أكد مدير الشبكة العربية لمعلومات
حقوق الإنسان بمصر، المحامي
جمال عيد، أن
المنظمات الحقوقية المستقلة في البلاد تتعرض لضغوط أمنية وقضائية وإعلامية ممنهجة، من أجل إسكاتها أو تحييدها في ما يتعلق بقضايا حرية الرأي والتعبير، والتعذيب داخل السجون، والحقوق والحريات المتعددة.
وقال عيد في حوار خاص مع "
عربي21" إن الدولة اتبعت في بلوغ هدفها جميع الأساليب لدفع تلك المنظمات للتوقف عن العمل، أو التواطؤ معها في الصمت عن الانتهاكات ضد المعتقلين السياسيين، والقمع بحق المعارضين.
ومنعت السلطات
المصرية عيد من السفر في شباط/ فبراير 2016، وأيدت محكمة جنايات القاهرة منعه وآخرين من التصرف في أموالهم في أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، وتعرضت مكتبات "الكرامة" التابعة لمنظمته للإغلاق في أكثر من محافظة، دون إبداء الأسباب، وفق قوله.
ويُعد عيد من أبرز النشطاء في العمل الحقوقي بمصر، وتولى الدفاع عن العديد من المحبوسين على ذمة قضايا سياسية، وأسس الشبكة العربية لحقوق الإنسان في عام 2004 بهدف دعم حرية الرأي والتعبير والنشر، وتوثيق انتهاكات أجهزة الدولة ومؤسساتها، ونشرها في تقارير ودراسات دورية.
وإلى نص الحوار..
ما هو تقييمكم لوضع المنظمات الحقوقية بمصر في عهد رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي؟
للأسف؛ تعاني هذه المنظمات من حصار وتضييق، وتتعرض لحرب شعواء من الحكومة بسبب عملها.
وهناك منظمات أغلقت تماما، كالمنظمة العربية للإصلاح الجنائي، ومركز مساعدة السجناء، وذلك نتيجة التضييق الذي مورس عليها، والمنظمات التي لم تغلق تمارس عملها في ظروف صعبة جدا.
ما الذي تريده الدولة من هذه المنظمات؟
الدولة لا تريد إغلاقها، وإنما تريد منظمات متواطئة معها، تغمض عيونها على الانتهاكات بحق المدنيين، وإهدار القانون.
ما هي السنوات الأصعب التي عملتم خلالها، والتي امتدت من عصر مبارك، مرورا بالمجلس العسكري، والرئيس مرسي، انتهاء بالسيسي؟
ما بعد 3 تموز/ يوليو 2013 هو الأسوأ في تاريخ
الحريات وعمل
منظمات المجتمع المدني والحقوقي، فمنذ مجيء
السيسي أصبح الوضع في غاية الصعوبة، وبات النظام في عداء شديد مع تلك المنظمات، فعصر السيسي هو الأسوأ في تاريخ مصر بلا شك.
هل الانتهاكات مرتبطة بممارسات الداخلية، أم بالمناخ العام لنظام السيسي، أم بما تحاولون البحث عنه وكشفه؟
الانتهاكات مرتبطة بكل ما ذكر في السؤال، فهناك انتهاك أمني من "الداخلية"، وانتهاك من حكم الثورة المضادة الذي يحكم الآن، ويرغب في منظمات متواطئة، بالإضافة إلى المناخ العام، وهذا يؤكد الحاجة الملحة للمنظمات وعملها، وخصوصا أن عدد من يطالبونها بالدفاع القانوني في تزايد مستمر.
يتهمكم نظام الانقلاب بنقل صورة غير حقيقية عن الأوضاع في مصر بما يضر بصورته في الخارج؟
على من يزعم ذلك أن يقدم أدلته التي تثبت عكس ما نذكره في تقاريرنا. ولقد أعددنا تقريرا عن السجون، ذكرنا فيه أن أكثر شيء نجح في عمله السيسي هو بناء السجون، واستقينا أعداد هذه السجون من قرارات الحكومة المنشورة في الجرائد الرسمية.. فما هو الأصعب؛ بناء السجون والتعذيب، أم النشر عنها؟
ما هي الوسائل التي يستخدمها النظام للضغط عليكم؟
أكثر ما تستخدمه الدولة ضدنا هو فبركة القضايا، وتوظيف القضاء للانتقام من المنظمات الحقوقية المستقلة.
