تونس.. جدل فكري على هامش أسبوع أفلام المقاومة والتحرير

بقدر ما أتاحت ثورات الربيع الديمقراطي فرصة البروز والنشاط لمختلف التعبيرات السياسية والثقافية، بعد سنوات طويلة من كبت الدكتاتوريات العربيّة وانغلاقها، فإنها مكّنت الإبداعات الفنيّة من الإفلات من عقال علاقات الإنتاج السلعيّة، ورسم تعبيراتها التحررية، التي تعيد للفن التزامه، فالمثقف الذي لا يطابق بين فكره وبين العمل التحرري يجعل صداقته المعلنة للشعوب كاذبة، وفق تعبير بول نيزان في كتابه "كلاب الحراسة"، رابطا بذلك الثقافة بالالتزام بالنضال ضدّ القمع، أو الحقيقة التي يراها جوليان بندا في كتابه "خيانة المثقفين" بأنّها الوحيدة التي وجب أن تُوجِّه المثقف.

على مستوى الإنتاج السينمائي العربي، كان لهزيمة الساعات الستة المذلّة من سنة 1967 الوقع الكبير على المضامين الفيلميّة، حيث عرج الحدث السياسي الأفجع، بالسينما العربية نحو مربعات الوعي السياسي والاجتماعي المطلوبين، وهو ما تجسّم حينها في أفلام يوسف شاهين "الأرض" (1968) و"الاختيار" (1970)، وصولا إلى فيلم العصفور" (1973)، حيث بلغت جرعة النقد السياسي حد تحميل السلطة السياسية مسؤولية الهزيمة دون غيرها، ليسجّل بذلك ما أسماه حسن حدّاد، الناقد السينمائي، في كتابه "تعال إلى حيث النكهة: رؤى نقدية في السينما" باكتمال مرحلة تعمق الوعي السياسي والاجتماعي. 

كما نشطت منذ 1969، وفق مختصين، السينما الفلسطينية الهاوية بهدف التعريف بالقضية الفلسطينية في المهرجانات السينمائية والمحافل الدولية، وصولا إلى ثمانينيات القرن الماضي، لما اعتبر قفزة نوعية في تاريخ السينما الفلسطينية، مع ظهور فيلم "صور من ذكريات خصبة" للمخرج ميشيل خليفي، الحائز على جائزة الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية في مهرجان كان عام 1987 وجائزة التانيت الذهبية في مهرجان قرطاج عام 1988، وأفلام رشيد مشهراوي، رغم انحصارها في ثنائية الجلاد والضحية.

على أهميّة التجارب الفيلمية المذكورة، وغيرها من الأفلام العربية، من ذلك الفيلمان التونسيان "سجنان" لعبد اللطيف بن عمّار و"الرديف 54" لعلي العبيدي، فيما يتعلق بتمثل الوعي السياسي المقاوم للمحتل، إلاّ أنّها لم ترتق إلى مستوى تطوير مجال فكرة المقاومة السياسية والاجتماعية والتاريخية، وهو ما حصر فكرة المقاومة في سياقات الاحتلال الخارجي، على أهميتها، دونا عن الأبعاد الأخرى.

احتضان مدينة الثقافة التونسية بين 20 و26 من كانون ثاني (يناير) الماضي، للدورة التأسيسية لأسبوع أفلام المقاومة والتحرير، بتنظيم مشترك بين المكتبة السينمائية التونسية والجمعية اللبنانية للفنون "رسالات"، لم يخل من سجال تعلّق بالخصوص بكلاسيكية طروحات سينما المقاومة المعروضة، ومن اتهامات علنية بالتوظيف السياسي والطائفي للتظاهرة السينمائية، رغم تنوّع التظاهرة الفنيّة وانفتاحها على عروض من تونس والجزائر وفلسطين ولبنان وسوريا وإيران. 

