قضايا وآراء

ما مدى جدية الغرب في معارضة الانقلاب في تونس؟

بحري العرفاوي
1300x600
1300x600

منذ إقدام قيس سعيد على تعطيل المسار الديمقراطي وإعلان الإجراءات الاستثنائية واحتكار كل السلطات وإدارة البلاد بالمراسيم، ظل أغلب أنصار المسار الديمقراطي يتطلعون إلى مواقف خارجية لا تكتفي بإدانة الانقلاب بل تتبعها بإجراءات عملية تعطي دفعا للحراك الشعبي وترسل إشارات جادة لغرفة الانقلاب.

معارضو الانقلاب لم يتوقفوا عن ممارسة الاحتجاج معولين على إرادة الناس ووعيهم، حيث ظل عدد الرافضين للانقلاب يزداد في كل مناسبة والتحقت أسماء سياسية وشخصيات وطنية بالتحركات وأبدت مواقف شجاعة وحاسمة من الرئيس وإجراءاته وخاصة بعد قراره يوم 30 آذار (مارس) الماضي حلّ البرلمان وإحالة عدد من النواب على فرقة مكافحة الإرهاب ـ وعلى رأسهم الأستاذ راشد الغنوشي رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة ـ بتهمة محاولة انقلابية بسبب مشاركتهم في جلسة برلمانية افتراضية أعلنوا فيها لا شرعية الانقلاب وكل ما ترتب عنه.

المعارضة لا تستقوي بالخارج في خصومات سياسية داخلية ولا تحب أن تصبح تونس مخترقة في سيادتها الوطنية بسبب تفرد قيس سعيد بكل السلطات وبسبب استهدافه لمعارضيه وبأساليب وحشية مثلما حصل مع رئيس كتلة حركة النهضة السابق والنائب حاليا بالبرلمان الأستاذ المحامي نور الدين البحيري، حيث تم اختطافه بطريقة إجرامية كما وصفها الضحية نفسه بعد تحرره من خاطفيه بفضل نضال المجتمع الحقوقي والمدني.

 

ليس أمام التونسيين إلا التعويل على أنفسهم لإنقاذ البلاد من الانزلاق نحو انهيار الدولة ودخول الشعب في متاهات الفوضى والعنف والجريمة،

 



بعد ثمانية أشهر ونصف لم يبد قيس سعيد تراجعا عن أي خطوة من خطواته، بل إنه يتقدم ميدانيا في صناعة "الحدث" وإجبار معارضيه على ملاحقة الأحداث ورد الفعل، وهو لا يكف عن التعيينات في مؤسسات الدولة والوظائف العليا وعن إصدار المراسيم، إنه يعتمد سياسة "صناعة الأمر الواقع" معتمدا على أجهزة الدولة لإخافة الناس وإجبارهم على القبول بسياساته الفردية، وهو مستمر في تحريض الناس على مخالفيه مستعملا عبارات ذات دلالات عنفية وإحالات إجرامية مستعملا مفردة "التطهير" وهي مفردة تحيل إلى جرائم التطهير العرقي، بل استعمل مفردة "لقاح" من الشعب ضد معارضيه اعتبرهم نوعا "متحوّرا" من الكوفيد.

وكان قيس سعيد قد أعلن في الذكرى السادسة والستين لاستقلال البلاد عن نتائج "الاستشارة الالكترونية" التي اعتبرها تشريكا للشعب في صناعة السياسات المستقبلية للدولة وخاصة حسم الأمر في طبيعة النظام السياسي هل يكون رئاسيا أم برلمانيا، وكانت النتيجة طبعا رئاسيا، ورغم إجماع أغلب المراقبين على كون "الاستشارة" فشلت، بل إن سعيد نفسه تحدث سابقا عن تعثرها، فإنه اعتبرها ناجحة واعتبر عدد المشاركين كافيا لتأكيد شرعيتها، حيث بلغ العدد أكثر من خمسمائة ألف أي بنسبة 5 بالمائة من الشعب التونسي، وهي "استشارة استعملت فيها إمكانات الدولة ووقع فيها توظيف القصر في الشوارع والمدارس لخدمة "مشروع" قيس سعيد الهلامي.

أمام هذا المُضِيّ في تنزيل "مشروعه" الهلامي، ورغم أن تحركات المعارضة كشفت أن الشارع ضد سعيد وليس معه، فإن المواقف الرسمية في الدول الغربية لم تتجاوز التعبير عن "القلق" وعن "النصح" وعن دعوة الرئيس إلى محاورة الأحزاب والمنظمات الوطنية والعودة إلى المسار الديمقراطي واحترام الحقوق والحريات.

قبل 25 تموز (يوليو) 2021 تتالت زيارات وفود أمريكية وأوروبية لقصر قرطاج، وكانت الأخبار المسربة عن كون الوفود تضغط على سعيد كي يتدخل لمنع الفوضى في البرلمان ولإجراء حوار وطني مع الأحزاب والمنظمات، وهي تسريبات يراها عدد من المراقبين غير صحيحة بل ربما كانت تقول العكس، فربما كانت تلك الوفود رفيعة المستوى تشرف على عمليات ترتيب تفصيلي للمشهد القادم أي ما بعد 24 تموز، فقيس سعيد ما كان له أن يُقدم على ما أقدم عليه دون تلقي إشارة مشجعة من الدوائر الغربية وخاصة الإدارة الأمريكية، فتلك الدوائر لا تعنيها شرعية ولا ديمقراطية إلا بما هي ضامنة لمصالحها ونفوذها في المنطقة.

 

المعارضة لا تستقوي بالخارج في خصومات سياسية داخلية ولا تحب أن تصبح تونس مخترقة في سيادتها الوطنية بسبب تفرد قيس سعيد بكل السلطات وبسبب استهدافه لمعارضيه وبأساليب وحشية

 



يتذكر المتابعون للأحداث في مصر، أن عشية مجزرة رابعة أعلنت الخارجية الأمريكية "أنها ليست متأكدة إن كان الذي حصل في مصر انقلابا أم لا".

هذا الغرب ليس جمعيات خيرية ولا تعنيه غير مصالح شعوبه وهو يتعامل مع كل من يستتب له الأمر سواء بالديمقراطية أو بـ "الغلبة"، وهو لا يطلق أحكاما حاسمة إلا إذا تعرضت مصالحه للتهديد كما الحال في الحرب الروسية الأوكرانية ولكنه يتراخى حين يتعلق الأمر بأي بلد عربي كما هو الحال مع الشعب الفلسطيني ومع الشعب السوري واليمني والمصري حيث لم يكن جادا في منع الفوضى والاقتتال والانقلاب على الشرعية.

ليس أمام التونسيين إلا التعويل على أنفسهم لإنقاذ البلاد من الانزلاق نحو انهيار الدولة ودخول الشعب في متاهات الفوضى والعنف والجريمة، وقد تابعنا وقائع مخيفة كانت ترجمة لخطاب الكراهية والتحريض، حيث تعرض منذ أيام عميد المحامين السابق عبد الرزاق الكيلاني ـ معارض للانقلاب ـ إلى تهجم لفظي ومحاولات اعتداء بالعنف وتهديد علني بالقتل أمام محكمة بتونس العاصمة، ولعل أبشع جريمة هي التي تعرض لها الأستاذ راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي وزعيم حركة النهضة أقوى حزب في تونس، من محاولة اعتداء أمام أحد المساجد، حيث انتظره عدد من المنحرفين حتى خرج من صلاة التراويح ليبادروه بشعارات مسيئة وربما لو لم يتدخل عدد من شباب المكان لاعتدوا عليه بالعنف.


التعليقات (0)