هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: "د. موسى أبو مرزوق في العمق: قراءة في الفكر الحركي والسياسي لأول رئيس مكتب سياسي لحركة حماس 1997- 2017"، الجزء الثاني
إعداد: د. بلال خليل ياسين
الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2012
عدد الصفحات: 524 صفحة
أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في العاصمة اللبنانية بيروت كتابا جديدا بعنوان "د. موسى أبو مرزوق في العمق: قراءة في الفكر الحركي والسياسي لأول رئيس مكتب سياسي لحركة حماس 1997- 2017"، وهو الجزء الثاني من كتاب صدرت طبعته الثانية عن مركز الزيتونة سنة 2019 بعنوان "د. موسى أبو مرزوق مشوار حياة: ذكريات اللجوء والغربة وسنوات النضال”.
ويقع هذا الكتاب في 524 صفحة من القطع المتوسط، وقام بإعداد نصه الأصلي د. بلال خليل ياسين، فيما قام بمراجعة النص وتحريره أ. د. محسن محمد صالح، وإقبال عميش، ويغطي الفترة 1997- 2017 من مشوار حياة د. أبو مرزوق، أول رئيس للمكتب السياسي لحركة "حماس"، وأحد أبرز مؤسسيها وقيادييها.
الكاتب والباحث الفلسطيني عبد القادر ياسين، يقدم قراءة خاصة بـ "عربي21" لهذا الكتاب، ننشرها على ثلاث حلقات.
"حماس" و"فتح"
تضَّمن الفصل الثاني "العلاقات المتداخلة والمعايير الناظمة"، وفيه عرَّف صاحب المذكرات "حماس" بأنها "حركة تحرر وطني فلسطيني، تنطلق من منطلقات إسلامية، لتحرير فلسطين".
وتحت عنوان "موقف حماس من اليهود ومن الحركة الصهيونية"، بيَّن صاحب المذكرات الفرق بين ديانة سماوية نحترمها، وحركة عنصرية نقاومها. (ص99).
رأى أبو مرزوق في الاعتراف بالكيان الصهيوني تنالًا عن 78% من أرض فلسطين. مبيِّنا أن "حماس" رفضت، نظريّا، "اتفاقية أوسلو" ، في البداية، وأكدت الأيام صحة موقفها، مشيرا إلى أن المفاوضات "مرفوضة من الجماعة الوطنية، بكاملها... والأخطر أن هناك ضغوطا أمريكية لقبول إطار جديد" (ص101).
أما الحد الأدنى، الذي تقبله "حماس"، فمؤداه "دولة فلسطينية، عاصمتها القدس، وبدون الاعتراف بإسرائيل". ورأى أبو مرزوق "أن حضور الدول العربية في القضية الفلسطينية أمر مهم، ومتلازم، من الناحية الجغرافية، والوظيفية" (ص102 ـ 103).
عن "أدوات الصراع المطلوبة" رأى صاحب المذكرات أنها "تختلف، من مرحلة لأخرى". على أنه يقرر بأن "العمل المقاوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة (بقي) شبه متوقف، حتى اشتعال الانتفاضة الأولى (1987)".
وفي هذا الحكم تعسُّف، لأن المقاومة، بأشكالها كافة، كانت أول ما صدم المحتل الإسرائيلي، إلا إذا كان صاحب المذكرات يريد تبرير تأخر الإخوان في مقاومة المحتل، لأكثر من 20 سنة!
أما "ترتيب البيت الفلسطيني، وأهميته"، فيرى أبو مرزوق بأنه "لم يكن في فكر أبو مازن، مثلا، خيار المواجهة العسكرية مع الاحتلال الصهيوني، ألبتة" (ص118).
لقد رأى أبو مرزوق العلاقة بين "فتح"، و"حماس" "معقدة"؛ لأسباب موضوعية. "فتح" قيادة م.ت.ف. بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية"، مشيرا إلى خسارة "فتح"، لأول مرة، انتخابات عامة (2006). "وكانت الخشية من دخول حماس لأجهزة المنظمة، بالتوافق أو بإجراء انتخابات"، لذا جرت محاولة إسقاط "حماس" في أول تجربة لها (ص119).
