جملة من الحقائق الجيوسياسية المرتبطة بحرب
غزة وساحاتها المتعددة في الإقليم، سلط الضوء عليها المديرالتنفيذي لميناء أم الرشراش (إيلات) "جدعون غولبر" بإعلان إفلاس الميناء؛ نتيجة تراجع عمليات الشحن من البحر الأحمر بنسبة 85%، وهجوم المسيرة القادمة من اليمن على مدينة يافا (تل أبيب)، فجر الجمعة 19 من تموز / يوليو من العام الحالي 2024.
فقدان البحر الأحمر قيمته الاستراتيجية
بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، يعد أبرز هذه الحقائق التي كشفها هجوم يافا وإعلان إفلاس
ميناء أم الرشراش (إيلات)، بتأثير من هجمات حركة أنصار الله الحوثية والفصائل
العراقية، فبعد أن كان البحر الأحمر والنقب حصنا منيعا وبوابة الكيان الإسرائيلي لأفريقيا
وآسيا وأستراليا ونيوزلندا، تحول إلى كابوس وعبء أمني وسياسي واقتصادي على الكيان
الإسرائيلي، وعلى داعميه، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، التي تخوض معارك بحرية
شبه يومية في البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي؛ دفاعا عن أمن الكيان الإسرائيلي.
فقدان البحر الأحمر قيمته الاستراتيجية بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، يعد أبرز هذه الحقائق التي كشفها هجوم يافا وإعلان إفلاس ميناء أم الرشراش (إيلات)، بتأثير من هجمات حركة أنصار الله الحوثية والفصائل العراقية.
هجمات الحوثيين، ومعركة طوفان الأقصى، عطلت
قطاعات الإنتاج المختلفة في النقب ووداي عربة وميناء أم الرشراش، خصوصا تلك التي
ترتكز على الزراعة في محيط غلاف غزة، فأغلب المستوطنين يعملون في الزراعة التي
توفر أغلب احتياجات الكيان الإسرائيلي، ويعد القطاع الوحيد المنتح إلى جانب ميناء أم
الرشراش (إيلات)، الذي يزود الكيان باحتياجاته من الأسواق الآسيوية، إلى جانب منشآت
حساسة كمفاعل ديمونا والقواعد العسكرية والجوية في النقب المحتل، التي باتت مكشوفة
للمقاومة
الفلسطينية واللبنانية واليمينة والعراقية.
المواجهة في البحر الأحمر أفقدت النقب ووادي
عربة قيمته الاستراتيجية تلقائيا، كقاعدة خلفية للاحتلال بعمق أفريقي وآسيوي
اقتصادي وأمني وسياسي؛ محولا الجنوب الفلسطيني إلى خاصرة أمنية واقتصادية
وديموغرافية رخوة يصعب الدفاع عنها، رغم الموارد التي حشدت لأجل ذلك برا وبحر وجوا
أمريكيا وأوروبيا، كما يصعب توظيفه في المواجهة مع المقاومة في قطاع غزة أو الضفة
الغربية التي تتصاعد فيها المقاومة، وتتطور من حيث الآداء والنطاق الجغرافي،
بالتوازي مع جبهة لبنان في الشمال التي باتت ضاغطة خلال الأسابيع القليلة الماضية.
فرغم أن الجنوب الفلسطيني (النقب، وادي
عربة، وأم الرشراش) يمثل 70% من مساحة الكيان المعلن على الأراضي الفلسطينة
المحتلة عام 1948، ما يقدر بـ 14.185كم من أصل 20 ألف كم2 من مجمل فلسطين المحتلة
عام 48، فإن منطقة النقب ووادي عربة وأم الرشراش محاطة جغرافيا بقطاع غزة غربا،
ومصر والبحر الأحمر واليمن جنوبا، والضفة الغربية من ناحية الشمال، والأردن من
ناحية الشرق، بشريط حدودي طويل ومكلف مع محيطه، فضلا عن كونه يكاد يخلو من السكان
في بعض المناطق، إذ يسكنه ما يقارب المليون نسمة، ثلثهم من العرب الفلسطينيين أي ما
يقارب 317 ألف نسمة، يتركزون في غلاف غزة ووسط النقب وأم الرشراش.
