كتب

كتاب جديد يعيد قراءة تاريخ الحركة الوطنية في مصر

كتاب يؤرخ لتاريخ الحركة الوطنية حتى ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 (عربي21)
كتاب يؤرخ لتاريخ الحركة الوطنية حتى ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 (عربي21)

الكتاب: "منحنى الحركة الوطنية المصرية (1881 ـ 1952)"

المؤلف: هشام عبد الرؤوف

الناشر: مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر ـ القاهرة 2019

 

لا تزال معارك التحرير الوطني التي خاضتها معظم الشعوب العربية ضد الاستعمار الغربي، تمثل مادة ثرية للدراسة والتحليل واستخلاص الدروس. ولقد كتب مئات المؤرخين والمفكرين والسياسيين في تاريخ الحركة الوطنية المصرية في مواجهة الاستعمار البريطاني، ولازال المنشغلون بنهضة العرب والمسلمين يقلبون النظر ليس فقط في مرحلة الاستعمار الغربي للعالم العربي، وإنما في نشأة الحركة الوطنية وقدرتها على إبداع أساليب مقاومة أثمرت في نهاية المطاف ميلاد الدولة الوطنية بمعناها الموجود حاليا في أغلب الدول العربية.

وكثيرا ما يلجأ الكتاب والمؤرخون إلى التاريخ ليس من أجل معرفة حقائقه فحسب، وإنما أيضا من أجل فهم الواقع، وكيف آلت الأمور في بلداننا العربية إلى ما آلت إليه. 

ضمن هذا السياق يأتي كتاب "منحنى الحركة الوطنية المصرية (1881 ـ 1952)"، للباحث المصري، هشام عبد الرؤوف، الصادر 2019 عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر ـ القاهرة، الذي يسلط الضوء وبأسلوب بسيط ولكن من خلال محطات تاريخية دالة، جزءا من تاريخ مصر الحديث، التي تعيش منذ مطلع العام 2011 تداعيات زلزال سياسي لازالت براكينه لم تستقر بعد على حال.

يقع الكتاب في 296 صفحة من الحجم المتوسط، ويتألف من تقديم لعبد القادر ياسين، وتقديم آخر لمحمد عصمت سيف الدولة، وتصدير المؤلف، وسبعة فصول. ومحور الكتاب، هو الحركة الوطنية المصرية، خلال الفترة من 1881 ـ 1952م.

 

الجذور التاريخية للحركة الوطنية في مصر

 
يقصد المؤلف بالحركة الوطنية المصرية في هذا الكتاب، "جهود الشعب المصري، بمختلف طبقاته، في سبيل انتزاع استقلال مصر، والذود عن كيانها، والثورة على كل إمبريالي يعتدى على هذا الاستقلال، ومقاومته، بكل ما أوتي هذا الشعب من حول، وقوة" (ص 16). 

يقدم المؤلف لمحة سريعة عن المراحل التاريخية، التي مرت بها مصر، منذ الأزل؛ وصولاً إلى جذور الحركة الوطنية، تحت الحُكمين، المملوكي، والعثماني (ص 19 ـ 44). وبحسب المؤلف، "فقد رسَّخت فترة الحكم الإسلامي، الدين الإسلامي في الشعب المصري، الذي اجتمعت عوامله لتربط المسلمين بأئمة المساجد، ورجال الدين، ما كان له أثر في اتباعهم، واللجوء إليهم في رفع المظالم. إلا أن هذه الفترة وضعت بذور الطائفية في المجتمع" (ص 44).
 
يتناول المؤلف، في الفصل الأول، إرهاصات الحركة الوطنية، فقد كانت الحملة الفرنسية على مصر 1789م، "الشرارة التي ألهبت شعبها، فقد واجهت الحملة أعداء متنوعين، في الأهداف، والأغراض؛ من المماليك، والأتراك، والبريطانيين، والشعب المصري، بجميع طبقاته، من فلاحين، وحِرفيين، وتجَّار، ومثقفين، علماء، ورجال الدين. وحاولت شتى أطراف الصراع استمالة الجماهير، ما أفضى إلى حمل الشعب السلاح، وبروز قيادات شعبية، بين التجار، والعلماء، ومشايخ الحِرف" (ص 47).
  
يصل المؤلف إلى مشارف "فجر الحركة الوطنية"، بالثورة العرابية (1881م)، كفصل ثانٍ (62 ـ 84)؛ ويتبعه بالفصل الثالث، تحت عنوان، "ثورة أشعلها الشعب وأجهضها كبار الملاك"، ثورة 1919، يقول المؤلف: "أُجهضت الثورة، فاستمر المحتل قابعًا، واستمرت السلطة في يد المندوب السامي البريطاني، يُقيم الوزارات، ويُقعدها، ويتدخل في شؤون البلاد، ولم تنته سيطرة أشباه الإقطاعيين، وكبار الملاك، وبدت سيطرة كبار رجال المال المصريين، المتصلين برؤوس الأموال الأجنبية ـ وأغلبهم يهود ـ وشركائهم، والممثَّلين كأعضاء مجالس إدارة لهذه الشركات، بشكل صوري ـ لشراء ولائهم ـ حتى عبَّر عنه البعض بالرشوة المقنَّعة" (ص 120). 

