أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش"،
أن الضربات العسكرية الإسرائيلية في
لبنان كما في غزة، تعرقل هروب المدنيين من
ساحات القتال، وتمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها.
وقالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها اليوم: "إن الضربات الجوية الإسرائيلية على المعبر الحدودي
الرئيسي بين لبنان وسوريا في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، تُعيق المدنيين الذين
يحاولون الفرار وتُعرقل العمليات الإنسانية"، وأكدت أن "هذا الوضع يُعرض
المدنيين إلى مخاطر جسيمة".
وذكرت المنظمة، أنه وفي 2 أكتوبر/ تشرين
الأول، أفاد "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا)،
نقلا عن السلطات المحلية، أن نحو 177 ألف سوري و63 ألف لبناني دخلوا سوريا من
لبنان عبر الحدود البرية هربا من القتال. قبل تعرضه للهجوم، كان المعبر يُستخدم
لنقل المساعدات الإنسانية إلى لبنان".
وقطعت الضربات الإسرائيلية الطريق الرئيسية
بين لبنان وسوريا، وأفادت "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"
(مفوضية اللاجئين) بأن المعبر الحدودي، الذي شكّل الطريق الرئيسية للمدنيين
الهاربين من لبنان إلى سوريا، أُقفل بعد الهجوم. وأشارت تقارير في 4 أكتوبر/ تشرين
الأول إلى أن بعض الأشخاص ما زالوا يقطعون المعبر سيرا على الأقدام، ويتساعدون على
حمل الأطفال والحقائب بينما يشقون طريقهم بين الحفر على الطريق.
وفي تصريحات لوسائل الإعلام في 4
أكتوبر/ تشرين الأول، قال وزير النقل اللبناني علي حمية إن الضربة، التي حدثت داخل
الأراضي اللبنانية، قطعت الطريق التي كان يستخدمها المدنيون للهرب من البلاد. قال
عمال إغاثة لـ "بي بي سي"، إن تدمير الطريق عرقل أيضا وصول الغذاء
والمساعدات الإنسانية.
وأكدت "هيومن رايتس ووتش" أنها
حللت وحددت الموقع الجغرافي لفيديوهات وصور انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي،
تظهر فيها ثلاث حفر تقطع المسارب الثلاثة على طريق بيروت-دمشق، على بعد 500 متر
شرقي معبر المصنع داخل الأراضي اللبنانية، وعلى بعد خمسة كيلومترات من الحدود
السورية.
وأشارت إلى أن المتحدث باللغة العربية باسم
الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي زعم في 3 أكتوبر / تشرين أول أن حزب الله ينقل
أسلحة إلى لبنان من سوريا عبر معبر المصنع الحدودي. قال إن على الحكومة اللبنانية
تفتيش الشاحنات التي تدخل إلى لبنان، وأن تمنع دخول تلك التي تحمل أسلحة. تطرّق
أيضا إلى ضربات إسرائيلية حصلت في الأسبوع السابق، واستهدفت معابر حدودية أخرى زعم
أن حزب الله كان يستخدمها.
وفي 26 سبتمبر/ أيلول، ضرب الجيش الإسرائيلي
جسرا عند معبر مطربا الحدودي بين لبنان وسوريا، زاعما أن حزب الله كان يستخدمه
لنقل الأسلحة. وقال مدير المعبر للإعلام إن الضربة أوقعت ثماني إصابات بين موظفي
المعبر.
وأفاد "المرصد السوري لحقوق
الإنسان" في تقرير في اليوم التالي بأن الجيش الإسرائيلي نفّذ ضربة ثانية على
المعبر، ما أدى إلى إصابة أربعة عناصر من المخابرات العسكرية السورية وخروج المعبر
عن الخدمة.
بعد نشر مزاعم الجيشي الإسرائيلي، قال
الوزير اللبناني علي حمية إن الحكومة تراقب جميع المعابر الحدودية.
