قضايا وآراء

لماذا الأردن قلق من اتفاق التطبيع الإماراتي البحريني الإسرائيلي؟

1300x600
على الرغم من أن النظام الأردني يرتبط باتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني منذ عام 1994، إلا أن الأردن يبدي عدم ارتياح وقلقا سياسيا كبيرا من هذه الاتفاقيات، ويراها تصب في غير الصالح الأردني والقضية الفلسطينية سياسيا.

لكن لماذا جاء هذا التطبيع العربي الإسرائيلي في هذه المرحلة؟

ولماذا ينزعج الأردن من هذه الاتفاقيات؟

وما هي المساحات التي يتحرك فيها الأردن للمحافظة على مصالحه ومصالح القضية الفلسطينية؟

(1) لماذا جاء الاتفاق الإماراتي البحريني الإسرائيلي في هذا التوقيت؟

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قيام اتفاق إماراتي إسرائيلي، وتم بعد ذلك توقيع اتفاق السلام البحريني الإماراتي الإسرائيلي في 16 أيلول/ سبتمبر الجاري. هذا الاتفاق سعت له كل الأطراف (أمريكا وإسرائيل والإمارات والبحرين)..

لماذا جاء هذا الاتفاق؟

جاءت الرغبة الأمريكية في الاستعجال في إبرام هذه الاتفاقيات قبل الانتخابات الأمريكية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، لمحاولة دعم الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب في حملته الانتخابية، والتي يواجه فيها صعوبة أمام منافسه جو بايدن الذي يتفوق عليه في استطلاعات الرأي الشعبية. هذه الاتفاقيات من وجهة نظر حملة ترامب سوف تعزز فرصه في النجاح، من خلال دعم الكتلة الانتخابية اليهودية في الولايات المتحدة.

أيضا جاءت الرغبة الإسرائيلية في إبرام هذا الاتفاقيات لعدة أسباب، منها محاولة نتنياهو تعزيز فرصه فيما لو جرت انتخابات إسرائيلية مبكرة وتم إنهاء اتفاق الحكومة الائتلافية مع حزب ابيض ازرق، كما يسعى نتنياهو إلى تحييد الكتلة السياسية الخليجية من الصراع مع الشعب الفلسطيني على الأرض؛ التي يسعى إلى قضمها وتصفية القضية وفقا لقواعده ومنظوره السياسي، أيضا محاولة منه التغطية على فشله في إعلان ضم 30 في المئة من أراضي الضفة الغربية والذي كان محددا بتاريخ 1 تموز/ يوليو 2020، والذي عارضه الاتحاد الأوروبي واعتبره عملا غير مشروع، فذهب نتنياهو لتطبيع العلاقات مع الدول الخليجية وتقديم هذا التطبيع على أنه إنجاز سيدر المليارات على الكيان الصهيوني، وأن تأجيل الضم هو استحقاق لهذه الاتفاقيات.

خليجيا، ذهبت الإمارات والبحرين إلى اتفاقية السلام مع إسرائيل، مع أنهما لم تخوضان يوما حرب مع الكيان الصهيوني ولا تربطهما حدود جغرافية مع الكيان.

فهذه الدول تعتقد أن الولايات المتحدة تقوم بعملية انسحاب بطيء من المنطقة، وأنه يجب أن يكون هناك حليف مستمر في المنطقة لمواجهة الأحلاف السياسية التي بدأت تتكون في المنطقة (التحالف الإيراني والأقليات الشيعية في الدول العربية والصين، ومواجهة أيضا التحالف القطري التركي مع الإسلام السياسي في الدول العربية). أرادت الإمارات بهذا الاتفاق أن تشكل تحالفا رسميا مع إسرائيل؛ يستهدف التمدد الإيراني في المنطقة، ويستأصل الإسلام السياسي على اعتبار أنه واجهة التحالف القطري التركي الشعبي في الدول العربية.

عقد هذه الاتفاقية حرك سوق السلاح في أمريكا، من خلال موافقة البيت الأبيض على منح إسرائيل أسلحة من طائرات متطورة وقنابل تدمر التحصينات، بما يضمن تفوق إسرائيل عسكريا في المنطقة إلى 20 سنة قادمة، في ذات الوقت يجري الحديث عن بيع الإمارات طائرات F35 التي تضمن لها التفوق في مجال الطيران في المنطقة بعد الكيان الصهيوني، وخاصة أن الرئيس الأمريكي في حفل توقيع اتفاق التطبيع أشار إلى إمكانية توقيع اتفاق عادل مع ايران فيما لو تم إعادة انتخابه لدورة ثانية كرئيس للولايات المتحدة، وهذا ما أثار مخاوف إسرائيل والإمارات معا.

