كتاب عربي 21

من واشنطن إلى القاهرة.. وبالعكس!

إن البيت الأبيض ليس مستعداً لاستقبال امرأة رئيسة للولايات المتحدة الأمريكية، ولا أعرف لماذا لا يذهبون أبعد من ذلك فيقولون ليس مستعداً لاستقبال امرأة أو رجل من الحزب الجمهوري.. الأناضول
في شبابنا كنا نتندر على صنف من الكتاب، يحرص على أن يكشف معاناته للقارئ، فيستهل مقاله بسؤال حول ماذا يكتب؟ فالأفكار شحيحة، كيف أنه يظل ليله كله يبحث عن فكرة. وكأن الكتابة واجب مدرسي فرض عليه، وكنا في تندرنا نسأل ولماذا لم يعتذر عن عدم الكتابة ليريح ويستريح، بدلاً من هذه التأوهات؟!

وعندما تم تكليفي بكتابة زاوية يومية، لم أشعر بهذه المعاناة، بل كانت دائماً المشكلة في الاختيار بين الموضوعات، وكثيراً ما أجلت الكتابة عن أحداث ثم نسيتها، وعندما تذكرتها كان قد فات أوانها، رغم أنني كنت بجانب كتابتي للعمود اليومي، أكتب مقالين أسبوعيين مختلفين، أحدهما في "القدس العربي"، والثاني في "الراية القطرية"، وكنا نحسد في شبابنا الكاتب الكبير فهمي هويدي، الذي كان ينشر مقاله الأسبوعي بـ "الأهرام"، في أكثر من عشر مطبوعات على الأقل، وكان بعض الشباب، يظلون يحسبون بالتقريب ما يمكن أن يتقاضاه ثمناً لهذا المقال الواحد، بجانب مقالين كان يكتبهما لـ "الشرق الأوسط"، ومجلة "المجلة"!

ويبدو أن عيناً لأحد المتربصين به أصابته، فتم منعه من الكتابة، وإن عاد يكتب مؤخراً في "الجزيرة نت"، مقالاً شهرياً، والعين فلقت الحجر، وقد قرأت لأحد شباب الصحفيين أنهم كانوا في جلسة تمني، فتمنى هو أن يصبح "فهمي هويدي"، وكانت فكرة هؤلاء الشباب عنه أنه ولد كاتباً فلم يعمل محرراً، وهي سردية غير صحيحة، فالرجل له تاريخ في الصحافة سبق انتقاله لخانة كتاب الرأي، لكن مشكلة فهمي هويدي إنه شخصية منغلقة لا يكتب عن نفسه، وهي أزمة الذين تتلمذوا على يد هيكل، فيصنعون مسافات وحواجز مع القارئ، وعلى كل فهي مدرسة مقدرة، ولعل مشكلتها في المستقبل، عند التمكين للذكاء الاصطناعي، وسمعت من البعض إنه الآن يمكنه أن يكتب مقالات، والبعض يفعل هذا، لكن ما سيميز بين الكاتب الألي والكاتب من لحم ودم هو الروح!

يجازف نفر من المتكلمين العرب لإثبات قدرة على التحليل والتوقع، فيقولون إن البيت الأبيض ليس مستعداً لاستقبال امرأة رئيسة للولايات المتحدة الأمريكية، ولا أعرف لماذا لا يذهبون أبعد من ذلك فيقولون ليس مستعداً لاستقبال امرأة أو رجل من الحزب الجمهوري. وهم يذكروننا أيضاً بهيكل أيضاً.
ومع هذه المسافات فإن روح هيكل وهويدي حاضرة فيما يكتبون، وبإمكان القارئ المحترف أن يميز بين أسلوبهما وسط عشرات المقالات، لكن ليس كل أبناء هذه المدرسة يمتلكون هذه القدرة الفائقة، والروح المشعة، لذا فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون بديلا مناسباً.

تسرب التشكيل الوزاري:

عادة لا أفكر فيما سأكتب، سوى قبل أن أهم بذلك بساعة، أو بعض ساعات، حتى لا تتزاحم الأفكار في رأسي، كما تتزاحم الآن، فهل أكتب عن الداخل المصري، أم عن الحدث الأبرز وهو تنحي الرئيس الأمريكي بايدن عن الترشح، وفي مصر هناك أكثر من موضوع، وتذكرت أنني كنت أتنوي الكتابة عند التشكيل الوزاري عن الإطاحة بوزير الدفاع محمد زكي، ورئيس الأركان أسامة عسكر، لكن نسيت من زحمة الأحداث!

وهناك معلومات توافرت لدي عن الداخل، إن نسيت الكتابة عنها، وفات أوانها، ستصبح بعض تحليلاتي ناقصة، فقد أدهشني أن يتسرب التشكيل الوزاري فتنشره الصحف والمواقع المملوكة للسلطة، وتنشره بكل أريحية، وهذا أمر يقلل من أهمية الخبر وقت صدوره، وضربت مثلاً بزمن مبارك، فاذا تسرب خبر تعيين وزير أو غير ذلك، فلن يعين، وكنا نعلم ذلك، وحدث في زمن شقاوة الشباب، أن أفسدت على البعض اختيارهم عامداً متعمداً حيناً، وبدون قصد في بعض الأحيان!

وكان كمال الجنزوري شخصاً غير منضبط في هذه المنطقة، فيكلف بتشكيل الحكومة ويظل يشكلها على الهواء ليلة كاملة. ولأنه حرق المفاجأة فقد صنع القوم مفاجآتهم فتم إلغاء وزارات تم الإعلان عن وزراء يشغلونها ونشر هذا في الصحف، وإعادة وزارة ووزيرة تم الإعلان عن دمجها في وزارة أخرى وتسريح وزيرتها أمال عثمان، وفي التكليف الثاني تحدث عن الوزراء الذين لا يريدهم مثل وزير التعليم ووزير الثقافة وطالبهم بإخلاء مواقعهم، فكانت النتيجة أن ألغي تكليفه وكلف عاطف عبيد بتشكيل الحكومة وبقي هؤلاء الوزراء في مواقعهم!

وكانت مفاجآت مبارك مربكة، فالتشكيل الوزاري يصدر نهاراً والوزراء في مكاتبهم، فلا يهتم أحد بإعادتهم لبيوتهم، وذات تشكيل أطيح بوزيرة البحث العلمي فينس جودة، فخرجت من مكتبها لتجد نفسها في طابور مع الواقفين أمام المصعد، ثم تخرج لشارع القصر العيني بمفردها، لتستقل تاكسي أجرة، فيرأف بحالها موظف بمسرح السلام الملاصق للوزارة، وأوقف لها التاكسي إلى منزلها، وروى لي ذلك وهو في دهشة، وهو يقول لم يضعوا في اعتبارهم أنها يمكن أن تخطف، وهدأت من روعه!

يقولون إذا عرف السبب بطل العجب، فقد كان الهدف من هذا الإعلان المبكر للتشكيل الوزاري لتصل الإشارة أنه لا تغييرات في قيادة الجيش، وأن محافظ السويس عبد المجيد صقر سيعين وزيراً للتنمية المحلية، ولم يعلن اسمه قبل حلف اليمين، وعزل رئيس الأركان أسامة عسكر!

في ثقافة الجيوش، أن القائد يظل صاحب صفة، وتنفذ قراراته حتى يعزل، بعدها يجرد من السلطة الواقعية والأدبية، لهذا فتحسباً لأي حركة غدر، تكون المفاجأة هي الأسلوب المعمول به عند التغيير والإطاحة، وهو أسلوب استخدمه الرئيس مرسي نفسه، فقد أخبر المشير طنطاوي والفريق سامي عنان بعزلهما بعد أن أقسم السيسي اليمين وزيراً للدفاع!

فحتى وزير الدفاع الجديد لم يعلن باختياره، إلا قبل قليل من توجهه للرئاسة، وبدا هذا واضحاً من خلال ملابسه الفضفاضة إلى حد ما، وذكرتنا بصورة المفتي الأسبق نصر فريد واصل، عندما أبلغ مساء بالحضور صباحاً لحلف اليمين مفتياً، ولم يكن يرتدي الزي الأزهري، ففتح له ترزي خصيصاً لإعداده وظل الليل كله يقوم بهذه المهمة!.. بيد أن الإبلاغ كان في وقت متأخر في حالة وزير الدفاع!

ولست متأكدا من أنه اتخذت الإجراءات الدستورية في حال تعيين وزير الدفاع بعرض اسمه على المجلس الأعلى للقوات المسلحة للموافقة كما ينص الدستور، وقد كان السيسي في حل من ذلك، ودستور 2014 ينص على أن موافقة المجلس الأعلى لدورتين رئاسيتين اعتباراً من تاريخ العمل بالدستور (م 234)، لكنه في التعديلات الدستورية في سنة 2019، جعل هذا العرض أبدياً!

ماذا يمكن أن يحدث لو لم يستخدم عنصر المفاجأة في التعيين والعزل؟ في تقديري لا شيء، لكن من أصول الحكم في بلادنا، الالتزام بقاعدة: "الاحتياط واجب".

أزمة شاشة فيصل.. قراءة جديدة:

مما فكرت في الكتابة فيه هو إعادة قراءة لأزمة شاشة فيصل، بعد أن هدأ صخب السوشيال ميديا، والكتابة على ضوء معلومة توفرت لي، ومثلت إجابة على ما كتبته في الأسبوع الماضي من حيث السؤال عن الجهة التي تملك الشاشة، التي تعرضت للاختراق بفيديوهات مسيئة، وكنت أعتقد أن الشاشة تابعة لشركات الإعلانات المحتكرة لهذا النشاط، لكني عرفت إنها تابعة لمركز "ألفا"، وهذا الارتباك والتوتر الذي استولى على السلطة بدا لي مبالغاً فيه!

لا يوجد صراع على السلطة في مصر، ولكن يوجد صراع حولها وتنازع الاختصاص، بين أفراد لا جهات أو أجهزة، فهناك من يريد أن يدفع بضياء رشوان لرئاسة الأعلى للإعلام، لرغبتهم في التخلص من كرم جبر الرئيس الحالي، المحسوب على أحد الكبار، وهناك من يريد استمرار رشوان في موقعه الحالي، لأنه قادر على اسكات كل رأي معارض في الحوار الوطني بجرأة منقطعة النظير،
لقد ظل العرض لساعتين كاملتين، ترتب عليه اغلاق شارع فيصل تماماً، من أوله وآخره، وهو شارع لا ينام، ليعلم الناس بالخبر الازمة، ومنهم من لم يكن سينتبه له لولا الإغلاق، لأنهم يقطنون في محطات متقدمة على هذه المحطة، ولك أن تتصور أن ضباطاً وقفوا تحت الشاشة يهشون الناس من الموقع، دون توافر الإرادة لإطلاق رصاصة عليها وإنهاء المشهد!

هلع السلطة وأجهزتها لم يتوقف عند اغلاق الشارع، ولكن امتد إلى القرار بعدم ربط عموم هذه الشاشات بالإنترنت، ليكون تشغيلها بواسطة "فلاشة"، قبل إلغاء شاشة معمل تحاليل "ألفا" تماماً، وهذا رسالة للرأي العام على قوة تأثير هذا التصرف!

ما استقر في وجدان أهل الحكم أن الفاعل فرد، ومن قالوا إن إخوان الخارج يقفون خلفه يدركون أنهم لا يقولون الحقيقة، ومع ذلك فالفزع ليس من الإخوان (الشماعة لكل فشل)، ولكن من الأفراد، أو الذئاب المنفردة، أكثر من تنظيم يعرفون حدود حركته!

أزمة تشكيل الهيئات الإعلامية:

ومن الموضوعات التي تداعت للذهن للكتابة فيها، تأخر السلطة في تشكيل الهيئات الإعلامية الثلاث؛ الأعلى للإعلام، والوطنية للصحافة، والوطنية للإعلام، وقد انتهت المدة القانونية لها جميعا في 21 يونيو الماضي، وكان ينبغي الانتهاء من التشكيل لأداء القسم أمام البرلمان قبل يوم الخميس الماضي، وذلك قبل فض البرلمان لدور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي الحالي، للعودة في أكتوبر المقبل، لكن لم يحدث، ولا يجدي القول إنه يمكن المد لها بقرار رئاسي، فلماذا تعجز السلطة عن تشكيل أي شيء، فيظل تشكيل الحكومة وتغييرات المحافظين لأكثر من ست شهور في ولادة قيصرية، وقد قدمت الحكومة استقالتها قبل شهر من تشكيل الحكومة الجديدة.. فماذا هناك؟!

لهيكل عبارة قديمة قالها في وصف حكم مبارك في دورته الأولى: "لا أعرف من يحكم مصر الآن؟".. وله عبارة أخرى في ولايته الثانية: "سلطة شاخت في مواقعها"، وهما عبارتين قابلتين للاستدعاء الآن ومن أزمة شاشة فيصل، إلى أزمة تشكيل الحكومة والهيئات الإعلامية؛ "أزمة سلطة شاخت في مواقعها"، وأزمة التشكيلات الإعلامية يسري عليها القول: "لا أعرف من يحكم مصر الآن"!

لا يوجد صراع على السلطة في مصر، ولكن يوجد صراع حولها وتنازع الاختصاص، بين أفراد لا جهات أو أجهزة، فهناك من يريد أن يدفع بضياء رشوان لرئاسة الأعلى للإعلام، لرغبتهم في التخلص من كرم جبر الرئيس الحالي، المحسوب على أحد الكبار، وهناك من يريد استمرار رشوان في موقعه الحالي، لأنه قادر على اسكات كل رأي معارض في الحوار الوطني بجرأة منقطعة النظير، ولا شك أنها سمة من سمات أي ناصري، ويستطيع عبد الحليم قنديل مثلاً أن يقوم بالمهمة خير قيام، ويمكن أن يقوم بها حمدين أفضل من الإثنين وإن كانت تطلعاته السياسية المكبوتة الآن، تستدعي ألا يكون في الصورة!
وعندما يدفع النزاع إلى تأجيل تشكيل هيئات أمرها بسيط، لتعيش في الحرام القانوني، فإنها أزمة سلطة شاخت في مواقعها!

وعندما يصبح الصراع في حدود المفاضلة بين هذا الشخص أو ذاك، دون توافر حشد ممن يتم الاختيار من بينهم، فإنها دولة على الضيق، وفي حدود مسرحية "سك على بناتك"، حيث بلاها سوسو، خد نادية!
يا لها من أزمة!

بايدن المضحي من أجل الوطن.. والأوطان المجاورة:

أما موضوع الساعة، فهو تنحي الرئيس بايدين فلن يترشح لدورة جديدة، وزكى نائبته كامالا هاريس لتخلفه، وإن تمسك بالاستمرار في موقعه لنهاية ولايته، وكان إذا تنحى من الرئاسة مكنها من إدارة الدولة في هذه الشهور القليلة، ولو من باب التدريب على خلافته، فربما تصنع مواقف تمثل دعاية لها، وهي التي يصورها المنافس ترامب كما لو كانت "عبيطة القرية"!

في هذه الليلة الليلاء التي قرر فيها بايدن التنحي بدا الأمر كما لو كان مفاجأة للمتكلمين العرب، مع أنه أمر كان متوقعاً بدرجة كبيرة قبل أيام ومنذ أن تمارض بايدن وقال بإصابته بالوباء واعتزاله الناس!

لدينا رغبة في تضخيم أي شيء، وليست ثقافة أطول مئذنة، وأكبر كنيسة، وأعلى برج، من فراغ، وقد اندفع المتكلمون العرب ليشيدوا بالقرار التاريخي، وببايدن الذي ضحى بسعادته الخاصة من أجل الوطن. ما علاقة الوطن بالموضوع؟.. اسأل المتكلمين العرب!

إن بايدن اضطر لهذا القرار بعد ضغوط هائلة مورست ضده، ولو كان الأمر له علاقة بالتضحية من أجل الوطن، أو من أجل الحزب، أو من أجل البراعم، لما أقدم على خطوة الترشح داخل الحزب من البداية، ولما أوقع حزبه الآن في أزمة الاختيار والوقت لا يسعفه، والمنافس قوي ومتمدد في المشهد، وقد وضع بايدن المضحي بسعادته الشخصية، الحزب في وجه المدفع!

كامالا هاريس هي الأوفر حظاً في تمثيل الحزب الديمقراطي في هذه الانتخابات، وعلى ذكر هيكل، فهي "مرشحة الضرورة"، لكن ليست الضرورة التي يقصدها في وصفه للجنرال السيسي مما منحه شرعية الترشح بدون برنامج، واستمر على ذلك حتى اليوم، رغم أنه صرح بعد الجولة الأولى بأنه لم يعد كذلك، فهو مرشح طبيعي، لكن كان قد فات الميعاد!

يجازف نفر من المتكلمين العرب لإثبات قدرة على التحليل والتوقع، فيقولون إن البيت الأبيض ليس مستعداً لاستقبال امرأة رئيسة للولايات المتحدة الأمريكية، ولا أعرف لماذا لا يذهبون أبعد من ذلك فيقولون ليس مستعداً لاستقبال امرأة أو رجل من الحزب الجمهوري. وهم يذكروننا أيضاً بهيكل أيضاً.

في صيف 2007 قال هيكل، إن البيت الأبيض ليس مستعداً لاستقبال "رجل أسود"، وكتبت إن البيت الأبيض مستعد لاستقبال "رجل أسود"، وصدقت توقعاتي، ولم تكن توقعات كلانا مبنية على شيء، فأمريكا ليست بالبلد الذي تصدق عليه التوقعات، لتصبح أقرب لضرب الودع!

وفي ربيع 2008، قال هيكل إن المسرح تتم تهيئته لتوريث الحكم في هذا الصيف، وكتبت إن هذا لن يحدث، وكان تحليلي مبنياً على معلومات دقيقة!

لكن لا أحد يتربص بالمتوقعين العرب، الذين تستهويهم الفرقعة.. وإطلاق الألعاب النارية.