بقرار من العاهل الأردني الملك
عبد الله الثاني، تم
تشكيل لجنة للإصلاح السياسي في الأردن في عام 2021 م، وتم تكليف رئيس الوزراء
الأسبق سمير الرفاعي برئاسة اللجنة المكونة من 92 عضوا، مثلت اللجنة معظم التيارات
السياسية بما فيها الإسلام السياسي، كما أن اللجنة -التي حظيت بدعم كبير من العاهل
الأردني-، استطاعت أن تنجز حزمة من
الإصلاحات السياسية المؤثرة، وتم إقرار قوانين
هذه الإصلاحات السياسية من مجلس الأمة، وأصبحت هذه القوانيين سارية المفعول منذ أن
صادق الملك عليها.
(1) أبرز التعديلات
انصبت التعديلات السياسية التي تمخضت عنها لجنة
الإصلاح السياسي على تعديل محركات العمل السياسي الأساسية، الدستور، وقانون
الانتخابات البرلمانية، وقانون
الأحزاب.
جاءت التعديلات الدستورية ليكون الدستور منسجما مع
التعديلات التي جرت على قانون الانتخابات البرلمانية وقانون الأحزاب، وبقيت
السلطات الواسعة بيد العاهل الأردني فيما يتعلق بتشكيل الحكومة وإقالتها وقبول
استقالتها وحل مجلس النواب أيضا، دون أي تعديل عليها في الدستور. وتم تعليل عدم
التعديل على صلاحيات الملك في تشكيل الحكومة وحل مجلس النواب، بأن صلاحيات الملك
بتكليف رئيس التحالف الأكبر داخل مجلس النواب سيكون محكوما بالعرف دون النص على
ذلك، وأن سلطات الملك الواسعة في حل مجلس النواب ستكون لحماية الحياة البرلمانية
من حالات الاستعصاء السياسي في المستقبل، التي تصيب الأنظمة البرلمانية عادة.
جاءت التعديلات الدستورية ليكون الدستور منسجما مع التعديلات التي جرت على قانون الانتخابات البرلمانية وقانون الأحزاب، وبقيت السلطات الواسعة بيد العاهل الأردني فيما يتعلق بتشكيل الحكومة وإقالتها وقبول استقالتها وحل مجلس النواب أيضا، دون أي تعديل عليها في الدستور.
وكان النصيب الأكبر من الإصلاحات السياسية بوضع قانون
انتخابات برلمانية جديد، الذي بموجبه انتهت حقبة قانون الصوت الواحد المطبق منذ
عام 1993، والذي تم سنّه بموجب قانون مؤقت وفقا للدستور الأردني آنذاك، قانون ناضلت
الأحزاب السياسية على مدار ثلاثة عقود للتخلص منه، حتى جاءت الإصلاحات السياسية
الأخيرة لتعلن انتهاء مرحلة وحقبة الصوت الواحد، والذهاب إلى قانون الانتخاب
المختلط (القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظات، وقائمة النسبية المغلقة
على مستوى الوطن).
كما تم تخصيص القائمة النسبية المغلقة للأحزاب فقط، وأُعطيت
القائمة النسبية المغلقة 41 مقعدا بما يساوي 30 في المئة من مقاعد مجلس النواب
القادم، على أن يتم رفع النسبة لتصل إلى 50 في المئة في البرلمان الواحد والعشرين، ليصبح عدد مقاعد القائمة النسبية المغلقة 70 مقعدا، فيما يتم رفع نسبة القائمة
النسبية المغلقة، بما لا يقل عن 65 في المئة في البرلمان الثاني والعشرين، ليصبح عدد
مقاعد القائمة المغلقة 91 مقعدا.
كما تم وضع عتبة انتخابية في القوائم النسبية المفتوحة
بمقدار 7 في المئة، ووضع عتبة انتخابية للقوائم الحزبية المغلقة 2.5 في المئة. ولأول
مرة يتم إدخال نسبة الحسم على نظام الانتخابات الأردنية، وأبقى القانون على الكوتا
للمرأة والمكونات العرقية والدينية في الأردن. وتم إغلاق القانون وجعله غير خاضع للتعديل
إلا بموافقة ثلثي أعضاء المجلس، وفي ذلك رفعت حصانة القانون من التعديل ليجعله
بحصانة أقرب إلى الحصانة التي تتمتع بها النصوص الدستورية.
