قضايا وآراء

كُفلاء إسرائيل.. وضمان وقف العدوان!

نزار السهلي
"يعرف الفلسطيني أكثر من غيره، معنى هراء الضامن العربي والأمريكي"- البيت الأبيض
"يعرف الفلسطيني أكثر من غيره، معنى هراء الضامن العربي والأمريكي"- البيت الأبيض
شارك الخبر
بلغة الأرقام، تزداد وتيرة الخرق الإسرائيلي لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، أكثر من 1300 ضحية بين جريح وشهيد، ونسف لعشرات المنازل، واستمرار للقصف المتعدد الأشكال والوسائل العسكرية برا وبحرا وجوا، وخرق للخطوط الصفراء والحمراء بنحو 410 خرقا، منذ إقرار الاتفاق في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي حتى كتابة هذه السطور.

ويمكن القول إن جرائم الإبادة مستمرة على هذا النحو في عموم فلسطين، التي تشهد مدن الضفة فيها سعيرا وانفلاتا غير مسبوق في اعتداءات المستوطنين، وعملية تطهير عرقي للمخيمات الفلسطينية. هذا الخرق ينسجم والسياسة الإسرائيلية المتبعة مع الوضع في لبنان بعد اتفاق وقف إطلاق النار منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وفي سوريا بعد سقوط نظام الأسد.

الخرق الإسرائيلي المفضوح، ليس في اتفاقات وقف إطلاق النار فقط، إنما في التعبير الفج عن العقلية الصهيونية المستعلية على كل القانون الدولي وعلى قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة وكل القانون الدولي الإنساني والسياسي المتعلق بالحقوق الفلسطينية والعربية، وفي تجربة الصمت الدولي عن كل جرائم الإبادة الجماعية في فلسطين، ثم في التصفيق والاحتفال المزعوم لاتفاقات وقف إطلاق النار، والإشادة بها من قبل الضامنين في الإدارة الأمريكية وحلفائها العرب المطبلين لاستئناف مسيرة سلمية تدل كل الوقائع على عكس ذلك تماما، فلا سلطة لهم ولا نفوذ على الطرف المعتدي، بل هناك ضامن رئيس وهو الولايات المتحدة؛ يدعم بشكل مطلق هذا الخرق كما هي العادة والعرف في السلوك الأمريكي المتعلق بحماية إسرائيل ودعم عدوانها وتبريره.

هناك ضامن رئيس وهو الولايات المتحدة؛ يدعم بشكل مطلق هذا الخرق كما هي العادة والعرف في السلوك الأمريكي المتعلق بحماية إسرائيل ودعم عدوانها وتبريره

يعرف الفلسطيني أكثر من غيره، معنى هراء الضامن العربي والأمريكي لالتزام المحتل بوقف قتله واقتلاعه من أرضه، ومعنى أن يدافع عن حقه في الهواء والماء والشمس والوطن والأرض، فمن هذه المعرفة الفريدة عن سواه، تعرف الشعب الفلسطيني أكثر على معنى الإرهاب، الذي هو ضحيته الأولى، فهل يعرف ضامنو اتفاق وقف إطلاق النار طبيعة عدو الفلسطينيين أكثر منهم؟

هذا هو السؤال الذي غدا بحجم جرائم الحرب والإبادة الجماعية المستمرة يوميا، وعلى مدار الوقت الفلسطيني الأشد إيلاما من بشاعة الاحتفاء بخطة ترامب لوقف إطلاق النار، وللسلام العقيم والمذل والآثم الذي ينخرط في كذبته الضامنون للجم الإرهاب الصهيوني، وتحت الأضواء هم ضامنون لحصار الضحية الفلسطينية والعربية، وبأن تحقيق هزيمتها المطلقة هدفٌ أزلي ومشترك بينهم وبين المحتل.

بالأمس كانت تكفي إدانة إعلامية لأي عدوان صهيوني، وبالأمس العربي الرسمي والفلسطيني كانت تكفي إطلالات الخطب والشعارات لتبرئة عجز الذات وتآمرها وتعليق الخيبة على المؤامرة وعلى مشجب الآخر، اليوم نمر بمرحلة شديدة العسر لخرق هذه القواعد ونحن نقف جميعا على باب الانحدار العربي، حيث لا ظهير ولا نصير للفلسطيني بالمعنى المنقذ والإيجابي، ولا فائدة أصلا من التعويل مجددا على أكاذيب تجميل التآمر على القضية الفلسطينية وعلى شعبها وعلى مقاومة المحتل.

