قضايا وآراء

نَحنُ في الغَابَة.. شِئْنا أمْ أَبَيْنا..

علي عقلة عرسان
يعربد الصهاينة في فلسطين منذ ثمانية وسبعين عاماً، باسم "دولة" أنشأتها الأمم المتحدة ومهَّدت لذلك عصبة الأمم، ظلماً وعدواناً على فلسطين وشعبها. (الأناضول)
يعربد الصهاينة في فلسطين منذ ثمانية وسبعين عاماً، باسم "دولة" أنشأتها الأمم المتحدة ومهَّدت لذلك عصبة الأمم، ظلماً وعدواناً على فلسطين وشعبها. (الأناضول)
أما آن أن يستيقظ ضمير هذا العالم، ويرفع صوته ويستخدم سلطته ويتحرك بفاعلية ليوقف جرائم الاحتلال الصهيوني اليومية ضد الفلسطينيين، وهو يرى ويسمع عن قتلى وجرحى، واعتقالات ومداهمات للمدن والبلدات والقرى والمخيمات.. وعن هدم البيوت وتشريد الأسر، وترويع الأطفال والنساء، والسطو الصهيوني على الأرض والممتلكات، وتدنيس المقدسات، ومعاناة آلاف المسجونين لعشرات السنين، والاستهانة بحياة الإنسان الفلسطيني وحقوقه واستهداف وجوده.. وهي كلها ممارسات احتلال صهيوني عنصري تفوق في وحشيتها النازية والفاشية؟!..

ألا يعلم العالم الذي يناصر الإرهاب الصهيوني ويدعمه ويضع "دولته" ومسؤوليه وعسكرييه فوق القانون والمساءلة والمحاسبة، ويجعلهم يفلتون من العقاب، ويعطيهم بذلك وفوق ذلك دفعاً مادياً ومعنوياً يجعلهم يوغلون في الهمجية والحشية والإجرام، ويزدادون احتقاراً له ولمنظماته الدولية وعلى رأسها الهيئة العامة للأمم المتحدة ومؤسساتها.؟! أما آن لهذا التواطؤ المقزز المستمر منذ قرن من الزمان ضد شعب أعزل أن يتوقف، ولمسلسل الإبادة المنهجي البطيء ضده أن يُلْجَم.؟!

يعربد الصهاينة في فلسطين منذ ثمانية وسبعين عاماً، باسم "دولة" أنشأتها الأمم المتحدة ومهَّدت لذلك عصبة الأمم، ظلماً وعدواناً على فلسطين وشعبها. وينتقل هذا الكيان الهجين، مرحلة بعد مرحلة، حكومة بعد حكومة، ممارسة إجرامية بعد أخرى، من طور في التوسع والعدوان والإرهاب إلى آخر أكثر عنجهية ودموية ووحشية.. وتَظهر حقيقة تطرفه العنصري ـ الديني الفاشي في سياساته وقراراته وتوجهاته وحكومته وفي كل مؤسساته، من جيشه وشرطته وأجهزته الأمنية وصولاً إلى الكنيست ومحكة العدل العليا.. ورغم ذلك يستمر العالم الظالم في دعمه والتغاضي عن حقيقته وممارساته الإجرامية، ولا يلتفت ولا يريد أن يلتفت إلى شيئ من ذلك.. بل يتهم ضحاياه الفلسطينيين، ويفتعل أو يصدِّق ما يُفْتَعَل من أحداث وذرائع، ليضفي عليهم خاصة وعلى العرب والمسلمين عامة صفة الإرهاب، وهم في حقيقة الأمر ضحايا العنصرية والعدوان والإرهاب.

وها نحن اليوم أمام حكومة نتنياهو السادسة، حكومة دينية ـ تلمودية ـ عنصرية ـ شوفينية.. رئيسها، الـ "برايم منستر / الوزير الأول"، يسميه جمهور المتظاهرين ضده من "الإسرائيليين" الـ "كرايم منستر"، أي رئيس الجريمة أو الوزير المجرم.. فهو متهم بثلاث قضايا يحاكم عليها الآن وهي: القضية 4000 وُجِّهت له فيها تهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، والقضية 1000 متهم فيها بالاحتيال وخيانة الأمانة، والقضية 2000 متهم فيها بالاحتيال وخيانة الأمانة.

