كتب

"الطوفان الحرب على فلسطين في غزة".. كتاب جديد

يناقش بشارة في هذا الكتاب، كما يقول، حدثًا لمّا يزل كاتبه وقراؤه يعيشونه، ويبحث في موضوع كبير وممتد لمّا تُعرف خواتيمه بعد، ويصعب الإلمام بجميع مكوناته وآثاره.
يناقش بشارة في هذا الكتاب، كما يقول، حدثًا لمّا يزل كاتبه وقراؤه يعيشونه، ويبحث في موضوع كبير وممتد لمّا تُعرف خواتيمه بعد، ويصعب الإلمام بجميع مكوناته وآثاره.
أعادت الحرب المجنونة التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ عشرة أشهر القضية الفلسطينية إلى صدارة اهتمام العالم، ليس فقط لجهة حجم الجرائم التي ارتكبها الاحتلال وللاتهامات الموجهة له والتي وصلت حد وصمه بالإبادة الجماعية، وإصدار مذكرات توقيف دولية بحق قياداته على خلفية تلك الجرائم، وإنما لأن الأمر يتعلق بقضية تحرر وطني تجاهلها العالم لعقود طويلة، كما تجاهل حجم الانتهاكات المرتكبة فيها، وبتواطؤ دولي كذلك.

ومع أن الحرب لا تزال فصولها لم تكتمل بعد، كما لم تظهر كل جوانبها للعيان سواء تلك المتصلة بالجرائم نفسها، أو بالأطراف المتورطة فيها من الحلفاء التقليديين أو الجدد، فقد شهدت مراكز الأبحاث الاستراتيجية حول العالم نشاطا مكثفا في قراءة هذه الحرب: أسبابها ومآلاتها، حيث فشل الاحتلال المدعوم دوليا في تحقيق أهدافه المعلنة، ولم يفلح إلا في القتل والتدمير الكامل للقطاع.

المُفَكِّر والباحث والسياسي العربي الفلسطيني الدكتور عزمي بشارة المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ورئيس مجلس أمناء معهد الدوحة للدراسات العليا، بادر لإصدار كتاب "الطوفان الحرب على فلسطين في غزة"، في قراءة اعترف هو نفسه بأنها لن تكون مكتملة، وإنما مفتوحة بالنظر إلى أنها كتبت أثناء الحرب، حيث لا تزال رحاها تدور على أرض غزة.

يضمّ هذا الكتاب، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي يقع في 184 صفحة شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا، ومقدمةً وأربعة فصول.

ويركّز أول هذه الفصول في توسُّعٍ ـ وهو أطولها ـ على تقييم حرب إسرائيلية مجرمة لا تزال تجري في غزة، في إثر عملية "طوفان الأقصى"، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ويركّز كذلك على خلفية هذه الحرب ودوافعها، وأسباب استمرار إسرائيل فيها، وإخفائها مخططات ما تسميه "اليوم التالي"، على الرغم من الخسائر التي تلحق بها. ويكشف الفصل عن حجم جريمة ما ترتكبه إسرائيل من أعمال إبادة الجماعية وضد الإنسانية. أما الفصول الثلاثة الأخرى، فهي مقالات ومحاضرات مبنيّة على وقائع الحرب وتأثيرها ألقاها المؤلف بعد انطلاقتها، وقد جاءت مكمّلةً للفصل الأول.

يناقش بشارة في هذا الكتاب، كما يقول، حدثًا لمّا يزل كاتبه وقراؤه يعيشونه، ويبحث في موضوع كبير وممتد لمّا تُعرف خواتيمه بعد، ويصعب الإلمام بجميع مكوناته وآثاره.

ويضيف قائلًا: "صحيح أن الكتابة عن بعض جوانب ظاهرة اجتماعية ما من مسافة زمنية أبعد تكون أيسرَ، وأكثرَ إفهامًا للتفاصيل والوقائع، وأشدَّ أهميةً في التحليل الشامل، كما أنها مدعاةٌ لإلمامٍ أكبر بحقائق لا تُرى قبل انجلاء الغبار عنها، إلّا أن للقرب الزمني من الحدث ومعايشتِه فضائلَ أيضًا على الرغم من صعوبات الكتابة بأسلوب علمي مع استمرار الحرب".

