قضايا وآراء

مصر بين أزمة الاقتصاد وأزمة الأخلاق

محمود النجار
1300x600
1300x600
الأزمات في مصر تزداد اتساعا طولا وعرضا، ولن تفي 30 مليارا -تقدمها السعودية على شكل استثمارات معظمها آجل- بحاجات مصر المتأزمة في ظل أزمات مؤجلة سرعان ما ستتفاقم، وتبرز للسطح؛ ذلك أن الاستثمارات لن تحقق الكثير بالنظر إلى عامل الوقت، ومدى تأثيرها على الحالة الاقتصادية الراهنة. وقد نشرت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة على موقعها الالكتروني أن "الهيئة وقعت 14 اتفاقية بين مصر والسعودية بقيمة 7.7 مليار دولار (من أصل 30 مليارا)؛ فهل ستكون تلك الاستثمارات التي بدأت بـ7.7 مليار قادرة على إحداث تغيير إيجابي سريع للاقتصاد المتهاوي؟ أو رفد الميزانية المنهارة ورصيد العملات الصعبة المثخن بأي إضافة؟

وفي هذا الإطار، يقول مستشار وزير التموين السابق إسماعيل تركي: "الأزمة الغذائية في مصر أشد مما هو ظاهر للعيان، وسياسة وزارة التموين تقوم على تأجيل انفجار الأزمة حتى لو أدى ذلك إلى استنزاف الموارد، كما تقدم حلولا وهمية على حساب غيرها".. فالمسألة ليست أكثر من تأجيل الانفجار، إنها لعبة "تلبيس الطواقي" التي سرعان ما سيطيرها الريح، لتنكشف صلعة النظام، وتبدو عورات تلك الطغمة الفاشلة التي لم تبق على شيء جميل في مصر إلا أفسدته..!!
المسألة ليست أكثر من تأجيل الانفجار، إنها لعبة "تلبيس الطواقي" التي سرعان ما سيطيرها الريح، لتنكشف صلعة النظام، وتبدو عورات تلك الطغمة الفاشلة التي لم تبق على شيء جميل في مصر إلا أفسدته..!!

إن توقيع الاتفاقيات مع السعودية لا يعني أنها ستنفذ غدا، ولا يعني أنها ستكون قادرة على إحداث تغيير عاجل، لا سيما أن السعودية ستشرف بنفسها على تلك الاستثمارات؛ بما يعني أن العصابة لن تتمكن من العبث بالأموال المرصودة للاستثمار، كذلك فإن الاتفاقية لم تحدد موعدا لبدء تشغيل المشروعات المنصوص عليها. وأول أمس الأحد (26 حزيران/ يونيو) التقى السيسي بوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، وطالبه بزيادة الاستثمارات الإماراتية في عدة مجالات خصوصا قطاعات الطاقة والنقل والموانئ والسياحة.

وفي المحصلة فإن إبرة الوريد التي كانت ستنعش الاقتصاد قليلا، تم حقنها في المكان الأكثر استقبالا للحقن، بعيدا عن الوريد؛ فلم يقدم الخليجيون دعما حقيقيا وناجزا لتحسين الوضع الاقتصادي المنهار الذي يتضرر منه المواطن مباشرة؛ وعليه فإن الأزمات لن تحل بمليار هنا ومليار هناك. فمصر تحتاج فعلا إلى 25 مليار دولار نقدا تصب في الميزانية العامة على الأقل، وهو المبلغ الذي تَسوّله عماد أديب، قبل أن يرد عليه تركي الحمد، وكان كلاهما (أديب والحمد) مجرد مبعوثَين للسيسي وابن سلمان؛ فقد ظهر السيسي في اليوم التالي لمقالة عماد أديب وهو يطالب دول الخليج بأن تحول ودائعها البنكية إلى استثمارات، بحيث يتخلص من الالتزام بإعادتها مستقبلا. وفي كلتا الحالتين؛ فلن يكون أي من الخيارين مؤثرا حاسما للإنعاش السريري المطلوب؛ فمصر تحتاج إلى هبات كبرى كتلك التي تلقتها بعد الانقلاب، ولم تعد هذه الهبات ضمن خيارات ابن سلمان وابن زايد، فمصر في النهاية دولة كبيرة لديها مواردها التي لم يحافظ عليها رئيس جاهل أرعن، ولم يحسن استثمارها.

ويحضرني هنا مثل ألماني مشهور: "الدقة شارة نبل الملوك"، تلك الدقة التي لا تعرف إلى أداء السيسي طريقا منذ اغتصابه السلطة، فقد ظل الطيش والرعونة صفتين ملازمتين لكل تصرفاته وآليات عمله.
إبرة الوريد التي كانت ستنعش الاقتصاد قليلا، تم حقنها في المكان الأكثر استقبالا للحقن، بعيدا عن الوريد؛ فلم يقدم الخليجيون دعما حقيقيا وناجزا لتحسين الوضع الاقتصادي المنهار الذي يتضرر منه المواطن مباشرة؛ وعليه فإن الأزمات لن تحل بمليار هنا ومليار هناك

لقد بات واضحا من تصريحات الساسة المصريين المتخبطة أن ثمة أزمة غذائية قادمة أشد مما هي عليه الآن، وأشد مما ينتظر الشعب المنكوب بحكامه الذين أنفقوا مقدرات الدولة وقروضها وهباتها وأهدروا أرضها وماءها وغازها؛ تلبية لرفاههم ومشاريعهم المتخلفة التي لم تنفّذ بناءً على دراسات جدوى أو خطط مرحلية، بل خبط عشواء وكيفما اتفق. وما زال هؤلاء مستعدين لبيع أصول الدولة، بل بيع أي شيء ممكن لتوفير السيولة والخروج من المآزق المتلاحقة.