بعد قرن من معاناة الفلسطينيين واستهدافهم واضطهادهم والتآمر عليهم واحتلال وطنهم، وبعد مطالبة استمرت عشرات السنين لوضع حد للاحتلال الصهيوني لفلسطين، وبعد طلب منظمة حقوق الإنسان.. اتخذت الهيئة العامة للأمم المتحدة قراراً، باستفتاء المحكمة الدولية العليا في لاهاي بشأن شرعية الاحتلال الصهيوني لفلسطين
ومن وزرائها وأمير أوحانا، رئيس كنيست "إسرائيل"، والإرهبيان من أتباع كاهانا، ايتمار بن كفير وبسلائيل سموترتش، وإرييه درعي الوزير الذي ألغت المحكمة الإسرائيلية العليا تعيينه وزيراً لإدانته بالاحتيال.. ورئيس الكنيست الذي جاء به هؤلاء الإرهابيون المتطرفون هو أمير أوحانا.. هؤلاء هم وجه "السَّحَّارَة "، ورؤوس كيان الإرهاب والعنصرية "إسرائيل".. الذين يعلنون نهجاً وبرنامجاً سياسياً ـ استيطانياً ـ تهويدياً شاملاً تاماً في فلسطين العربية التاريخية، وحرب تصفية على الفلسطينيين لا تُبقي لهم حقوقاً ولا مقدسات ولا ممتلكات ولا وجوداً في وطنهم التاريخي فلسطين.. وفوق ذلك تفاقم وقاحة وازدراء للهيئة العامة للأمم المتحدة ولمحكمة العدل الدولية العليا.

فبعد قرن من معاناة الفلسطينيين واستهدافهم واضطهادهم والتآمر عليهم واحتلال وطنهم، وبعد مطالبة استمرت عشرات السنين لوضع حد للاحتلال الصهيوني لفلسطين، وبعد طلب منظمة حقوق الإنسان.. اتخذت الهيئة العامة للأمم المتحدة قراراً، باستفتاء المحكمة الدولية العليا في لاهاي بشأن شرعية الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وجاءت موافقة الهيئة بأكثرية ٨٩ صوتاً.. فردَّت حكومة "إسرائيل" على هذا القرار بازدراء له وللهيئة التي أصدرته، ووصفه رئيس وزرائها بأنه قرار حقير، وعاقبت حكومته السلطة الفلسطينية عقوبات مالية وغيرها لأنها تحركت واشتكت لهيئة دولية ولمحكمة عدل دولية عليا؟! فعند نتنياهو، كما قال لجيك سوليفان، أن: "التحرك الفلسطيني في الخارج يستدعي رداً، ولجوء الفلسطينيين للمجتمع الدولي هجوم على "إسرائيل" يجب التصدي له". وعند سوليفان، كما قال لنتنياهو، إن "التزام الإدارة الأمريكية حيال إسرائيل صلب وقوي وثابت و.. و.. وأنه سيعمل، تلبية لطلب نتنياهو، على تفعيل اتفاقات إبراهام لتشمل السعودية."، أي اعتراف السعودية بـ "إسرائيل" وتطبيع العلاقات معها، كما فعلت دول اتفاق إبراهام الخليجية.

وبمواجهة هذه الوقاحة، لم يصدر عمَّن يحتكرون سلطة "المجتمع الدولي" ورأيه والتعبير عن مواقفه ويعملون باسمه، لم يصدر عنهم بيان أو رأي أو موقف ضد الازدراء والتحقير.. ومن أصل ٨٩ صوتاً / دولة في الهيئة العامة للأمم المتحدة صوتت على القرار المُستهزأ به "إسرائيلياً"، وقعت ٣٩ عضواً من أعضاء الهيئة بياناً يطالب برفع العقوبات "الإسرائيلية" فوراً عن السلطة الفلسطينية.. ومن الملاحظ، والملفت للنظر، بل ويقلع العين كما يقال، أن خمسين عضواً / دولة من أعضاء الهيئة العامة للأمم المتحدة، ممن صوتوا لصالح قرار طلب فتوى المحكمة الدولية، لم يوقعوا على طلب زملائهم بالاعتراض على العقوبات والمطالبة برفعها فوراً.. فلِمَ حصل ذلك؟! وأين اختفى أولئك من المشهد، وكيف، ولأي سبب؟! ألا يكون ذلك نتيجة الضغط والتهديد والوعيد الأمريكو ـ صهيوني الذي يفعل فعله بدول، ويتحكم بما يُسمَّى "المجتمع الدولي"!؟.

