قضايا وآراء

دعوة السيسي للحوار بين الواقع وتصورات المعارضة المصرية

محمد الشبراوي
1300x600
1300x600
منذ لحظة إطلاق الرئيس المصري دعوته للحوار الشامل "الذي لا يستثني أي قوة"، شهدت الساحة المصرية ردود فعل متباينة، خاصة من المعارضة المصرية في الداخل والخارج.

وقد أثارت الدعوة تساؤلات على النحو التالي: خلفيات الدعوة، وتوقيتها، ومغزاها، ومصداقيتها؛ ومدى الاستجابة لها، وفرص نجاح الحوار.

وفي إطار ردود فعل المعارضة المصرية، كانت هناك تصورات لم تلتزم قراءة واقعية رشيدة للمشهد المصري، والتقدير الصحيح للأوزان؛ وهما منطلقان مهمان لتحديد الخطوط العريضة لمستوى التجاوب مع الدعوة، وحدود الانخراط فيها.

وقد بدا واضحا أن هناك خلطا إزاء التعاطي مع دعوة الرئاسة المصرية للحوار، حيث تصورها البعض عملا تفاوضيا، وانخرط في المطالبة بحتميات وشروط تتجاوز طبيعة الدعوة، وبعيدة عن حقيقة موازين القوى، في ظل حالة الانسداد السياسي في المشهد المصري.
بدا واضحا أن هناك خلطا إزاء التعاطي مع دعوة الرئاسة المصرية للحوار، حيث تصورها البعض عملا تفاوضيا، وانخرط في المطالبة بحتميات وشروط تتجاوز طبيعة الدعوة، وبعيدة عن حقيقة موازين القوى، في ظل حالة الانسداد السياسي في المشهد المصري

ومع الإعلان عن بدء جلسات الحوار في يوليو/ تموز 2022 زادت تباينات ردود الفعل.

خلفيات الدعوة للحوار

وبعيدا عن الخوض في التوقعات، فإنه من المهم توضيح بعض الخلفيات التي أحاطت بالدعوة للحوار، وذلك على النحو التالي:

الدعوة ربما كانت مفاجئة لكثيرين، ولكن المتتبع لتصريحات الرئاسة المصرية خلال الفترة الماضية، سيجد فيها إشارات مبدئية لتلك الدعوة.

جاءت الدعوة للحوار متزامنة مع تفعيل لجنة العفو الرئاسي، التي تشكلت من قبل للنظر في قضايا المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي.

وقد تزامنت دعوة الحوار أيضا مع تحذيرات مديرة صندوق النقد الدولي من اتجاه الظروف المحيطة بالاقتصاد نحو الأسوأ.

ولا شك أن هناك تحديات تمر بها الدولة المصرية في خلفيات الدعوة الرئاسية للحوار، على رأسها الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وتزيد منها التحولات الواضحة على الساحة الدولية.

هناك من يعزو الدعوة للحوار فقط لضغوط خارجية، وتغيرات النظام الدولي وحدهما، لكن هذا ليس صحيحا بالكلية، كما أنه لا ينفي أن هذين العاملين قد ألقيا ببعض الظلال على توقيت تلك الدعوة.

ومن الواضح أن الدعوة للحوار ليست بناء على توجيهات وإملاءات خارجية، يرى البعض أنها إملاءات أمريكية؛ ولكن الدعوة هي مبادرة مصرية، في إطار تحرك ذاتي للدولة، للتعامل مع تحديات الداخل، مدفوعا بما يحدث من تحولات وسيولة في الساحتين الدولية والإقليمية، إضافة لتراجع الهيمنة الأمريكية على المشهد الإقليمي.
الدعوة للحوار ليست بناء على توجيهات وإملاءات خارجية، يرى البعض أنها إملاءات أمريكية؛ ولكن الدعوة هي مبادرة مصرية، في إطار تحرك ذاتي للدولة، للتعامل مع تحديات الداخل، مدفوعا بما يحدث من تحولات وسيولة في الساحتين الدولية والإقليمية

طوال الفترة الماضية منذ 2013 عملت الدولة المصرية على ملفين هما: الملف الأمني والملف الاقتصادي، وفقا لرؤية نحّت السياسة جانبا، وركزت على الملف الأمني لتحقيق الاستقرار ولو على حساب الحريات.

أما في الملف الاقتصادي فالأداء كان ضعيفا، لا يُمكّن السلطة من تجنب الاضطراب الاجتماعي.

لقد قامت الدولة باتخاذ مجموعة إجراءات اقتصادية منذ 2016 زادت الضغوط على قطاعات واسعة من الشعب المصري، وفاقمتها الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم الآن، من تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا، وانعكس ذلك بدوره على القاعدة الاجتماعية المؤيدة للسلطة في مصر، والتي تسعى السلطة لاستعادتها مرة أخرى عبر بوابة التفاعل السياسي مع المطالب الشعبية.

ويضاف إلى ذلك عدم قدرة السلطة على بناء ظهير سياسي مساند لها يحظى بقبول شعبي، على غرار الحزب الوطني سابقا في عهد الرئيسين السادات ومبارك، وهو ما يتطلب آليات سياسية جديدة تحتاج إعادة النظر في قواعد اللعبة السياسية القائمة الآن.

ماذا عن تصورات المعارضة المصرية؟

بدون شك أن الدعوة للحوار في حد ذاتها تكتسي أهمية بالغة في ظل الوضع الراهن؛ لأن الحوار مطلوب للخروج من حالة الانسداد السياسي الذي تعيشه البلاد.

