قضايا وآراء

فتاوى حاخامات مسلمين ضد غزة!!

الآن بلغ العدو مبلغا من الوقاحة والجرأة، ونزع كل قناع يمكن أن يستتر به، فلم يعد يتهم أحدا، بل يفعل كل ما يريد علنا، وتقوم سلطات عميلة له بالتحرك لمعاونته علنا..
عنوان المقال مقصود به فئة طفحت على سطح حياتنا الدينية، يظهرون في مسوح علماء الدين، والحرص على المسلمين، وصون الدماء والأعراض، وتحكيم العقل والعلم فيما يدور في غزة، فاللسان والكلام يوهم بظاهره أنها فتاوى وآراء لا تبتغي به إلا مصلحة المسلمين في فلسطين وغزة، بينما حقيقته هو أشبه بفتوى وعبارات تنطلق من أدمغة تعلوها شارة الحاخام لا الشيخ أو الفقيه، كأنه كلام ينطلق من مرجع ديني للكيان، لا مرجع ديني لغزة.

فمنذ بداية طوفان الأقصى، لم يكن هؤلاء يظهرون بهذه السماجة التي بدت مؤخرا، فكانوا يستترون بحسب مواقف السلطة التي تطلقهم، فبدأوا أولا بتأييد الطوفان شكليا، لأن معظم السلطات التي يتبعونها كانت تخشى من الظهور بالوقوف ضد مقاومة الاحتلال، فقد كانت الجماهير متفاعلة بشكل كبير وهائل، يصعب معه ظهور هذه العمائم على حقيقة موقفها، ولا يسمح لهذه الأنظمة أيضا.

كان الكيان كلما قام بمذبحة أو كوارث كبرى، يتهم المقاومة وأهل غزة بأنهم من قاموا بذلك، فهم من أطلقوا الصواريخ، وهم من استخدموا المشافي والمدارس، والأماكن المدنية كدروع بشرية، وقد اضطر آسفا لضرب بعضها، لكن البعض الآخر هم من فجروها ودمروها، فكان يتوارى الاحتلال وتتوارى مع الأنظمة العميلة، وتبدي للناس والمجتمع عكس ما تقوم به في الخفاء.

الآن بلغ العدو مبلغا من الوقاحة والجرأة، ونزع كل قناع يمكن أن يستتر به، فلم يعد يتهم أحدا، بل يفعل كل ما يريد علنا، وتقوم سلطات عميلة له بالتحرك لمعاونته علنا، بل تطلب سلطة عربية من سلطنة عمان التوسط لمنع هجمات القوات الحوثية على الكيان، بينما لم يحدث منها ولا غيرها السعي لمنع الهجمات على غزة وأهلها.

في ظل هذه الجرأة من الكيان، ومن السلطات المتواطئة معه من العرب، برزت معه في نفس التوقيت ـ وربما قبله بقليل ـ هذه العمائم بفتاوى هي أقرب لفتاوى الحاخام من الشيخ، فراحت تجلد في غزة وأهلها، وتشوش على المقاومين للاحتلال، بحيل لا تخلو من خبث، وسوء طوية.

ليست القضايا والفتاوى الشرعية ذات العلاقة بالشأن العام في الأمة، مسألة متعلقة بالعلم الشرعي وحده، بل بعقل يزن هذه الأمور، وبخلق يتمثل المروءة في اختيار الوقت المناسب لطرح ما من شأنه يستفيد منه العدو، فما بالنا بمن يستأجرون لذلك، وهم منكشفون، لكنهم تارة يستترون بالعلم، ومصلحة الأمة، والحرص على أهل غزة، بينما حقيقة الأمر يحمون عروشا فسدت، وباعت وتواطأت على الأمة في أخطر قضاياها؛ قضية فلسطين.
وعمدوا إلى حيلة تعطي بعض كلامهم وجاهة، فراحوا ينقلون عبارات وكلمات من كتب علماء عرفوا بمواقفهم من المقاومة، وبدعمها بالفتاوى والمواقف حتى مماتهم، كالشيخ القرضاوي مثلا، فراحوا ينقلون كلاما كتبه الرجل في سياق علمي مجرد، بعيدا عن الواقع المعيش، عن حالة متى يجوز للإنسان أن يستسلم، ومتى لا يجوز له ذلك؟ وهو موقف فقهي ناقشته جل كتب الفقه الإسلامي، بل وكتب التفسير، وهو كلام ينظر لحالة فقهية، يبقى منها تنزيل هذه الحالة على الواقع، وهل تتناسب معه، أم تختلف في تنزيلها على موقف فقهي آخر.

