صحافة دولية

الغارديان: بعد 10 سنوات.. هكذا يتحدث التونسيون عن ثورتهم

تونسية: ألا يمكن أن نحصل على الحرية والخبز معا- جيتي
تونسية: ألا يمكن أن نحصل على الحرية والخبز معا- جيتي
نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا، ترجمته "عربي21" تناولت فيه الأوضاع في تونس بعد عشرة أعوام على حرق البائع المتجول محمد البوعزيزي نفسه.

تقول الصحيفة إنه بعد عقد من الزمن منذ أن أضرم النار في نفسه احتجاجا على فساد الدولة ووحشيتها، لم يعد البوعزيزي له رواج في تونس، إلى جانب الثورة التي ألهمها موته. انتقلت عائلته إلى كندا وقطعت معظم العلاقات مع سيدي بوزيد، بحسب بلال غربي، 32 عاما، وهو صديق للعائلة.

يقول قيس البوعزيزي، ابن عم محمد، إن لقبهم كان في يوم من الأيام رمزا للفخر التونسي، ولكن "الآن مدينة سيدي بوزيد والاسم الأخير بوعزيزي يبدوان وكأنهما لعنة".

الأساطير حول تونس، مهد الحركات الاحتجاجية، وقصة النجاح الوحيدة، وحاملة راية الديمقراطية العربية، تتلاشى كلما تحرك المرء من ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى داخل البلد حيث المناطق البعيدة المهملة التي غذى غضبها الإطاحة بزين العابدين بن علي، الرئيس الاستبدادي لفترة طويلة، في كانون الثاني/ يناير 2011.

وبعد عشر سنوات، أصبحت تونس دولة ديمقراطية. لقد صمدت أمام الاغتيالات والهجمات الإرهابية والخلافات الأيديولوجية لقادتها، في لحظات حاسمة تراجعت عن شفير العودة إلى الحكم الاستبدادي كما حدث في مصر، والحرب الأهلية كما في سوريا واليمن وليبيا.

التونسيون أكثر حرية في انتقاد قادتهم من ذي قبل، وانتخاباتهم نزيهة. ومع ذلك، يشعر الناس بالبؤس وخيبة الأمل، وينضمون إلى الجماعات الجهادية ضمن أكبر نسبة في أي بلد في العالم، وشكلوا غالبية المهاجرين الذين نقلتهم القوارب إلى إيطاليا هذا العام.

بالنسبة لمعظم الناس، عنت تجربة الثورة انخفاضا في مستويات المعيشة. وانخفض النمو الاقتصادي إلى أكثر من النصف منذ عام 2010، والبطالة منتشرة بين الشباب الذين يشكلون 85% من العاطلين عن العمل. ويقول أشرف هاني، 35 عاما، الذي رأى من كشكه البوعزيزي يقوم بإشعال نفسه بعد مصادرة بضاعته وعربة البيع الخاصة به: "لم يتغير شيء.. الأمور تسير نحو الأسوأ".

يقول قيس البوعزيزي، 32 عاما، إن النقاشات التي تشغل تونس، مثل ما إذا كان ينبغي أن تتمتع المرأة بميراث مساو للرجل، أو ما إذا كان ينبغي تخصيص منصب الرئاسة للمسلمين، تبدو بعيدة عن الناس في سيدي بوزيد.. "إنها بعيدة عن القضايا الاجتماعية التي قامت الثورة لأجلها، حيث كانت شعاراتنا الأولى تدور حول العمل والكرامة".

على مشارف القيروان، وهي مدينة صحراوية تبعد ساعة عن سيدي بوزيد، تقول عائشة قريشي، 60 عاما، إن الفساد الذي كان يميز عهد بن علي لا يزال يفسد حياتها. تم توجيه المساعدات الخارجية إلى المنطقة لبناء أكواخ صغيرة من الطوب لها ولنساء أخريات لبيع الخبز على جانب الطريق. وتقول إن معظم الأموال تلاشت، ولا تزال تعمل في عريشة مصنوعة من الخشب وقطع النايلون المنسوج.

وتقول عن الإطاحة ببن علي: "لقد ربحنا القليل من الحرية. لكن هل هذا يؤثر على حياتي؟ أريد الحرية والكرامة. ألا يمكنني الحصول على كليهما؟".

