هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: عثرات في الميدان.. كيف أخفقت ثورة يناير في مصر؟
المؤلف: عبدالفتاح ماضي
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات/ 2020
ينظر عبد الفتاح ماضي أستاذ العلوم السياسية إلى ثورة 25 يناير في مصر باعتبارها جزءا من نضال شعبي ممتد منذ انفصال مصر عن الدولة العثمانية، نضال يهدف إلى تحقيق الاستقلال التام وإنجاز دستور عصري، يقيم دولة القانون ويحمي الحريات ويحقق العدالة.
وهو هدف، يرى ماضي، أنه لم يتحقق حتى الآن، إذ انتقلت مصر من نظام حكم الفرد والأجهزة الاستخباراتية في زمن جمال عبدالناصر، إلى نظام يقنن الفساد ويعمق الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، ويدمر الحياة السياسية، في عهدي محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك. أنظمة كانت دائما تقيد الحريات وتعيق كل المحاولات الجادة لترسيخ الديمقراطية بذرائع مختلفة، وقادت البلاد إلى وضع وصفت فيه بأنها "دولة الطوائف الوظيفية"، حيث تستأثر النخبة الحاكمة بها باعتبارها ملكية خاصة، ولا مكان فيها للمراقبة أو المحاسبة، بينما يتم تحميل الشعب الذي سلبت حريته وحقوقه المدنية والسياسية مسؤولية تردي أوضاعه.
لقد خرج المستعمر الإنجليزي وحلت محله حكومات لا تختلف في سياساتها كثيرا عنه، حيث الإقصاء والاستعلاء ونهب الثروات والتبعية للخارج، بحسب ما يقول ماضي.
يجيب كتاب ماضي عن مجموعة من الأسئلة التي فرضتها ثورة 25 يناير، وفرضتها المآلات التي انتهت إليها الأحوال في مصر بعد الثورة، ومن ذلك الأسباب التي أدت لاندلاع الثورة، وكيف تحولت من هدف تحقيق الديمقراطية والعدالة إلى ثورة انتخابية ثم إلى ثورة مضادة، وكيف فشلت عملية الانتقال إلى الديمقراطية، وكيف عمقت الإعلانات الدستورية الاستقطابات السياسية، ولماذا لجأت بعض الأطراف للعنف السياسي، وتداعيات ذلك على مسار الثورة، وموقف جنرالات الجيش من الثورة، وموقف القوى الإقليمية والدولية منها، وكيف أثرت هذه المواقف في مخرجاتها.
وعبر فصول الكتاب يشرح ماضي مقدمات هذه الثورة والظروف التي ساعدت في اندلاعها، وكيف حاول النظام الحاكم احتواءها والسيطرة عليها. كما أنه يتوقف مطولا عند تحولات هذه الثورة وكيف أدار الفاعلون السياسيون ما يفترض أنه مرحلة انتقالية. ويعرض ماضي لحالات مقارنة من خارج العالم العربي يوضح من خلالها كيف يستولي العسكريون على السلطة وكيف يخرجون منها، ويفرد الفصل الأخير من كتابه للحديث عن المواقف الدولية من مسألة الديمقراطية في البلاد العربية وكيف تعاملت القوى الغربية مع الثورة المصرية.
مقدمات الثورة
أربعة تطورات "مهمة" على صعيد الاحتجاجات شهدتها مصر قبيل الثورة أولها كان ظهور "حركة كفاية" التي نظمت سلسلة من التظاهرات ضد مبارك وخطته لتوريث الحكم لابنه، وإن كان أثرها على مستوى الحشد محدودا فإنها استطاعت بدون شك أن تكسر حالة الخوف من انتقاد السلطة، التي كبلت المصريين لعقود، وتمكنت من جمع المعارضين من مختلف التيارات الفكرية والسياسية تحت مظلة واحدة.
التطور الثاني كان نمو حركة احتجاجات عمالية مستقلة عن الأحزاب السياسية القائمة، طالبت بحياة اقتصادية واجتماعية أفضل، وهي حركة "أربكت الحزب الحاكم وفاجأت قوى المعارضة".
