الأزمة في تونس هي أزمة مجتمعية لا يمكن أن نفصل فيها القيمي عن التشريعي، ولا السياسي عن النقابي، ولا الراهن عن التاريخي، ولا الداخلي عن الإقليمي والدولي. وهي لذلك لا تقبل الحل إلا بـ"كتلة تاريخية" عابرة للأيديولوجيات وحاملة لمشروع تحرر وطني سيادي يقطع جدليا مع السرديات الكبرى وأوهامها التأسيسية
المبادرة بهذا المنطق ليست إلا تكريسا لنظام التسمية المهيمن وتعميقا للاصطفافات السائدة، وليست كذلك إلا دعوة لحوار داخلي بين "المتشابهين"، أي بين أولئك "الحداثيين"
لعلّ ما زاد من التباس موقع النهضة في الحقل السياسي التونسي وقلّص من قاعدتها الانتخابية هي ازدواجية مواقفها من أغلب القضايا التي شغلت الرأي العام التونسي منذ رحيل المخلوع، سواء في مستوى الشأن الحزبي الداخلي أو في مستوى الموقف من بقية الفاعلين السياسيين، خاصة منهم ورثة المنظومة القديمة
وباء كورونا، فقد أكدت الإجراءات الحكومية المتخذة بشأنه وجود نوع من "التمييز السلبي" للمساجد. فرغم شهادة العديد من المختصين من ذوي المصداقية باحترام المساجد أكثر من غيرها للبروتوكول الصحي، ورغم عدم وجود أية أدلة على تحول المساجد إلى بؤر لنشر الفيروس، فإن الحكومة قد استهدفت المساجد بالغلق التام
سنحاول في هذا المقال أن نقارب حوار "الأستاذ" راشد الغنوشي مقاربة تحليلية نقدية لأهم المحاور المرتبطة بالقضايا الداخلية والخارجية، وعلاقة ذلك كله بملف الانتقال الديمقراطي ونجاح "الاستثناء التونسي" كما يراهما زعيم حركة النهضة
كيف تعاملت هذه النخب بمختلف أدوارها في المجال العام مع مسألة الرسوم المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم)؟ وهل نجد اختلافا جذريا بينها وبين مواقف النخب "الماكرونية" الفرنسية؟ بل كيف طرحت هذه النخب قضية المقدس في تونس منذ الثورة؟
إننا واعون بأن مرور مشروع التعديل لن يعنيَ تحرر الإعلام في رمشة عين من سلطتي المال والأيديولوجيا، ولن يعنيَ أيضا انتهاء الجدل حوله، خاصة بعد موقف الرئاسة الرافض لهذا التعديل، بحيث من المرجّح أن يرفض الرئيس إمضاء مشروع القانون وأن يعيده للبرلمان، ولكننا نؤمن بأن التعديل قد يكون خطوة "تقدمية"
لفهم أداء الرئيس قيس سعيد، سيكون علينا أن نستحضر معطيين هامين كان لهما تأثير كبير في بناء الجملة السياسية للرئيس وفي هندسة علاقاته بباقي الفاعلين السياسيين
إذا كان من الصعب على القوى العلمانية أن تقبل ببناء ديمقراطية "مع" الإسلاميين باعتبارهم "شركاء" لا غنى عنهم في المشروع الديمقراطي، فهل يمكن بناء تلك الديمقراطية "دون" الإسلاميين؟
السبب الأعمق لإقصاء "الإسلاميين" من العائلة الديمقراطية ليس سببا اقتصاديا ولا سياسيا ولا مصلحيا (فكل هذه الأسباب هي أسباب سطحية وذات قدرة تفسيرية محدودة)، بل هو سبب أيديولوجي يخترق كل السرديات "المعلمنة" على اختلاف أطروحاتها: مقولة الاستثناء الإسلامي ذات الجذر الاستشراقي
النواة الصلبة للمنظومة القديمة، جعلت اختلاف الفرقاء منها في الدرجة لا في النوع، ذلك أن مبدأ التطبيع مع المنظومة القديمة (خاصة في مستوى خزانها البشري) ليس محل نزاع، إلا في بعض التفاصيل التي لا تنقض المبدأ، ولكنها تحاول تكييفه لخدمة استراتيجيات حزبية ومصالح شخصية
طرح موضوع الإرهاب خارج مقاربة إصلاحية شاملة لن يكون إلا مجهودا عبثيا، لا دور له إلا تغذية الصراعات السياسية وتأمين محاور انتخابية لا يتجاوز دورها ضمان موقعٍ ما في إدارة التخلف والتبعية وإعادة إنتاج شروطهما الفكرية والموضوعية
اختار قيس سعيد في هذه المرحلة أن يتقاسم السلطة فيه مع ممثلي المنظومة القديمة (الاتحادين والتجمع)، وفق تفاهمات لا يمكن الجزم بمضامينها النهائية بحكم وجود متغيرات قد لا يستطيع الرئيس ولا حلفاؤه التنبؤ بها، وبالتالي التحكم في مساراتها ومآلاتها