تكمن أهمية كتاب عزمي بشارة، ليس فقط في موضوعه المتصل بأطول حرب عرفها الاحتلال الإسرائيلي منذ نشأته، وإنما أيضا بخبرة الرجل وتاريخه الفكري والسياسي، وبالقضية الفلسطينية برمتها، التي تبدو اليوم مقبلة على تغيرات دراماتيكية، في موقعها إقليميا ودوليا..
ووفق تقرير تعريفي نشره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بكتاب الطوفان، فإنه قد صدر بالتوازي مع إصدار الترجمة العربية لكتاب بشارة نفسه "قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة"، في خضمّ أُتون الحرب المجرمة التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة، والتي اكتسبت صفتَي "حربالإبادة الجماعية" Genocide؛ فبعد أن حسم الباحث أمره بشأن عدم جواز تجاهل أيّ إصدار جديد حربًا شاملة كالتي تُخاض ضد الشعب الفلسطيني، حتى لو كان ترجمةً لكتاب صدر قبل نشوبها، واجه حيرةً بين خيارات ثلاثة:

ـ يتمثّل الخيار الأول في إضافة مادةً إلى كتاب قضية فلسطين المترجَم لم تكن من صلبه، وتكون متعلقة بحرب غزة التي ما زالت تجري حتى اليوم، وبخاصة لأن الأحداث العظمى التي نشهدها حاليًّا بدأت تشكّل منعطفًا في تاريخنا.

ـ أما الخيار الثاني، فهو يتمثّل في إضافة فصل في نهاية الكتاب المترجَم عن حرب غزة، ولكن سرعان ما تبين للباحث أن هذا الخيار، قبل اتضاح نتائج الحرب، موسوم بـ "محدودية الضمان"، وقد يورط الكتاب كله بهذا الوَسْم.

ـ ولذلك، لجأ إلى خيار ثالث هو أن يكون هذا "الفصلُ" المقترحَةُ زيادتُه خارجَ الكتاب، على شكل كتاب أصغر يُرفق به؛ ومن ثمّ تكون قراءته منفردًا أمرًا ممكنًا. وهكذا، كان كتاب الطوفان الحرب على فلسطين في غزة، الذي كان الفصلُ المطلوب أولَ فصوله الأربعة (عملية طوفان الأقصى والحرب على غزة) وأطولها (71 صفحة)، في حين مثّلت الفصول الثلاثة الأخرى ثلاثة نصوص متفاوتة الحجم نشرها الكاتب في أثناء الحرب، وهي:

ـ الفصل الثاني "قضايا أخلاقية في أزمنة صعبة" (دراسة نُشرت في دورية تبيُّن، العدد 47، شباط/ فبراير 2024).

ـ الفصل الثالث "الحرب على غزة: السياسة والأخلاق والقانون الدولي" (محاضرة ألقاها بشارة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ـ الدوحة، في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023).

ـ الفصل الرابع "الحرب على غزة وأسئلة المرحلة" (المحاضرة الافتتاحية لأعمال الدورة الثانية للمنتدى السنوي لفلسطين التي قدمها بشارة يوم 10 شباط/ فبراير 2024 في الدوحة، والتي نظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية).

وقد جاءت فصول الكتاب الثلاثة، الثاني والثالث والرابع، مكمِّلةً للفصل الأول في معالجة قضايا لم يتوسع في تناولها. وقد يتفق القارئ مع الكاتب على أن قراءة الطوفان الأحداثَ الجارية تؤكد صحة تحليلات سلفه باللغة الإنجليزية، ثم كتابه بالعربية قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة واستنتاجاته؛ ذلك أنّ الهدف من إخراج هذا السِّفر الصغير هو فهْمُ ما يجري، والحفاظ على ذاكرة الضحايا المظلومين، عسى ألّا تذهب دماؤهم ومعاناة من بقي منهم حيًّا هباءً، وليس البحثَ في تاريخ منفصل لقطاع غزة والقضية الفلسطينية؛ فهو قد وُضع ليكمِّل الكتابَ المترجَم الذي يُمكن الرجوع إليه لفهم العديد من الخلفيات على نحو خاصّ.

تكمن أهمية كتاب عزمي بشارة، ليس فقط في موضوعه المتصل بأطول حرب عرفها الاحتلال الإسرائيلي منذ نشأته، وإنما أيضا بخبرة الرجل وتاريخه الفكري والسياسي، وبالقضية الفلسطينية برمتها، التي تبدو اليوم مقبلة على تغيرات دراماتيكية، في موقعها إقليميا ودوليا.. إذ لم يعد من الممكن القبول لا فلسطينيا ولا عربيا ولا إسلاميا ولا دوليا باستمرار الحال على ما هو عليه، وبات الحديث عن الدولة الفلسطينية أيا كان شكلها أمرا متداولا بل ومدعوما من مختلف القوى الدولية.. وهو نقاش لا شك أنه سيستمر لعقود طويلة بناء على فداحة الجرائم المرتكبة في هذه الحرب..
التعليقات (0)