تقارير

هل تلبس علماء ودعاة بالإرجاف في مواقفهم من الحرب على غزة؟

ما الذي يدفع علماء ودعاة إلى مهاجمة المقاومة والتشنيع على قيادتها في غزة؟ وهل ما يقومون به يعد ضربا من ضروب الإرجاف بالفعل؟ الأناضول
ما الذي يدفع علماء ودعاة إلى مهاجمة المقاومة والتشنيع على قيادتها في غزة؟ وهل ما يقومون به يعد ضربا من ضروب الإرجاف بالفعل؟ الأناضول
كان لافتا في الأشهر الأخيرة مهاجمة علماء ودعاة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بضراوة، ونعتها أحد أولئك المشايخ بأنها "شر" وأعلن آخر براءته منها لأنها صنيعة (الرافضة) وأقسم أنها لن تنتصر، وفي الأسابيع الأخيرة هاجم دعاة آخرون قادة المقاومة بشراسة وحملوهم مسؤولية ما حدث ويحدث لغزة لسوء تقديرهم لعواقب ومآلات عملية طوفان الأقصى بحسب قولهم.

تلك الحملة الشعواء على المقاومة وقيادتها في غزة وخارجها أثارت سخطا عارما وواسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد عدَّ كثيرون منهم التهجم على المقاومة، ومهاجمة قادتها العسكريين وتحميلهم مسؤولية ما يحدث مظهرا من مظاهر "الإرجاف" الذي ورد ذمه في القرآن الكريم في سورة الأحزاب ذما شديدا.

https://youtube.com/shorts/mTpjRCXQajs?si=63NMM7x-eV4T8DZ5




 
وفي غمرة ذلك الجدل يحضر بقوة سؤال الدوافع، فما الذي يدفع علماء ودعاة إلى مهاجمة المقاومة والتشنيع على قيادتها في غزة؟ وهل ما يقومون به يعد ضربا من ضروب الإرجاف بالفعل؟ وما هي الأفعال والمواقف التي دفعت مخالفيهم إلى إنزال وصف الإرجاف الذي ورد ذمه في القرآن الكريم عليهم؟

في هذا الإطار عرَّف الباحث في العلوم الشرعية، الدكتور نضال ثلجي، الإرجاف بأنه "مصطلح ذكره الله تعالى في كتابه في سورة الأحزاب {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا*مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [الأحزاب: 60- 61] عن قوم كانوا يشيعون وقت الجهاد أن عدد المسلمين وعتادهم قليل".

وأضاف في منشور على الفيسبوك، اطلعت "عربي21" عليه: "فقد كانوا قريبا من السبعمائة، وأنهم سيهزمون أمام جموع كفار قريش وغطفان واليهود ممن تحزبوا وتجمعوا على قتاله عليه الصلاة والسلام فوصل عددهم نحو العشرة آلاف أحاطوا بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم، فجاؤوهم من فوقهم ومن أسفل منهم كما وصفهم الله تعالى".



 
وفي منشور آخر ذكر ثلجي "أبرز شُبَهِ علماء الإرجاف اليوم، ممن يطعنون في جهاد المجاهدين" فوجد أن أكثر أقوالهم قد قالها رؤوس المرجفين في المدينة من قبل، فقد قالوا: لو لم يقع قتال ما مات هذا العدد الكبير وما قتلوا، { الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا}.

وتابع: "وقالوا: لا تكافؤ في القوى {إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم}، وإذا استمرت الحرب ستكون الهزيمة وسيباد أهل غزة والمجاهدون جميعا {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلىٰ أهليهم أبدا وزين ذٰلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا}، وأنهم يتعاملون مع الروافض وثبت عن بعض قادتهم أنهم يثنون عليهم.. وقد ناقش تلك الشبهات وأجاب عنها".

من جهته قال الأكاديمي المغربي، المتخصص في الفقه وأصوله، الدكتور محمد رفيع: "تتوالى الأحداث في هذه الأيام من أيام طوفان الأقصى المبارك لتؤكد القاعدة الثابتة، وهي أن القضية الفلسطينية باتت قضية فاضحة للمرجفين فينا، وكاشفة للخائنين والمتصهينين بيننا في مختلف المجالات".

وأضاف: "ولعل آخر صنف طاله الفضح والكشف (مؤسسة العلماء) الذين اندفع عدد منهم على نحو ساذج للتشكيك في المقاومة الفلسطينية المقاومة، وتخذيل الفلسطينيين في هذه اللحظة الحساسة الاستراتيجية من لحظات الأمة، بدعوى أن العدو الصهيوني أقوى عسكريا وتكنولوجيا واقتصاديا ودعما غربيا، وأن المقاومة رمت نفسها وأهلها للتهلكة حين تحرشت بالعدو الشرس وهاجمته، وتسببت في ما جرى ويجري في غزة من صنوف التقتيل والتدمير".

