أفكَار

الشيوعيون والبعثيون في العراق.. قصص اللقاء والصراع

الحزب الشيوعي عارض غزو العراق عام 2003م، ولكنه شارك في العملية السياسية بعد صدام حسين (الأناضول)
الحزب الشيوعي عارض غزو العراق عام 2003م، ولكنه شارك في العملية السياسية بعد صدام حسين (الأناضول)

الفكرة اليسارية، ارتبطت نظريا بالنضال من أجل الخلاص من الظلم الاقتصادي والاستبداد السياسي، لكنها واقعيا تباينت ليس في فهم الواقع وتحليله، ولكن أيضا في التعامل معه. 

ومع أن أصل مصطلح اليسار يعود تاريخيا إلى الغرب وتحديدا إلى الثورة الفرنسية عندما أيد عموم من كان يجلس على اليسار من النواب التغيير الذي تحقق عن طريق الثورة الفرنسية، فإنه وجد تطبيقه في أوروبا الشرقية، وتحديدا في الاتحاد السوفييتي مع الثورة البولشيفية.. ومعه تغيّر وتشعّب استعمال مصطلح اليسار بحيث أصبح يغطي طيفا واسعا من الآراء لوصف التيارات المختلفة المتجمعة تحت مظلة اليسار.

عربيا نشأ التيار اليساري (القومي والاشتراكي والماركسي) أواسط القرن الماضي مقترنا مع نشأة الحركات الوطنية المناهضة للاستعمار والرأسمالية الصاعدة يومها.. وبعد الاستقلال تمكنت بعض التيارات اليسارية من الوصول إلى الحكم، وكونت جمهوريات حاولت من خلالها ترجمة الأفكار اليسارية، لكن فكرة الزعيم ظلت أقوى من نبل الأفكار ومثاليتها...

وفي سياق صراع فكري مع التيار الإسلامي المحافظ تحديدا، وسياسي مع الأنظمة العربية التي تسلمت حكم البلاد العربية بعد جلاء المستعمر، استطاع اليساريون العرب الإسهام بفاعلية في تشكيل الوعي الفكري والسياسي العربي الحديث والمعاصر..

وعلى الرغم من شعارات الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، التي رفعها اليسار العربي على مدار تاريخه الطويل، فإنه ومع هبوب رياح الربيع العربي التي انطلقت من تونس أواخر العام 2010 مؤذنة بنهاية صفحة من تاريخنا السياسي الحديث والمعاصر، اتضح أن كثيرا من الشعارات التي رفعها اليساريون العرب لجهة الدفاع عن الحريات والتداول السلمي على السلطة لم تصمد أمام الواقع، وأن اليساريين العرب ورغم تراكم تجاربهم السياسية وثراء مكتبتهم الفكرية، إلا أنهم انحازوا للمؤسسة العسكرية بديلا عن خيارات الصندوق الانتخابي..

"عربي21" تفتح ملف اليسار العربي.. تاريخ نشأته، رموزه، اتجاهاته، مآلاته، في أوسع ملف فكري يتناول تجارب اليساريين العرب في مختلف الأقطار العربية..

يواصل الكاتب والباحث العراقي الدكتور فارس الخطاب في هذه الورقة الخاصة بـ "عربي21"، والتي ننشرها عبر سلسلة من الحلقات، عرض ملف اليسار في العراق.. ويناقش اليوم علاقات الحزب الشيوعي بالبعث في العراق.

الحزب الشيوعي وانقلاب يوليو (تموز) 1968م

قبل قيام حزب البعث العربي الاشتراكي بانقلابه في 17 تموز (يوليو) 1968م ، بادر أحمد حسن البكر، زعيم الانقلاب والحزب بإرسال رسالة شفهية للحزب الشيوعي (جناح عزيز محمد) عن طريق القيادي البعثي عزت مصطفى ومكرم الطالباني الشخصية القيادية العلنية في الحزب الشيوعي، وكانت الرسالة تقول: "نحن جاهزون لاستلام السلطة، ونود أن تكونوا معنا ولننس الماضي". وكان رد الحزب الشيوعي: "امضوا في انقلابكم ونحن سنكون على الحياد". 

وبعد نجاح الانقلاب زار مكرم الطالباني البكر لتقديم التهنئة، فقال له البكر: "كم تمنيت أن يكون البعثي علي يميني والشيوعي على يساري". وبادر القادة الجدد للعراق بتقديم ما يثبت حسن نواياهم في ازدراء الماضي فطلبوا من الشيوعيين المساهمة في التشكيلة الوزارية الجديدة والبدء بالحوار وقدموا خطوات إيجابية بهذا الشأن منها غلق سجن نقرة السلمان وإطلاق سراح مجموعة من الشيوعيين من السجون .