شعب بعظمة الشعب الفلسطيني لا ينقصه سوى قيادة تؤمن طريقه، وتحتفظ بمبررات وجوده دون ترهيب وتأتأة وتلعثم، قيادة تستمد هيبتها من شعبها، لا من الاستجداء الأمريكي الإسرائيلي، ولا من التقزم أمام النفاق الدولي، قيادة تتعلم من شعبها، لا تحاول فرض أجندتها المستعارة من قاموس المحتل لتعليم شعبها وسائل الخنوع وفضائل الاستسلام له، وباعتبار القيادة والسلطة الفلسطينية والعربية واعية على شعوب جاهلة. فالمعتوهون الجهلة الذين صدقوا أن مذابح ومجازر النكبة الأولى، من دير ياسين وبحر البقر وكفر قاسم وغيرها، ستكون آخر جرائم الإبادة؛ هم أنفسهم ورثوا هذا الجهل بتصديق أن جرائم الحرب في غزة ستنتهي وأن نتنياهو وبن غفير وسموتريتش سيكونون آخر القتلة الفاشيين، إن قبلت الضحية التخلي المطلق عن حقها.

فجريان الدم الفلسطيني متواصل، منذ نيسان/ أبريل عام 1948 إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، والفلسطيني يقاوم، لم يهن، يخرج من غضب مذبحة إلى أخرى، وينهض من رماد هزيمة الى أخرى، تلك هي المأساة الفلسطينية التي يحاول البعض الفلسطيني تثبيت جذورها التي يحافظ عليها النظام العربي بتوفير بيئة نظيفة لها تضمن أن لا يقتلعها المحتل. ولا غرابة في ذلك؛ لمعرفة الفلسطيني الواسعة بأن مسلسل المذابح على يد المؤسسة الصهيونية سيكون المفتاح الذهبي للبوابة الصهيونية على أنظمة عربية مستسلمة للقدر الصهيوني.
هل سمع أحدٌ زعيما عربيا يدين الخرق الإسرائيلي والعدوان المستمر على غزة وبيروت وجنوب سوريا ولبنان، ويقول لترامب وبقية العالم هذا هراء وخديعة وكفاكم كذبا؟
فعلى طريقة المذبحة الأولى، تتابع المؤسسة الصهيونية لمدة عامين كاملين، وتتابع فصول العربدة والغطرسة سلوكا وتصريحات فاشية تحاصرها من كل الجهات، ولم تستمع لمهزلة قديمة في مقولة أن جرائم الإبادة والتطهير العرقي ونظام الفصل العنصري وغيرها؛ تعوق عملية السلام.

الكلام الفلسطيني والعربي المعاق، أمام الضامن الأمريكي والصهيوني، وفي تعابيره المبالغ في "لذتها" لاستمالة المحتل وداعم جرائمه، لم يمنع القاتل في الاستمرار في جرائمه، ولن يمنعه في المستقبل، لأن الفلسطيني أعزل وتتزعمه سلطة لا ترد عنه عزلته، وتحتضن قضيته أنظمة عربية ترى في وجوده مأساة لها ولمشاريعها، ولهذا يكون تدمير الفلسطيني وسحقه وتدمير مقاومته وتقطيع أوصاله وقطع زيتونه وحرقه، عنصرا من عناصر إحقاق السلام للصهيوني وتأمين مستعمراته وتوسيعها والاطمئنان عليه. ولذلك سمعنا وشاهدنا وتابعنا الترحيب المبجل بإعلان وقف النار، لكن بدون أن يضمن أحد عدم تكرار المذبحة بالفلسطيني.

وقد عبّرت السياسة العربية عن نفسها خلال عامي حرب الإبادة، بأن المشروع الصهيوني يمتلك لوبيات حول العالم وفي الولايات المتحدة، صحيح أصيبت سرديته في مقتل، وأظهرت فاشيةَ إسرائيل شجاعةُ بعض السياسيين والنخب الغربية للتحرر من هذه السردية، لكن هذا المشروع يمتلك أهم كفلاء له في الأنظمة العربية، بدليل بسيط؛ أننا لا زلنا نحفظ أسماء غير عربية عندها من الشجاعة والمروءة والإنسانية التي تمكنها من القول - أمام ترامب وأمام شعوبها- إن إسرائيل دولة مجرمة ترتكب جرائم إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني. وهي مواقف وأسماء تكفل للمؤمن بعدالة وحرية وحق الشعب الفلسطيني تحقيق أدنى مستويات التضامن الفعلي مع القضية. فهل سمع أحدٌ زعيما عربيا يدين الخرق الإسرائيلي والعدوان المستمر على غزة وبيروت وجنوب سوريا ولبنان، ويقول لترامب وبقية العالم هذا هراء وخديعة وكفاكم كذبا؟

x.com/nizar_sahli
التعليقات (0)