أما التعديلات على قانون الأحزاب، فجاءت باشتراط أن
يكون عدد المنتسبين للحزب المرخص عند عقد مؤتمره التأسيسي بما لا يقل عن ألف عضو،
وضمن اشتراطات تتعلق بنسبة عضوية للمرأة والشباب والانتشار الجغرافي للحزب، والأهم
من كل ذلك إسقاط عضوية النائب المنتخب على القائمة الحزبية المغلقة من عضوية مجلس
النواب إذا سقطت عضويته في الحزب الذي ينتمي له، ليجعل الولاية العامة لقيادة
الأحزاب على أعضاء المجلس.
(2) توجس وتبرير
هذه الإصلاحات السياسية تُقرأ كرغبة خاصة للعاهل الأردني في تهيئة كل الظروف السياسية لاستلام ولي العهد الأمير الحسين في المستقبل مملكة مستقرة سياسيا. وينطلق هذا الرأي من التصريح السابق للعاهل الأردني في الصحافة الأجنبية، بأنه سوف يسلم ابنه مملكة غير التي استلمها.
منذ اللحظة الأولى لتشكيل اللجنة الملكية المكلفة من
العاهل الأردني، بدأت حملة التوجس والتشكيك من قبل بعض القوى السياسية بجدية
الإصلاح، ومحاولتهم إظهار الأمر وكأنه محاولة رسمية لتجميل صورة الأردن الخارجية.
لكن من كان يتابع المشهد الداخلي والخارجي للأردن، يجد
أن إعلان الرغبة الملكية في الإصلاحات السياسية جاءت بعد قدوم الرئيس الأمريكي جو
بايدن للسلطة، الذي تربطه علاقات وثيقة مع القيادة الأردنية، وتنسجم معه في كثير
من الملفات على مستوى الشرق الأوسط.
أما على المستوى الداخلي، فقد جاءت الإصلاحات والرغبة
الملكية في وقت كان الشارع الأردني يشهد حاله ركود وهدوء ملحوظ، ولم يكن هناك أي
احتجاجات مؤثرة في الشارع، إذ كان بعض الاحتجاجات يصل إلى العشرات أو المئات في
أكثر تقدير في منطقة الدوار الرابع؛ الميدان الذي أسقط حكومة رئيس الوزراء هاني
الملقي في رمضان من عام 2019.
لكن التفسير الأقرب لمجيء هذه التحديثات، أن التوجه
الملكي جاء باتجاه الذهاب إلى الإصلاحات السياسية من قناعة ملكية بضرورة الإصلاح
السياسي، كبوابة للإصلاح الاقتصادي الذي يعيش حالة من الاختناق والركود، فيما تنمو
المديونية العامة وتزداد البطالة بعد أزمة كورونا مع ارتفاع نسبة التضخم وتآكل
الدخول؛ إذ إن الوضع الاقتصادي يمثل حالة التهاب عصب سياسي يضغط على الإدارة
الأردنية، فكان هذا التوقيت مناسبا لإشراك الشعب في صناعة القرار، وإعادة
سلطة الشعب للشعب ليدير موارده ويعيد توزيع ثرواته، من خلال حكومة برلمانية
سيتم تشكيلها من التحالف الأكبر داخل البرلمان الثاني والعشرين.
كما أن هذه الإصلاحات السياسية تُقرأ كرغبة خاصة
للعاهل الأردني في تهيئة كل الظروف السياسية لاستلام ولي العهد الأمير الحسين في
المستقبل مملكة مستقرة سياسيا. وينطلق هذا الرأي من التصريح السابق للعاهل الأردني
في الصحافة الأجنبية، بأنه سوف يسلم ابنه مملكة غير التي استلمها.
التوجس والتشكيك من قبل المعارضة لم يتوقف، ورأت المعارضة في تشكيل مجلس الأمن القومي الذي أثار اللغط في الأوساط السياسية تفريغا للحكومة البرلمانية، وتجريدها من سلطاتها وولايتها العامة قبل أن تولد.