التقرير التالي، أعده الإعلامي والصحفي التونسي الحسين بن عمر  خصيصا لـ "عربي21"، يرصد جانبا من الجدل الدائر بين أهل السينما في تونس ومدى تباين التقييمات فيما يتعلق بالتباس الفني بالسياسي ضمن تظاهرة سينمائية أُريد لها تجميع السينمائيين على خط المقاومة الفنية والكتابة السينمائية الملتزمة.
الاستثمار في حقل صناعة السينما المقاومة

اعتبر هشام بن عمّار، المدير الفني للمكتبة السينمائية، في تصريح خاص لـ "عربي21"، أن أسبوع أفلام المقاومة والتحرير هدف إلى تسليط الضوء على فعل المقاومة التي تنتصر للشعوب المحتلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وفضح همجيّة العدو الغاصب، معبّرا عن غبطته بما أسماه نجاح  المهرجان السينمائي في دورته الأولى. مضيفا أن هذا الأخير جاء تواصلا لمهرجان السّلام، الذي رأى النور منذ أكثر من 17 سنة، والذي تشرف على تنظيمه سنويّا جامعة نوادي السينما.

 

من جهته، ثمّن علي العبيدي، جامعي ومخرج سينمائي، في تصريح لـ "عربي21"، فكرة تنظيم أسبوع خاص بسينما المقاومة، خاصة مع تزامن هذه البادرة الأولى بتونس مع دعوة رموز النضال من أجل التحرر الوطني والاجتماعي، على رأسهم أيقونة الكفاح الجزائري جميلة بوحيرد، متمنّيا استمرار هذه المبادرات النّوعيّة، فالثورة أعطت الحرية للمبدعين وتونس تظلّ بلد الاستقبال بامتياز، وفق العبيدي.

في ذات السياق، صرّح بن عمّار أنّ مهرجان "أيام المقاومة والتحرير" ملتزم ببرمجة معيّنة، ويأتي تتمّة وتواصلا لبرمجة المكتبة السينمائية، التي تمر سنتان على تأسيسها، والتي شملت محاور جدار برلين، عقوبة الإعدام والتعذيب، وتعقيبا على سيل الانتقادات الموجهة للخط التحريري للبرمجة السينمائية، أكّد بن عمّار على أنّه للمكتبة السينمائية التونسية كامل الحق في التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني تونسية كانت أم خارجية، طالما أنّ الهدف هو التعريف بتاريخ السينما قصد تثمين الذاكرة السينمائية وإحياء الذاكرة الوطنية والعربيّة والافريقية وتمرير قيمها لجيل السينما الجديد، مضيفا أنّ "نحن رأس حربة سينما الجنوب وبرمجتنا الثريّة هذه هي انتصار لنهج سينما المقاومة، علما وأننا قمنا بتخصيص يوم 28 نوفمبر من كل سنة يوما وطنيّا مخصصا للتضامن مع الشعب الفلسطيني".

المقاومة ليست جنسا فيلميّا

 

 
لئن أثنى كمال بن ونّاس، جامعي وناقد سينمائي، في تصريح لـ "عربي21"، على ما اعتبره إبداعا فنيا سينمائيا لبعض أفلام الدّورة، بحسب معرفته السابقة ببعضها على الأقل، مشيرا إلى أنّ قولبة الأفلام المعروضة بالمهرجان المذكور ضمن قالب "أفلام المقاومة" يحتاج إلى كثير من التنسيب، فتصنيف "مقاومة" لا يندرج ضمن خانة التقييم الواضح مقارنة بأجنسة الأفلام، وإن كان ليس ضد المقاومة، مؤكّدا على أنّ جنس الفيلم يتطور بتطور التاريخ، من ذلك مثلا أفلام نابليون بونابرت التي تم عرضها بداية عشرينيات القرن الماضي، كانت لها صبغة إديولوجية قوميّة ووطنيّة مقاومة للنازية، في حين اندثرت تلك الصبغة النضالية التاريخية اليوم، بتغير الظروف السياسيّة، ولم يبق من الفيلم إلا الصبغة الفنيّة، في حين أنّ الإديولوجيا الفيلمية لم تعد تعني اليوم إلا المؤرخين الدارسين لتلك الفترة الدقيقة من الوضع العالمي. ليخلص إلى أنّ  الأدق علميا هو اعتماد التسميات التي تهم الأجناس في حين أن تسمية المقاومة تبقى نسبية تتعلق بالجوانب التاريخيّة المصاحبة لإنتاج العمل السينمائي. فالخلاصة هو أنه بقدر دعمنا وتشجيعنا للمقاومة، فإنه من الضروري الإشارة إلى أنه في الأعمال الفنية الذي يبقى أزليا ليس الموضوع السياسي المقاوم بل الناحية الجمالية الشاعرية الإبداعية في الأفلام. 