وهذه الأزمة من شأنها أن تكسر حاجز الخوف لدى الشعب الذي لم يعد يفهم إلى أين يمضي به كهنة السياسة العرجاء الذين أودوا به إلى المجهول؛ بما يمكن أن يعصف بالكهنة ويهدم معابدهم فوق رؤوسهم، وهو ما ترك السيسي في حالة فزع حقيقي من احتمالات القادم المزلزل؛ مما دعاه إلى التفكير في حوار وطني جامع؛ بحيث يشرك معه الآخرين في تحمل المسؤولية بعد أن خرب البلاد وجوع العباد. وكم سيكون الخطأ فادحا لو استجاب لدعوته بعض الطيف السياسي المعارض؛ ليلقي له حبل النجاة، وهو يغرق ويلفظ أنفاسه الأخيرة..

ويبدو واضحا كيف أن الحكومة تضع على عاتق المواطن تبعات أخطائها، وتحمله معنويا وماديا كلفة تصرفاتها الهوجاء البعيدة عن العقلانية والإدارة السديدة للموارد؛ فهو الوحيد الذي يتحمل وزر ما ابتلي به من حاكم أرعن ومجتمع لصوص يدورون في فلكه؛ فكلما تفجرت أزمة خرجت أبواق النظام الإعلامية لتضع اللوم على المواطن الذي لا يصبر، ولا يلتمس العذر لجلاده، ولا يتوقف عن الإنجاب، ويصر على أكل الأرز والبطاطس وتحلية الشاي بالسكر، بينما سرقات المقربين من الحكومة والرئاسة بعشرات المليارات تُكشف بين الحين والآخر، ولا تجد صدى لما يحدث إلا إذا أوعز السيسي بالتحقيق مع بعض لصوص الملايين، أما لصوص المليارات فثمة أمور خفية، تجعل توقيفهم والتحقيق معهم غير ممكن، ويغادرون البلاد بأمن وسلامة، وقد نهبوا قوت الشعب وسرقوا عرقه، بينما تئن البلاد تحت وطأة الفقر والجوع والوجع الصعب. ولا يجد البنك المركزي نفسه ملزما بتفسير ما يحدث أو الإشارة إليه..!!
هذه الأزمة من شأنها أن تكسر حاجز الخوف لدى الشعب الذي لم يعد يفهم إلى أين يمضي به كهنة السياسة العرجاء الذين أودوا به إلى المجهول؛ بما يمكن أن يعصف بالكهنة ويهدم معابدهم فوق رؤوسهم، وهو ما ترك السيسي في حالة فزع حقيقي من احتمالات القادم المزلزل؛ مما دعاه إلى التفكير في حوار وطني جامع

في هذه الأثناء تغري مصر المستثمرين بمنحهم الرخص الذهبية إذا هم قاموا بمشاريع كبرى، وتيسر لهم الحصول على الأراضي بأسعار زهيدة، مقابل قيامهم باستثمارات مليارية، لكن لم يعد ثمة ثقة بالمناخ الاقتصادي المصري، فقد هرب كثير من المستثمرين، وهم يرون ما يحدث من تقلبات غير طبيعية، ومن عشوائية في الإدارة المالية، وعدم وجود نظام اقتصادي واضح، وفي ظل حالة الارتباك التي يعاني منها القطاع المصرفي، إضافة إلى ما يلاحظونه من تفريط الدولة بمليارات الجنيهات التي يستولي عليها المقربون من النظام، ويهربون بها خارج البلاد.

إنهم يتركون اللصوص يسرحون ويمرحون، ويقبضون على الشرفاء، حيث لم تعد مصر تصلح للإنتاج النظيف والعمل الشريف، وما صفوان ثابت، صاحب شركة جهينة للألبان، عنا ببعيد؛ فقد سجنوه وابنه وصادروا ممتلكاته، ووجهوا له تهما لا تصح في حق إبليس؛ لأنه رفض أن يشارك الجيش في بعض أعماله الناجحة..

لقد كشف السيسي ظهر مصر ومسح بكرامتها الأرض، ولا أحد يستطيع أن يخمن ما الذي سيفعله من بعد، في ظل الانهيار الأخلاقي قبل الاقتصادي، وفي ظل استقواء دول الخليج عليه، أولئك الذين باتوا يشعرون بالعظمة أمام ضعف مصر وانهيار اقتصادها وهشاشة حاكمها، ويحضرني هنا ما قاله صديقي معتز مطر: "بعض الأشقاء يشعرون بطولهم حين يقزّمون مصر"..!!
التعليقات (3)
من متابع
الثلاثاء، 28-06-2022 08:50 م
لو كان لدى السيسي المجرم أقل درجة من الحياء لانتحر لأنه دمر مصر ولن يستطيع أن يعيدها إلى ما كانت عليه لأنه ليس لديه شيئ من الوطنية، فهو صهيوني أكثر من الصهاينة وربما كان دوره المنوط به أن يدمر مصر ويتركها غير قابلة للعيش فأنا أشعر أنه ينتقم من الشعب
هيفاء الوالي
الثلاثاء، 28-06-2022 05:51 م
مجرمون يتلاعبون بأقوات الناس، ويغبثون بالبلد على حساب مصالحها الاستراتيجية. ما يحذث في مصر يقطع القلب، ويبعث على الغثيان.. لا بد من تغيير الأوضاع، ليعيش الشعب حياة كريمة يستحقها.
سمية عيد
الثلاثاء، 28-06-2022 05:11 م
لا شك بأن سوء الأخلاق و انعدام الأمانة و المسؤولية كانت أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى انهيار الاقتصاد المصري و التلاعب الذي حصل و لم يزل بأموال المصريين كانت نتيجته الوضع الحالي الذي يعيشه الناس