كتب

رحلة ميشولام الفولتيري إلى فلسطين.. شهادات لها معنى

شهادات رحالة يهودي زار فلسطين ومصر وسوريا في القرن الخامس عشر- (عربي21)
شهادات رحالة يهودي زار فلسطين ومصر وسوريا في القرن الخامس عشر- (عربي21)

في القرن الخامس عشر من الميلاد، وتحديدًا في العام 1481، اتجه الرابي الإيطالي ميشولام ابن مناحم أوف فولتيرا، نحو الشرق (مصر وفلسطين ودمشق وبيروت). وواقع الأمر، أن معرفتنا بهذا الرحالة تعد محدودة، فما من شيء مؤكد معروف حوله، باستثناء ما يخبرنا هو نفسه به، إذ يقول إنه "يهودي إيطالي، من أسرة ثرية عاشت في فلورنسا في القرن الخامس عشر الميلادي".
 
لا نعرف على وجه الدقة من أين انطلقت رحلته إلى الشرق، كل ما نعرفه من حديثه أنه وصل إلى رودس في الرابع من أيار/ مايو 1481، ثم الإسكندرية، ومنها إلى رشيد، ثم عَبر سيناء حتى وصل إلى غزة، ومنها إلى الخليل، ومن الخليل إلى القدس، ومنها إلى الرَّملة، ثم يافا، ومنها إلى بيروت ثم دمشق، ثم العودة ثانية إلى بيروت، ومنها أخذ طريقة في البحر المتوسط إلى قبرص ثم رودس عائداً إلى موطنه.
 
وطبقاً لما كتبه الرحالة، فقد استغرقت رحلته حوالي خمسة أشهر ونصف الشهر تقريباً، منذ وصوله إلى رودس في الرابع من أيار/ مايو 1481، وحتى عودته إلى البندقية في التاسع عشر من تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه.
 
أعداد اليهود في شرق المتوسط

اهتم الرحالة ميشولام ابن مناحم أوف فولتيرا، اهتمامًا خاصًا بالعناصر اليهودية، ونجده لذلك يحرص على أن يورد أعدادهم في كل مدينة يمر بها.
 
فما أن وصل رودس، حتى تعرض لذكر أخبار اليهود في جزيرة رودس، وقال: "ويعيش اليهود هناك في هدوء تام". وعندما وصل إلى الإسكندرية وجد نحو "60 أسرة يهودية، ليس بينهم قراؤون أو سامريون". وذكر أخبار يهود القاهرة قائلاً: "في مصر يوجد نحو ثمانية آلاف أسرة يهودية، وهناك عدد كبير من اليهود القرائين، ونحو خمسين من السامريين". وفي الخانكة "عشرون أسرة يهودية". وفي بلبيس "يوجد ثلاث عائلات يهودية". وعندما وصل إلى غزة وجد "ما بين خمسين إلى ستين أسرة يهودية". وفي الخليل وجد "نحو عشرين أسرة يهودية". وفي القدس "مائتين وخمسين أسرة يهودية". وفي دمشق "يوجد أربعمائة وخمسون أسرة من اليهود". وجزيرة كريت "يوجد بها نحو ستمائة أسرة يهودية".
 
هذه هي صورة الوجود اليهودي في شرق المتوسط، كما شاهدها رحالة يهودي أوروبي.
 
الكتاب المقدس هو المرشد!

اعتمد الرحالة ميشولام على "الكتاب المقدس" كمرشد ودليل له في تجواله، ويؤكد ذلك ذكره لأسماء المواضع بالطريق السينائي بالمسميات التي وردت في "الكتاب المقدس"، فعندما وصل إلى مدينة الخانكة، أطلق عليها اسم "رافيديم" (Rephidim). وسمى مدينة بلبيس "جوشن" (Goshen). والعريش اسمها "سكوث (Succoth)". واستدل ببعض النصوص التوراتية في مواضع عدة من رحلته؛ من ذلك قوله: "إن العريش أنشأه جدُنا يعقوب"، و"إن النملة التي أصابت فرعون بالطاعون، لدغتني عدة مرات"، وقوله: "عند قمة الحي اليهودي يوجد بيت دليلة، حيث كان يعيش شمشون"، وعند حديثه عن الطريق إلى بيت لحم قال: "ومن هنا وعلى طريق مرتفع وجدنا مقبرة راحيل".
 
