في حوار، يوم الاثنين،
مع من يُسمَّى وزير الطاقة والبنى التحتية في الكيان الصهيوني، إيلي كوهين، قال: "معظم
الدول
العربية، حتى تلك التي تتحدث عن الدولة
الفلسطينية، لا ترغب بها في قرارة نفسها،
لأنها تدرك أنها ستكون تحت تأثير إيراني وعناصر إرهابية، مما سيؤدي إلى تدهور الاستقرار
الإقليمي".
وإذا تجاهلنا اعتياد مسؤولي هذا الكيان الكذب، فإن الموقف العربي-الإسلامي المؤيد
لمشروع القرار الأمريكي بشأن غزة يدعم هذا الكلام جملة وتفصيلا، والحديث الممجوج عن
إشارة القرار إلى قيام دولة فلسطينية لا يقبله عاقل، إذ إنه أمر مشروط بعبارات فضفاضة
وغامضة، فينص القرار على: "وبينما تتقدم إعادة تنمية غزة، وعندما يتم تنفيذ برنامج
الإصلاح الذي تبنته السلطة الفلسطينية بأمانة، فقد تتوافر أخيرا الظروف الملائمة لمسار
موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية".
وفقا للنص، فإن النتيجة ترتهن بمقدمتين؛ التقدم في إعادة إعمار غزة، وإصلاح
السلطة الفلسطينية، دون أي معايير يمكن الاستناد إليها في تحديد عملية إصلاح السلطة
الفلسطينية، وبالطبع إذا استمرت السيطرة الصهيونية على مناطق ما وراء الخط الأصفر،
والغارات المتفرقة، فإن إعمار غزة لن يتحقق يوما، ما يعني أن النتيجة لن تحصل، لأن
مقدماتها لن تحدث أبدا!
النتيجة ترتهن بمقدمتين؛ التقدم في إعادة إعمار غزة، وإصلاح السلطة الفلسطينية، دون أي معايير يمكن الاستناد إليها في تحديد عملية إصلاح السلطة الفلسطينية، وبالطبع إذا استمرت السيطرة الصهيونية على مناطق ما وراء الخط الأصفر، والغارات المتفرقة، فإن إعمار غزة لن يتحقق يوما، ما يعني أن النتيجة لن تحصل، لأن مقدماتها لن تحدث أبدا!
كذلك يستند البعض في موافقة العرب على القرار إلى التهديدات الأمريكية باستئناف
الحرب في قطاع غزة، ويعدُّون الموافقة على مشروع القرار أخفّ الضررين حقنا لدماء الفلسطينيين،
وهذا عذر كاذب ومخادع، يتجاهل أن الأنظمة العربية والإسلامية لم تُقْدِم على أي إجراء
عقابي تجاه إسرائيل، طَوال سنتيْ الحرب، بل شاركوا في الامتثال للرغبات الصهيونية جميعها،
بدءا من الالتزام الكامل للتعليمات الصهيونية فيما يخص دخول المساعدات، وتنظيم حركة
الأفراد من وإلى القطاع، وإرسال قوائم من مصر إلى
الاحتلال للسماح بمن يخرج! والخداع
أيضا في أن نتيجة القرار ستؤدي إلى قتال متجدد في القطاع لنزع سلاح
المقاومة وتدمير
بنيتها التحتية، أي إن القتال سيعود ولكن بقوة دولية وبصورة رسمية، بعدما كان الاحتلال
يستقطب المرتزِقة.
إذا كان الموافقون على مشروع القرار يحملون بعض الصدق بين جنباتهم الفاسدة،
لمَا سمحوا بدخول قوات أجنبية تقاتل الفلسطينيين لنزع سلاحهم، وجَعْل كرامتهم وأرواحهم
مستباحة دون ثمن، ولو قليل، ولمَا سمحوا بتشكيل لجنة وصاية دولية تحكم قطاع غزة، وتفعل
ما تشاء بالفلسطينيين، في أحط مراحل انحطاط الحكام العرب في التاريخ الحديث، بل كأننا
أمام حكام طوائف الأندلس مرة أخرى، الذين كانوا يتحالفون مع أعدائهم نكاية في بني جلدتهم!
أما الزعم بأن الخوف من العقوبات الأمريكية دفَعَ العرب للامتثال للرغبة الصهيونية-الأمريكية،
فالرد عليه يأتي من قلب فلسطين ولبنان واليمن، قبل إيران، من أبناء التنظيمات محدودة
القدرات المالية والعسكرية أمام جيش أكثر تطورا، ولديه مدد مالي لا حدود له، وخطوط
إمداد عسكرية لا تتوقف؛ فارق القوة هذا لم يكن عائقا أمام إرغام أنف عدوهم في كل مواجهة
مباشرة، ولم تكن التهديدات الدولية والأساطيل العسكرية عائقا أمام نُصرة القوم الذين
"دخلوا على عدوهم الباب".