يقولون إنها سياسات، وحسابات، ومصالح، و.. و.. إلخ، ولكن ازدواجية المعايير تفرقع في كل أنحاء العالم.. وفي دافوس "53" نقرأ تلك الازدواجية المقيتة التي يمارسها "المجتمع الدولي" بوضوح أشد.. وهاكموها بمقارنة بسيطة فقد قالوا وبقوة وسرعة وثبات: "في أوكرانيا لن يَفلَتَ أحد من العقاب"، ونحن مع ألا يفلت أحد من العقاب فالعدل والإنصاف لا يتجزَّآن، ولكن لمَ في فلسطين لن تُعاقب "إسرائيل" مهما فعلت بالفلسطينيين، ويفلت كل شخص من العقاب.." حتى لو كان المجني عليه فلسطينياً ـ أمريكياً صحفياً مغدوراً مغتالاً بقصدية إجرامية مثل شيرين أبو عاقلة؟! ولماذا "في فلسطين لا يمكن أن يُسْمح للفلسطينيين بالشكوى من القتل والتدمير وتدنيس الأقصى وتهويد القدس والاستيطان وعربدة الزعران المستوطنين، ونتنياهو وبن غفير وسموترتش وغيرهم وغيرهم وغيرهم.. ويوعدون بأنه لن يكون لهم أن يحلموا بأي انتصار.".؟! الجواب.. لا جواب، بل استمرار دعم للجُناة، والكيل بمكيالين.

المسؤولون "الإسرائيليون" يقولون: "البيانات الدولية لا معنى لها ولا قيمة."

ومعظم المسؤولين في العالم لا يستنكرون ما يقوله المسؤولون الإسرائيليون، "فإسرائيل" عندهم فوق المساءلة والاستنكار والإدانة والشجب، رغم ما تقوم عليه من عنصرية متجذِّرة، وما تمارسه من إرهاب صارخ، وما ترتكبه من جرائم قتل، وتوسع استيطاني همجي، واحتلال متوحش.. والأمريكيون شركاء "الإسرائيليين" يدعمون سياساتهم وممارساتهم ويمولون استطيانهم وعدوانهم ويحمونهم في المحافل الدولية، ويضغطون على الدول العربية للاعتراف بهم دولة ويفرضون تطبيع العلاقات معهم.. ويعزلون الفلسطينيين عن أمتهم ليبقوا وحدين بلا سند ويستسلمون ولا يتوقف مسلسل إبادتهم فالعربي الطيب عند الشركاء العنصريين  الصهيو- أميركيين هو العربي الميت.

ولا يتوقف الأمر عند عدم الاكتراث بحياة الإنسان و" التطنيش" عمَّ يصبيه.. فحين يطفح الكيل ويتحدث مسؤول بلسان الهيئة العامة للأمم المتحدة أو إحدى مؤسساتها، أو باسم " المجتمع الدولي؟! أو باسم إدارة أميركية، أو.. "، لا يكتفي بأن يساوي بين المدجج بكل أنواع الأسلحة ومنها السلاح النووي وبين الأعزل الذي يتهم حين يستخدم قبضته ولحمه ودمه في الدِّفاع نفسه بالإرهاب ويُقتَل بدم بارد.. بل يحيل الضحية إلى جلاد والجلاد إلى ضحية؟! ويتكلم عن قتلى من الطرفين، ويطالب جميع الأطراف بوقف التصعيد، ويصف الفلسطينيين بالإرهابيين؟! فمن أي عالم يأتي هؤلاء المسؤولون الذين يتحدثون باسم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي؟! وعن أي واقع ووضع يتحدثون؟! وكم هي المسافة الفاصلة بين ما يقول المسؤول منهم وما يسمع، بين لسانه وأذنه وعقله وضميره.. بين واقع الحال والتشدُّق بالأقوال..؟!

إن هذه السياسة العرجاء والازدواجية المقيتة، لا تعبر عن انحياز فقط بل عن تواطؤ وشراكة في المسؤولية الجرمية، وهي تزيد المجرمين إجراماً، والعنصريين الإرهابيين عنصرية ووحشية.. وتضاعف بؤس الضحايا المظلومين ومعاناتهم، وتفقدهم الأمل بعدل ومساواة وأمن وسلم. إن هذه المواقف الدولية تنضح تآمراً ونفاقاً وانحيازاً، وهي في أحسن الحالات والافتراضات تعبر عن خوف وجبن وعجز.. عن خوف من الصهيو ـ أميركية وحلفائها، وعن فقدان الشجاعة الأخلاقية بمواجهة العدوان والقتل والاحتلال، وعجز عن وضع حد للعنصرية البغيضة، والاحتلال والقوة المتوحشة، والتزوير والتشويه والافتراء والبُهتان وللفساد والمفسدين في الأرض.

