاريخ.. وإن غدا لناظره قريب.

x.com/drdawaba
التعليقات (0)