صورة متخيلة لمدينة القدس

يرسم ميشولام الفولتيري رسم صورة توراتية "مُتخيلة" لمدينة القدس، فعندما وصل إلى المدينة، قال: "عندما شاهدت أطلالها استأجرت ثوباً عريضاً، وفي مرارة اعتصرت قلبي أخذت أرتل الصلاة المناسبة من كتيب صغير. اليوم، لم يعد هناك جدران للقدس بخلاف جدار صغير على جانب واحد مررنا من خلاله، وبسبب خطايانا تحولت إلى حطام". يحاول ميشولام التأكيد على وجود تاريخي إسرائيلي في القدس،  عندما أورد جملة "وبسبب خطايانا تحولت إلى حطام"، وكأن مدينة القدس تخصهم وحدهم!

حاول ميشولام إيهام القارئ أن هناك آثارا تاريخية يهودية داخل مدينة القدس، فقال: "ربما يكون المعبد قد تم تجديده بسرعة في هذه الأيام، وما زال محاطاً بسور، على الجانب الشرقي بوابات الرحمة...". هنا عمد الرحالة ميشولام لإطلاق لفظ معبد على المسجد الأقصى! واستطرد قائلاً: "ومقابل هذا موقع معبد الملك داود والبناء الإسلامي فوقه. وأن الأحجار الضخمة في هذا البناء أمر عجيب جداً. وأنه من الصعب أن تصدق أن قوة بشرية نقلتها إلى موضعها الحالي بالقرب من الحرم المقدس يوجد مبنى من مقرنصات على أعمدة حول فناء يغطي منطقة المعبد. ومحيط المعبد زهاء نصف ميل. وعند الطرف الغربي من هذا الفناء يوجد مكان ارتفاعه مقدار ثلاثة أصابع يقال إنها الإيفين شتياه [صخرة الأساس]، وهنا يوجد شكل الكأس مطلي بالذهب، مساحته ما بين عشرين إلى ثلاثين مكعباً. إنه شديد الارتفاع غطاه المسلمون بالرصاص، وهم يقولون: أنه دون شك هو قدس الأقداس". وبذلك يحاول ميشولام الإدعاء بوجود الهيكل المزعوم تحت قبة الصخرة، التي هي قدس الأقداس!

 

حاول ميشولام إيهام القارئ أن هناك آثارا تاريخية يهودية داخل مدينة القدس، فقال: "ربما يكون المعبد قد تم تجديده بسرعة في هذه الأيام، وما زال محاطاً بسور، على الجانب الشرقي بوابات الرحمة...".

 



من الأمور المثيرة، مشاهدة ميشولام لتمثال أبشالوم وقوله: "إن كل من يمرون أمام تمثال أبشالوم، حتى المسلمين، يرجمونه بالحجارة. ذلك لأنه تمرد على والده".

استكمل ميشولام رسم صورة مُتخيلة للقدس بالقول: إنه "يوجد مسكن كبير وأنيق مغطى بالرصاص، ويعرف أنه مجمع سليمان(...) ويقع حرم المعبد فوق جبل مرياح [موريا] (...) ويقع جبل صهيون في الجهة الجنوبية، هنا مدينة داود".
    
اهتم ميشولام بشكل ملحوظ بالقبو، ويورد لقرائه عددا من القبور المُتخيلة كي يستطيع المؤمنون بـ"الكتاب المقدس" زيارتها.

إن نص الربي ميشولام بن مناحيم الفولتيري نفسه، ما هو إلا مجرد رسم صورة توراتية "مُتخيلة" لفلسطين عامة والقدس خاصة.

نشرت يوميات الرّبي ميشولام بن مناحيم الفولتيري، لأول مرة في فينا 1880، عن مخطوطة فلورنسا، وقام بنشرها لونس (Luncz)، في القدس سنة 1903م باللغة الإنجليزية اعتمادًا على نسخة فلورنسا، ونشرها الأمريكي ألكن ناثان أدلر (Elkan Nathan Adler)، في لندن 1930م ، في "مجموعة رحلات اليهود " (Jewish Travellers)، كذلك صدرت ترجمة عربية عن الرحلة تحت عنوان: "رحلة الربي ميشولام بن مناحيم الفولتيري 1481م في مصر وفلسطين ودمشق وبيروت" (304 صفحة من القطع المتوسط)، ترجمة ودراسة وتعليق د. مصطفي وجيه مصطفي، إصدار نور حوران للدراسات والنشر والتراث، دمشق، 2019. 

*كاتِب وباحِث فلسطيني


التعليقات (0)