وعلى الرغم مما يراه البعض ويتوقعه بناء على تجارب حوار في عهد سابق، فإن المعطيات على الأرض تؤكد أنه ليس هناك الآن وسيلة أخرى متاحة غير الحوار.
على الرغم مما يراه البعض ويتوقعه بناء على تجارب حوار في عهد سابق، فإن المعطيات على الأرض تؤكد أنه ليس هناك الآن وسيلة أخرى متاحة غير الحوار

هناك من يظن أن الدعوة للحوار هي دعوة للتفاوض، وهذا تصور خاطئ لا يستند إلى معطيات واقعية أو موازين قوى على الأرض؛ مما يعني أنه لا مجال هنا للحتميات أو الشروط المفروضة مسبقا من قبل المعارضة.

كما أن الدعوة للحوار كان محركها الأول هو رؤية السلطة وتقديرها للأوضاع الداخلية والخارجية، وبناء عليه اختارت التوقيت المناسب من وجهة نظرها.

وعلى جانب آخر، فإن المعارضة المصرية في أشد حالات ضعفها، بل لا مبالغة في القول بأن المعارضة وخاصة في الداخل تكاد تكون لا وجود لها، ولا يمكنها إحداث تأثير بأي شكل ما.

أما بخصوص المعارضة المصرية في الخارج فإنها باتت بعيدة عن التأثير في الداخل، كما تعاني شروخا وتشرذما، يضاف إلى ذلك أن التحولات السياسية الإقليمية، والمصالح الدولية ألقت عليها بتأثيراتها.

وإضافة إلى ما تعانيه المعارضة المصرية في الداخل والخارج، فإن الحوار في حد ذاته، في ظل التباينات بين أطياف المعارضة وما لم يتوافق الجميع فيما بينهم، قد يؤدي إلى مزيد من تعميق الانقسام، ويفقد المعارضة كسب أي ظهير شعبي.

وبناء على ما سبق، فإن الدعوة الرئاسية للحوار ليست دعوة للتفاوض؛ لأن التفاوض عادة يتم بين أطراف يمتلك كل منها نصيبا من موازين قوى.

وهنا يصبح الحديث عن فكرة شروط مسبقة أمرا غير منطقي؛ لأن المعارضة لا تملك من القوة ما يمكنها من إملاء شروط على الدولة، باستثناء ما تمنحه الدولة وتسمح به، وهو ما تُرجم على أرض الواقع بخصوص ملف الحريات وملف المعتقلين.
المعارضة لا تملك من القوة ما يمكنها من إملاء شروط على الدولة، باستثناء ما تمنحه الدولة وتسمح به، وهو ما تُرجم على أرض الواقع بخصوص ملف الحريات وملف المعتقلين

لذلك يذهب رأي إلى أن المعارضة المصرية داخليا وخارجيا ليس بيدها سوى قبول الدعوة للحوار، ومن خلال آليات الحوار تعمل المعارضة على تحسين شروط الحوار.

ماذا يجب على السلطة في مصر لنجاح الحوار؟

إن نجاح أي حوار يتطلب من أطرافه أن يعملوا جديا لإنجاح هذا الحوار؛ لتتحقق النتائج المرجوة من الدعوة إليه.

ولئن كانت المعارضة في وضع لا يسمح لها أن تملي على الدولة، فإن السلطة في حاجة لإدراك أن الحوار لكي ينجح لا بد من تحديد أطرافه والأجندات والقضايا المطروحة.

كذلك هناك من يرفض الحوار كلية، ويرى أن الدولة فرضته لتمرير الوضع الراهن، ومن ثم ستعود للمربع الأول بعد مرور الأزمة؛ وهذا يتطلب تطمينات من السلطة بأنها جادة في فتح سبل الحوار السياسي.

الخلاصة

إن واقع المشهد المصري يؤكد أن الحوار بين مكونات المجتمع دون استثناء ضرورة ملحة، في ظل ظرف استثنائي تأثر به العالم أجمع، وإن كانت مصر أكثر تضررا.
لئن كانت السياسة هي فن الممكن، فإن كسب بعض النقاط في طريق التغيير السياسي عبر الحوار أفضل من خسارة كل شيء

كما أن التحولات العميقة على المستويين الدولي والمحلي تدفع نحو التجديد، وإنه لا مناص منه، فالاستمرار على نفس النهج المؤسس منذ ثورة يوليو/ تموز 1952 بات مكلفا، خاصة أن الدولة المصرية تمر بأزمة هيكلية يتضرر منها المجتمع ككل؛ ومن ثم يجب أن يعمل الجميع لها.

ولئن كانت السياسة هي فن الممكن، فإن كسب بعض النقاط في طريق التغيير السياسي عبر الحوار أفضل من خسارة كل شيء.

إن سجلات التاريخ تؤكد أن النظم التي تسارع إلى الإصلاح من الداخل، وتتخذ الحوار منهجا، هي تلك التي نجحت في تثبيت أركان الدولة.

وما بين الواقع وتصورات المعارضة المصرية، فإن دعوة الحوار التي أطلقتها الرئاسة المصرية في حاجة إلى التعاطي الرشيد، ليس فقط من جانب المعارضة، ولكن أيضا من جانب السلطة ذاتها، في ظل ظرف تاريخي يستوجب من الجميع ليس إدراك خطورة المرحلة فحسب، ولكن اقتناص ما تخفيه من فرص إيجابية.
التعليقات (2)
ربي زدني صبرا
الأحد، 19-06-2022 04:47 ص
سبحان الخالق ، أين يعيش الكاتب !؟
حمدى مرجان
الجمعة، 17-06-2022 05:56 م
الحوار كما يراه الحمار