وأما التمويل؛ فلا يشكل أزمة كبيرة، حيث إن بعض تلك المنظمات تعمل بأقل تكلفة، وبعضها الآخر يعتمد على تمويل الأعضاء.
هل هناك ارتباط بين تحسن مناخ الحريات في مصر، وبين جذب الاستثمارات الخارجية؟
بالطبع؛ الدول التي تعادي العدالة وسيادة القانون، وينتشر فيها التعذيب، وتغلق المكتبات الثقافية؛ هي دولة لا تمنح مناخا مطمئنا لأي مستثمر أجنبي.
ما سبب إغلاق مكتبات "الكرامة" التابعة لمنظمتكم؟
ما قيل لنا بوضوح؛ هو أن سبب الإغلاق تعليمات بغلق المكتبات التابعة لنا، بدون إنذار، وفهمت من ذلك أنها إحدى وسائل الضغط لكي نتواطأ مع السلطات، ونتغاضى عن الانتهاكات الموجودة، وهذا يدلل على فجور في الخصومة، ودولة لا تحترم القانون. والمتضررون من إغلاق هذه المكتبات هم الأطفال والشباب في الأحياء الشعبية، وليس نحن.
ما هي نوعية الكتب التي تحويها مكتباتكم؟
المكتبات لا تحوي سوى كتب ثقافية وفنية؛ تساعد الطلاب على تثقيف أنفسهم. وكانت مرشحة مصر لمدير عام منظمة اليونيسكو، مشيرة خطاب، قد قامت بزيارة مفاجئة لهذه المكتبات بصورة أقرب إلى التفتيش، ولكنها رأت كتبا جيدة ومفيدة. والدولة تدرك جيدا أن تلك المكتبات بعيدة عن السياسة وملفات حقوق الإنسان، وما هي إلا خدمة نقدمها لأهالي المناطق الشعبية.
كانت تقاريركم حاضرة في نشرات الأخبار والبرامج قبل تموز/يوليو 2013، والآن لا يوجد ذكر لها أو لكم.. لماذا؟
لن تسمع عن تقاريرنا في الإعلام الذي تسيطر عليه الدولة، أو الإعلام الرسمي، ولكن سوف تسمع عنا في الإعلام المستقل، والدولي، والذي يغضب الدولة.
ويكفينا أن المجتمع المصري يضع ثقته في المنظمات الحقوقية المستقلة؛ أكثر مما يضعها في النظام، وهو ما لمسناه من خلال حجم التضامن والتفاعل معنا. والتطوع بالعمل ضمن صفوفنا ازداد؛ رغم التضييق الذي يمارس علينا بشكل غير مسبوق.
ما هي أهم القضايا التي تناصرونها؟
هناك تقسيم للعمل بين المنظمات المستقلة؛ ما بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق العمال والفلاحين، والحقوق والحريات الشخصية، والطلاب، والمرأة، والتعذيب في السجون، أما نحن فنعمل في مجال حرية الصحافة والتعبير.
وأهم ما يتميز به هذا المجال في ظل النظام الحالي؛ وجود مناخ معاد للصحافة المستقلة غير مسبوق في تاريخ مصر، عدا عن اعتقال وسجن العشرات من الصحفيين، وغياب الكثير من الإعلاميين عن المشهد الإعلامي والصحفي بسبب الاعتقال أو التهديد بالسجن.
ما حقيقة الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها مواقع تابعة لمنظمات حقوقية؟
تعرضت عدة مواقع لهجمات منظمة وعنيفة، ولكن لم يحدث أي اختراق، والمتورط في هذه الهجمات هو الدولة التي تنفق الملايين من أجل إعاقة ووقف العمل الحقوقي، ولكنها فشلت، ونصيحتنا لهم أن يوفروا تلك الأموال ويقيموا بها مشاريع تفيد الشباب والبلاد.
ما هو موقف برلمان السيسي من قضاياكم؟
للأسف؛ البرلمان الموجود مخيب للأمال، وهو يعبر فقط عن من أنشأه، ويطلب من الناس ما لا يفعله، فهو فاقد للمصداقية.