مقاربة سينمائية جديدة لقضيتي المقاومة والتحرّر الوطني

 

 
اعتبرت سماح الماجري، مخرجة الفيلم التونسي "الفلاّقة"، والذي تم عرضه خلال أيام سينما التحرير والمقاومة، في تصريح لـ "عربي21"، أنّ الأفلام التونسية المعروضة، ورغم تناولها لموضوع غير مستجد ألا وهو مقاومة الاحتلال الفرنسي، إلا أنّها أتاحت لمحبي الفن السابع فرصة الوقوف على مقاربة سينمائية جديدة، حول قضايا كان من الصعب تناولها بالحرية التي نعيشها حاليا في تونس، من ذلك موضوع فيلمها الذي قدّم مقاربة تاريخية مختلفة لملف الفلاقة، الذي كانت تسيطر عليه قراءة أحادية طيلة الفترة السابقة للثورة، والأهم من ذلك هو أنه مثّل فرصة مواتية لفتح زاوية الاهتمام بشريحة مظلومة، دفعت ضريبة التجاذب السياسي اللاحق لفترة الاستقلال بين الزعيمين بورقيبة وبن يوسف، مثمّنة في الآن ذاته فكرة تنظيم أيّام خاصّة بسينما المقاومة، وهو ما أتاح للجمهور التونسي ملامسة قضاياه الوطنية والقومية وإحياء لقيم المقاومة عنده في فضاء عربي واسلامي لازال مهموما بما يحاك راهنا من جرائم وتدنيس ممنهج لمقدّساته وانتهاك للعرض والأرض. كما أبدت سماح الماجري إعجابها بالحضور الجماهيري المتميّز طيلة أيّام المهرجان.

يتماهى رأي علي العبيدي مع ما ذهبت إليه المخرجة سماح الماجري من تأكيد على أهمية الفرصة التي أتاحها المهرجان للإطلاع على مقاربة مختلفة لملف "الفلاقة"، حيث أكّد مخرج فيلم "الرديف 54" على أنّ القاعدة في الفن وفي الجمالية تقول أن المواضيع لا تتغير وتبقى نفسها، وإنما تناول المواضيع ومعالجتها هي التي تتغير.

الحاجة إلى توسيع مفهوم المقاومة

يرى علي العبيدي أنّه كان يتوجّب على الأطراف المنظمة لـ"أيّام سينما المقاومة والتحرير" التعمّق أكثر في مسألة المقاومة، من حيث هي مفهوم ومقولة ثقافية وسياسية، وذلك ليفضي إلى توسيع مضامين مفهوم المقاومة، معتبرا أنّ " فكرة المقاومة أكبر من أن تنحصر في المفاهيم المعهودة، على أهميتها، بل يجب أن تتسع إلى عديد المظاهر في حياة الشعوب السياسية وما يتطلبه من أشكال للمقاومة، فكل من يجد نفسه في حالة استغلال ويكافح ضدها فهذه مقاومة". وربط العبيدي بين قراءة التاريخ التي لا تنتهي ولا تكون بشكل ثبوتي، وبين فكرة المقاومة بوصفها أساس التاريخ، حيث عاش الانسان مقاوما لانتكاسات المجتمات الرجعية والمتخاذلة، ومنتهيا إلى أنّ مصطلح المقاومة أرحب مما نتصور.

