سياسة عربية

أوساط إسرائيلية ترصد "تحولا" في خطاب مشعل بعد حرب غزة

مشعل قدّم المقاومة لا الدبلوماسية كمدخل وحيد لاستعادة السيادة والكرامة- جيتي
مشعل قدّم المقاومة لا الدبلوماسية كمدخل وحيد لاستعادة السيادة والكرامة- جيتي
شارك الخبر
توقفت أوساط إسرائيلية عند الأداء السياسي الذي بدأت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إبرازه في مرحلة ما بعد انتهاء حرب الإبادة في غزة، ولا سيما الخطاب الذي ألقاه عضو مجلس قيادة الحركة خالد مشعل قبل أيام، خلال مؤتمر لمؤسسة القدس الدولية في إسطنبول.

وذكرت رونيت مرزان، الباحثة في الشؤون الفلسطينية ضمن مجموعة أبحاث تمرور-بوليتوغرافيا وجامعة حيفا، أن "مشعل لم يكتف في خطابه بعرض موقف سياسي أو توصيف واقع عسكري في غزة، بل عمل على إعادة رسم حدود الكفاح الفلسطيني وهويته، مقدما غزة والقدس والمسجد الأقصى كمحور واحد لخطر وجودي شامل، وطارحا القضية الفلسطينية كنضال إقليمي وطني واسع ضد مشروع إسرائيلي-غربي يستحوذ على مساحة معينة".

اظهار أخبار متعلقة



وأضافت مرزان، في مقال نشره موقع زمان إسرائيل وترجمته "عربي21"، أن "خطاب مشعل بدا وكأنه حدّد التهديدات، واستحضر البدائل السياسية، واقترح خارطة طريق أيديولوجية استراتيجية، ترتكز على المقاومة لا الدبلوماسية، باعتبارها المدخل الوحيد لاستعادة السيادة والكرامة والاستقلال، ليس للفلسطينيين فقط، بل للفضاء العربي الإسلامي بأكمله".

وأشارت إلى أن "مشعل لم يصوّر القدس والمسجد الأقصى كهدف إقليمي فحسب، بل كرمز فائق، حيث إن تحريرهما يعني تحرير فلسطين، وتحرير فلسطين شرط لتحرير الأمة بأسرها من الاستعباد والإذلال والهندسة الإقليمية الإسرائيلية والغربية، ومن هذا المنظور يضع تسلسلا هرميا واضحا للمراحل".

ولفتت إلى أنه "على المستوى المباشر، شدد مشعل على المساعدات الإنسانية، وكسر الحصار، ورفض أي محاولة لإعادة تشكيل غزة، مع إنكاره التام لأي وصاية أو انتداب أو إدارة خارجية، في تعبير واضح عن إدراك سيادي حاد يرى أن الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى إدارة بل إلى حماية ومسار نحو الاستقلال، ويصوّر أي خطاب دولي بديل باعتباره خداعا وإنكارا لحق تقرير المصير".

وأضافت أن "على المستوى الاستراتيجي، وضع مشعل الدفاع عن مشروع المقاومة وأسلحتها كمبدأ أساسي، رابطا بين الشرف والسيادة والاستقلال والقوة العسكرية، ومستبعدا مسبقا شرعية المسار الدبلوماسي والقانوني باعتباره الطريق الوحيد، مع استحضار آيات قرآنية تحث على الجهاد والمقاومة، والتأكيد على أن السلام لا يصنع إلا بالأقوياء، وأن ألف طلقة لا تساوي طلقة من حديد".

وأكدت أن "هذه الطروحات ليست مجرد زخارف بلاغية، بل تشكل إطارا أيديولوجيا واضحا، يقوم على أن الحقوق لا تُنتزع عبر مجلس الأمن، بل بالقوة على الأرض، وفي الوقت نفسه يوسّع مشعل نطاق الصراع ليشمل كامل الفضاء الفلسطيني، من الضفة الغربية، إلى الأسرى في السجون، وفلسطينيي 1948، باعتبارهم ساحة واحدة مهددة بالتهويد والطرد والتشويه".