لن يضعنا على طريق البقاء الفاعل، والوجود الحيوي، والنهضة وحماية الذات والأجيال والأوطان من الأعداء والطامعين والنَّهابين إلا وحدة صف وموقف، بمسؤولية ووعي، وقوة علم، وتقانة باتقان، واختراع وإبداع، ومقاومة واعية لأهميتها وضرورتها وغاياتها، وأن نكون شعباً على قلب رجل واحد، يدافع عن وجوده وحقوقه ومصالحه بكل ما يملك من إيمان وثقة وانتماء وقوة بالمعنى الشامل للقوة.
وهذا يعيد للمرة المئة بعد المليون وضع حقائق صارخة قائمة على أرض الواقع.. أمام الأبصار والبصائر، العقول والضمائر، لتعرُك عيون العرب والمسلمين وأحرار العالم كله الحريصين على عدل وسأمن وسلم وحرية ومساواة، ليصحوا على حقيقة أن : " الصهيونية شكل متقدم ومتجذر من أشكال العنصرية، وأن الصهاينة، سواء أكانوا من أتباع الصهيونية الدينية، أو يهوداً علمانيين أو تلموديين، أو.. أو.. فهم، بعد تجربة مرة وخُبْر واختبار، من أقصى يمينهم إلى أقصى يسارهم، عنصريون قتَلة وبينهم كثرة أشد نازية وفاشية من النازيين والفاشيين تتجلى وتجلت مؤخراً في إيصال عنصريين إرهابيين فاشيين إلى الحكم بالانتخابات.. وأن ممارساتهم في أرضنا وضد شعبنا الفلسطيني منذ قرن من الزمان هي أكبر دليل على ذلك.. وأن لهم مشروعاً اجتثاثياً واسعاً يستهدف الأمة العربية والدين الإسلام، وأنهم يتمترسون في فلسطين ويستهدفون شعبها ومن ينصره، وهم شركاء للعنصريين الأميركيين، ومحميين منهم ومن أوروبيين غربيين وشرقيين، ومن روس وغيرهم من ذوي المصالح والمطامح والشراكات.. وكثير ممن يدعمونهم لهم مصالح ومشاريع مشتركة، رغم تنافسهم فيما بينهم، لكنها تستهدفنا.. وأن كثيرين أولئك تشربوا ويتشربون أكاذيبهم وافتراءاتهم ويدعمون وجودهم على حساب حقنا ووجودنا.. وهم يستخدمون السلاح والمال والإعلام، ويستبيحون كل الأساليب والوسائل والأدوات ضد غيرهم، بصرف النظر عن الأخلاق والقيم والقوانين.

وقد آن لنا أن نعرف، بعد كل تلك السنوات والحروب والتجارب والخسائر والكوارث، أنه لن يحمينا ولن يحرر أرضنا ويحررنا منهم قرارٌ دوليَّ أو هيئةٌ دولية، وأنه يتوجب علينا أن نحمي أنفسنا منهم بأنفسنا وقوانا الذاتيَّة ونهضة شاملة نحققها، وصحوة من تبعية تعمينا وتلغينا، ومن غفلة تنهكنا وتدمينا.. وأنه يتوجب علينا ألَّا نسير وراء بعض مسؤولينا الذين لا ولاء لهم لأمتهم ودينهم وأوطانهم وهويتهم بل ولاؤهم لأعدائنا ولمن يحمونهم من شعبهم.. وأنه لن يضعنا على طريق البقاء الفاعل، والوجود الحيوي، والنهضة وحماية الذات والأجيال والأوطان من الأعداء والطامعين والنَّهابين إلا وحدة صف وموقف، بمسؤولية ووعي، وقوة علم، وتقانة باتقان، واختراع وإبداع، ومقاومة واعية لأهميتها وضرورتها وغاياتها، وأن نكون شعباً على قلب رجل واحد، يدافع عن وجوده وحقوقه ومصالحه بكل ما يملك من إيمان وثقة وانتماء وقوة بالمعنى الشامل للقوة.

فنحن للأسف الشديد في عالم لا يحكمه القانون ولا الإيمان ولا العقل ولا الخُلُق ولا القيم ولا الضمر، بل تحكمه القوة العمياء، ووحشية ما زالت متجذرة.. إننا، شئنا أم أبينا في الغابة.. نحن في الغابة التي استبدلت الفطرة الطيبة بالمكر والخديعة والحذلقة والنفاق، واستبدلت الطبيعة الصحية الفسيحة الصحيحة بناطحات السّحاب.. وأبقت على الغابة ومقوماتها وقيمها وقوانينها وشرورها وأفانين العيش فيها في أنفس أمَّارة بالسُّوء.

ولله الأمرُ من قبل ومن بعد.
التعليقات (0)