كتب

بريطانيا وإيران: تشكُّل الخليج العربي الحديث.. قراءة في كتاب (1 من 2)

زادت المطامع البريطانية في النفط الإيراني، وكشف ذلك عن صراع دولي محتدم منذ أن وقعت حكومة محمد رضا، مع الحكومتين البريطانية والسوفييتية؛ اتفاق تحالف ثلاثي في يناير 1942..
الكتاب: "بريطانيا وإيران: تشكُّل الخليج العربي الحديث"
الكاتبة: ولاء إبراهيم حسن حامد
الناشر: مركز أركان للدراسات والنشر، الكويت، 2022م
الصفحات: 242 صفحة


أحكمت بريطانيا حتى منتصف القرن العشرين سيطرتها على البلدان العربية؛ حتى نالت تلك البلدان استقلالها ما عدا فلسطين التي سلمت للاحتلال الصهيوني؛ أبقت على دول الخليج العربي كمحمية تابعة لها، تتحكم في علاقاتها السياسية والاقتصادية، وهيمنت على علاقات الشرق الأوسط والخليج العربي حتى استطاعت تلك الدول الانفكاك عنها بإعلان الاستقلال السياسي عن بريطانيا، فحتى مع انسحابها من منطقة الخليج العربي بعد خروجها من قناة السويس، تركت لها قواعد عسكرية في تلك الدول، حافظت من خلالها على وجود بعض الأنظمة القادرة على حماية مصالحها، وفي مقدمتها نظام الشاه في إيران.

تمكنت بريطانيا من توطيد مكانتها في إيران، عن طريق حصولها على عدد من الامتيازات، وكان أكثرها أهمية الامتياز النفطي، الذي شكّل عاملًا مهمًّا في سعي بريطانيا الحثيث إلى تعزيز علاقاتها بإيران؛ لكونه يمثل أحد موارد الاقتصاد البريطاني المهمة. غير أن تأميم النفط عام 1951 تسبب في خلق الكثير من المشكلات بين البلدين، حتى وصل الأمر إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما، وهو الأمر الذي دفع بريطانيا إلى العمل على إزاحة حكومة مُصَدِّق، التي كانت مسئولة عن قرار التأميم، ومن هنا بدأت العلاقات بين البلدين تمر ما بين توتر وانفراجه.

تمكنت بريطانيا من توطيد مكانتها في إيران، عن طريق حصولها على عدد من الامتيازات، وكان أكثرها أهمية الامتياز النفطي، الذي شكّل عاملًا مهمًّا في سعي بريطانيا الحثيث إلى تعزيز علاقاتها بإيران؛ لكونه يمثل أحد موارد الاقتصاد البريطاني المهمة.
قسمت الكاتبة دراستها إلى مقدمة، وتمهيد، وأربعة فصول؛ تناول الفصل التمهيدي تحت عنوان "النفوذ البريطاني في الخليج: إيران أنموذجًا" جذور العلاقات البريطانية-الإيرانية، والأساليب التي اتبعتها بريطانيا لتعزيز مكانتها في إيران، في ظل التنافس البريطاني-السوفيتي على إيران، لا سيما بعد اكتشاف النفط، وحصول بريطانيا على امتياز استثماره، إلى جانب الدور الذي قامت به بريطانيا في انقلاب 1921، ومحاولتها إيجاد حكومة قوية موالية لها، فضلًا عن سياسة بريطانيا إزاء إيران في أثناء الحربين العالميتين، وما نتج عنهما من احتلال بريطانيا لإيران، وأعقب ذلك إثارة مشكلة النفط، التي سيطرت على علاقة بين البلدين.

حمل الفصل الأول عنوان "النفط الإيراني والعلاقات البريطانية ـ الإيرانية (1951: 1953)"، وتناول تأثير قرار التأميم على علاقة البلدين، والإجراءات التي قامت بها إيران لوضع قرار التأميم موضع التنفيذ، وسحب جميع المنشآت النفطية من يد الشركة الأنجلو-إيرانية، وردود الفعل البريطاني إزاء ذلك، ثم دور بريطانيا مع الولايات المتحدة الأمريكية في عملية أجاكس Ajax التي هدفت إلى إسقاط حكومة مصدق.