ربما قبل من هؤلاء كلامهم، لو أنهم امتلكوا الجرأة وناقشوا حكم الشرع في الحاكم المسلم الذي يعين العدو على إخوانهم، لأنهم يعلمون مدى شدة فتاوى العلماء قديما وحديثا، بل أوصلها مؤتمرات الأزهر إلى أن من يستحل ذلك يعد مارقا من الإسلام. لن يحدثوك عن ذلك، بل سيكون حديثهم فقط عن مدى صحة مواجهة العدو، وهل يعد المقاوم منتحرا آنذاك؟ لكنهم لن يحدثوك عن حكم العلماء بأن دين من عاون المحتل مشكوك فيه، والفتوى فيه شديدة، رغم وضوحها البين.

سيحدثونك عن السمع والطاعة لولي الأمر، إذا منع التظاهرات، ولن يحدثوك عن السمع والطاعة لولي أمر ساحات النضال، وبخاصة لو كان مناضلا ضد العدو الصهيوني، رغم أن نصوص السمع والطاعة الواردة في الأحاديث النبوية، ورد معظمها في أمراء الحرب لا السلم، حيث إن الحرب تحتاج إلى تضامن وتطاوع، لا إلى جدل ونقاش وخلاف وشقاق، ومع ذلك لن يستدلوا بها، ولن يأمروا أحدا بالامتثال لها.
سيحدثونك عمن يقاوم عدوه، أنه يهلك نفسه والناس، لكنهم لن يحدثوك عن حكم من يترك إخوانه جوعى وعرايا وقتلى، دون إغاثة، هل يعد شريكا في القتل شرعا، وأنه قاتل هو أيضا أم لا؟ أو من يكون سببا في هلاك إخوانه من بني ملته وجلدته، هل دماء هؤلاء وأرواحهم في رقبة هؤلاء الحكام أم لا؟ سيضعون المسؤولية في رقبة المظلوم والمبتلى، ولن يضعوها في رقبة القاتل أو المعين له. ولن يحدثوك عمن يتاجر بأزماتهم لتكون مصدرا للرزق الحرام، ولن يحدثوك عن حكم من عاون عدوهم عليهم، وحكم هذا المال شرعا؟

ليس معنى كلامي أننا نرفض أي نقد علمي، بل نقصد من ذلك التوقيت، والطريقة التي يقدم بها، والخبث الذي ينطوي عليه السياق والكلام. فإنني أعرف أشخاصا من أهل العلم هاجموا قادة المقاومة وقت تقاربهم مع بشار الأسد، وهاجموهم هجموما عنيفا، ورغم الاختلاف الشديد في هذه المسألة إلا أنهم تناسوها تماما وقت طوفان الأقصى، لأنها ـ من وجهة نظرهم ـ نقطة في بحر حسناتهم. وأعرف علماء أجلاء، بداخلهم لوم وعتاب ونقاش، لأهل غزة وقادتها، لأن بعض الأمور ملتبسة لديهم بخصوص ما حدث وما يحدث، ومع ذلك يصمتون، ويتركون ذلك لوقته، بعد أن يكشف الله عز وجل الغمة، وقتها يحل لهم النقاش، بأي مستوى يريدونه.

قديما قال علماؤنا: درهم علم، يحتاج إلى قنطار عقل. ونضيف إلى ذلك: قنطار عقل وخلق، فليست القضايا والفتاوى الشرعية ذات العلاقة بالشأن العام في الأمة، مسألة متعلقة بالعلم الشرعي وحده، بل بعقل يزن هذه الأمور، وبخلق يتمثل المروءة في اختيار الوقت المناسب لطرح ما من شأنه يستفيد منه العدو، فما بالنا بمن يستأجرون لذلك، وهم منكشفون، لكنهم تارة يستترون بالعلم، ومصلحة الأمة، والحرص على أهل غزة، بينما حقيقة الأمر يحمون عروشا فسدت، وباعت وتواطأت على الأمة في أخطر قضاياها؛ قضية فلسطين.

Essamt74@hotmail.com