كتب

الثورة السورية الكبرى 1925م ضد الاستعمار الفرنسي.. الأسباب والوقائع

بدأت الثورة السورية في المنطقة الجنوبية من سوريا (محافظة السويداء) وعلى إثر محاولة اغتيال المندوب السامي الفرنسي الجنرال غورو في 23 / حزيران / 1921م
بدأت الثورة السورية في المنطقة الجنوبية من سوريا (محافظة السويداء) وعلى إثر محاولة اغتيال المندوب السامي الفرنسي الجنرال غورو في 23 / حزيران / 1921م
الكتاب: "التاريخ الشفوي والوثيقة التاريخية-أحداث السورية الكبرى 1925- 1927 أنموذجًا"
الكاتب: نصار واكد واكد
الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق ، الطبعة الأولى 2022
(175 صفحة من القطع الكبير)


يسرد الباحث نصار في الفصل السادس  بعض أحداث الثورة السورية الكبرى، فيقول"ولم تكن معركة تل الحديد في الحادي والعشرين من تموز 1922م سوى نموذج مصغر لمعارك كبيرة ضد الفرنسيين، ألا وهي معارك الكفر والمزرعة والمسيفرة وراشيا والغوطة واللجاة، وليس من شك أن ما قدمته الثورة السورية الكبرى من تضحيات قد فاق حد التصور.

بدأت الثورة السورية في المنطقة الجنوبية من سوريا (محافظة السويداء) وعلى إثر محاولة اغتيال المندوب السامي الفرنسي الجنرال غورو في 23/ حزيران/ 1921م واتهام الثائر أدهم خنجر من جبل عامل ورفاقه بالاغتيال، وبدأت السلطات الفرنسية تلاحقهم، إذ حاول (أدهم خنجر) الالتجاء إلى شرق الأردن، وكان مروره بالقرب من بلدة (القريا) بلد سلطان الأطرش، ألقي القبض عليه وأُحيل فوراً إلى السويداء، وأودع في السجن ومن السجن، تمكن من إرسال رسالة إلى سلطان الأطرش للتوسط في أمره (دخلت دياركم مستجيراً، وأدخل في حرمكم وأولادكم)، اعتبر سلطان هذا العمل خرقاً للعادات والتقاليد ومخالفة للبند الثاني لعصبة الأمم، وبعد فشل المحاولات الدبلوماسية اتخذ سلطان ورفاقه مكاناً لقطع الطريق على السيارات التي تحمل السجين إلى دمشق، وفي 21/ تموز/ 1922م اشتبك الثوار مع المصفحات الفرنسية التي كانت تنقل السجين أدهم إلى دمشق، وكان من نتائج الاشتباك تحطيم مصفحة بطاقمها، وقتل الملازم بوكسان، وأسر طاقم المصفحة الثانية، وفرار الثالثة الموجود فيها السجين، وكان لهذا الاشتباك صدًى إيجابي كبير لدى السكان، ورد فعل فرنسي عنيف، فقد أمر الجنرال غورو بالتأديب بقسوة، فقصفت الطيارات الحربية دار سلطان وهدمتها، وأمر بملاحقته وملاحقة الثوار في كل مكان من سوريا.

ومن أهم الأحداث في تلك الفترة في دمشق إغلاق الصحف وتشريد الوطنيين خارج سوريا، وفي محافظة درعا هاجم الوطنيون رئيس الوزراء علاء الدروبي الذي نصبته فرنسا بعد إخراج فيصل وتم قتله مع معاونيه، وفي الشمال السوري لم تهدأ الثورات فقامت ثورة إبراهيم هنانو وثورة الشيخ صالح العلي، وفي دير الزور قامت حركة عصيان مسلح ضد الفرنسيين، وفي نيسان 1922م قوبل المستر كراين بالمظاهرات الهاتفة بإسقاط الاستعمار والمطالبة بالاستقلال والتحرر، كما تم نفي بعض الوطنيين كالدكتور عبد الرحمن الشهبندر وحسن الحكيم ومنير شيخ الأرض وتوفيق الحلبي، وتعتبر حادثة أدهم خنجر المشهورة تمهيداً للثورة السورية. وفي نيسان عام 1925م قوبل بلفور بمظاهرات منادية بسقوط وعده الصادر عام 1917م والمطالبة بالحرية والاستقلال، لهذا تدارك الوطنيون الأحرار بضرورة قيام حزب منظم يلم الحراك الوطني، وفعلاً نشأ حزب الشعب برئاسة عبد الرحمن الشهبندر بالتنسيق والاتصال مع المناطق السورية، كما نشأ حزب الاستقلال برئاسة شكري القوتلي وعادل أرسلان وفؤاد سليم وعادل نكد، ولكن نشاطه كان سرياً بسبب تفرق الوطنيين في مصر وفلسطين والأردن.