تسرّع التنظيم يثير الشكوك حول استقلالية المهرجان

لم يخف علي العبيدي استياءه من استثناء فيلمه "الرديف 54" ( سنة 1954 تؤرخ لبداية المفاوضات بين المقاومة التونسيّة (بدأت سنة 1952) مع سلطة الاحتلال الفرنسي) بوصفه الشريط التونسي الوحيد (أنجز سنة 96) الذي تعرض للشهيد صالح بن يوسف، مذكّرا بدوره المهم في المقاومة التونسية، وتمنى لو أنه تمّت برمجته ضمن أيام سينما المقاومة والتحرير، بوصفه الفيلم الذي أعاد كتابة فكرة المقاومة السياسية والاجتماعية والتاريخية وعمل على توسيع مضامينها.

لم يشأ علي العبيدي الحكم على نوايا اللجنة المنظمة لأيام سينما المقاومة والتحرير، إلا أنه لم يستبعد فرضيّة وجود ما أسماه بـ"بعض ذوي المصالح الفكرية والسياسية" الذين كانوا وراء تغييب فيلمه، مضيفا أن ما ضاعف شكوكه سببان إثنان، الأول هو برمجة فيلم "سجنان" للمخرج عبد اللطيف بن عمّار، رغم كونه يتنزّل في نفس نمط "الرديف 54"، من جهة تناوله لمسألة الكفاح ضد المحتل الفرنسي، والسبب الثاني متعلق بلبس التنظيم وتسرّعه، وهو ما جعله غير مرتاح لبعض السلوكات، وفق قوله.

غلبة نزعة التسييس
 
لم يخف فتحي الخرّاط، ناقد سينمائي ومدير عام سابق للسينما، في تصريح لـ "عربي21"، انزعاجه من غلبة المباشرتيّة على حساب اللغة السينمائيّة على معظم الأفلام الوثائقيّة المبرمجة في هذه الدورة التأسيسيّة لأسبوع أفلام المقاومة والتحرير، مضيفا أنّ افتقاد اللغة السينمائيّة، مصطلح معاصر ارتبط ظهوره بظهور النقد السينمائي الذي رافق مجال الصورة والفيلم وتكنولوجيا المعلومات، أداة لإيصال الفكرة، أضعف الجانب الفني في الأفلام المذكورة. 

وأشار إلى أنّ غياب التنوّع المضموني حوّل الندوة السينمائية إلى ما أسماها بالتظاهرة السياسية الفجّة لصالح فصيل سياسي وفكري معيّن، في إشارة إلى حزب الله اللبناني وارتباطاته الإقليمية بالنظام الإيراني.

 

في ذات السياق، اعتبر فتحي الخرّاط أنّه كان من الأنسب عدم تحميل المركز الوطني للسينما والصورة، بوصفه مرفقا عموميّا، وزر التوظيف السياسي الفج الذي بدا طاغيا على التظاهرة، خاصّة وأنّ المكتبة السينمائية هيكل إداري ناشئ، ومنوط بعهدته الاشتغال أساسا على الموروث السينمائي الوطني وتطويره، معتبرا أنه كان يليق بمنظمي التظاهرة اختيار المركز الثقافي الإيراني فضاء تنظيم بدل المركز الوطني للسينما، ملمّحا إلى ما أسماه بالأجندا الإيرانيّة التي اشتغلت كثيرا على "الإكراميّات" الموجّهة لعدد من العاملين في المجال السينمائي في إطار عمليّة بروباغندا واضحة على حدّ قوله. 