هذا بالنسبة لجناح (عزيز محمد)، أما جناح (عزيز الحاج) فقد كان معارضاً بشدة للحكم الجديد وكان يصدر المنشورات المطالبة بإسقاط النظام، الذي اعتبر جناحه محظور قانوناً، وفعلاً تم إلقاء القبض على (عزيز الحاج) بداية عام 1969م، وبعد فترة من اعتقاله خرج (الحاج) على شاشة التلفاز العراقي ليعترف بأنه كان مخطئاً ثم بدأ بالكتابة في الصحف العراقية لتمجيد حزب البعث، وفي نهاية المطاف تم تعيينه ممثلاً للعراق في منظمة اليونسيف .

الجبهة الوطنية والقومية التقدمية

بعد مفاوضات طويلة، بين قيادة حزب البعث الحاكم في العراق مع قيادة الحزب الشيوعي تم التوصل إلى الصيغة النهائية للجبهة الوطنية والقومية، واتفق الطرفان على ذكر الدور القيادي لحزب البعث للدولة، وبعد الاتفاق التفاوضي مع البعث واجه اعتراضات من داخل البيت الشيوعي في موضوع الدخول في الجبهة وبصعوبة بالغة صوّت إلى جانب المقترح ثمانية من أعضاء اللجنة المركزية وعارضه سبعة، وقد كان رأي الرافضين للانضمام إلى الجبهة، وعلى رأسهم بهاء الدين نوري أن الدخول في الجبهة هو بمثابة انتحار للحزب الشيوعي العراقي.

إعدام العسكريين الشيوعيين ونهاية الجبهة

إن سياسة التراجع التي انتهجها حزب البعث أكدت أن هذا الحزب كان يرمي من الجبهة أن تكون واجهة لنظامه، وأن يؤيد الشيوعيون جميع قراراتهم ولا يعارضونه. وفي ظل هذا التراجع، عقدت اللجنة المركزية اجتماعاً لها في آذار (مارس) عام 1978، وأصدرت تقريراً طالبت فيه وبإصرار من البعث بضرورة وقف حملات الاعتقالات والشروع بإرساء دعائم النظام الديمقراطي. وقد كانت الاعتقالات بصفوف الشيوعيين الذين أقاموا تنظيمات لهم داخل المؤسسة العسكرية العراقية وهو أمر محظور، وتم فعلاً إعدام 31 من العسكريين والمدنيين الشيوعيين لقيامهم بالإعداد لمحاولة انقلابية، ومن ذلك التاريخ بدأت الجبهة الوطنية تتآكل شيئاً فشيئاً حتى انهارت بعد بدء الحرب العراقية ـ الإيرانية ورفع الحزب الشيوعي شعار "انتهاء الحرب بإسقاط النظام"؛ فخرج الشيوعيون من العراق وعقدوا مؤتمرهم الرابع بعد تقليص عدد أعضاء اللجنة المركزية إلى 15 عضوا وترشيح 10 أعضاء ليكونوا قيادة الظل وهو ما أعتبره البعض إنهاءً للجيل القديم من القيادات الشيوعية ومن ذلك التاريخ أصبح الحزب الشيوعي العراقي ضعيف التأثير في محيطه وتعيش أغلب كوادره خارج العراق والقليل منها في منطقة كردستان العراق التي كانت تشكل حليفا إستراتيجيا لهم، حتى جاء وقت احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا 2003م ليظهر الحزب الشيوعي مشاركا في النظام الجديد ومتحالفاً مع تيارات إسلامية كالتيار الصدري وسواه وهو ما أفقد الحزب الكثير من تاريخه النضالي الذي كان يرتكز على معاداة الإمبريالية ومناكفة الاستعمار .

الخلاصة:

لعب الحزب الشيوعي العراقي دوراً مهماً في التاريخ السياسي الحديث للعراق ، وبالرغم من معارضته لحكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إلا أنه كان من الرافضين للحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق عقب الاجتياح العراقي للكويت، وعارض فكرة غزو العراق من قبل قوات التحالف في عام 2003م، ولكن الحزب شارك في العملية السياسية في عراق ما بعد صدام حسين وحصل على عدد قليل من الأصوات في الانتخابات العراقية ومازال حميد مجيد موسى سكرتير اللجنة المركزية والمتحدث الرسمي باسم الحزب عضوا في البرلمان العراقي رغم انتقادات كثيرة وجهت للحزب بسبب تشبثه بالبقاء ضمن دائرة العملية السياسية في العراق.

 

اقرأ أيضا: نشأة الأحزاب السياسية اليسارية الكبرى بالعراق.. رؤية تاريخية

 

اقرأ أيضا: الحزب الشيوعي العراقي.. قصة النشأة والانقسام ثم الوحدة

 

اقرأ أيضا: قصة الحزب الشيوعي العراقي في عهد عبد الكريم القاسم





التعليقات (0)