قضايا وآراء

أثقال قضية فلسطين والتساهل في حمل العبء

نزار السهلي
"سلوك لأجهزة السلطة الفلسطينية، وحملتها الأمنية في مدن الضفة، يشير لأبشع محاولات الإذلال والخزي الذي علقت بقاعه حركة التحرر الوطني الفلسطيني"- جيتي
"سلوك لأجهزة السلطة الفلسطينية، وحملتها الأمنية في مدن الضفة، يشير لأبشع محاولات الإذلال والخزي الذي علقت بقاعه حركة التحرر الوطني الفلسطيني"- جيتي
لم يكن من باب الصدفة أن يكون الوجه الآخر لنضال الشعب الفلسطيني، في معركة إثبات وجوده والدفاع عن أرضه وحقوقه، مواجهة رواسب ما تركته سياسة فلسطينية وعربية رسمية من أثرٍ سلبي وكارثي على قضية فلسطين، مع مواجهته لسياسة صهيونية استعمارية ثبت بالمطلق بطلان رهان التعاطي معها بحسن النوايا الأمنية، التي تحاول السلطة الفلسطينية إعادة إمساكها بعصا الاحتلال الغليظة، بعد تجربة طويلة أفرزت استباحة مطلقة لتوسيع الاستيطان والتهويد، وأحالت مشروع الدولة الفلسطينية المرجوة منذ 30 عام إلى سراب.

ففي الوقت الذي اعتمدت فيه إسرائيل الضغط بأقصى فاشية لديها في غزة، وبلوغ عنصريتها لأقسى أنواع العدوان في مدن الضفة المحتلة، فإن ما يُكشف من سلوك لأجهزة السلطة الفلسطينية، وحملتها الأمنية في مدن الضفة، يشير لأبشع محاولات الإذلال والخزي الذي علقت بقاعه حركة التحرر الوطني الفلسطيني، ويعيد التذكير بالمهام الموكلة لهذه الأجهزة وشرطتها، وهي كافية لتبديد الأوهام الكثيرة للانعتاق من مقصلة الخراب الذاتي للبيت الفلسطيني.
الفخ الذي علقت في شَرَكه حركة التحرر الوطني الفلسطيني وجرّت إليه بشاعة التطبيع العربي، مع انزلاقها في رداءة التراجع والانقسام الداخلي، يُحتم بالمنطق السليم واعتبارات الكرامة الوطنية والسياسية عدم البقاء في هذا الفخ، فمن هذه الزاوية بالتحديد يتكثف العدوان الإسرائيلي، بقدرٍ أعلى من الشمول والكثافة بارتكاب جرائم الحرب والإبادة في غزة، فخططُ وخطاب اليمين الصهيوني للوجود الفلسطيني برمته منسوبه مرتفع لحدود الشراسة المطلقة

مشهد المستوطن في منطقة الأغوار قبل أيام، وهو يقوم بطرد عناصر الأمن الفلسطيني من موقع طاردوا فيه فلسطينيا مشتبها بأنه "مقاوم" ثم قامت الأجهزة الأمنية الفلسطينية بقتله، ومنع المستوطن عناصر السلطة من سحب جثته، مشهد كافٍ لاختزال عمق المأساة الفلسطينية، إذا ما أضفنا دلالة الحملة الأمنية الفلسطينية على جنين، وهذا يطرح أسئلة حادة في البحث عن أجوبة: إلى متى ستبقى قابلية السلطة للهزيمة قائمة أمام غطرسة المحتل؟ وهل حقيقة هناك جدية في إنهاء الانقسام الفلسطيني لضرورات وبديهيات كثيرة؟

الفخ الذي علقت في شَرَكه حركة التحرر الوطني الفلسطيني وجرّت إليه بشاعة التطبيع العربي، مع انزلاقها في رداءة التراجع والانقسام الداخلي، يُحتم بالمنطق السليم واعتبارات الكرامة الوطنية والسياسية عدم البقاء في هذا الفخ، فمن هذه الزاوية بالتحديد يتكثف العدوان الإسرائيلي، بقدرٍ أعلى من الشمول والكثافة بارتكاب جرائم الحرب والإبادة في غزة، فخططُ وخطاب اليمين الصهيوني للوجود الفلسطيني برمته منسوبه مرتفع لحدود الشراسة المطلقة. ولعل الإجابة على الخيبة الفلسطينية المستمرة تأتي من رواسب متصلة بحلقات لا تنتهي من تكبيل الأيادي الفلسطينية بأصفاد السلطة، ومن حصر المعركة بالالتزام الفلسطيني لشروط أمنية لتحقيق سلام مزعوم على أرضٍ تتهود.

الكل الفلسطيني عاش مرحلة هبوط الأداء السياسي للسلطة، وفشل وعطالة بقية الحالة النضالية الفلسطينية للقوى والفصائل. والأسباب لم تعد موضوعية وحسب، ومتعلقة بقدرة الاحتلال على خلق شرخ كبير بين السلطة والشارع الفلسطيني، بل ذاتية تبعا لخصوصية الشرنقة والتخندق والترهل في مرحلة ما بعد أوسلو. وعليه، يتطلع الشعب الفلسطيني إلى الخيارات الفعلية التي تواجهها سلطته مع بقية القوى الفلسطينية، بعد تطور أشكال المواجهة مع الاحتلال على الأرض في غزة والضفة، وتبلور الاستقطاب السياسي والأمني الذي فرضته حالة مواجهة العدوان على غزة، وحسم مسألة التصدي للمقاومة في مدن الضفة. ومحاولة إجهاض المقاومة بانضمام أجهزة السلطة الأمنية التي تشكل عامل ضغط لإلحاق الضرر بشعبها وبمصالحه الوطنية، وتمييع المواقف وابتذالها في التبرير وتسويف الحقائق، تعني أن السعي لتقويض الوحدة الوطنية ماضٍ إلى نهاية غير سعيدة مع مواجهة السلطة للشارع الفلسطيني.

