فشله في تشكيل الحكومة يعني مبدئيا الذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة، أما نجاحه في مهمته فهو مرهون بتوازنات ومصالح متضاربة قد يصعب التوفيق بينها إلا بالتضحية ببعض الشركاء المحتملين
قد يكون من الصعب التنبؤ بمآل المشاورات التي تهدف إلى تشكيل حكومة قبل مضي أربعة أشهر من التكليف الأول (أي قبل أن يكون للرئيس الحق دستوريا في حل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مبكّرة)، ولكننا لا نستبعد أن يمارس الرئيس ذلك الحق الدستوري في حال فشلت الأحزاب في حل أزمتها وتشكيل حكومة
"الكفاءات الوطنية المستقلة" ليست في نهاية التحليل إلا استعارة من جملة الاستعارات المترسبة من زمن المخلوع (مثل المدنية والوطنية والحداثة والعائلة الديمقراطية وغيرها)، ولكنها تبقى "استعارة حية" وذات بعد وظيفي هام حتى بعد الثورة
هذا المقال محاورة ضمنية للرئيس التونسي عندما صادر على أنّ المجتمع المدني متقدم على المجتمع السياسي، وقد أثبتنا فيه احتياج تلك المصادرة إلى التنسيب أو المراجعة. فالمجتمع المدني التونسي هو في أغلب هيئاته مجرد امتداد للمجتمع السياسي.
أمام أزمة منظومة حكم، وليس تعثّر تشكيل الحكومة إلا مظهرا من مظاهرها، كما أن محاولات استهداف الرئيس و"التآمر" عليه في "الغرف المغلقة" ليست إلا تصعيدا للأزمة، أو محاولة استباقية لإفشال الرد الشعبي المناسب والمتمثل في "مشروع الرئيس".
لعلّ ما زاد من أهمية العهدة الرئاسة للسيد قيس سعيّد هو أنها قد بدأت في ظل أزمة سياسية كبرى تؤشر لها المفاوضات المتعثرة لتشكيل الحكومة بعد تكليف السيد الحبيب الجملي برئاستها، بالإضافة إلى المشروع السياسي "الملتبس" للسيد قيس سعيد
المعارضة التونسية قد استدمجت الانقلاب أو التحريض على التقاتل بين الأهالي، حتى صار استهداف حركة النهضة جزءا بنيويا في خطاباتها وفي آليات إدارتها لعلاقتها بهذه الحركة. وهو خيار يضمن تحقيق عدة أهداف ليس أقلها تخفيف الضغط على المنظومة القديمة
قبل طرح الممكنات"التوافقية" في المستوى النظري، قد يكون من الضروري أن نبحث في الشروط الأيديولوجية والموضوعية التي تحدد سقف تلك التوافقات وتجعل بعضها ممكنا، وبعضها الآخر في حكم المحال.
لم يسبق التوافقَ تأسيس نظري صلب للالتقاء بين الإسلاميين والعلمانيين بصورة عامة، كما لم يكن التوافق (من جهة ثانية) محكوما باستحقاقات الثورة أو بالمطلب الإصلاحي، بقدر ما كان محكوما باستراتيجية المنظومة القديمة لإعادة التموقع والانتشار داخل مؤسسات الدولة
برفعهما سقف المطالب عاليا والتعامل مع النهضويين جميعا بمنطق التخوين والاتهام بالفساد الماهوي (غير القابل للإصلاح)، وبمحاولتهما تفريغ انتصار حركة النهضة من كل استتباعاته السياسية، قدمت حركة الشعب والتيار الديمقراطي خدمة مجانية لرئيس حركة النهضة وللموالين له في الشق التوافقي والمطبع مع المنظومة القديم
يبدو أنّ "الرباعي" السياسي المدعوّ لتشكيل الحكومة لم يبلغ بعدُ مرحلة من النضج السياسي التي تؤهله لإدارة معركة الحكم المشترك، فما بالك بمعركة محاربة الفساد باعتبارها معركة "وجود" للجمهورية الثانية ذاتها؟
هذه القرارات الجريئة هي في أفضل وجوهها تعبير عن إرادة حقيقية في مقاومة الفساد "السياسي"، ولكنها تظل بعيدة عن "النواة الصلبة للفساد: العائلات المتحكمة في الاقتصاد التونسي وفي السلطة ذاتها عبر وكلائها السياسيين والنقابيين والإعلاميين وغيرهم
قد يكون الرئيس قيس سعيد في هذه الفترة محوجا إلى النقد أكثر من احتياجه إلى الدعم غير المشروط. ولا شك في أن القراءة "المتفائلة" أو المنحازة للرئيس ستجد في أي نقد "تحاملا"، وفي أي قراءة تفكيكية لخطابه ضربا من "الخيانة" أو من التجني على منطوق خطابه الذي أجمع أغلب التونسيين على استحسانه
"البنية العميقة" للوعي السياسي عند بعض شركاء النهضة المحتملين تجعلنا أمام حقائق قد لا تعكسها البنية السطحية للخطابات التفاوضية. وهو ما يضعنا في مأزق سياسي يتجاوز مستوى انتقاد "الأداء السياسي" للحركة؛ إلى مستوى إعادة إنتاج بعض الخطابات الإقصائية والاستئصالية.
أثبتت نتائج الانتخابات التونسية محدودية العوامل التقليدية في توجيه الناخبين، ولكنها أثبتت أيضا استمرار تأثير تلك العوامل وإن بصورة جزئية. كما أظهرت الانتخابات التونسية مقدار الضرر الذي ألحقه المرحوم الباجي قائد السبسي بالحياة السياسة، عندما رفض الإمضاء على تنقيح القانون الانتخابي.