الكتاب: "صوت الإمام: الخطاب الديني من السياق إلى التلقي"
المؤلف: د. أحمد زايد
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2017
عدد صفحات الكتاب: 287
يمثل الخطاب الديني النبرة الأعلى والأبرز في عالمنا العربي
والإسلامي بحكم التكوين لهذه الأمة، وإن خفت هذا الخطاب في بعض الفترات، إلا أنه
عاد ليعلو من جديد ويكون الصوت المهيمن على الساحة، خاصة بعد أحداث الربيع العربي
ووصول تيارات إسلامية للسلطة سواء في مصر أو تونس وغيرها، ومن هنا كانت هناك
محاولات لرصد هذا الخطاب ودراسة طبيعته ومكوناته، وفي هذا السياق يأتي الكتاب الذي
بين أيدينا "الامام.. الخطاب الديني من السياق إلى التلقي" لمؤلفه د. أحمد
زايد أستاذ علم الاجتماع والذي يقدم دراسة مستفيضة حول هذا الخطاب ومنابعه ومكوناته.
يتكون الكتاب من مقدمة وثمانية فصول طرح الكاتب من خلالهم رؤيته بعمق
واستفاضة، في محاولة للوقوف على جذور موضوعه وسياقاته ومكوناته عبر فترات زمنية
ليست بالقليلة وكذلك على مساحة جغرافية شملت عدة دول من
العالم العربي والإسلامي.
في مقدمه كتابه يقول الكاتب إنه اعتمد على عدد من الخطب المنبرية
ليستغرق دراسة شاملة للخطاب الديني، بدءا من السياق الفكري الذي يتكون فيه هذا
الخطاب وخصائص النخب الدينية التي تنتجه، مرورا بموضوعاته والقيم التي يرتكز عليها
والأساليب التي يتم بها تلقيه والمعاني التي تضفي عليه في الواقع، ويشير إلى أن
البحث قد استغرق فترة طويلة من الزمن ليس بسبب صعوبة البحث فيه، ولكن رغبة منهم
بالتجويد والإضافه، متمنيا أن يساعد في لفت الأنظار في المسكوت عنه كمحاولة لتجديد
الخطاب الديني وتطويره .
حول السؤال والمنهج
يتناول الكاتب في الفصل الأول
من الكتاب علاقة الدين بالمجتمع بقوله: "يدلنا الدرس النظري على أن ثمة
مسلمات تؤكدها دراسة العلاقة بين الدين والمجتمع، ومن أهم هذه المسلمات التأكيد
على الدور الذي يلعبه الدين في استمرار المجتمع وتماسكه وتحقيق التكامل الشخصي
والاجتماعي للأفراد وحفز المجتمع نحو التقدم والرقي، خاصة في ضوء توفر ظروف معينة
كوجود مفهوم للإيمان يتطابق مع متطلبات التقدم، وذلك رغم أن بعض منظري التنمية قد
نظروا إلى الدين بوصفه إحدى العقبات التي تقف في سبيل التنمية واتهموا البناء
التقليدي للمجتمع بما يشتمل عليه من معتقدات دينية بالجمود وعدم القدرة على مواكبة
متطلبات التحديث".
وفي المقابل يطرح المؤلف وجهة النظر الأخرى التي ترى أن الأبنية
التقليدية وما تشمل عليه من معتقدات دينية، قد أكدت في بعض حالات التنمية الناجحة،
كما هو الحال في اليابان والصين وماليزيا إمكانية استمرارها وتطورها ومواكبتها
لظروف العصر، بل إن الممارسات ذات الطابع الديني قد تداخلت تداخلاً كبيراً مع
التطورات الاقتصادية والسياسية والعلمية وأصبحت تعيد إنتاج نفسها في صيغ جديدة .
وهنا ينبع السؤال الذي يدور
حوله الدرس في هذا الكتاب من قلب كل هذا الجدل، وهو ينزلنا من دائرة الصفوة إلى
دائرة الجماهير لدرس الخطب المنبرية التي تلقى على الناس في المساجد لا حول الخطاب
فحسب، بل حول السياق والنصوص التي يفرزها وطريقة تلقي هذه النصوص..