وقالت مفوضية اللاجئين إن المعابر الأربعة
الرسمية الأخرى بين لبنان وسوريا، وهي العريضة وجوسية والدبوسية وجسر القمر، لا
تزال سالكة.
وفي بيان نشره على "إكس" (تويتر
سابقا) في 3 أكتوبر/ تشرين الأول، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن غارات جوية
إسرائيلية قصفت قبل أربعة أيام شاحنة تنقل أسلحة كان حزب الله يحاول إدخالها إلى
لبنان دون تحديد موقع قصف الشاحنة.
جاءت الهجمات بعد خبر في الإعلام
الإسرائيلي، نُشر في 28 سبتمبر/ أيلول، مفاده أن الجيش الإسرائيلي قرر فرض حصار
عسكري على لبنان، وأن إسرائيل هاجمت جرافات حاولت إصلاح المعابر.
ولم تتأكد "هيومن رايتس ووتش" مما
إذا كان حزب الله قد استخدم معبر المصنع أو المعابر الأخرى لأغراض عسكرية.
إلا أن الهجمات على أعيان مدنية، مثل
الطرقات والمعابر الحدودية، تبقى خاضعة لقاعدة التناسب حتى عندما تتحول إلى أهداف
عسكرية ـ أي عندما تساهم فعليا في العملية العسكرية.
وأضافت: "تتضمن الهجمات غير المتناسبة
تلك التي يُتوقَّع أن تُلحق أضرارا مفرطة بالمدنيين والأعيان المدنية مقارنة
بالمكسب العسكري المباشر والملموس المتوقَّع منها. هذه الهجمات محظورة بموجب
قوانين
الحرب، ويتعين على الجيش الإسرائيلي أن يتأكد في كل مرة ينفذ فيها هجوما من
أن الخطر على السكان المدنيين لا يتجاوز المكسب العسكري المتوقع".
وأكدت "هيومن رايتس ووتش"، أن قوانين
الحرب لا تحظر حصار قوات العدو، لكنه يجب ألا يتضمن منع المدنيين عمدا من الحصول
على أغراض ضرورية لبقائهم على قيد الحياة، مثل المياه والطعام والدواء. ويُمنع
أطراف النزاع من منع أو عرقلة إجلاء المدنيين الراغبين بالهرب، إلا لأسباب أمنية
معينة أو لأسباب عسكرية قاهرة.
وشددت أن على "الأمم المتحدة" أن
تفتح فورا تحقيقا دوليا في الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، وعلى دولها
الأعضاء دعم هذا التحقيق. على الأمم المتحدة والدول الأعضاء ضمان إرسال المحققين
فورا لجمع المعلومات والوصول إلى استنتاجات في شأن انتهاكات القانون الدولي من قبل
الأطراف المتحاربة، ورفع التوصيات للمحاسبة.
وتعليقا على بيان الجيش الإسرائيلي في 4
أكتوبر/ تشرين الأول، الذي أشار فيه إلى أن قصف معبر المصنع جاء بسبب استخدامه من
قبل "حزب الله" لنقل الأسلحة، قالت "هيومن رايتس ووتش":
"حتى لو استهدفت هجمة إسرائيلية هدفا عسكريا مشروعا، قد تبقى غير قانونية إذا
كان يُتوقَّع أن تسبب أضرارا مدنية مباشرة غير متناسبة مع المكسب العسكري المتوقع.
إذا كانت قوات حزب الله تستخدم المعبر لنقل الأسلحة، فهي أيضا تتقاعس عن اتخاذ
جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها".
وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن على
حلفاء إسرائيل الرئيسيين تعليق الدعم العسكري ومبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، نظرا
إلى الخطر الفعلي من استخدامها لارتكاب انتهاكات جسيمة.