بدأ "فرز الأوراق"، في الفصل الرابع، يرى المؤلف "بعد أن أُجهضت ثورة 1919، بميل بعض رجالها، إلى التفاوض، لتحقيق جزء من أهدافها، ما أحدث الانشقاق الأول في صف الحركة الوطنية، إلى فئتين: ثابتة على المسار الثوري، وأُخرى تنحت جانبًا بميلها ذاك، ثم فرزت الجولات السياسية، الحركة الوطنية، لتوضّح الممارسة الحقيقية من هو متمسك بالمسار الثوري، والمطالب الشعبية؛ ومن تنحى قليلًا، في خضوع لأعداء الثورة؛ ومن استسلم، وأصبح أداة طيِّعة، يستخدمها عدو الثورة، كيف، ووقت شاء" (ص 124). 

 

حركة الضباط الأحرار

من هنا بدأ التمايز داخل الحركة الوطنية المصرية، وعالجه المؤلف في الفصل الخامس، "اشتداد التمايز"، فيقول: "وفي ظل إصابة الوفد بالضعف، لما تفشى فيه من الانشقاقات، فكان العنفوان في طبقتي كبار الملاك، والرأسماليين، اللتين انحرف رجالهما، بالسياسة، فأقاموا أحزابًا موالية للقوة الداعمة لمصالحهم ("الاتحاد"،"الشعب")؛ ولما أبرمت "معاهدة 1936"، وما حوته من بقاء سلطة بريطانيا، وبداية انحراف الوفد عن المسار الثوري، انصرف كبار الملاك، والرأسماليين، كليًا، إلى تحقيق مصالحهم الطبقية، وبما لذلك من بُعد على العملية السياسية، فبزغ نجم الحكم المطلق، لدى الملك ورجاله. اقترن ذلك بإرهاصات، وأحداث الحرب العالمية الثانية، التي اتخذت فيها بريطانيا من أساليب اقتصادية، مسَّت مصالح هاتين الطبقتين، بالضرر، فتكالب ذلك كله، على الشعب المصري، فاشتد التمايز" (ص 174 ـ 175). ليكون المخاض، في الفصل السادس، "الميلاد الجديد"، انتهت مرحلة "ببداية ميلاد القيادة الجديدة للحركة الوطنية الساخطة على كل من بريطانيا، وحكومات الحرس الثوري القديم، فكان الطوْر الثاني لـ(الضباط الأحرار)، واليسار" (ص 216). 

وبدأ عمل "الضباط الأحرار" من خلال الإدارات الخمس "الإدارة الاقتصادية، لتمويل التنظيم بجمع المال؛ إدارة التشكيلات، لتجنيد العناصر الصالحة؛ إدارة الدعاية والاتصال بالكتل الشعبية؛ ثم كانت هناك إدارة الإرهاب، وإدارة الأمن(...) كان هناك اتصال بين أعضاء (الضباط الأحرار)، وبين مختلف التيارات السياسية" (ص 217). ثم "مقدمات حركة الجيش"، كفصل سابع، فقد أدت حرب 1948، إلى "حصار قوات مصرية في الفالوجة، وعراق المنشية. 

علَّق جمال عبد الناصر عليها، وقال: "ما دامت القاهرة، والأركان العامة تقودنا بهذه الصورة، فلن يتاح لأي منا أن يقود معركة، بشروط متكافئة للدفاع عن حياته، وليذود عن شرف وطنه... سنظل نُقتل هكذا، عن طريقق الغدر، والخيانة". إلا أن الحرب، التي أفقدت (الضباط الأحرار) بعض رجالها، أمدتهم بعناصر جديدة، من خلال المعايشة في معسكرات القتال" (ص 257). 

وبحسب المؤلف، فقد "وصل سخط الشعب ضد هذا النظام، وتمنى الخلاص منه، في أقرب وقت ممكن، في حين لم يكن أي من الأحزاب مؤهلًا لإسقاط هذا النظام. فقدم (الضباط الأحرار) ساعة البدء بحركتهم، إلى ليلة 23 يوليو/ تموز، بدلًا من 5 أغسطس/ آب، وتولوا قيادة الجيش، والشعب بهذه الحركة. وبذا فُتح سِفر جديد في حياة البلاد، وحركتها الوطنية" (ص 288).
 
الكتاب في محصلته هو موجز للحركة الوطنية المصرية (1881 ـ 1952)، وهذا ما قصده هشام عبد الرؤوف، في مقدمة الكتاب بالقول: "فكرة الدراسة المقدمة اليوم، لتتناول أهم أحداث الحركة الوطنية المصرية، ومحطاتها الرئيسية، لإبراز مدى تقدمها، وانعطافاتها" (ص 16). على أنه سيُحرِّض قرَّاءه على البحث عن مزيد من التفاصيل في الكتب التي أوردها في آخر الكتاب. 

ويبدو واضحا من خلال النهاية التي اختتم بها المؤلف كتابه، أن من حسم المعركة في النهاية هم الضباط الأحرار الذين تمكنوا من التأسيس لعهد سياسي جديد، تمثل المؤسسة العسكرية رأسه، وهي رسالة مهمة، أن الدول في نهاية المطاف تحتاج إلى الشوكة التي لا تحمي حدودها وسيادتها فقط، وإنما تسهر أيضا على أمن واستقرار مواطنيها وتطبيق القوانين فيها.. لكن السؤال سيظل قائما عن طبيعة العلاقة التي يجب أن تكون بين القوة والقانون، وبتعبير أدق بين المدني والعسكري وحدود العلاقات بينهما. 

 

*كاتِب وباحِث فلسطيني

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم