سياسة عربية

المستشرق مونتغومري وات وكتاب "مدخل إلى القرآن".. قراءة معاصرة (2من2)

وات: القرآن يحتوي على إرشادات وتعاليم فقهية وقانونية واجتماعية لتنظيم حياة جماعة المسلمين..
كتاب "مدخل إلى القرآن" كان أساساً من تأليف المستشرق البريطاني ريتشارد بِل (1876- 1952)، قبل أن يقوم تلميذه المستشرق الأسكتلندي مونتغومري وات (1909 ـ 2006) بتنقيحه وتوسيعه، بحيث أضحى الكتاب يمثّل رؤية وات للقرآن شكلاً وتاريخاً ومضموناً.

يتحدث وات عن المحاولات الأوروبية لتأريخ القرآن وترتيب سوره، آخذين بالاعتبار الأدلة الداخلية كإشارات إلى أحداث عامة مهمة، وخصوصاً في الفترة المدنية من سيرة محمد. كما أن المستشرقين أخذوا باعتبارهم أسلوب الآيات والسور والمفردات وما شابه ذلك، حيث كان القرآن موضع فحص دقيق استناداً إلى مناهج الأدب الحديثة والنقد التاريخي في أوروبا. فالعديد من العلماء الأوروبيين في القرن التاسع عشر قدموا مساهمات في موضوع تاريخ القرآن، لكن العمل الأكثر أهمية هو كتاب "تاريخ القرآن" للمستشرق الألماني تيودور نولدكه الذي نشر بداية عام 1860، ومن ثم نقّحه ووسّعه تلميذه فردريك شفالي وآخرون في ثلاثة أجزاء نشرت على التوالي في أعوام 1909 و1919 و1938.

وقد افترض نولدكه تغيّراً تدريجياً في أسلوب القرآن من مقاطع شعرية فخمة في السنوات الأولى للوحي إلى قرارات طويلة وركيكة لاحقاً. فسور الفترة المكية الأولى هي في معظمها قصيرة، وآياتها أيضاً قصيرة، واللغة إيقاعية ومليئة بالصور. كما أن مجموعة من آيات القسم تظهر في بداية المقاطع. في الفترة المكية الثانية، يرى نولدكه أن هناك تحوّلاً في أسلوب القرآن من الحماس العظيم في الفترة الأولى إلى الهدوء الكبير في الفترة الثالثة. فالتعليم الأساسي مدعوم ومشروح بالعديد من الصور من الطبيعة والتاريخ، كما أن هناك نقاشات حول بعض النقاط العقائدية.ذ

يعتبر وات أن الضعف الرئيس في منهج نولدكه هو في اعتباره السور وحدات متماسكة (unities). ويرى أن المحاولة الأكثر تطوراً لاكتشاف الترتيب الأصلي لنزول آيات القرآن وتاريخها هو عمل ريتشارد بِل في ترجمته للقرآن التي نشرت في عامي 1937 و1939، حيث قام بِل بترتيب مقبول عموماً من العلماء المسلمين، يقوم على أن الوحدة الأصلية للوحي كان المقطع القصير. كما أنه ذهب إلى أن الكثير من جمع مقاطع القرآن في سور قد قام به النبي محمد(ص) نفسه وبوحي إلهي. وقد قبل بِل إطار التسلسل الزمني العام لحياة محمد كما وردت في سيرة ابن هشام (ت. 833م) وأعمال أخرى. وهي سيرة تقوم على الفترة المدنية، منذ هجرة النبي إلى المدينة عام 622م وحتى وفاته سنة 632م. أما في الأعوام السابقة للهجرة، فإن التواريخ قليلة وغير مؤكدة، بينما مقاطع القرآن، التي يمكن ربطها بأحداث كمعارك بدر وأُحد وفتح مكة، يمكن تأريخ نزولها بدقة مقبولة.

تعاقب الأفكار في القرآن

يقول وات إنه إذا اعتبرنا مقاطع القرآن التي اعتبرها كل من نولدكه وريتشارد بِل بأنها بدايات الوحي، حيث لا توجد بعد معارضة لدعوة النبي، يجد القارئ النقاط التالية هي الأبرز في هذه الآيات:

1 ـ الله هو مطلق القوة قادر على كل شيء وهو مخلّص جيد للناس وأن كل ما أصاب الناس من خير وحياة هو بفضل الله.
2 ـ الله سيحاسب الناس في اليوم الآخر وسيُدخلهم الجنة أو جهنم بناء على أعمالهم في الحياة الدنيا.
3 ـ على الإنسان أن يقرّ باعتماده على الله وتعلّقه به وعبادته له.
4 ـ إقرار الإنسان بارتباطه بالله يجب أن يعبّر عنه بموقفه من الثروة وبعدم إظهاره البخل بل أن يظهر السخاء والكرم تجاه المحتاجين.
5 ـ محمد له موهبة خاصة في نقل العلم بهذه الحقائق إلى الناس من حوله.

وبعد ظهور المعارضة للدعوة الإسلامية، بدأ القرآن يهاجم جميع أشكال الوثنية، ويظهر ذلك بتهديد القرآن بعقاب الكفار والمذنبين. كما أن مسألة اليوم الآخر وعذابات جهنم ومتع الجنة قد وُصفت في تفاصيل كثيرة. وبحسب وات، فإنه مع نهاية الفترة المكية بدأ القرآن يتحدث عن الملائكة والروح، والعناية والوحي الإلهيين. وأُدخل اسم "الرحمن" كـاسم لله، وهو تماشى مع الفهم الروحي للمؤمنين بأن القرآن بدأ يستخدم مصطلحات للتعبير عن العلاقة مع الله، مثل التوبة، والمغفرة، والكفارة، والرضوان. لكن بعضاً من هذه المصطلحات ربما استخدم لأول مرة بعد الهجرة.

يشرح وات أن إبراهيم، بحسب القرآن، كان موحّداً خالصاً متطابقاً مع الوحي الذي أُنزل على النبي محمد، وكذلك الأمر نفسه بالنسبة إلى موسى والمسيح، النبيَين اللذين جاءا تباعاً بالديانَتين، اليهودية والمسيحية. لكن هذين الدينين أصبحا مختلفين عن الإسلام لأن أتباعهما قد قاموا بتحريفهما.
المسلمون واليهود

يقول وات إن هجرة المسلمين إلى يثرب جعلتهم في اتصال وثيق مع اليهود، حيث توقع النبي محمد(ص) أن يعترف اليهود بالوحي المنزل إليه بناء على ما عندهم من "الكتاب المقدس"((The Bible العبري، وكان مستعداً ليكون ودوداً معهم. إلا أنه تبيّن بصورة مبكرة أن اليهود لم يقبلوا الوحي القرآني وتدهورت العلاقة بينهم وبين المسلمين. ويشير المستشرق إلى أن المسلمين عرفوا في المدينة الفرق بين اليهودية والمسيحية وأنهم أصيبوا بالارتباك كونهم كانوا يعتبرونهما معاً ديانتين قائمتين على وحي حقيقي من الله. ويضيف أن حلاً لفهم المشكلة قد بيّنه تدريجياً القرآن الذي أكد على شخصية النبي إبراهيم وأنه لم يكن يهودياً أو نصرانياً.

يشرح وات أن إبراهيم، بحسب القرآن، كان موحّداً خالصاً متطابقاً مع الوحي الذي أُنزل على النبي محمد، وكذلك الأمر نفسه بالنسبة إلى موسى والمسيح، النبيَين اللذين جاءا تباعاً بالديانَتين، اليهودية والمسيحية. لكن هذين الدينين أصبحا مختلفين عن الإسلام لأن أتباعهما قد قاموا بتحريفهما. ويشير المستشرق نفسه إلى أن المنتمي لهذه الديانة التوحيدية النقية يسمّى حنيفاً والتي جمعها "أحناف". لاحقاً سمّي الموحّد مسلماً أي استسلم لله، وأضحى دين إبراهيم ومحمد "الإسلام". 

يرى وات أن عملية التعديل السياسي والأيديولوجي باتجاه العداء ليهود المدينة قد ظهرت في مارس 624م، قبل معركة بدر، والتي سمّاها المسلمون "القطيعة مع اليهود"، والتي قادت إلى ظهور كلمات ومقاطع جديدة في القرآن. ويذهب وات إلى أن المقاطع القرآنية التي تدعو إلى شهادة الموحّدين المبكرين أو إلى تأكيد الوحي السابق هي مكية أو ربما – وهو الأكثر رجحاناً – مدنية مبكرة. فالحديث عن إبراهيم كنبي حدث فقط في المدينة، والكلام عن علاقته الوثيقة باسماعيل يعود ربما إلى الفترة نفسها. فكلمة "حنيف" وعبارة "ملة إبراهيم" أول ما ظهرتا مباشرة قبل "القطيعة مع اليهود"، واستخدام كلمات "مسلم"، و"إسلام" وفعل "أسلم" بمدلولاتها الدينية، لم تظهر أبكر من ذلك التاريخ وربما في وقت متأخر عنه.

ويعتقد وات أن جميع المقاطع القرآنية التي تتحدث عن القتال أو عن انخراط أتباع النبي محمد بالقتال هي بالضرورة مدنية. كما أن ترسيخ أخلاق المجتمع الإسلامي جرى في المدينة أيضاً، وتمت إدانة الفساد والخيانة. وهكذا الأمر بالنسبة لكلمات "الفتنة" و"الشقاق" و"طاعة الرسول، فكلها مدنية.

ويشير وات إلى أن التهديد بـ"الذل في هذه الدنيا" هو موجّه ضد اليهود والمعارضين الآخرين للإسلام، وأن وصف المعارضين يختلف من وقت إلى آخر، فوصف "الكافر" و"الكافرون" يستخدمان غالباً في القرآن وربما تشير إلى نبرة مبكرة حول فضل الله وجحود الناس أي كفرهم بمعنى "الكفر بالنعمة". أما كلمة "كفار" فهي تعود للفترة المدينية فقط، بينما كلمة "المشركون"، أي الذين يشركون بالله آلهة أخرى، فهي تسمية عامة تستعمل في جميع المراحل لوصف الوثنيين.

أما تعبير "الذين كفروا" فقد تكرر استخدامها في وصف المكيين لكنها لا تقتصر عليهم، وقد امتد استعمالها إلى فترات مدنية. "المشركون" و"المجرمون" كلمتان يرى وات أنهما تبدوان قد تم استخدامهما في فترة مكية متأخرة ومدنية مبكرة. أما "الذين ظلموا" فيعود استعمالها إلى الفترة المدنية، ويبدو أن غالباً ما كان يقصد بها اليهود. ولا شك أن مصطلحي "المهاجرين" و"الأنصار" مدنيان، لكن تعبير "الذين في قلوبهم مرض" يشير إلى المترددين ومن ثم أطلق عليهم بعد معركة أحد تسمية "المنافقين"، وهي تشير إلى مجموعات مختلفة من المعارضين.

عقائد القرآن

يقول وات إن عقيدة الله هي العقيدة المركزية في القرآن، فهو على غرار "الكتاب المقدس" يفترض وجود الله. وتصف مقاطع القرآن الأولى الله بأنه لطيف وقدير، حيث تدعو إلى رؤية آيات الله في الطبيعة. وبناء على هذه الرؤية للصفات الطيّبة لله، تبدأ سور القرآن بالبسملة "بسم الله الرحمن الرحيم". فقدرة الله الكلّية تتجلى في قدرته على الخلق، فهو خالق كل شيء، السماوات والأرض وما بينهما.

ويحاجج القرآن الوثنيين بأن آلهتهم غير قادرة على خلق شيء ولو ذبابة، بينما قدرة الله تتجلى في أنه إذ يقول للشيء "كن فيكون". تقول الآية القرانية: ‏{‏‏إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏‏، سورة  النحل، الآية ‏40‏. يقول وات إن قدرة الخلق هذه ليست خلافاً للأمر المنسوب إلى الله في "الكتاب المقدس" في سفر "التكوين" حينما قال الله: "فليكن نور فكان النور". سفر التكوين ـ الإصحاح الأول  ـ الآية 3.

لكن وات يرى فرقاً كبيراً بين القرآن و"الكتاب المقدس" في هذه المسألة، حيث العقيدة التوراتية Biblical)) للخلق هي بشكل أساسي ما نجده في الفصل الأول من سفر التكوين، فهو الخلق الأولي للكون. فخلق الكون في ستة أيام مذكورة في القرآن لكنها أقل بروزاً مما هي عليه في "التوراة". فمعظم وصف الخلق في القرآن هو لاستمرار نشاط الله في الحاضر. فما يعتبره المسلمون أول الوحي يقول: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (*) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ). سورة العلق، الآيتان الأولى والثانية. فقدرة الله على الخلق يُنظر إليها في القرآن على أنها موجودة في أصل كل إنسان، بل إنها لا تنحصر في الخلق فقط بل تظهر قدرته في التحوّلات المختلفة للكائن الحي خلال مرحلة تطور الجنين من نطفة إلى إنسان مكتمل، كما تقول الآية القرآنية:

(ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، سورة المؤمنون، الآية 14.

يشير وات إلى أن القسم الأكبر من القرآن يؤكد على أن الله هو الإله الوحيد الذي لا أنداد له ولا شركاء. فعقيدة التوحيد ورفض الوثنية والشرك بالله يؤكد عليها القرآن في الكثير من آياته. كما يعرض المستشرق لعقيدة مشيئة الله وإرادة الإنسان الحرة ومسؤوليته في القرآن، كما في الآيات التي تتحدث عن أن هداية الإنسان وإضلاله وموت الإنسان ورزقه وفوزه وخسارته كلها مقدرة وتكون بمشيئة الله.

عقيدة النبوة

 يرى وات أن المفهوم القرآني للرسول والنبي هو جزء أساس من مفهوم أن الرسالة التي أوحاها الله إلى محمد من خلال ملائكته هي بشكل أساس نفس الرسائل التي أرسلها الله إلى أنبياء آخرين حيث هناك إشارة إلى تواصل نسبي بين بعض الأنبياء.

يعتقد وات أن جميع المقاطع القرآنية التي تتحدث عن القتال أو عن انخراط أتباع النبي محمد بالقتال هي بالضرورة مدنية. كما أن ترسيخ أخلاق المجتمع الإسلامي جرى في المدينة أيضاً، وتمت إدانة الفساد والخيانة. وهكذا الأمر بالنسبة لكلمات "الفتنة" و"الشقاق" و"طاعة الرسول، فكلها مدنية.
ويشير القرآن إلى دين إبراهيم، كأب لديانات ثلاث متوازية، التوراة التي أنزلت على موسى، والإنجيل الذي أنزل على عيسى المسيح، والقرآن الذي أوحي إلى محمد. ويتحدث القرآن في الفترة الأولى من إقامة النبي محمد في المدينة عن توجيهه رسائل إلى "أهل الكتاب"، وتحديداً اليهود، كما تشير الآيات 15 ـ 18 من سورة المائدة:

 )يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ(18) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴿١٩﴾.

كما اتهم القرآن اليهود بإخفاء بعض نصوص التوراة التي تتحدث عن مجيء النبي محمد في مواضع عدة، واتهمهم بالفساد وتحريف نصوص التوراة. ويشير وات إلى وجود اختلافات بين القرآن والعهد القديم ومن تلك الاختلافات قصة النبي يوسف.

ويلفت وات إلى الخلافات بين القرآن و"العهد الجديد"، الإنجيل، حيث يرفض القرآن عقيدة التثليث عند المسيحيين، أي أن الله ثالث ثلاثة، وهي عقيدة ترفضها أيضاً المسيحية الأرثوذكسية. كما يرفض القرآن أبوة الله وبنوته بجانبها المادي، وهي عقيدة ترفضها المسيحية أيضاً، بحسب وات. وإذ يؤمن القرآن بعذرية مريم وولادتها المسيح من دون أب كمعجزة إلهية، ينفي القرآن صلب المسيح. ومع غياب مفهوم التضحية، فإن القرآن لا يتحدث عن عقيدة الخلاص أو تضحية المسيح بنفسه للتكفير عن ذنوب البشر.

وبعد عقيدة التوحيد، تأتي عقيدة يوم الحساب كعقيدة ثانية في القرآن حيث يشير إليها بتعبيرات عدة: يوم الدين، اليوم الأخير، يوم القيامة، الساعة، الخ.

تنظيم حياة المسلمين

يقول وات إن القرآن يحتوي على إرشادات وتعاليم فقهية وقانونية واجتماعية لتنظيم حياة جماعة المسلمين، من العبادات كالصلاة والصوم في شهر رمضان والزكاة والحج إلى مكة، إلى المعاملات من زواج وطلاق وميراث والأطعمة والذبائح المحرمة وحرمة الخمر والربا والزنى والميسر وغيرها، وصولاً إلى تنظيم مسألة الرق.

يخلص وات إلى أنه لا يجب الحديث عن القرآن على أنه من إنتاج وعي النبي محمد. ولذا، قام وات بتغيير واستبعاد جميع العبارات الواردة في كتاب "مدخل إلى القرآن" لأستاذه ريتشارد بِل، والتي تفيد بأن النبي محمداً هو مؤلف القرآن، بما فيها العبارات التي تتحدث عن مصادر محمد والتأثيرات عليه. يقول وات إن النبي محمداً كان يؤمن بأن الرسالة قد جاءته من طريق التلقين، وهو أقام تمييزاً واضحاً بين ما تلقاه من طريق الوحي أو التلقين وبين أفكاره وأقواله الخاصة. من هنا، جاء أسلوب القرآن بشكل رئيس على شكل خطاب موجّه إلى محمد، وليس كخطاب موجّه من محمد إلى أتباعه مباشرة، وإنما يؤمر بشكل مكرر بنقل هذه الرسالة إليهم. فالمتحدث في القرآن هو الله، والنبي هو المُخاطب الذي يتوجّه إليه الله بالوحي.

*أستاذ جامعي وباحث لبناني في الفلسفة والفكر الإسلامي

اقرأ أيضا: المستشرق مونتغومري وات وكتاب "مدخل إلى القرآن".. قراءة معاصرة (1من2)