تطور آخر شهدته الساحة المصرية تمثل بعودة الدبلوماسي محمد البرادعي إلى البلاد وتشكيل "الجمعية الوطنية للتغيير" في عام 2010. وكان تعنت النظام في مواجهة المطالب الإصلاحية التي نادت بها الجمعية، والتزوير في الانتخابات البرلمانية لعام 2010 سببا إضافيا لارتفاع حدة الغضب الشعبي وزيادة الإضرابات العمالية والتظاهرات.
لقد كان ذلك ـ كما يقول ماضي- عاملا مهما في" التعبئة الشعبية" التي أدت دورا "محوريا" في ثورة يناير.
أما التطور الرابع فتمثل في القفزة الهائلة في استخدام وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وظهور العديد من وسائل الإعلام المستقلة التي أنهت احتكار الدولة لهذا القطاع. وهي أوضاع ساهمت إلى حد بعيد في الحشد وتبادل المعلومات والأخبار بسرعة كبيرة وبعيدا عن سيطرة الأجهزة الحكومية.
مسار مرتبك
يشرح ماضي كيف أن الرئيس المصري محمد حسني مبارك ونائبه عمر سليمان لم يفهما في ذلك الوقت أن البلاد تعيش ثورة شعبية تريد تغييرا جذريا في الأوضاع القائمة، ولهذا اختارا التعامل أمنيا وبوحشية عبر الشرطة مع التظاهرات، ظنا منهما أن ذلك كفيل بإخافة المحتشدين في الميادين. فضلا عن ذلك فقد لجأ النظام "لاستخدام مقولات زائفة.. للالتفاف على مطالب الثورة"، ومن ذلك "تخويف" الدول الغربية من صعود الإسلاميين، واتهام المعارضة والمحتجين بشكل عام بالخيانة والعمل لمصالح وأجندات خارجية.
وفي النهاية أدخل النظام الجيش في لعبة السياسة عندما كلف مبارك المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة البلاد بدلا من تسليم صلاحياته إلى رئيس مجلس الشعب أو إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا بحسب ما ينص عليه الدستور.
ما حدث هو أن هذا التدخل السافر للجيش في السياسة أدى بمصر ـ بحسب ماضي ـ إلى وضع أسوأ على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فضلا عما تسبب به من استقطاب سياسي وإجهاض لتطلعات الثورة، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
قادت هذه المقدمات إلى مسار سياسي "مرتبك" في المرحلة الانتقالية التي تلت سقوط نظام مبارك. مسار"تأكد فيه أن الأطراف السياسية التي تصدرت المشهد السياسي لم تكن تدرك طبيعة عملية التغيير الثوري ومتطلبات إدارته من جهة، ولم تنجح في مواجهة ما زرعته الدولة العميقة وخصوم الثورة من انقساماتبين قوى الثورة من جهة أخرى. وأفضت مواقف هذه الأطراف واختياراتها إلى التعامل مع الثورة كأنها ثورة انتخابية ـ ( أي حصر الديمقراطية ومطالب التغيير في الانتخابات واختيار الحكام بدلا من الاهتمام بأركان الديمقراطية.. وبمتطلبات معالجة القضايا الشائكة الأخرى.. فتكون النتيجة قيام الانتخابات بتعقيد المشهد السياسي وزرع الانقسام.. وهنا تكون النخب القديمة هي المستفيد الأكبر؛ إذ تستطيع العودة إلى صدارة المشهد بما تمتلك من علاقات ونفوذ) ـ لتنتهي المرحلة بانهيار المسار الديمقراطي الوليد وانقلاب الجيش عليه وتهيئة البلاد لتحكم قوى الثورة المضادة".