تجلى الخلاف بين "حماس"، و"فتح"، في رؤية الثانية بأن الحل السلمي، عبر المفاوضات، وصولا لدولة فلسطينية، عاصمتها القدس، بجوار "إسرائيل". بينما لا ترى "حماس" شرعية لهذا الكيان، وتلتزم برنامج مقاومته.
على أنني لا أدري لماذا لم يسجل أبو مرزوق كون الكيان الصهيوني غدا المحدد الأول والأساسي لملامح أي رئيس فلسطيني، منذ دخل عرفات قطاع غزة، في 4/7/1994، بعد أن كان هذا التحديد من وظيفة النظام العربي، منذ تأسست "جامعة الدول العربية"، العام 1945.
"حماس" والعالم العربي
تحت عنوان "العمق العربي وحضوره الفاعل"، سواء على صعيد الحكومات، أو الشعوب. وفي هذا المجال، حرصت "حماس" على حصر عملها العسكري داخل فلسطين المحتلة، ولم تتدخل بالشأن الداخلي للدول العربية، والإسلامية، مع تجنُّب الصدام مع الأنظمة العربية، والابتعاد عن التصنيف المحوري.
لقد أدى "اتفاق أوسلو" إلى مجيء السلطة الفلسطينية، كي تحافظ على أمن "إسرائيل"، مقابل وعد لم يُنفذ، إلى اليوم، بإقامة دولة فلسطينية، على حدود حزيران / يونيو 1967.
أما مصر، فلطالما عبَّرت "حماس" عن أهميتها، ودورها المحوري في المنطقة العربية والإسلامية، وقد شاب علاقة "حماس" بالحكم المصري فتور ملحوظ، بعد فوز الأولى في انتخابات 2006، والانقسام الذي تلاها. ونفى أبو مرزوق أن تكون "حماس" تدخلت في الشأن المصري، في أي وقت. وقد سعت "حماس" إلى علاقات قوية مع المؤسسات السعودية المختلفة ؛ فالمقدسات الإسلامية عامل مشترك بين مكة والقدس، برأي أبو مرزوق (ص129).
في السياق نفسه، تحدث صاحب المذكرات عن علاقات "حماس"، ببقية الدول العربية.
أعطى أبو مرزوق عنوانا خاصا لـ "الإسلامي والقومي على مائدة القدس"، وقد دخلت علاقة "حماس" مع الوطن العربي، والعالم الإسلامي، مرحلة المأسسة، في الفترة من 2014 ـ 2019.
"لايمكن مقارنة سوريا بأي دولة أخرى"، وسوريا هنا هي الشعب، والتاريخ؛ لذا، كانت علاقة "حماس" بالدولة السورية متميِّزة، وحين بدأت الأزمة في سوريا، ربيع 2011، طلب الرئيس بشار الأسد من "حماس" تحديد موقفها، فتمسكت بعدم التدخل في الشأن الداخلي السوري. وحين حاولت "حماس" التوسط بين الحكم، ومعارضيه، برضا "حزب الله"، والرئيس بشار، قوبلت المحاولة بالاستحسان، قبل أن يطلب الرئيس إلى "حماس" وقفها!
ثم ألح الحكم السوري على "حماس"، كي تحدد موقفها مما يجري. فردت "حماس" باقتراح اعتماد الحكم السوري الحل السياسي. وحين طلب الحكم لقاء منفردا مع قيادة "حماس"، خشيت الأخيرة إساءة تفسير هذا اللقاء، فكان قرار مغادرتها الأراضي السورية، مع بقاء عضو المكتب السياسي لـ "حماس"، عزت الرشق، ومسؤول الساحة جمال عيسى. وتبعثر أعضاء المكتب السياسي لـ "حماس"، ما أثر سلبا على عمل الحركة. ومَن ادعى أنه من "حماس" مقاتلا، لم يكن صادقا، ومن قاتل ومعه تاريخ مع "حماس"، فقد تركها.