ومع ذلك، يمكن للعرب أن يهددوا الولايات
المتحدة في المقابل، بسحب استثماراتهم
فيها، وبحقول النفط، وبموقعهم الجغرافي الذي قد يوقف التجارة العالمية في لحظة واحدة،
بل فوق ذلك كان يمكنهم فقط الاحتماء بمشروع القرار الروسي الذي أعطى الفلسطينيين أكثر
مما في القرار الأمريكي الموافق للهوى الصهيوني، وذلك دون أن يأخذوا إجراء تأديبيّا
أو عقابيّا تجاه وقاحة ترامب واستعلائه واحتقاره للحكام العرب في تعامله معهم.
للأسف كان تاريخ الدور العربي في القضية الفلسطينية سيئا، بدءا من حرب عام 1948،
فبحسب الدكتور محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، خاض شعب
فلسطين مقاومة أمام العصابات الصهيونية بعد قرار التقسيم في تشرين الثاني/نوفمبر 1947،
وحتى بدء توافد الجيوش العربية في أيار/مايو 1948، فقال في مقاله "حقائق وأوهام
حول نكبة فلسطين 1948":
"شعب فلسطين (الذي قام البريطانيون طوال الاحتلال بقمعه وسحق ثوراته وقتل
وتهجير قادته) خاض معارك واسعة بإمكانات ضعيفة طوال تلك الفترة، وعانت قوات الجهاد
المقدس وجيش الإنقاذ ومتطوعو الإخوان المسلمين وغيرهم من ضعف شديد في التسليح والدعم
اللوجستي والتعبئة العسكرية، في ضوء السلوك السلبي للأنظمة العربية، بل ومن منع دخول
المتطوعين (خصوصا عبر مصر) أو التضييق الشديد في ذلك. ومع ذلك، فقد حافظ شعب فلسطين
على أكثر من نحو 80 في المئة من أرض فلسطين طوال تلك الأشهر. وجاء معظم التوسع الصهيوني
بعد 15 أيار/مايو في أثناء وجود الجيوش العربية؛ فسقطت عكا في 17 أيار/مايو، وسقطت
مناطق اللد والرملة والناصرة وشفا عمرو في 9-17 تموز/يوليو 1948، وسقطت في النصف الثاني
من تشرين الأول/أكتوبر مناطق المجدل وأسدود وعراق السويدان، وما تبقى من شمال فلسطين.
أما منطقة النقب (وهي تمثل نحو نصف مساحة فلسطين) فسقطت في آذار/مارس 1949".
انضاف إلى الهزيمة العربية التامة أمام المحتل، أن قادة العرب يساهمون في ترميم السمعة الدولية التي تدهورت للاحتلال العنصري الإجرامي، وبدلا من ترك الصهيوني يواجه الهجمة العالمية نتيجة قتله للفلسطينيين، وافق العرب على أن تتولى قوة تستظل بظل قرار أممي
كان التدخل العربي من الأردن بقيادة غلوب باشا، الضابط البريطاني السابق الذي
سهَّلت حكومته الاحتلال ابتداء، وأعطت الوعد بسلب أرض فلسطين! "وكان في الرتب
العليا نحو 45 ضابطا بريطانيّا من أصل 50 ضابطا" بحسب صالح. ودور غلوب باشا في
عدم تجاوز قواته قرار التقسيم معلوم، كما أن دور النقراشي قبل وبعد النكبة شديد الخيانة
للفلسطينيين والقضية الفلسطينية، وحتى عندما دخلت القوات المصرية مدينة غزة سحبت السلاح
من الفلسطينيين، وبعدها توالت هزائم الجيش المصري في فلسطين، ورغم استرداد مصر لجميع
أراضيها على مدار حروب متعاقبة، لا تزال مدينة أم الرشراش (إيلات) تحت السيطرة الصهيونية
منذ عام 1949، ولا مطالبة باستردادها رغم حيويتها وإمكانيتها أن تخنق تجارة الكيان
المحتل.
اليوم انضاف إلى الهزيمة العربية التامة أمام المحتل، أن قادة العرب يساهمون
في ترميم السمعة الدولية التي تدهورت للاحتلال العنصري الإجرامي، وبدلا من ترك الصهيوني
يواجه الهجمة العالمية نتيجة قتله للفلسطينيين، وافق العرب على أن تتولى قوة تستظل
بظل قرار أممي، لتصير مقاومة الفلسطينيين للقوة (وهي تقتلهم) أمرا غير مقبول عالميّا،
ويصير كل دولة تفقد أحد أبنائها (وهو يرتكب جريمة بحق الفلسطينيين) تشتعل كراهية ضد
الفلسطينيين، فيتحول السخط الدولي تجاه الفلسطينيين بدلا من الصهاينة! فأي نصر يحققه
العرب في دعم هذا القرار إلا أنهم انتصروا على الفلسطينيين!
منذ بدء الاستيطان الصهيوني ولم ترَ القضية الفلسطينية نورا إلا بسواعد أبنائها،
وكانت طاقة النور الكبرى يوم الطوفان الذي تواطأ العرب قبل المجتمع الدولي بأكمله على
طمس نوره وتحويل الطوفان الهادر إلى بِرْكة راكدة فاسدة، كحال قلوبهم وحُكمهم، ولم
يعد أمام القضية الفلسطينية حل، ولا أمام الشعوب حل للحياة بكرامة، إلا بالحراك السلمي
لإزاحة هؤلاء الحكام من على عروشهم.