مغالطات الجيش
بعد الإطاحة بمبارك في العام 2011 انفرد المجلس العسكري بإدارة المرحلة الانتقالية في مصر، لتشهد البلاد بعد ذلك بسنتين تدخلا عسكريا مباشرا وانقلابا على المسار الديمقراطي بدعم إقليمي ودولي، بحجة حماية البلاد من مصير الدول المجاورة مثل العراق وسوريا ومنع الحرب الأهلية.
لكن ما حدث هو أن هذا التدخل السافر للجيش في السياسة أدى بمصر ـ بحسب ماضي ـ إلى وضع أسوأ على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فضلا عما تسبب به من استقطاب سياسي وإجهاض لتطلعات الثورة، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ولكي يستمر الجيش في حكم البلاد قامت المؤسسة العسكرية بالترويج للعديد من "المغالطات" فيما يتعلق بالعلاقات المدنية ـ العسكرية "لتبرير قمع كل الأصوات المعارضة والمخالفة. من ذلك أنه ليس هناك من جهة أخرى في البلاد يمكنها حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وأن المشكلة الأساسية ليست في طريقة إدارة البلاد إنما في الشعب وسلوكه. أيضا تم الترويج وبقوة أن مصر لا تشبه الدول الأخرى وبالتالي لا يمكن تعلم شيء من تجارب الشعوب الأخرى في الإصلاح أو ثوراتهم.
كذلك تم الترويج لفكرة أن "النظام يحافظ على مصالح الجيش المؤسسية" في حين أن الحقيقة ـ كما يؤكد ماضي ـ أن مصر شهدت "إعادة العمل بالتجربة الفاشلة لتحكم الجنرالات والأجهزة الأمنية من أجل الحفاظ على مصالح اقتصادية ضيقة لمجموعة من المنتفعين، واستجابة لروابط قوية مع نظم إقليمية ودولية لا تريد لمصر ولا للمنطقة النهوض". ويضيف ماضي إلى ما سبق مغالطات روجت لها دوائر بحثية غربية ومقالات وتحليلات في الصحف الأجنبية، عن أن المنطقة العربية لم تشهد ثورات ديمقراطية حقيقية، وأنها لم تعرف تحولات ديمقراطية، فضلا عن أن شعوب هذه المنطقة لا يصلح في إدارتها إلا الحكم المطلق.
إشكاليات للنقاش
يقر ماضي بأن استعادة الثورة في مصر ليست بالأمر السهل، لكنها كذلك ليست مستحيلة. "إنها تبدأ من إدراك أن تعثر الانتقال في مصر لم يكن قدرا محتوما.. وإنما كان نتاجا طبيعيا لاختيارات النخب السياسية وقصر نظرها وفشلها في قراءة الواقع". كما أن تحقيق مطالبها يقتضي طرح إشكاليات أساسية للنقاش العام والعمل على معالجتها، وأول هذه الإشكاليات هو "عدم وجود قوى اجتماعية ونخب سياسية حقيقية تعكس مطالب الجماهير وتدافع عن التغيير الحقيقي وتفهم أولوياته ومتطلباته ومخاطره الداخلية والخارجية". وهناك إشكالية أخرى مرتبطة بالفهم الخاطىء للعلاقة بين الدين والسياسة، وعلاقة الجيش بالسياسة، وإشكالية الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والاستثناءات، وإشكالية "الإقليم المعادي للديمقراطية ودعم القوى الكبرى للاستبداد في مصر".
يقول ماضي: إن بناء تحالف بين القوى الوطنية يجب أن يقوم على هدف مركزي هو الاتفاق على أسس الدولة الديمقراطية، ذلك أنها المدخل الطبيعي لظهور حكومات وطنية قادرة على التصدي للمطالب الاجتماعية والاقتصادية للثورة. ويؤكد على حقيقتين أساسيتين في فهم ما حدث هما أن مصر شهدت ثورة شعبية سلمية كبرى وعملية تحول ديمقراطي باءت بالفشل. وأن إجهاض هذه الثورة في عام 2013 لا ينفي وقوعها إنما يثبت على العكس من ذلك قيامها وخطورتها على خصومها المحليين والإقليميين والدوليين.