تحل الذكرى العاشرة للانقلاب العسكري
في
مصر، في الثالث من تموز/ يوليو 2013، على الرئيس الراحل محمد
مرسي، أول رئيس
مدني منتخب بقيادة وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح
السيسي، ولم يتبق من مشهد
الانقلاب أحد من العسكريين الذين شاركوا في الانقلاب.
لم يتوقف الانقلاب العسكري على السلطة المدنية
فحسب، بل امتد إلى قيادات المؤسسة العسكرية التي ظهرت في مشهد بيان انقلاب تموز/ يوليو،
أو التي كانت في الكواليس، وفي غضون سنوات قليلة استطاع السيسي إزاحة كل شركاء
الانقلاب العسكريين.
لم يتبق من المجلس العسكري الذي حكم مصر بعد
ثورة يناير 2011 حتى منتصف عام 2012، وكان يتكون من 21 من قادة القوات المسلحة
المصرية، سوى اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والقانونية،
باعتباره رجل قانون محنكا.
ولاحقا انضم اللواء أسامة عسكر للصورة، وتولى منصب قائد
الجيش الثالث، وهو محسوب على الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب بعض الصحفيين
المصريين المقربين من النظام، ورغم أن العلاقة اتسمت بالضبابية إلا أنه تمت ترقيته
أكثر من مرة حتى تمت ترقيته إلى منصب رئيس أركان القوات المسلحة، قبل أن تشير بعض
التسريبات إلى استبعاده في تعديلات تموز/ يوليو المقبلة.
واستطاع السيسي أن يفرض سيطرته على
المؤسسة العسكرية، وفق مراقبين، من خلال سن القوانين الخاصة بالجيش وتعديل الدستور
المصري، واللجوء إلى سياسة الترغيب والترهيب والعصا والجزرة، وإحاطة نفسه
بالعسكريين الذين تفرقهم الخصومة والمنافسة، ويجمعهم الولاء لشخص السيسي كما في
علاقة مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، ورئيس مكتب رئيس الجمهورية اللواء
محسن عبد النبي.
كيف يتخلص السيسي من قيادات العسكر؟
طبقا للتعديلات التي أقرها السيسي في 13 حزيران/
يونيو 2021، فإن مدة بقاء رئيس أركان الحرب وقادة الأفرع ومساعدي وزير الدفاع في
مناصبهم تم اقتصارها على سنتين بدلًا من 4 سنوات ما لم يقرر الرئيس مد خدمتهم فيها.
وقبل أيام نشرت "إيكونوميست"،
تقريرا سلط الضوء على تلك النقطة تحديدا، وهي التخلص من شركاء الانقلاب، وتدوير
المناصب العسكرية، وعزا التقرير هذا التقلب المستمر في قيادات المؤسسة العسكرية
المصرية التي حافظت على رصانتها لعقود إلى "انعدام ثقة السيسي في
جنرالاته".
وأشار التقرير إلى أن "السيسي يقيم وظائفهم
بانتظام، فقد يرغب في كبح طموح محمود حجازي، رئيس المخابرات السابق، وهو والد زوجة
ابنه، ويُعتقد أن الرئيس ينام في مكان مختلف كل ليلة، فبعد كل شيء لديه ما يكفي
من المنازل الفاخرة للاختيار بينها".
السيسي ونظرية صفر احتمالات
يرى رئيس لجنة الشؤون العربية والخارجية والأمن
القومي بمجلس الشورى السابق، رضا فهمي، أن "السيسي لم يقص العسكريين فقط
إنما أقصى كل من اقترب من السلطة سواء كان عسكريا أو مدنيا، فهو يتبنى نظرية "صفر
احتمالات"؛ لا يترك فرصة لاحتمال حدوث أي شيء قد ينافسه، أو يشار إليه بالبنان،
فضلا عن أنه يهدده، ورغم خلو الساحة من كل هؤلاء إلا أنه لا يترك فرصة
لوجودهم".
وأشار في حديثه لـ"عربي21" إلى
تصريحات السيسي عندما قال "اللي هيقرب من الكرسي أنا هشيله من على وش الأرض
شيل، يتعامل مع كل قوة كأنها تهديد، كل من شاركوه في الانقلاب تخلص منهم بما فيهم
وزير دفاعه وصديقه الذي حصنه دستوريا لمدة 8 سنوات، وحتى صهره الفريق محمود حجازي
رئيس أركان القوات المسلحة، فهو فوق أي دستور".
وعطف فهمي بالقول: "السيسي يعتقد أنه امتداد
لثورة 52 يوليو، ولعل أكبر دليل على ذلك خلو مقر الخارجية المصرية من صورة الرئيس
المدني الوحيد الراحل محمد مرسي، لقد اقتطع من تاريخ مصر أول انتخابات شعبية حرة
نزيهة ومسحها من التاريخ حتى 30 يونيو، وهذا معناه أنه حتى القوى المدنية التي صعد
على أكتافها سحقها ولسان حاله: بحثتم عن بطل لتخليصكم من حكم الإخوان المسلمين وأنا
هذا البطل ولا فضل لأحد علي في وجودي هنا".
بحسب فهمي فإن "سردية السيسي أنه
امتداد لثورة 1952، ولا يوجد مدني مر على حكم مصر، ويعتبر الجيش فرس الرهان في
البقاء في السلطة وحتى يصبح الجيش مواليا له يقوم بتدوير المناصب القيادية، ولا
توجد قيادة عسكرية قادرة على خلق حالة خاصة بها وهو يعلم أن أقصى مدة له لا تتجاوز
السنتين، فلا يفكر إلا في الاستفادة من منصبه بأي شكل".
سياسة الاستعباد والاستبعاد
وفي سياق تعليقه على التحول المستمر في
قيادات الجيش المصري وتركهم مناصبهم دون مقاومة، يرى رئيس المكتب السياسي في المجلس
الثوري المصري، الدكتور عمرو عادل، "أنه ينبغي أن نتذكر أن من قام بالانقلاب
العسكري هي ما تسمى المؤسسة العسكرية المصرية وليس السيسي وحده".
وأضاف لـ"عربي21": "من طبيعة
الأمور في الأنظمة المستبدة التفرد بالسلطة وعدم السماح لأي قوى من داخل النظام
السلطوي ببناء شبكات قادرة على تغيير الرأس فهذه ليست صفة السيسي أو النظام
المصري فقط ولكن هي سمة كل الأنظمة الاستبدادية".
وأشار الضابط السابق بالجيش المصري، إلى أن
"رأس السلطة يقوم بمساعدة مجموعة وثيقة الصلة بالانفراد بالسلطة وعدم تمكين
أي شخص من بناء مصادر القوة وهذا ما يحدث منذ انقلاب 2013.. النظام المصري العسكري
يسير بخطى ثابتة وواضحة في اتجاه الشمولية الكاملة وهذا ما نراه في تطبيق اختبارات
العسكريين على وظائف المجتمع المدني".
وأعرب عادل عن اعتقاده بأن "هذا السياسة في
الاستبعاد والتفرد والإزاحة والتي بدأت منذ انقلاب 2013، سوف تستمر حتى الوصول إلى الذروة في الاستبداد ثم تأتي
لحظة الانفجار الاجتماعي الذي سيقضي على النظام الحاكم وهذه أيضا حتمية من حتميات التاريخ".