(2) لماذا الأردن قلق من هذه الاتفاقيات

يستغرب البعض هذا التحفظ المشوب بالحذر من قبل الدولة الأردنية على اتفاقيات التطبيع، خاصة أن الدولة الأردنية قد ارتبطت بمعاهدة سلام مع الكيان الإسرائيلي منذ عام 1994. فالأصل أن تكون هذه الاتفاقيات منسجمة مع الخط السياسي الأردني في المنطقة، لكن على أرض الواقع الأردن منزعج وقلق من تلك الاتفاقيات لعدة أسباب:

- يرى الأردن أن هذا الاتفاق يهدد الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس الشريف، هذه الوصاية على الحرم القدسي التي تم النص عليها في اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية في عام 1994، وبعد ذلك في الاتفاقية المبرمة مع الرئيس الفلسطيني قل عدة أعوام، والتي أكدت الوصاية الهاشمية على تلك المقدسات التي يتمسك بها النظام السياسي الأردن، لما تمنحه من شرعية دينية، ومن أوارق قوة إقليمية في القضية الفلسطينية.

وقد ورد نص في الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بأن من حق المسلمين الراغبين في زيارة المقدسات الدينية في القدس القدوم إليها من خلال الإمارات، إذ يرى الأردن في ذلك تزاحما على دوره في المقدسات الدينية في القدس الشريف.

- يخشى الأردن من اندفاع مزيد من الدول العربية إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، حيث تشير التسريبات إلى أن السودان يمكن أن يطبع العلاقات مع إسرائيل بضغط أمريكي، رغم اختلاف الجناح المدني مع العسكر في مجلس الحكم الانتقالي، حيث يقبل العسكر بتطبيع العلاقات مقابل رفع اسم السودان من قوائم الإرهاب الأمريكية، وهذا ما يتحفظ عليه رئيس الحكومة حمدوك ويرى أنه أمر بالغ التعقيد ويحتاج إلى نقاش مطول وتلمّس مصالح السودان قبل الذهاب إليه. وكذلك يجري الحديث عن محاولة ضم المغرب إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، رغم خشية المغرب على مكانته كرئيس للجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي.

الأردن يرى أن انضمام دول عربية أخرى إلى اتفاق التطبيع دون منح الشعب الفلسطيني حقوقه التي أقرتها المبادرة العربية في 2002 والشرعية الدولية؛ يفقد القضية الفلسطينية زخمها الدولي وعناصر قوتها، ويسهل على الكيان الصهيوني ابتلاع الأرض وإنهاء حلم إقامة الدولة الفلسطينية.

- لا يثق الأردن في وقف تنفيذ قرار الضم مقابل تطبيع العلاقات الإماراتية مع إسرائيل، فهو يعلم أن إسرائيل يمكنها تأجيل بعض مشاريعها، لكنها تبقى على أرض الواقع تعمل من أجلها وتفرضها واقعيا. فهو يدرك أن وقف الضم جاء متعلقا برفض الاتحاد الأوروبي والشرعية الدولية لهذه الخطوة، وأن الإسرائيلي سوف يبقى يعمل على الضم من خلال خطة عمل متدرجة وبطيئة وسوف يعلنها متى ما سمحت له الظروف السياسية والإقليمية بذلك. وبهذه الاتفاقيات يكون الإسرائيلي حصل على علاقات مع دول عربية محورية في المنطقة، دون أن يعطي للشعب الفلسطيني أيا من حقوقه على الأرض.

-هذه الاتفاقيات تؤثر على المكانة الجيوسياسية للأردن، إذ ظلت الجغرافيا الأردنية المحاذية لأكبر خط مواجهة مع الكيان الصهيوني والذي يمثل رأس المشروع الأمريكي في المنطقة؛ العامل الرئيسي في تعامل الأمريكان مع الأردن ودعم نظامه السياسي، وتوفير الدعم المالي له من خلال تقديم الأمريكان وحلفائهم مساعدات مالية تصل إلى 25 في المئة من ميزانية الأردن السنوية. هذا الموقع الجيوسياسي للدولة الأردنية أصبح مهددا بإبرام مثل هذه الاتفاقيات، مما قد يوثر على الدور الأردني المستقبلي في المنطقة والقضية الفلسطينية، ويؤثر أيضا على حرص الولايات المتحدة الأمريكية في التمسك بالأردن ودعمه في ظل تراجع المكانة الجيوسياسية له في المنطقة.