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "فلو كان القوم قالوا ما قالوا اجتهادا وصدقا، لكنا أبصرناهم بموقع مقاومة العدوان على الديار بين نصوص الشريعة وأصولها من جهة، وبحقيقة حجم المؤامرة المركبة على فلسطين وأهلها من جهة ثانية، لكنهم رضوا لأنفسهم أن يكونوا لعبة في يد السلطة الاستبدادية المطبعة المتمالئة مع العدو سرا وعلانية ".


                             د. محمد رفيع.. أكاديمي مغربي متخصص في الفقه وأصوله

وأردف: "فانطلقوا يتممون مسلسل الإرجاف الذي ابتدأ سياسيا وإعلاميا وتعزز أكاديميا، ليكتمل بالفتاوى والآراء "الشرعية" بتحريف الكلم عن مواضعه، ولي الألسنة بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب، وذلك بحثا عن السند (الشرعي) لصنيع الحكام المطبعين، وتزيين أهوائهم..".

وعن مظاهر الإرجاف الذي يشيعه هؤلاء العلماء في الناس هذه الأيام ذكر رفيع "التأويل المغالط لقضايا شرعية ظاهرها حق، والقصد منها وسياق إيرادها فاسد، كدعوى أولوية السلم في المجتمعات المسلمة، والسلم العالمي، والأخوة الإنسانية، علاقة السلم والتعايش مع اليهود، كما يحرصون بمناسبة وبدون مناسبة على تمجيد الحكام ووصفهم بالرشد والعبقرية والحكمة، وتحريض الناس على الطاعة العمياء للحكام وتجريم كل من خالف سياستهم، مع السكوت الأخرس عن فظائع الحكام وجرائمهم في حق شعوبهم وحق الأمة..". 

وفي ذات السياق أكدَّ الدكتور أسامة أبو بكر، عضو رابطة علماء الأردن، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أنه "لا يجوز لمسلم عامي، فضلا عن طالب علم أو منتسب للعلم أن ينتقد المجاهدين بالهجوم على الصهاينة، فمن فعل ذلك فقد أساء لأهل الجهاد، وتعدى على حقهم في دفع الكفار وسعيهم لحماية الأقصى، وهو بذلك يتكلم بلسان المنافقين والمرجفين الذين كانوا يقولون بأن بيوتهم عورة، وأنه لا طاقة لهم بالكفار".

وتابع: "ولو تذرع أولئك بأن دماء المسلمين أريقت، وأن الحفاظ على أرواح المسلمين مقدم على استنقاذ الأسرى وحماية المقدسات، فإنهم بهذا يعطلون الجهاد بالكلية، فمتى كان المسلمون يوازون أعداءهم في العدد والعدة؟ ومتى قاتل النبي عليه الصلاة والسلام وهو ضامن للظفر على الأعداء ومتيقن من عدم إصابة المسلمين وتقتيلهم؟".


                                     د. أسامة أبو بكر.. داعية وعضو رابطة علماء الأردن

وردا على سؤال "عربي21" بشأن ما يثيره مهاجمو المقاومة من أنها لم تعد الإعداد الكافي لمواجهة الصهاينة، لفت أبو بكر إلى أن "المجاهدين لو تركوا القتال حتى يكافئوا اليهود الصهاينة أو يقاربوهم في العدد والعدة، لما قاتلوا أبد الدهر" متسائلا "إذ متى سيصلون لعشر معشار قدراتهم في الطائرات الحديثة، وفي الاستخبارات، والدبابات والمدافع والمدرعات والتجهيز والتدريب؟ لكن الله تعالى قال ﴿ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

وأردف: "فمن حمل المجاهدين مسؤولية الدماء والقتل، فهو إما جاهل بمنهجية الإسلام والقرآن والسنة، وإما خبيث يسعى لإجهاض عمل المقاومة ومدافعة العدو، كما أن المعركة ما زالت قائمة، ومن قلة المروءة توجيه النقد لمن يقاتل في سبيل الله، ويقدم روحه وماله وأهله فداء للإسلام ومقدساته، ويذكرنا هذا بما قاله المنافقون في معركة الأحزاب التي أراد بها جموع الكفار بمختلف أصنافهم أن يستأصلوا الإسلام وأهله".

واستدل أبو بكر على ذلك بقوله تعالى: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِى يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَٰلَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا}، بل الملاحظ أن المنافقين تكلموا بعد انتهاء الخوف، بينما هؤلاء يتكلمون الآن أثناء المعركة والقتل والإبادة الجماعية للناس، فأي انحدار بلغوه؟!

وخلص في ختام حديثه إلى التأكيد أنه "يجب على المؤمن حماية دينه وشعائر دينه ومقدساته، وواجب عليه كذلك رفض الذل والاحتلال وتطاول الكفار على بلاده وأهله، ويجب على كل مسلم موحد أن ينصر من يقوم بذلك، ومن تأخر عن النصرة فهو آثم مرتكب للكبيرة، وإذا ظاهر الكفار فهو كافر مرتد والعياذ بالله".
التعليقات (0)