وأشارت إلى أن جيش
الاحتلال منع منذ 7
أكتوبر/ تشرين الأول 2023، المدنيين من الهروب من قطاع غزة، ومنع دخول المساعدات
الإنسانية التي يحتاجونها بإلحاح، وتحدى قرارات "محكمة العدل الدولية"،
وفرض حصارا يرقى إلى مصاف العقاب الجماعي، واستخدم التجويع كسلاح حرب.
وقالت: "على الحكومات، بما يشمل
الولايات المتحدة، ضمان أن يكون منع ارتكاب الفظائع من قبل جميع الأطراف في صلب
ردها على الأعمال العدائية. تعهد الرئيس بايدن في بداية ولايته بإجراء تقييم لخطر
حدوث فظائع في حالات مشابهة، وهو ملزم بأن يُطلع "الكونغرس" على هذه
الجهود. على الحكومة الأمريكية أن تنظر بجدية إلى إشارات التحذير في لبنان، وأن
تحث الشركاء الآخرين على القيام بالمثل".
وقالت لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش": "عبر قطع معبر المصنع في وقت
يحاول مئات آلاف المدنيين الهرب من الحرب بينما يحتاج كثيرون آخرون إلى المساعدات،
يُهدد الجيش الإسرائيلي بأضرار مدنية جسيمة. حتى لو استُخدم المعبر لأغراض عسكرية،
يتعين على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان الأضرار المدنية المتوقعة مقارنة مع المكسب
العسكري المتوقع تحقيقه من الهجوم".
وأضافت: "وسط الهجمات العسكرية
الإسرائيلية على المناطق المأهولة بالمدنيين في جميع أنحاء لبنان، والتي قتلت أكثر
من 1,400 شخص في غضون أسابيع، يحاول المدنيون يائسين العبور إلى سوريا بحثا عن
الأمان. يُخاطر حلفاء إسرائيل بالتواطؤ في هجمات غير قانونية، إذا ما استمروا في
تقديم الأسلحة وغيرها من الدعم الكبير رغم الخطر الواضح لارتكاب الفظائع".
من جهتها قالت رلى أمين، المتحدثة باسم
مفوضية اللاجئين، في إحاطة إعلامية في جنيف صباح 4 أكتوبر/ تشرين الأول:
"الوضع الأمني المتقلب والضربات الإسرائيلية المستمرة تُعرقل وتؤخر إمدادات
الإغاثة". قالت إن طائرة محملة بلوازم طبية لعلاج الصدمات وشحنة من عَمّان تحمل
أكثر من 20 ألف بطانية حرارية قد عُلِّقتا.
ومنذ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، وسّعت
إسرائيل نطاق الإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة، لتشمل معظم مناطق لبنان، بما
فيها العاصمة بيروت، عبر غارات جوية غير مسبوقة كثافة ودموية، كما أنها بدأت توغلا بريا
في جنوبه، متجاهلة التحذيرات الدولية والقرارات الأممية.
ووفق الأرقام الرسمية، فقد قتلت إسرائيل 2044
شخصا وأصابت 9678 منذ بداية القصف المتبادل مع "حزب الله" في 8 أكتوبر
2023، بينهم 1212 قتيلا و3427 جريحا، منهم عدد كبير من الأطفال والنساء، وأكثر من
1.2 مليون نازح، منذ أن بدأت إسرائيل بشن حرب واسعة على لبنان في 23 سبتمبر وحتى
مساء الأحد.
وتحل الاثنين الذكرى الأولى لبدء إسرائيل،
بدعم أمريكي، حرب إبادة جماعية في غزة، أسفرت، حتى اليوم، عن أكثر من 139 ألف قتيل
وجريح
فلسطيني، وما يزيد على الـ10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات
الأطفال والمسنين.
وتواصل "تل أبيب" حرب الإبادة متجاهلة قرار
مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع
أعمال "الإبادة الجماعية" وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.
اقرأ أيضا: "يديعوت": هل هي فرصة حقيقية لتغيير وجه الشرق الأوسط؟