رغم عدم نفيه لطغيان المباشراتيّة على بعض الأعمال السينمائية المعروضة أثناء أيام سينما المقاومة والتحرير، إلاّ أنّ المدير التنفيذي للمكتبة السينمائيّة لم ير فيها استنقاصا من القيمة السينمائية للأفلام المعروضة، مذكّرا بحادثة حضوره مهرجان كان السينمائي، بداية تسعينيات القرن الماضي، تزامنا مع بدأ عرض فيلم "أنشودة الحجارة" للمخرج السينمائي الفلسطيني ميشال خليفي، عندما استقبل بسخرية كبيرة أثناء الندوة الصحفيّة، وصلت حدّ وصفه بالسذاجة والفجاجة، نتيجة طغيان المباشرتية المبنية على ثنائية الجلاّد والضحيّة، فكان ردّه أن "أتركوني أبكي أمواتي، كما بكيتم أنتم في عشرات أفلام البروباغندا التي أنجزتموها عن الهولوكست"، معتبرا أن إجابة خليفي تظلّ مناسبة لكلّ المنتقدين الذي وقفوا عند مسألة المباشراتيّة، ولم يستوعبوا بعد مدى أهمية تنظيم أيّام خاصّة بسينما المقاومة.

 

اللبس الحاصل حول إمكانيّة وجود نوايا التوظيف السياسي لـ "أيّام سينما المقاومة والتحرير"، مصدره هو ما بدا للعديد من الملاحظين من أن التظاهرة امتداد لتظاهرة سابقة، انتظمت في ريف دمشق سنة 2016 وتم تعميمها داخل دور الثقافة السورية

  
كمال بن ونّاس ورغم تأكيده على أنّ الفيلم لا يمكن أن يكون عملا موجها ومباشرتيا، باعتبار أنّ "العمل على اللغة السينمائية وجماليتها قد تجلب اهتمام المخرج نحو نواح قد تتجاوز موضوع الفيلم، فيصير العمل على الكتابة السينمائية الهدف الرئيسي للعمل الفني، كما أنّ الأثر الناجح هو أذكى من صاحبه، كما يقول الكاتب التشيكي الكبير ميلون كونغاران"، فإنّه لا يوافق فتحي الخرّاط في قوله بطغيان المباشراتية على الأفلام المعروضة.

في هذا الإطار، أثني بن ونّاس على ما اعتبره إبداعا سينمائيا في فيلم "سجنان" للمخرج التونسي عبد اللطيف بن عمّار، والذي تدور أحداثه سنة 1952، مبيّنا أن الفيلم عرض تمزّق شاب بين حياته العاطفية مع ابنة صاحب المطبعة، التي سوف تتزوج من شخص ثان رضوخا لرغبة العائلة والتقاليد المجتمعية، وبين مواقفه السياسية الداعمية للتمرّد على الاحتلال الفرنسي، وهو يحتوي على جمالية فنية وكتابة سينمائية راقية، من ذلك أن المقطع الأخير من الفيلم والذي دام أكثر من عشر دقائق عرض صورة بطل الفيلم، الشاب المناضل، المشارك في مظاهرة ضد الاحتلال الفرنسي في مدينة سجنان، وفي نفس الوقت كان الفيلم يعرض صورا من حفل زفاف صديقته، فمشاهد الفيلم يقف على عملية تركيب موازي ومراوحة  بين لقطات تصادم النقابيين مع الجنود المحتلين وبين لقطات حفل الزواج، وينتهي الفيلم على لقطة قتل المتظاهر وفي نفس الوقت على لقطة بكاء حبيبته السابقة وهي تحتفل بزواجها، وهي لقطة جد جميلة فيها من الإبداع السينمائي الشيء الكثير، يضيف بن ونّاس.

أيام المقاومة والتحرير والبروباغندا الإيرانيّة

وردّا على المواقف القائلة بغلبة البروباغندا على الدورة السينمائية، صرّح هشام بن عمّار، المدير الفني للمكتبة السينمائيّة، أن شرط التعامل مع المنتجين والمخرجين هو تثمين السينما وتاريخها، مشيرا إلى أن الجهة المنظمة للأيام السينمائية اعتمدت على أفلام التراث وحاولت خلق التوازن المطلوب بين الأفلام الوثائقية، الأفلام الروائية والأفلام القديمة والأفلام الحديثة، مضيفا أنّه كان يتوجّب على القائلين بغلبة أفلام البروباغندا القدوم لمشاهدتها ثم نقدها وتحليلها بعيون فنية غير متعالية ومتحررة من الأفكار المسبقة.