التوجس والتشكيك من قبل المعارضة لم يتوقف، ورأت
المعارضة في تشكيل مجلس الأمن القومي الذي أثار اللغط في الأوساط السياسية تفريغا
للحكومة البرلمانية، وتجريدها من سلطاتها وولايتها العامة قبل أن تولد، لكن التبريرات
الرسمية لتعديل الدستور وتشكيل هذا المجلس؛ أنه سيتشكل من رئيس الوزراء ووزير
الدفاع ووزير الخارجية ووزير الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية، وثلاثة أعضاء يختارهم
العاهل الأردني لإدارة ملف العلاقات الخارجية والأمن الداخلي في حالة الضرورة؛ للحفاظ
على الأمن الداخلي الأردني، وللحفاظ على نسق السياسة الخارجية الأردنية المحكومة
بتوازنات تقاس ببيض النمل نتيجة لأوضاع الإقليم الحساسة، مما يستوجب جعل هذه الملفات
خارج التجاذبات السياسية ومحاصصة الأحزاب الائتلافية عند تشكيل الحكومة البرلمانية،
مع العلم أن نصف المجلس سيكون من أعضاء الحكومة المنتخبة؛ مما يجعل الحكومة المنتخبة
شريكة في قرارات هذا المجلس، ويتم المزج ما بين الخبرات الأمنية والدبلوماسية من
التكنوقراط وخيارات الشعب في إدارة هذه الملفات الحساسة.
كما تدلل القوى السياسية المتوجسة على تخوفاتها من أن التدرج
في زيادة حصة القائمة النسبية المغلقة المخصصة للأحزاب ليس أكثر من شراء للوقت، وأن
تلك التعديلات سيتم التراجع عنها بعد أن تتغير الظروف الداخلية والخارجية. ورغم كل
التعديلات التي جرت وعلى أهميتها، إلا أن خفض العتبة الانتخابية في القوائم
النسبية المغلقة سوف يُنتج برلمانا معلقا بالمعنى السياسي؛ سيكون أي حزب فيه عاجزا
عن تشكيل حكومة برلمانية منفردا، وأن الحكومات القادمة ستكون حكومات ائتلافية تقوم
على فكرة المحاصصة السياسية وليس البرامجية المثمرة.
لكن لجنة الإصلاح ترى بأن التدرج جاء لإنضاج التجربة
قبل الانتقال الكامل لخيار الشعب في اختيار السلطة، وحتى لا نكون أمام نزوات
سياسية مستعجلة تؤثر على سلامة التجربة واستمراريتها نتيجة حداثة التجربة. أما
بخصوص العتبة الانتخابية، فإن اللجنة ترى أن العتبة في القوائم النسبية المحلية هي
من أعلى العتبات الانتخابية في العالم، أما العتبة في القوائم النسبية المغلقة
المخصصة للأحزاب، فهي تنسجم وتتشابه مع معظم الأنظمة الانتخابية للدول الحديثة.
تستمر المعارضة في التوجس والتخوف والتشكيك، وخاصة بعد
إقرار قانون الجرائم الإلكترونية الذي غلّظ العقوبات على جرائم الذم والقدح
والتحقير، وتوسيع دائرة الفعل المجرّم كمؤشر على عدم وجود نية رسمية للإصلاح
السياسي، وأن ما تم تقديمه في التعديلات السياسية لم ينعكس على المناخ السياسي العام.
وتبرر الحكومة أن الفضاء الإلكتروني يشهد حالة فوضى
تؤثر سلبا على نضوج التجربة وتطورها، وتفسح المجال للشعبوية الرخيصة المبنية على
الإشاعة والتضليل الذي يُفقد ثقة الشعب بكل ما هو رسمي، وهذا لا يخدم العملية
السياسية ولا الإصلاح السياسي المنشود.
(3) كيف سيكون المشهد السياسي القادم؟
تستمر المعارضة في التوجس والتخوف والتشكيك، خاصة بعد إقرار قانون الجرائم الإلكترونية، الذي غلّظ العقوبات على جرائم الذم والقدح والتحقير، وتوسيع دائرة الفعل المجرّم كمؤشر على عدم وجود نية رسمية للإصلاح السياسي، وأن ما تم تقديمه في التعديلات السياسية لم ينعكس على المناخ السياسي العام.