المواجهة النوعية المختلفة التي ينتظر الفلسطينيون خوضها، في سياق ظروف سياسية عربية وإقليمية ودولية متغيرة، هي أن يكون هناك طرح غير مكتفٍ بإحصاء نزيف الخسائر اليومية للقضية والأرض والشعب، ولا بتوجيه نداء ورجاء للمجتمع الدولي والتمسك بقانونه وشرعيته فقط، بل في التحضير الجدي للذات الوطنية الفلسطينية، لإحداث تغيير منشود يعيد لمنظمة التحرير دورها وتفعيل مؤسساتها لرعاية مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني، حتى يستقيم وينسجم النداء والشكوى مع صلابة على الأرض، لأن الشكل السائد والقديم الذي جرت وفقه معالجة التحديات، وخوض المواجهة من المحتل، انفجر بصورة سافرة وأحدث فجوات عميقة اختل معها ميزان القوة الذاتية للوحدة الفلسطينية، لصالح قوة الاحتلال ومشاريع تصفية القضية.

فبالرغم من كافة الأوهام المتعلقة بالتسوية لدى السلطة الفلسطينية، والنظام الرسمي العربي، لم يتبدل التعويل على عجزٍ دولي منافق، وأمريكي شريك بالعدوان، لا، بل تغير التعويل على الذات الفلسطينية، إلى تقديس الوجه الرئيسي للعلاقة الأمنية مع المحتل ومشاركته القدرة له على نزع مخالب قوة المجتمع الفلسطيني.

لا يوجد أثقل من خذلان شعب فلسطين، ولا يمكن العثور على سبب أثقل من مجازر الاحتلال وعدوانه وتغوله، لتحمل مسؤولية المراجعة المطلوبة لكل القوى والفصائل، وأن يزفوا بشارات من نوع مختلف لشعبهم، فهذا العدو الغاصب يبدي تلاحما وصلابة لتنفيذ مشروع الإبادة والتطهير العرقي لأبناء فلسطين وغزة، ويسن القوانين والتشريعات التي تُحوّل أصحاب الحق والأرض والتاريخ إلى قيعان اليأس من سلام مفقود واستسلام محقق
اتخاذ قرار سياسي يقضي باستبدال روح العجز والانهزامية، بروح العزيمة والإصرار على استرداد منظمة التحرير، وتفعيل روح المبادرة عند قوى العمل الوطني، مرتبط بشكل جذري بتهيئة أرضية مناسبة، وقد تحقق لها العديد من الفرص المناسبة. هناك حالة هجوم غير مسبوق يشنها الاحتلال في سباق مع الزمن لتنفيذ مشاريع الاستيطان ومصادرة الأرض وضمها، وانهيار وموت لكل اتفاق أوسلو بفعل العدوان الإسرائيلي الشامل، وجرائم لا حصر لها في غزة، والأهم هناك حالة تعاطف دولي كبير مع القضية الفلسطينية، وقرارات أممية وقانونية.. كل ذلك لا يتم استثماره أو مواكبته بدون إبراز مواقف منسجمة مع طبيعة المواجهة والعدوان التي يتقرر في إثره مصير قضية وشعب، بالإضافة لعوامل متجاورة حسب التسلسل الحسابي أو المنطقي. فالحديث عن انعطافة خطيرة يترقبها شعب فلسطين وقضيته مع وصول إدارة ترامب، لدعم شهية المحتل في العدوان، وحالة الصلابة الفاشية التي يتمترس خلفها المجتمع الاسرائيلي، لا تختلف عن الانعطافات الكبرى التي يخسر فيها الفلسطينيون مزيدا من الأرض.

أخيرا، لا يوجد أثقل من خذلان شعب فلسطين، ولا يمكن العثور على سبب أثقل من مجازر الاحتلال وعدوانه وتغوله، لتحمل مسؤولية المراجعة المطلوبة لكل القوى والفصائل، وأن يزفوا بشارات من نوع مختلف لشعبهم، فهذا العدو الغاصب يبدي تلاحما وصلابة لتنفيذ مشروع الإبادة والتطهير العرقي لأبناء فلسطين وغزة، ويسن القوانين والتشريعات التي تُحوّل أصحاب الحق والأرض والتاريخ إلى قيعان اليأس من سلام مفقود واستسلام محقق. وطالما يؤكد الشعب الفلسطيني، كل لحظة وكل صباح ومساء، الحقيقة الماثلة كوجوده الأزلي والتاريخي فوق أرضه، مهما تطاولت يد الإجرام والإرهاب الصهيوني بالقتل والنكران، فإن امتلاك القدرة على وقف المأساة المستشرية بقضيته تبقى منوطة بإنصاف هذا الشعب من قبل قواه الوطنية، والتي تتحمل مسؤولية هذا العبء، والذي مهّد التساهل في حمله إلى فشل مهام قيمة وعديدة تخص كل القضية.

x.com/nizar_sahli
التعليقات (0)