معركة الكفر 21 / 7 / 1925م

خرج سلطان الأطرش مع مجموعة صغيرة من الفرنسان من بلدته القريّا، في الثامن عشر من شهر تموز 1925م، متوجّهاً نحو قرى المنطقة الجنوبية، وعند وصوله إلى بلدة عرمان (الواقعة على مسافة كيلومترين من مركز ناحية صلخد) إذ استُقبِل بالنّخوات، والأهازيج، والزغاريد، تأييداً للثورة ضدّ المحتل الفرنسي.

أرسلت السلطات الفرنسية التي حُذّرت من مسيرة الثوار طائرتي استكشاف إلى عرمان لبث الذعر في نفوس السكان، فأطلق الثّوار النار عليهما، وأصابوا إحداهما وأرغموهما على الهبوط في قرية إمتان، وأُسِرَ طيّاراها، وأجارهما علي مصطفى الأطرش، ولم يتعرض لهما الثوار بسوء، ويعتبر ذلك أول إنجاز عسكري يقوم به الثوار.

وفي العشرين من شهر تموز 1925م، هاجم الثوار مركز صلخد فأحرقوا المبنى الحكومي، وأتلفوا أرشيف الشرطة والمخابرات، وأخذ الثوار يفدون إلى صلخد من جميع أنحاء القرى، وفي 21 تموز 1925م، تحرّك الثوار باتجاه قرية الكفر حيث كانت قوة فرنسية قد تمركزت فيها، وجرت هناك المعركة الأولى بين الفرنسيين والثوار، وكانت القوة الفرنسية (166 جندياً و7 ضبّاط) (وفقً للأرقام الواردة في البيان الرسمي للحكومة الفرنسية 13 آب 1925 م، من كتاب لوتسكي ص174).

طلب الثوّار من قائد الفرقة الفرنسية نورمان مغادرة المكان، فرفض الطلب، وكرر التهديدات المتضمّنة استعداده لقتال الثوّار على أحرّ من الجمر، نُقلت تهديدات نورمان إلى الثوّار، وكان الرد السريع.

وفي صباح الحادي والعشرين من تموز 1925م، تقدم الثوار وأكثرهم مشاة، والآخرون خيالة سلاحهم السلاح الأبيض، وجرت معركة الكفر التي لم تدم أكثر من أربعين دقيقة، حتى يتح لبعض الثوار الاشتراك فيها، إذ أبيدت الحملة بالكامل، وقتل نورمان ومعاونوه وجميع الضباط، وفرّ من تبقّى من القوة إلى السويداء لينقلوا خبر هذه الكارثة، وفي نفس الليلة انسحبت حامية السويداء كلها من المدينة، وتحصنت في القلعة التي كان يقيم فيها الحاكم المؤقت مارتان والموظفون الفرنسيون وأسرهم، أدى ذلك إلى قيام الثوار بمحاصرتهم، مما أجبر الفرنسيين بإمداد المحاصرين بالطعام عن طريق الجو، وتمكن الثوار من إسقاط أكثر من طائرة برصاص بنادقهم أثناء تحويمهما فوق القلعة.

أدى انتصار معركة الكفر إلى انضواء آلاف جديدة من الثوار تحت لواء الانتفاضة بحماس، وتجاوبت أصداء هذا النداء في المدن السورية وأريافها.

معركة المزرعة

لو علم العرب ما جرى للفرنسيين في معركة المزرعة لاعتبروه يوماً قومياً (من مذكرات ضابط فرنسي).

ـ أرسل الجنرال ساراي حملة كبيرة بقيادة الجنرال ميشو من أجل إنقاذ الفرنسيين المحاصرين بالقلعة ولإعادة احتلال السويداء، ووصلت طلائعها إلى قرب موقع يسمى (تل الخروف) وجرت معركة تل الخروف 1 / 8 / 1925م التي تصدى لها الثوار بعنف مما عرقل تقدمها، وفي اليوم الثاني من آب استأنفت الحملة سيرها حتى وصلت إلى ماء المزرعة، وعلى بعد عشرة كيلومتر من غرب السويداء، جرت معركة المزرعة العنيفة، إذ اختلط الثوار بالحملة في ملحمة كبيرة خلدت ضروباً من البطولة والفروسية، وفقدت أسلحة الجيش الفرنسي الثقيلة القريبة والبعيدة ميزاتها.