- الأردن الرسمي وإن لم يصرح بشكل علني، لكن كثيرا من الساسة الأردنيين يرون الاتفاق دون علم عمان والتنسيق معها طعنة كبيرة في الخاصرة، بل إنها طعنة سياسية نجلاء للصدر الأردني حتى وصلت إلى القلب السياسي للعاصمة عمان، وأن ارتدادات هذا الاتفاق ستكون كبيرة على الوضع المحلي الأردني الذي يخشى من تهديد هويته الأردنية من خلال الضغط الصهيوني بترحيل مزيد من الفلسطينيين الذين يمثلون أكبر تجمع لجوء في العالم للاجئين الفلسطينيين، وكل ذلك من شأنه تهديد الهوية الأردنية واستقرارها السياسي.

- الأردن ينظر إلى تلك الاتفاقيات على أنها خطوة ونجاح إسرائيلي كبير على طريق فرض إسرائيل خطة صفقة القرن واقعيا، وإنهاء حلم الفلسطينيين في إقامة الدولة الفلسطينية، وتعرضه (الأردن) مجددا إلى أزمة لجوء فلسطيني أخرى.

(3) كيف سيتعامل الأردن مع تلك الاتفاقيات؟

واضح أن الأردن رسميا لن يدخل في أي صراع أو صدام مع دولة الإمارات أو دولة البحرين، حيث أن هناك أكثر من 800 الف أردني يقيمون في الخليج العربي، وهناك أكثر من مليار وربع المليار دولار يقدم كمساعدات خليجية أوروبية للأردن سنويا.

يتحرك الأردن بمساحة دبلوماسية من خلال دعم القيادة الفلسطينية الحالية، ومحاولة وقف قدوم قيادة فلسطينية يتم التحضير لها محسوبة على صفقة القرن وتقديم تنازلات كبيرة فيما يخص إقامة الدولة الفلسطينية. ما يسعى إليها الأردن في كل الوسائل مواجهة أي محاولات مستقبلية لحل القضية الفلسطينية على حسابه.

نشط الأردن في الأسابيع الأخيرة مع مصر، باعتبارها أيضا متخوفة من علاقات التطبيع الجديدة مع الإسرائيلي، على اعتبار أن مثل تلك الاتفاقية تؤثر على الدور المحوري الكبير لمصر في القضية الفلسطينية، إلا أن محددات الدولة المصرية وطبيعة العلاقات التي تربطها في دول الخليج التي طبعت العلاقات مع إسرائيل؛ تحول دون انخراطها في توجهات الأردن تجاه هذه الاتفاقيات، فحاجة مصر للمال الخليجي والدعم الخليجي في مواجهة الإسلام السياسي الذي يعتبره النظام المصري على رأس سلم أولوياته في الخصومة والعداء؛ لن تجعل النظام المصري متناغما مع النظام الأردني بشكل كبير في ما يتعلق بملف القضية الفلسطينية في هذه المرحلة.

الأردن لديه مساحة للتحرك في المنطقة الأوروبية للتأكيد والمطالبة بأن السلام مع إسرائيل يجب أن يكون مقابل الأرض، وأن السلام الذي تريده إسرائيل (السلام مقابل السلام) سيكون أكبر ضربة تتلقاها القضية الفلسطينية وسيعمق أزمة الشعب الفلسطيني والدولة، مما يوتر المناخ السياسي الإقليمي ويؤثر على الأمن الإقليمي.

مبررات قلق الأردن مفهومة وفي مكانها، إلا أن خياراته وهوامشه في المناورة السياسية في هذا الملف قد تكون ضيقة، وأن ظروفه الاقتصادية وتبدل خارطة التحالفات الإقليمية يضعه في مربع ردة الفعل لا المبادرة والفعل نفسه، مما يضاعف من الخطورة على مستقبل الأردن وهويته الأردنية من الآثار المترتبة على العلاقات الإسرائيلية العربية المستجدة.