وأوضحت أن "من هذا المنطلق، طالب مشعل بتجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية، لا باعتبارها توصية أخلاقية، بل شرطا ضروريا للنصر، من دون سلطة حصرية أو قيادة واحدة أو قرارات أحادية، وفي الوقت ذاته قدّم غزة كساحة للتضحية والمبادرة، التي انبثق منها سيف القدس وطوفان الأقصى، محولا الكلفة البشرية والمادية الباهظة إلى رمزية للإنجاز والشرف، ومؤكدا مساهمتها الرمزية والعسكرية".

اظهار أخبار متعلقة



وأشارت إلى أن "مشعل لم يقدّم غزة كساحة صراع فحسب، بل كمساحة محمّلة بدلالات أخلاقية ووطنية، تعكس شرف الأمة العربية الإسلامية من جهة، وضمير الإنسانية من جهة أخرى، لتصبح مرآة مزدوجة تكشف شرف الأمة وإخفاقات ضمير العالم، ولذلك لا تستحق تعاطفا عابرا أو لفظيا، بل موقفا ومسؤولية وعملا".

وأضافت أن "مشعل دعا إلى تبني استراتيجية عربية إسلامية شاملة تقوم على الرفض التام للتطبيع، واعتبار إسرائيل عدوا وجوديا للمنطقة بأسرها، مع تصوير الأمة الإسلامية وقوتها ومقاومتها كبديل للنظام الدولي والدبلوماسية والمبادرات السياسية".

وأكدت أن "اختيار مشعل لشخصيتي صلاح الدين وسيف الدين قطز كنموذجين لم يكن عفويا، إذ يجسدان في التراث الإسلامي صورة القائد المحرر الذي ينهض في زمن الخطر الوجودي ويوحد الأمة ويقودها من الأزمة إلى النصر، ومن خلالهما يؤكد استمرارية التاريخ وإمكانية إعادة بناء النموذج في الحاضر".

وأضافت أن "على الصعيد الدولي الغربي، دعا مشعل إلى استثمار زخم نزع الشرعية العالمي لفرض حصار قانوني وسياسي وإعلامي واقتصادي على الاحتلال، في محاولة لنقل ساحة النضال من الهامش إلى مركز الساحة الدولية، مع حشد الشارع والأوساط الأكاديمية والنظام القانوني العالمي، بالتوازي مع العمل على إسقاط المبادرات السياسية التي تروج لها فرنسا والسعودية، معتبرا أن مصدر السلطة ليس المجتمع الدولي بل الأمة الإسلامية".

وأشارت إلى أن "هذه التصريحات تكتسب دلالة خاصة بالنظر إلى السياق الجغرافي الذي قُدمت منه، إذ تشكل الدوحة وإسطنبول مركزين جيوسياسيين يوفران لحماس شرعية وحماية ودعما سياسيا يصعب توفيره في ساحات فلسطينية وعربية ودولية أخرى، ما يجعل المدينتين أداة لإعادة تشكيل الوعي السياسي وتحدي محاولات نزع الشرعية عن الحركة، وفرض الاعتراف بها فاعلا لا يمكن تجاوزه".

اظهار أخبار متعلقة



وأضافت أن "مشعل يطرح مشروعا استراتيجيا شاملا للوعي، يقوم على الانتقال من منظور فلسطيني ضيق إلى مشروع وطني واسع، تتكامل فيه المقاومة والوحدة ورفض النظام القائم والنضال متعدد المسارات ضمن رؤية واحدة، في محاولة لوضع حماس وفصائل المقاومة ليس فقط كقيادة فلسطينية، بل كقوة قادرة على إنتاج نظام إقليمي بديل، وعلى المستوى الدولي يدعو مجددا إلى استثمار زخم نزع الشرعية لفرض حصار شامل على الاحتلال".

وختمت بالقول إن "خطاب مشعل يسهم في نقل ساحة النضال من الهامش إلى مركز الساحة الدولية، وقد يكون، من المفارقات، موجها أيضا إلى واشنطن، حيث يُقدّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب القادة المتشددين وخطاب القوة والردع، وقد يجد في شخصية مشعل وسرديته لغة مألوفة وجذابة، رغم طابعها الأيديولوجي العدائي".
التعليقات (0)