طلبت فرنسا الصلح، ولكن الثوار رفضوه مؤكدين استمرار الثورة حيث جرت في كل قرية من قرى الجبل معارك وبطولات وشهداء، بدأت الثورة بتوزيع منشوراتها المتوّجة بعبارة (الدين لله والوطن للجميع)، وكانت استجابة الثورة واسعة في كل مناطق سوريا.
في 3 / 8 / 1925م أعطى الجنرال ميشو أمراً بالانسحاب تاركاً وراءه جثث القتلى وكل المعدات الحربية في أرض المعركة، وعلى امتداد 12كم، جاء في مذكرات الدكتور شهبندر ص28 (جرت ملحمة بالسلاح الأبيض لم يجرِ مثلها في البلاد منذ ذكر الواقدي خبر الفتوحات)، وبفضل الشجاعة المنقطعة النظير، تمكّن الثوار من الاستيلاء على عتاد الحملة الفرنسية، مما أثار الرعب في صفوف الغزاة الذين أخذوا يلوذون بالفرار، إذ فرّ الجنرال ميشو، وأطلق قائد مؤخرة الحملة الفرنسية الرائد جاك النار على رأسه كيلا تقع أسيراً، وانتقل العديد من الجنود (الملونين) إلى جانب الثوار، أو فروا من ساحة المعركة غير راغبين في القتال من أجل قضية لا تعنيهم.

وقد ترك لنا المشاركون وشهود العيان الكثير من الروايات الشفوية، والكثير من النوادر عن أحداث معركة المزرعة، وكان عدد الشهداء 352 شهيداً، وقد وصف كتاب المدفعية في المستعمرات تلك المعركة (وقد نشبت بين الجيش والأهالي معركة دموية مريرة خاسرة سحق على إثرها هذا الجيش سحقاً).

ـ امتدت روح الثورة إلى المناطق السورية ـ ومن أبرز نتائج هذه المعركة امتداد روح الثورة إلى المناطق السورية، وانتقال زعماء الحركة الوطنية من دمشق إلى السويداء.

إذ عقد مؤتمر ريمة اللف في 1 أيلول 1925م وقد تجلت في هذا المؤتمر الوحدة الوطنية بأوضح معانيها (ممثلو الحركة الوطنية بدمشق، وقادة الرأي، وعدد من المواطنين) اتخذ المؤتمرون بالإجماع قراراً بمتابعة الثورة، وقراراً بتسمية سلطان الأطرش قائداً عاماً لقوات الثورة السورية الكبرى وعبد الرحمن الشهبندر ناطقاً رسمياً، والدعوة لحمل السلاح، وشُكّل أركان الثورة من المجاهدين ثم صدر عن المؤتمر بيان أذاعته قيادة الثورة بعنوان إلى السلاح إلى السلاح، وأرسلت نسخ منه إلى الصحف العربية جاء فيه: (يا أحفاد العرب الأمجاد، هذا يوم ينفع المجاهدين فيه جهادهم في سبيل التحرير والاستقلال إلى أن يقول: أيُّها السوريون فقد أثبتت التجارب أن الحق يؤخذ ولا يُعطى، فلنأخذ حقنا بحد السيوف ولنطلب الموت توهب لنا الحياة، أيها السوريون تذكروا أجدادكم وتاريخكم وشهداءَكم وشرفكم، تذكروا أن الله مع الجماعة.. إلى أن يقول إلى السلاح أيها الوطنيون ولنغسل إهانة الأمة بدم النجدة والبطولة، وإن حربنا اليوم هي مقدسة ومطالبنا هي:

1 ـ وحدة البلاد السورية ساحلها وداخلها والاعتراف بدولة سورية عربية واحدة مستقلة استقلالاً تاماً وقيام حكومة شعبية.
2 ـ سحب القوات المحتلة من البلاد وتأليف جيش وطني.
3 ـ تأييد مبدأ الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان في الحرية والمساواة والإخاء.

وختم البيان إلى السلاح ولنكتب مطالبنا بدمائنا كما كتبها أجدادنا، إلى السلاح والله معنا ولتحيَ سوريا العربية حرة مستقلة، إلى السلاح والله معنا والإنسانية معنا ولتحيَ سوريا حرة مستقلة).
(التوقيع قائد عام جيوش الثورة الوطنية السورية سلطان الأطرش).

طلبت فرنسا الصلح، ولكن الثوار رفضوه مؤكدين استمرار الثورة حيث جرت في كل قرية من قرى الجبل معارك وبطولات وشهداء، بدأت الثورة بتوزيع منشوراتها المتوّجة بعبارة (الدين لله والوطن للجميع)، وكانت استجابة الثورة واسعة في كل مناطق سوريا.

اقرأ أيضا: مفهوم التاريخ المعاصر للطبقات الفقيرة والمهمشين صانعي الأحداث
التعليقات (0)