في إطار الرّد على ما وصفها بشبهات وجود بروباغندا إيرانية، استهجن بن عمّار ترديد ما أسماها بالتهم العارية من الصحّة، خصوصا من قبل من قال أنّهم تعودوا على معايشة أفلام البروباغندا الهوليودية، متسائلا عن سرّ صمتهم وغياب غيرتهم الوطنية المزعومة قائلا "أيّها المتباكون اليوم، حياتكم كاملة وتاكلوا في نفس الخبزة القادمة من الغرب". 

في ذات السياق، يقول بن عمّار أن فريق تنظيم مهرجان سينما المقاومة والتحرير، أتاج للجمهور فرصة اكتشاف الأعمال الفنيّة المغايرة للمعتاد، التي لم تتح لها سوق العرض التونسية من قبل، ونقدها، ولو كانت بروباغندا إيرانية كما يدعي البعض، وأنّ المشاهد في نهاية المطاف يبقى عصيّا على الدمغجة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنّ هذا المتحف السينمائي مثّل مناسبة مواتية له، وقف فيها على مدى تمكّن السينما الايرانية من أدوات البروباغندا السينمائية التي كانت حكرا على السينما الهوليوديّة ووسمها البارز، وهو ما يمثل حسب رأيه فرصة للتقييم وأخذ العبر بدل المهاجمة المسبقة.

هندسة المهرجانات السينمائية وفلسفة تنظيمها 

تفاديا للالتباس الحاصل حول فرضيّة توظيف "أيام سينما المقاومة والتحرير" لفائدة أطراف سياسية من عدمها، يؤكّد حمزة الحاجّي، رئيس قسم أيام قرطاج السينمائية بالجهات، في تصريح لـ "عربي21"، على أنّ "السينما فن من فنون الصورة وهي مجال حساس جدا يتطلب درجة عالية من الدقّة في تناول المواضيع الملتبسة، وأنّه من السهولة بمكان تحويل فيلم إلى بوق دعاية لطرف دون آخر إذا كنت محترفا، لكن المطلوب من المهرجان السينمائي هو تقديم الرأي و الرأي المخالف ووضعهما في منافسة وجها لوجه، بما يتيح للمشاهد إمكانية استكشاف أي قضية مهما كان نوعها، ومن جميع جوانبها و بالدقة المطلوبة، قبل استصدار أية أحكام أو مواقف"، مشيرا بالقول أنّ تونس، من خلال تنظيمها للمهرجان السينمائي الأعرق في تاريخ القارة الإفريقية (أيام قرطاج السينمائية)، تعتبر دولة مؤسسة لسينما جديدة مقاومة بطبيعتها للسائد، وهو ما جعلها، وفق رأيه، قبلة للعديد من التظاهرات السينمائية، محلية وإقليمية ودولية، غير أن جميعها تعاملت مع الجمهور التونسي بدرجة عالية من الاحترام، بعيدا عن محاولات التوجيه الوضيعة لجمهور السينما.

وأضاف: أنّ "اللبس الحاصل حول إمكانيّة وجود نوايا التوظيف السياسي لـ "أيّام سينما المقاومة والتحرير"، مصدره هو ما بدا للعديد من الملاحظين من أن التظاهرة امتداد لتظاهرة سابقة، انتظمت في ريف دمشق سنة 2016 وتم تعميمها داخل دور الثقافة السورية، خاصّة وأنّ جمعية "رسالات" اللبنانيّة كانت المنظّم الرئيس لهذه التظاهرة السينمائيّة، والتي تبقى في النهاية حدثا مهمّا ينقل جمهور السينما في تونس، من ثقافة السلعيّة إلى عوالم قضايا المقاومة والتحرير، التي أعطتها ثورات الربيع العربي الأكسجين اللازم لتنتعش بعد سنوات طويلة من المصادرة الفنية والتوظيف".