تتجلى ثمار الثورة بشكل أكثر وضوحا في قصر باردو، متحف القرن الخامس عشر والبرلمان في العاصمة، حيث ينظم المحتجون اعتصامات ويتشاجر المشرعون تحت أسقف مزينة بورق الذهب، في هندسة معمارية تمزج بين الأنماط الرومانية والإسلامية والأوروبية.

يُشار إلى الاندماج السهل للعصور والثقافات التي تشكل تونس الحديثة كأحد الأسباب التي ساعدتها على الحفاظ على تجربة ديمقراطية كانت قصيرة العمر أو غير موجودة في بلدان أخرى. يشير المحللون أيضا إلى جيشها الصغير الذي لا يتدخل في السياسة، والمجتمع المدني الذي وجد طرقا للازدهار على الرغم من الاستبداد، ما أعطى الأمة ثقلا عندما سقط بن علي.

كما أن الجغرافيا ساعدت أيضا.. يقول صفوان المصري، الباحث في جامعة كولومبيا: "لطالما كانت تونس بعيدة نوعا ما عن مركز الثقل في العالم العربي وكانت أقل أهمية بسبب حجمها ونقص الموارد الطبيعية.. لقد تم تهميشها من قبل بقية العالم العربي ولم تكن مهمة من حيث الألعاب الجيوسياسية الأكبر".

يجادل آخرون بأن تفرد تونس مبالغ فيه، وأنه في اللحظات التي كان من الممكن أن تسلك فيها بسهولة طريق دول الربيع العربي الأخرى، تم إنقاذها بقرارات حكيمة. خلف الكثير من هذه القرارات كانت وداد بوشماوي، الرئيسة السابقة لاتحاد أرباب العمل في البلاد والحائزة الآن على جائزة نوبل.

فبحلول منتصف عام 2013، أدى الخلاف بين حزب النهضة الإسلامي والعلمانيين إلى تجميد المحادثات حول دستور جديد. وعندما اغتيل اثنان من القادة اليساريين على يد من يشتبه بكونهم جهاديين، وعجت تونس بالمحتجين الغاضبين. كانت حركة مماثلة في مصر قد أسقطت للتو حكومة الإخوان المسلمين، التي ذبح أنصارها في الشوارع.

تقول بوشماوي: "صدقني، بعد (الاغتيال) الأول، ثم الثاني، كنا خائفين من أن نفقد ثورتنا.. كانت ستكون حربا أهلية، أو ارتباكا في كل مكان، وسنكون مثل ليبيا".

إلى جانب ثلاثة من قادة المجتمع المدني الآخرين، طلبت بوشماوي من الخصوم السياسيين في البلاد الجلوس حول طاولة لإجراء مفاوضات اللحظة الأخيرة. تقول: "لأكون صريحا جدا معك، ما ساعدنا هو الوضع في مصر.. كانت حركة النهضة تخشى أن يكون لدينا نفس الوضع هنا".

لكن اللجنة الرباعية احتاجت أيضا إلى إقناع معارضي الإسلاميين بأنهم لا يستطيعون ببساطة إبعادهم عن النظام. وتتذكر بوشماوي قولها لقادة المعارضة المتمردة: "الديمقراطية هي قبول الآخر.. لا يمكننا أن نطالب بالديمقراطية ثم نقول إننا لا نتفق مع نتائج الانتخابات. هذه هي الديمقراطية".

ومهد نجاحهم الطريق لانتخابات حرة متتالية وفازت بوشماوي وزملاؤها بجائزة نوبل للسلام لعام 2015. لكن سنوات من القتال حول هوية تونس لم تترك سوى القليل من الأكسجين لمعالجة المشاكل الاقتصادية التي غذت الثورة.

وقالت سيدة الونيسي، 33 عاما، الوزيرة السابقة من حزب النهضة، إن تطبيق الإصلاحات في بلد حر صعب. وتذكرت اجتماعا مع مستشارين دوليين دفعوا تونس إلى تعويم عملتها كما فعلت مصر في 2016 لجذب الاستثمار الأجنبي. وقالت الونيسي: "قالوا إنها ضربت السكان (المصريين) بشدة في البداية، لكن الآن بعد عامين، بدأت تؤتي ثمارها".