عن علاقة "حماس" بحزب الله، أكد أبو مرزوق "بعد انسحاب الاحتلال الصهيوني من الجنوب اللبناني (1985)، فقد تعزَّز الملف الفلسطيني أهمية عند الحزب... وبات يبحث عن سُبُل توسيع جبهة المقاومة"؛ خاصة أن "معظم تشكيلات الحزب كانت من حركة فتح"، ولأن "فلسطين قضية جامعة... فلا بد أن نجد شيئا مشتركا يجمع بين الأفكار المختلفة". باختصار، نحن أمام "علاقة نضال، وجهاد ضد المشروع الصهيوني". وإن شاب العلاقة بين حزب الله، و"حماس" "بعض الخلل، وظهر الخلاف حول التعاطي مع الشأن السوري، والمشاركة في القتال". وإن تم تلطيف الأجواء، لاحقا.
وأضاف صاحب المذكرات: "كانت العلاقة السياسية بين حماس، وحزب الله أقوى من الجانب العسكري". (ص155 ـ 156).
"حماس" والعالم
في مجال العلاقات الدولية، "حماس" منفتحة؛ ومنذ أن وُضعت "حماس" على قائمة "الإرهاب"، والاتصالات مع أغلب دول الإتحاد الأوروبي تجري عبر أكاديميين، ودبلوماسيين متقاعدين، ومراكز دراسات، ومستشارين قريبين من مراكز صنع القرار. علما بأن نلسون مانديلا ترك الرئاسة، واسمه كان ما يزال مصنَّفا باعتباره "إرهابيّا".
عن علاقة "حماس" بالولايات المتحدة، كانت الأخيرة عند كاتب المذكرات "الدولة الديمقراطية"، حتى 5/7/1995، "حين وُضعت الأصفاد الحديدية في يدي أبو مرزوق، أمام زوجته، وأولاده، دون سابق إنذار، أو تهمة محددة" (ص158). ولا أدري من أين أتت هذه الصورة الوردية عن عدونا الرئيسي؟
وليس دقيقا القول "أصبحت الإدارة الإسرائيلية هي النافذة"، كأنه يريد إقناعنا بأن الذيل هو الذي يهز الكلب! على غرار أن " اللوبي الصهيوني"، أو الصوت اليهودي، هو الذي يوجه السياسة الأمريكية، بما يفضي إلى تبرئة الإدارة الأمريكية، وإظهارها في صورة المجبر على اتباع سياسة معادية لنا! وفي موقع آخر، أكد أبو مرزوق بأن هدف واشنطن من الحوار مع حماس كان "تطويع حركة حماس، وسياستها تجاه الكيان الإسرائيلي" (ص161).
لعل ما يثير الاستغراب، أكثر، تأكيد صاحب المذكرات بأن موقف واشنطن تجاه "حماس" كان "ينطلق من اعتبارات إسرائيلية بحتة". بينما تقف واشنطن مع مصالح "إسرائيل" كما تراها الأولى؛ لذا، لم يكن غريبا أن تحدث تباينات، وتمايزات، بل تعارضات بين مواقف واشنطن، وتل أبيب، من وقت لآخر.
بعد فوز "حماس" في انتخابات 2006، انحاز الغرب "للولايات المتحدة، في التوافق على وضع ثلاثة شروط للتعامل مع "حماس": الاعتراف بالكيان الصهيوني؛ نبذ العنف؛ والاعتراف بالاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير" (ص163). وكأن صاحب المذكرات "فوجئ" ـ ولا أقول صُدم ـ بموقف الغرب الاستعماري، حين اصطف وراء زعيمته (الولايات المتحدة)، في دعم الكيان الصهيوني!
وجاءت ترجمة هذا الموقف الغربي بالحصار السياسي، وقطع المساعدات المالية عن حكومة "حماس"، وإبقاء الأخيرة خارج المؤسسة الفلسطينية الرسمية، بالابتزاز، والضغط السياسي، الأمر الذي تُوِّج بصفقة القرن، فنُقلت السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة (14/5/2018).