الحالة الأمنية الرخوة للنقب، عمقتها عميلة
طوفان الأقصى وهجمات الجيش اليمني التابع لحكومة صنعاء الحوثية، فالنشاط الاقتصادي
بات معطلا بفعل ضربات الجيش اليمني؛ ذلك أن الصورايخ البالستية والمجنحة والمسيرات
أصبحت روتينا شبه يومي، وجد طريقه إلى لواء يافا (تل أبيب) مؤخرا بقصف باغت
الاحتلال
من البحر المتوسط، وهو الهجوم الذي نقل المواجهة مع صنعاء وبيروت إلى مستوى جديد، ارتفعت فيه المخاوف والهواجس من استهداف مفاعل ديمونا وميناء، حيفا عقب الغارات
العدوانية التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على ميناء الحديدية اليمني، ما يعني أن
انهيار قطاع الزراعة ونزوح آلاف المستوطنين من غلاف قطاع غزة من الجنوب إلى الوسط
(لواء حيفا ولواء يافا) المتخم بالنازحين، سيكون حدثا متواضعا أمام التصعيد القادم
لما بعد حادثة الحديدة.
النقب الذي عول عليه الاحتلال ليكون عمقا
استراتيجيا في حالة
الحرب، حولته المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والجيش اليمني
التابع لحكومة صنعاء الحوثية إلى سراب وقصة فشل أمني واقتصادي وديموغرافي، فحركة
النزوح كبيرة نحو الوسط، والكثير من مشاريع بناء مدن (للحريديم) المتدينين اليهود، تعطلت لأسباب اقتصادية ناجمة عن العجوزات في موازنة الاحتلال، إلى جانب المخاطر الأمنية
الناجمة عن الحرب والمواجهة الدائرة في قطاع غزة والبحر الأحمر.
المواجهة في البحر الأحمر أفقدت النقب ووادي عربة قيمته الاستراتيجية تلقائيا، كقاعدة خلفية للاحتلال بعمق أفريقي وآسيوي اقتصادي وأمني وسياسي؛ محولا الجنوب الفلسطيني إلى خاصرة أمنية واقتصادية وديموغرافية رخوة يصعب الدفاع عنها.
بهذا المعنى، فإن الاحتلال الإسرائيلي فقد
القدرة عل المناورة العسكرية والسياسية والاقتصادية، والأهم من ذلك الديموغرافية؛ ما
دفع المستوطنين إلى حركة نزوح خفية باتجاه الجانب الرومي من جزيرة قبرص، فبعد أن
فقد الاحتلال عمقة في البحر الأحمر وصولا إلى أفريقيا وجنوب شرق آسيا والمحيط
الهندي والهادي، عاد ليبحث عن عمقه في البحر المتوسط وصولا إلى أوروبا، علما أن
الكيان المحتل يرزح تحت ضغوط متصاعدة، تهدد عمقه شرق المتوسط باندلاع مواجهة واسعة
مع المقاومة في لبنان بقيادة حزب الله، إلى جانب تدهور الوضع الأمني للمستوطنيين في
الضفة الغربية، الناجم عن الخط البياني الصاعد للمقاومة الفلسطينية.
ختاما..
الاحتلال لا يملك ترف خوض حرب استزاف طويلة،
فالواقع الجغرافي والجيواستراتيجي للاحتلال الإسرائيلي، لطالما فرض نفسه على الواقع
الأمني والاقتصادي والديموغرافي، وهي
عوامل ومحددات تتفاعل مع عامل الزمن، لتنتج نزيفا اقتصاديا وديموغرفيا، لم يعد بالإمكان
إخفاؤه، مترافقا مع فشل عسكري مركب على كل الجبهات، يزيده تعمقا وتأزما فشل النظام
السياسي الإسرائيلي ونخبته في اتخاذ قرار يوقف هذا النزيف، فضلا عن رسم ملامح
استراتيجية تسمح بوقف حالة التدهور التي لن يتمكن الاحتلال الحد من آثارها، فضلا
عن تجاوزها دون تقديم تنازلات ثقيلة للمقاومة ومعسكرها مستقبلا، فكلما طالت الحرب
زاد وزن وثقل التنازلات المطلوبة من الاحتلال وداعميه للتعامل مع الحقائق المتغيرة
على الأرض، سواء في لواء النقب أو لوائي حيفا ويافا.
https://x.com/hma36