أما الفصل الثاني، فيتناول العلاقات البريطانية ـ الإيرانية (1955: 1968)، وعرضً تطور العلاقات بين البلدين، خاصة تطور العلاقات في المجال الاقتصادي. كذلك تطرق الفصل إلى المساعدات الاقتصادية البريطانية لإيران، وأشكالها وزيادة جحم التبادل التجاري بينهما، فضلًا عن انضمام إيران لحلف بغداد، والموقف البريطاني من السياسة الإيرانية إزاء منطقة الخليج العربي، وأسباب توجه إيران نحو الخليج العربي، وسعيها في تطوير مؤسستها العسكرية وتسليحها بمختلف أنواع الأسلحة.

تضمن الفصل الثالث المعنون بـ"الانسحاب البريطاني وتَشَكل الخليج العربي الحديث (1967: 1971)" قرار الانسحاب البريطاني من الخليج العربي، وقيام إيران بدور الشرطي في الخليج العربي بعد انسحاب بريطانيا منه، ثم تطرق إلى تزايد الاهتمام الإيراني بالتسليح والمساعدات البريطانية لها في هذا الجانب، كذلك سلط الضوء على المباحثات البريطانية-الإيرانية بشأن مسألة البحرين التي بدت مثار خلاف بين إيران وبريطانيا، والدوافع وراء تمكين بريطانيا إيران من احتلال الجزر العربية الثلاث، والجهود التي بذلها المبعوث البريطاني وليم لوس، ومفاوضاته مع حكام الإمارات الخليجية وإيران.

أما الفصل الأخير، فتعرض لمسار العلاقات البريطانية-الإيرانية (1973: 1979)، وفي هذه المرحلة أصبحت إيران بلدًا مهمًّا في السياسة العالمية؛ لما تحويه من ثروات نفطية هائلة، وتناول أيضًا تأثير أوضاع البترول في العلاقات ما بين البلدين، وانتصار الثورة الإسلامية فيها (1979)، لتبدأ مرحلة جديدة في العلاقات البريطانية-الإيرانية، وفي تاريخ منطقة الخليج.

مثلت حكومة فضل الله زاهدي، أولى مراحل العلاقات البريطانية-الإيرانية، فقد جرى في تلك المرحلة عودة للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وحل لمشكلة النفط بعد التوصل إلى تشكيل اتحاد دولي من شركات النفط العالمية عُرف باسم الكونسورتيوم؛ لاستثمار النفط الإيراني، وأخذ على عاتقه رسم إطار العلاقات الثنائية بين إيران وبريطانيا من جهة، وإيران ودول الكونسورتيوم من جهة أخرى.

في عقد الخمسينيات ازدادت أهمية إيران بالنسبة لبريطانيا وحلفائها، لتبدأ مرحلة ثانية في العلاقات، اتضح فيها محاولة بريطانيا ربط إيران بالأحلاف الغربية، وهو ما تجسد في دخول إيران حلف بغداد، فأصبحت إحدى ركائز الحلف الأساسية، وما أعقبه من تطور في علاقات البلدين تمثل في التعاون بينهما في شتى المجالات.

قررت بريطانيا الانسحاب من الخليج عام 1971؛ وهو ما تطلب العمل على إيجاد دولة قادرة على حماية المصالح البريطانية والغربية بشكل عام في المنطقة، بعد الانسحاب البريطاني منه، فوجدت في النظام البهلوي الإيراني، مدعمًا بترسانته العسكرية، صمام أمان للحفاظ على مصالحها في إيران والخليج العربي، وضمان منع امتداد النفوذ السوفيتي إلى منطقة الخليج العربي، في وقت كان فيه الصراع قائمًا بين المعسكرين الشرقي والغربي في إطار الحرب الباردة؛ لذلك سعت بريطانيا إلى تقوية الحكم الملكي في إيران، ومنع انهياره.

تقول الكاتبة: "منطقة الخليج العربي ذات أهمية إستراتيجية عسكرية وسياسية واقتصادية كبيرة؛ فالسيطرة عليه تعني السيطرة على حركة الأساطيل العسكرية والتجارية، كما أن وقف الملاحة فيها يعني من الناحية العملية وقف إمدادات النفط إلى العالم، وهذا يؤثر على اقتصاد الكثير من دول العالم بما فيها الدول الكبرى، ومن هنا يأتي اهتمام الدول الكبرى بالمنطقة"، لا سيما أن احتياطي الخليج العربي الثابت من النفط يشكل 59.5% من مجموع الاحتياطي المكتشف، في حين أن نصف الكرة الأرضية الغربي الذي يضم الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والدول البحر الكاريبي لا يشكل أكثر من 18.3% من الاحتياطي العالمي.