وجاء موقف روسيا الاتحادية استثنائيّا هنا، فلم توافق الغرب على الموقف من حماس؛ ما وفر فرصة لـ "حماس" لإعادة ترميم مصالح روسيا، شبه الميتة، في منطقة الشرق الأوسط، ودعت موسكو وفدا من "حماس"، زارها، في آذار / مارس 2006. دون أن ينسى صاحب المذكرات التذكير بما أسماه "الأفعال الشنيعة ضد المسلمين، في أفغانستان، وغيرها"!
ولا أدري لماذا فتح صاحب المذكرات ملف أفغانستان، حين خفت معظم الفصائل الإسلامية لمقاتلة السوفييت هناك، تاركة فلسطين نهبا للصهيونية، ودعمت واشنطن، علنا، تلك الفصائل، ومعها الدول العربية الدائرة في فلك واشنطن! ناهيك عن أن الذي حاربوه، آنذاك، كان يحمل اسم "الاتحاد السوفييتي"، الذي انفرط عقده، مع نهاية العام 1991، ولا يمت لروسيا الاتحادية الحالية بأي صلة، سياسية أو أيديولوجية.
ترأس صاحب المذكرات وفدا حمساويّا لزيارة روسيا، في 23/5/2002، التي رحبت بـ "حماس"؛ لأنها "تُمثِّل وجهة نظر غالبية الشعب الفلسطيني" (ص166). وتحدث وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف مع وفد "حماس" عن أهمية المصالحة الفلسطينية، ولأن محمود عباس، "ضعيف سياسيّا"، فاعترض صاحب المذكرات بأن عباس "هو رئيس منظمة التحرير، وحركة فتح، والسلطة الفلسطينية، وبالتالي هو يُعبر عن الفلسطينيين، عموما" (ص168).
لا أدري كيف لصاحب المذكرات أن يتغافل عن الطريقة التي فرضت بها واشنطن وتل أبيب عباس رئيسا للوزراء الفلسطيني، المنصب الذي استحدثته لعباس الدولتان (2002)، ضمن "خارطة الطريق"، ومرره عرفات، ثم أتت واشنطن، وتل أبيب بعباس رئيسا لمنظمة التحرير، و"فتح".
وفي هذا ذكر الرئيس الأمريكي في مذكراته، قبل نحو العام، أن اختيار عباس جاء لأنه ضعيف، ويصر تاريخيّا على عدم الدخول في مواجهة مسلحة مع الكيان الصهيوني، ما جعل عزام الأحمد يهتف لأبي مرزوق: "بتستاهل خروف على هذه الجملة". ونشرها صاحب المذكرات، متباهيا!
دفعت القوة الشعبية، التي حظيت بها "حماس"، إبان فوزها بالانتخابات التشريعية، الاتحاد الأوروبي أن يعيد حساباته، بعد أن كان شرع سيف المواجهة ضد حماس، منذ أحداث 11/9/2001. وبعد نحو ثلاثة أشهر، أدرج الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري لحماس ضمن "المنظمات الإرهابية". وبعد أن نفذت حماس جملة من العمليات الاستشهادية ضد الاحتلال الصهيوني، "أدرج الاتحاد الأوروبي حركة حماس، بشقيها، السياسي والعسكري، على لائحة (الإرهاب)"، وذلك في كانون الأول / ديسمبر 2003. ومع هذا كله، فإن حماس "لم تتجاهل أي جهة اتصال، تأتي عن طريقها"، ومع بداية العام 2004، دخلت العلاقة الأوروبية ـ الحمساوية مرحلة الاحتواء، ومحاولة "الترويض".
لكن نتائج انتخابات 2006، أحرجت العديد من الأطراف الدولية؛ فاتخد الاتحاد الأوروبي خطوات إيجابية نحو "حماس". بينما قامت علاقة لـ "حماس" بكل من الهند، والصين؛ "لكن الواضح أن العلاقة لم تخرج من إطارها العام، ولم يُبْنَ عليها خطوات عملية" (ص170 ـ171).
اقرأ أيضا: موسى أبو مرزوق يروي خفايا رحلة "حماس" من الأردن إلى سوريا