تقول: "قلت لهم، لا يمكننا تحمل تكاليف السنتين.. نحن دولة ديمقراطية. لا يمكن للسلطة السياسية أن تتخذ قرارا وهي تعلم أنه سيكون صعبا جدا على غالبية السكان، لأن هناك انتخابات في هذا البلد. يمكن للناس التظاهر".

كما أن الأموال الأجنبية تعني أيضا إحاطة الديمقراطية بالمخاطر. يقول يوسف الشريف، مدير مركز تونس في جامعة كولومبيا: "لقد رأينا الكثير من المستثمرين يسافرون إلى الخارج، وينظرون إلى أماكن مثل المغرب أو مصر التي هي دول استبدادية وتوفر نفس القوة العاملة الماهرة الرخيصة ولكن مع مشاكل أقل، ومطالب اجتماعية أقل".

وما يتسبب به الركود هو حنين متزايد للنظام القديم، جسدته اليمينية الشعبوية عبير موسي، المحامية وعضوة البرلمان التي تحن إلى "الاستقرار" في عهد بن علي وتتلقى تغطية ودية من القنوات الإخبارية المملوكة من السعودية والإمارات.

ويتراجع إقبال الناخبين في سيدي بوزيد منذ أول انتخابات حرة عام 2011. يقول هشام عامري، وهو ناشط اجتماعي، إن المدينة لم تتأثر حتى الآن بالنظام، ولكن ليس للأسباب التي تكتسب رواجا في بعض الأحيان في العواصم الغربية. إن ما تعاني منه الديمقراطية التونسية ليس تعارضا جوهريا مع الإسلام، ولا نزعة سلطوية في السياسة العربية. بدلا من ذلك، يقول، إنه شيء أصبح له صدى أعلى في واشنطن ولندن على مدى السنوات العشر الماضية: الشعور بأن الديمقراطية كما تُمارَس لا تصلح إلا للنخبة في تونس وعلى طول الساحل، دون أن تصل بما يكفي إلى مجتمعات مثل سيدي بوزيد لإعطاء الناس فرصة إبداء رأيهم في القوى التي تشكل حياتهم.

وأضاف العامري: "هناك ديمقراطية الشكل وديمقراطية العمق. في تونس نمارس ديمقراطية الشكل.. في جميع أنحاء العالم، الفجوة كبيرة بين (السياسيين) المنتخبين والمواطنين. وتونس جزء من هذا العالم".

لا يوجد الكثير مما يشير إلى قبر محمد البوعزيزي في مقبرة غير مسورة في ضواحي قريته. يقول محمد طليلي، الزميل سابق في المدرسة: "هذه هي المرة الأولى التي آتي بها هنا منذ دفنه". ويقضي بضع دقائق بعد ظهر يوم غائم يبحث في شواهد القبور البيضاء عن اسم صديقه.

أصبح البوعزيزي رمزا يلهم المقاومة لدى ملايين الأشخاص، وفيما بعد، استياء البعض منهم. عندما يجد القبر، يتوقف طليلي لبعض الوقت، متذكرا البوعزيزي، الرجل. ويقول: "مات وانتصر آخرون"، في إشارة إلى مسؤولي النظام السابق والمنفيين والسجناء السياسيين الذين أصبحوا يتولون أعلى المناصب في تونس. وأضاف: "لم يحلموا أبدا بأن يكونوا حيث هم. ولكن بسببه، هم هناك".
التعليقات (2)
فولار
السبت، 19-12-2020 05:22 م
طبيغي حدا
ناقد لا حاقد
السبت، 19-12-2020 12:35 م
التغيير يحتاج الى وقت و سنوات الدكتاتور المقبور زين العابدين افسدت الكثير اقتصاديا و اجتماعيا و الاصلاح و البناء يتطلب وقتا و ليعلم الشعب التونسي انه له تخديان مهمان داخلي و خارجي و الخطير هو العدو الخارجي الذي يريد استنساخ تجربة مصر السيسي............. لا حل للشعب التونسي الا الصبر..............و من يحن الى الماضي و عهد المقبور بن علي فلا يستحق لا الحرية و الحياة ...........