في عقد الخمسينيات ازدادت أهمية إيران بالنسبة لبريطانيا وحلفائها، لتبدأ مرحلة ثانية في العلاقات، اتضح فيها محاولة بريطانيا ربط إيران بالأحلاف الغربية، وهو ما تجسد في دخول إيران حلف بغداد، فأصبحت إحدى ركائز الحلف الأساسية، وما أعقبه من تطور في علاقات البلدين تمثل في التعاون بينهما في شتى المجالات.
زادت المطامع البريطانية في النفط الإيراني، وكشف ذلك عن صراع دولي محتدم منذ أن وقعت حكومة محمد رضا، مع الحكومتين البريطانية والسوفيتية؛ اتفاق تحالف ثلاثي في يناير 1942، يضفي روح ميثاق الأطلسي عليه؛ لما يتمتع به من وزن دولي.

نص الاتفاق على احترام الدولتين لسيادة إيران ووحدة أراضيها، مع تعهدهما بالدفاع عن إيران ضد أي اعتداء خارجي، وفي سبيل ذلك تحتفظ الدولتان بحق تواجد ما ترياه لازمًا من قواتهما على الأراضي الإيرانية، علاوة على حق استخدامهما لأي منشآت إيرانية لخدمة المجهود الحربي، تقول الكاتبة هنا: أن" تلك المعاهدة اعتُبرت الجذر الرئيس الذي على أساسه ستصبح إيران قاعدة الغرب الرئيسة في المنطقة حتى اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، خاصة أنه فيما بعد انضمت الولايات المتحدة الأمريكية إلى المعاهدة الثلاثية"، إذ كانت بريطانيا تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية كحلقة وصل مهمة، لإقناع الإيرانيين بما تعجز عن تنفيذه معهم مباشرة؛ بسبب الثقة المفقودة من الإيرانيين تجاه البريطانيين.

كان تأميم النفط الإيراني أول ضربة توجه إلى الوجود البريطاني في منطقة الشرق الأوسط،  فما إن صدر قرار تأميم الشركة الأنجلو-إيرانية، حتى سارعت الحكومة البريطانية إلى التدخل؛ ليتحول الخلاف بين الحكومة والشركة إلى خلاف بين حكومتين، خاصة أن بريطانيا تمتلك 51% من أسهم تلك الشركة،  موقف بريطانية من قرار التأميم، عبر عنه وزير الدولة للشئون الخارجية موريسون بتاريخ الأول من مايو 1951، بأن حكومته اقترحت على مصدق وبموافقة الشركة الأنجلو-إيرانية عقد اتفاقية جديدة، تضمنت تأسيس شركة بريطانية جديدة، يكون للحكومة الإيرانية تمثيل فيها، وتأخذ في الحسبان زيادة عدد العمال الإيرانيين فيها، على أن توزع الأرباح بالتساوي بين الطرفين، والامتناع عن القيام بعمل من جانب واحد ضد الشركة الأنجلو-إيرانية، وحل الأزمة عن طريق المفاوضات بينها وبين الشركة.

موقف الولايات المتحدة كان متقلبًا ما بين مساعدة بريطانيا الحليف الرئيس لها، وما بين الخوف من امتداد الشيوعية لإيران؛ لذلك حرصت على إجراء تسوية مُرضية للطرفين، وأبلغت الحكومة الإيرانية بأنه لا أمل لها في حل مشكلة النفط إلا بالاتفاق مع بريطانيا، وألّا تتوقع حصولها على أي مساعدة من الولايات المتحدة أو من طرف آخر ما لم تتعاون مع بريطانيا لحل تلك الأزمة.

اتبعت بريطانيا -في الوقت الذي كانت تجري فيه مباحثاتها مع إيران- سياسة قائمة على منع تجاوزات إيران المتكررة على الجزر؛ وذلك انطلاقًا من حرصها على نفوذها في العالم العربي، وتعزيز الاستقرار في منطقة الخليج العربي، فوضعت بريطانيا إستراتيجية عسكرية، تهدف إلى الدفاع عن الجزر ضد أي قوة إيرانية غازية، أي ردع إيران من دون خلق العداء معها. وكان الشق الأول لهذه الخطة هو رصد التحركات الإيرانية نحو تلك الجزر، وتكثيف الدوريات البحرية والجوية لتحقيق ذلك، للحيلولة دون سيطرة إيران عليها. فبدأت أول أزمة عام 1968، عندما صوّر سلاح الجو الملكي البريطاني كانبرا، إحدى الفرقاطات الإيرانية باي أندرو راسية على بُعد ميل واحد شرق جزيرة طنب.