الدين و معنى الحياة
يتحدث الكاتب في الفصل الثاني عما وصفه بالدرس الذي يؤكد باستمرار أن الدين يلعب دوراً
مهماً في الحياة الاجتماعية وهو يعد المصدر الرئيسي للقيم التي توجه السلوك، كما
أن المعتقد الديني يعمل على خلق صلة طبيعية بين الإنسان وبين عالم الدنيا من
ناحية، وعالم ما بعد الطبيعة من ناحية أخرى، فإن الدين يمنح الحياة معنى لدى
ممارسيه ويجعل البشر على يقين بأن ثمة هدف ما وراء هذه الحياة، وأن الحياة يجب أن
تعاش من أجل هذا الهدف، ومن هنا فإن الدين لا يعد مصدراً فقط للحياة، بل هو طاقة
وجود فمنه يستمد الناس هويتهم وتبريرهم لوجودهم والهدف من هذا الوجود.
ويضيف الكاتب قائلا: "لقد جاءت دراسته صنواً لدراسة المجتمع،
فكل من انشغل بدراسة المجتمع انشغل أيضا بدراسة الدين، ولذلك فقد أولى علماء
الاجتماع للدين أهمية قصوى في تحليلاتهم لأسس الحياة الاجتماعية وأسس الفعل
الاجتماعي والممارسة الاجتماعية عبر هذه الحياة، ورغم اختلاف علماء الاجتماع في
نظرتهم إلى الدين إلا أنهم أجمعوا على أنه أحد حقول الحياة الاجتماعية المهمة، إن
لم يكن الحقل الرئيسي في كثير من الأحيان ".
يدلنا الدرس النظري على أن ثمة مسلمات تؤكدها دراسة العلاقة بين الدين والمجتمع، ومن أهم هذه المسلمات التأكيد على الدور الذي يلعبه الدين في استمرار المجتمع وتماسكه وتحقيق التكامل الشخصي والاجتماعي للأفراد وحفز المجتمع نحو التقدم والرقي،
ويأتي هذا الفصل مفسراً لعدة نقاط أهمها: الدين بين تماسك المجتمع وضمائر
الأفراد وجدل الدين والرأسمالية وكذلك جدل الدين والعلمانية والدولة، من خلال ما
ساقه الكاتب من نظرة علماء الاجتماع من أصحاب النظرة الوظيفية إلى الدين، باعتباره
يجسد روح الجماعة وهو يعبر عن الوجود الجمعي للأفراد والجماعات.
ولفت الكاتب النظر هنا لنقطة هامة وهي أن الدين في المجتمع الحديث
يختلف اختلافاً كلياً عن الدين في المجتمع القديم، فقد نجح المجتمع الحديث في
تكسير الازدواجية بين عالم الحياة وعالم المقدس .
منابع الخطاب الديني والتعليم الديني
لتقصي رحلة هذا الخطاب الديني حاول الكاتب أن يبحث عن منابعه على كافة
المستويات عبر الفصل الثالث الذي يأتي بعنوان التعليم الديني بناء المنصات
الخطابية، حيث يحاول الكاتب هنا أن يتابع هذا الخطاب المتعلق بالتعليم.
وفي صفحه 63 من الكتاب يشير الكتب في هذا الفصل إلى نوعين من التعليم،
التعليم الديني بمعناه الواسع والتعليم الديني النظامي النمطي، القائم على مؤسسات
تعلم قضايا الدين والعقيدة في التعليم المدني، أما المحور الثاني للتعليم فهو غير
مباشر والذي يتم من خلال منهج خفي حسب كلام المؤلف.
تناول المؤلف عددا من نماذج التعليم في عدد من البلاد الإسلامية والعربية
منها باكستان وتونس باعتبار أنهما لم يتمتعا بالوسطية والرؤية الموضوعية، وهو ما
أدى إلى الفشل في رسالتهما من وجهة نظر الكاتب، حيث عدم السيطرة على الخطاب الديني
مما أدى إلى نتائج لم تكن مرجوة.
أما النموذج الذي اقتنع به المؤلف ويراه النموذج الأمثل من وجهة نظره
أو المناسب، حيث لم يفرط في الناحية الدينية أو التغريبية وعليه أدى التعليم نتيجة
طيبة وصعدت ماليزيا وأصبحت من الدول الإسلامية المتميزة اقتصاديا، ولها دور مميز
في تجربة شرق آسيا.
وتناول الكاتب في هذا الفصل التعليم الديني في مصر وأفرد له مساحة
كبيرة جدا، مركزا على التعليم الأزهري ودوره وتأثيره على الخطاب الديني، وساق عددا
من الإحصائيات المتعلقة بالتعليم الأزهري من معاهد أزهرية وتلاميذ وطلاب وخلافه، مبديا
ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي دخول الإناث بقوة نطاق التعليم الأزهري ثم اتجه إلى
التعليم العام أو المدني واصفا إياه بأنه
يمثل منهجا خلفيا للمنصة الخطابية، كما أشار إلى ما أسماء المنهج الخفي الذي يلعب
دور في في التشكيل العقل الديني .
الأزهر وتشكل النخب الدينية
أما الفصل الرابع الذي جاء تحت عنوان: النخب الدينية (تشكيل الإطار
المهيمن وبناء الهوية الدينية) وهنا تناول الكاتب تأثير الدين على النخب الدينية
وتشكيلها وعلاقة الدين بالمنظومة السياسية وهو ما أثر إلى حد كبير في ظهور هذه
النخب .
وفي صفحه 84 يقول الكاتب: إن الدين أصبح جزءا لا ييتجزأ من تكوين
الدولة الوطنية، حيث يتدخل في خطابها
السياسي ويلعب دورا كبيرا في إظفاء الشرعية على النظم السياسية وفي تشكيل منظومة
الهيمنة الثقافية في المجتمع، كما يتدخل في عملية الضبط والمراقبة المباشرة وغير
المباشرة وأن الدولة االوطنية الحديثة في الوطن العربي لم تنفك عن الماضي ولم
تبتعد عن الدين، مؤكدا على استخدام الدولة الدين في طلب الشرعية والمحافظة عليه، كما
أصبحت المؤسسة الدينية جزءا لا يتجزأ من تكوين هذه الدولة.
وبحسب رأي الكاتب فقد كان من نتيجة هذا التزاوج أن تشكلت في المجتمع
العربي عبر تاريخه، شريحة اجتماعية متميزة أطلق عليهم رجال الدين لهم دور رئيسي في
الحياه السياسية والاجتماعية والثقافية، وفي رسم معالم العقل العام الذي يتشكل من
خلال التوجه الديني العام في المجتمع، ويمكن في هذا السياق أن نتحدث عن دور رجال
الدين وخاصة النخبة منهم في تكوين الإطار المهني أو المسيطر داخل الحقل الديني
والهوية الدينية للمجتمعات العربية في مقابل الهويات الأخرى أو على الأقل في مقابل
الهوية الحديثة.
وعن بداية تشكل النخبة الدينية يقول الكاتب: "لقد تشكلت بواكير
النخبة الدينية في رحم الأزهر والمدارس الفقهية العربية وتشابكت مع متغيرات
الحداثة بطرق عديدة، تتراوح بين التعامل العقلاني مع مشروع الحداثة، كما ظهر في أعمال
الشيخ محمد عبده وبين التعامل المتشدد الذي يتمثل في الفكر السلفي، وبين الموقفين
ظهرت أطياف وسطية مثلتها الآراء والاجتهادات التي ظهرت على يد رجال دين معتدلين من
أمثال الشيخ محمود شلتوت في كتابه الإسلام عقيدة وشريعة، والشيخ محمد أبو زهرة في
بحثه بعنوان المجتمع الإسلامي في ظل الإسلام والشيخ سيد سابق في كتابه فقه السنة.
خطاب أخروي بعيد عن هموم الناس
أما الفصل الخامس فجاء تحت عنوان: "موضوعات الخطاب الديني"،
حيث يتناول فيه الكاتب موضوعات هذا الخطاب، وبحسب الكاتب فإنه عبر قراءة لموضوعات
الخطاب كما تتجسد في الخطب المنبرية، فقد كشف تحليل هذا الخطاب أو تحليل نصوص
الخطب مسموعة كانت أم منشورة عن ميل نحو التركيز على موضوعات لا تتصل بالضرورة
بحياة الناس وعمومها أو أسلوب تحسين هذه الحياة للأفضل، وفي مقابل ذلك يميل الخطاب
نحو المبالغة في حشد النصوص من القرآن والسنة واستشهاده بأحداث تاريخية تصور صور
الماضي أفضل من الحاضر..
الدين أصبح جزءا لا ييتجزأ من تكوين الدولة الوطنية، حيث يتدخل في خطابها السياسي ويلعب دورا كبيرا في إظفاء الشرعية على النظم السياسية وفي تشكيل منظومة الهيمنة الثقافية في المجتمع، كما يتدخل في عملية الضبط والمراقبة المباشرة وغير المباشرة وأن الدولة االوطنية الحديثة في الوطن العربي لم تنفك عن الماضي ولم تبتعد عن الدين،
ويحاول الكاتب أن يدلل على صدق مقولته بالتوجه الأخروي للخطاب الديني
من خلال إحصائية، كشفت أن الطابع الأخروي يغلب على الخطاب، حيث بلغت عدد الخطب ذات
التوجه الديني 362 خطبة بنسبة 77%، في حين بلغت عدد الخطب ذات التوجه الدنيوي 108
خطبة بنسبة 23% وجاءت الموضوعات التي تناقشها الخطب الدينية متجهة في معظمها نحو
الحياة الآخرة.
المسكوت عنه في الخطاب الديني
وفي الفصل السادس يتناول المؤلف قيمة التنمية في الخطاب الديني،
ويطرح سؤالا محوريا في هذا الفصل وهو: هل يبث الخطاب الديني رسائل تحث الأفراد والجماعات
على تحقيق نمو اجتماعي واقتصادي؟
في صفحه 227 يؤكد الكاتب أن المعنى العام من هذا العرض ينحصر في
نتيجة عامة مفادها أن الحديث عن قيام التقدم أو التنمية في الخطاب الديني قليل وليس
ضعيفا أو يختلط بالحديث الديني خالص، وبالتالي فإن عملية اشتقاق القيم من الخطاب
هي عملية صعبة وتأتي على نحو غير مباشر في كل الأحوال، ويرتبط ذلك بالنزعة الدينية
الأخروية والماضاوية التي أشار إليها الكاتب في الفصل السابق وهو يمثل الهروب من
الحاضر.
وينهي الكاتب هذا الفصل تحت عنوان مثير للجدل وهو "المسكوت عنه
في الخطاب"، يقول في الصفحة 229: يكشف الحديث عن القيم قدر كبير من
الانتقائية فقد تركت قيم كثيرة دون أن
تمثل، فقد بلغت مصفوفة القيم المعيارية التي وضعها الكاتب أمام الخطاب في عملية
التحليل أربع قيم أساسية وهي قيم العمل والقيم السياسية والقيم الاجتماعية والقيام
الشخصية.
وتضم 51 قيمة فرعية تناول الإمام منها 54 قيمة فرعية فقط 27 قيمة
فرعية دون أساس وتضم هذه القيم الفرعية المسكوت عنها قيما عديدة منها في مجال
العمل والتخصص والمثابرة وتنافسية الكفاءة لاستثمار الطاقة.
وفي الفصل السابع يتناول الكاتب تلقي الخطاب الديني" انصهار الآفاق
الخطابية"، ويستهله بمقدمة طويلة تشمل عدة نقاط ومراحل مختلفة، منها تلقي
الشفاهي أي المقاومة بالصمت الذي يتطرق للداعية من خلال عدة موضوعات ودور الداعية
فيها باعتباره مصدر الخطاب.
ويتناول الكاتب عنوانا ملفتا وهو الهابيتوس الديني، الذي يعرفه بأنه
هو الذي يشكل وعاء التلقي، كما يشكل الأفق المعرفي والوجداني الذي يتفاعل مع أفق
النخبة الدينية المنتجة للخطاب والمرسلة له من أعلى.
الخطاب الديني وقضايا التنمية
"نحو
سياسة لدمج الخطاب الديني في قضايا
النهضة والتنمية" جاء عنوان الفصل
الثامن والأخير من الكتاب الذي يتناول عدة نقاط، وهي نظره على واقع الخطاب الديني
المعاصر الاسس العامة لتجديد الخطاب الديني مستويات ثلاثة من التفكيك لتجديد
الخطاب الديني سياسات تجديد الخطاب الديني
ويشير الكاتب في الصفحة 263 إلى نقطة هامة وهي تلقي الأفراد للخطاب
الديني في الحياة اليومية وكيفية التعامل معه، وفي هذا السياق يأخذ أشكالا وصورا
عديدة وفقا للفهم الذاتي للأفراد للمعاني التي تضفي عليه من قبل المتلقين له بحسب الكاتب.
وفي محاولة لتناول الخطاب الديني للتنمية يعرج الكاتب على هذه
الجزئية، حيث أن ثمة تناول لبعض قيم التنمية في الخطاب الديني وهو تناول ضعيف بحسب
الكاتب، فقد كشفت عملية استخلاص قائمة تنميه من الخطاب الديني عن تناول 39 قيمة من
مصفوفه قيمة تنميه المعيارية البالغ عددها 5/4 قيمة، وإذا أخذنا هذه النسبة في حد
ذاتها وبعيدا عن سياقها، فإنها تؤشر على وجهة إيجابية، ولكن إذا كشفنا الستار خلف
هذه الأرقام نجد أن نتناول القيم التامة في الخطاب يعد تناولا ضعيفا.