رغم كل التخوفات وتشكيك المعارضة الأردنية الداخلية والخارجية،
ورغم العزوف الشعبي عن المشاركة في الحياة السياسية بسبب الظرف الاقتصادي الصعب، فإن
المشهد السياسي خلال العقد القادم سيكون على هذا النحو:
سوف يبقى تيار اليمين الوطني الذي نشأ في مدن الأطراف
بعد الربيع العربي نتيجة للأزمة الاقتصادية رافضا للإصلاحات السياسية المقدمة، ويقيم
كل خطابه وبرنامجه على فكرة مكافحة الفساد، في حالة حرد سياسي، وسوف يقاطع
الانتخابات ويحرض على ذلك، خاصة بعد عدم ترخيص حزب الشراكة والإنقاذ، الذي حمل خطاب
وأولويات تلك الشريحة السياسية الوليدة.
كما أن الأحزاب الأردنية القائمة التي تم ترخيصها
والبالغ عددها 26 حزبا وفقا للقانون الجديد، لا تملك الاستعداد البنيوي للعمل
السياسي المؤثر، وسوف تبقى تعاني من ضعف الخطاب السياسي وتقديم البرامج التفصيلية، فيما
يخص مطالب واهتمامات الشعب الأردني الأساسية من صحة وتعليم وعمل وبنية تحتية.
انتشار الثقافة السياسية وأن الفساد المالي هو الذي
أوصل الدولة الأردنية إلى الحالة التي تعيشها من أزمة اقتصادية. هذا النوع من الانطباعات
الشعبية يؤشر على أن التصويت في أول انتخابات عام 2024 سيكون تصويتا عقابيا في القوائم النسبية المغلقة، وأن الناخب الأردني سيتوجه إلى الأحزاب الأيديولوجية التي
ترفع شعار مكافحة الفساد فقط دون تقديم برامج تفصيلية. لكن هذا التصويت العقابي لن
يؤثر عن المشهد السياسي في البرلمان القادم؛ كون عدد المقاعد المخصصة للأحزاب سيكون
محدودا، وأن التجربة والتدافع السياسي سيرشد معايير اختيار الشعب لممثليه في
الدورات القادمة.
المؤكد أننا بعد عقد من الزمان، سنكون أمام حكومة يكلّفها العاهل الأردني من الحزب أو التحالف الأكبر داخل مجلس النواب، لكن بعد أن نشهد ميلاد أحزاب جديدة وتفكك أحزاب أخرى ونضوج تجربة الشعب في اختيار من يمثله، ويخفت بريق الخطاب الأيديولوجي والخطاب الشعبوي.
الأحزاب الوطنية الوليدة تتمحور حول شخصيات رسمية
تقلدت مناصب رسمية وفشلت في إدارة المرحلة السابقة، وقليل من هذه الأحزاب الوطنية ستكون
القادرة على أن تقدم خطابا سياسيا برامجيا واقعيا، مما يعني أن كثيرا من هذه الأحزاب
سوف تفشل في الوصول للمجلس، مما سيحدث حالة كبيرة من حالات الفك والتركيب للحالة
الحزبية، إذ سوف تتفكك أحزاب وتولد أحزاب جديدة، وسوف تبقى هذه الحالة في التقلب
المستمر والدائم إلى عقد من الزمان، حتى ينضج المشهد الحزبي وتتمايز الأحزاب
ببرامجها، وتنضج التجربة الشعبية في الاختيار.
من
المؤكد أننا بعد عقد من الزمان، سنكون أمام حكومة يكلّفها العاهل الأردني من الحزب أو
التحالف الأكبر داخل مجلس النواب، لكن بعد أن نشهد ميلاد أحزاب جديدة وتفكك أحزاب أخرى
ونضوج تجربة الشعب في اختيار من يمثله، ويخفت بريق الخطاب الأيديولوجي والخطاب الشعبوي،
وينحاز الشعب الأردني إلى الخطاب البرامجي التفصيلي الواقعي بشكل أكبر.