قضايا وآراء

ستينية حركة "فتح" بعكاكيز السلطة

"تخطو حركة فتح نحو إتمام ستينية انطلاقتها وقد تحولت لعكاكيز سلطة تسند مشروع المحتل"- جيتي
مع كل بداية عام فلسطيني جديد، وتلويحة وداع لما مضى، تكثر الأمنيات، بإطلاق الأوصاف على ما تتعرض له القضية الفلسطينية والشعب من تحديات، تُنعت بالمفصلية والخطيرة المنعطف، وهي فعلا كذلك، وصاحبت الفلسطينيين منذ نكبتهم الأولى عام 1948، ورافقت انطلاق ثورتهم المعاصرة عام 1965.. الصعاب والتحديات والآمال تتضخم منذ ذاك التاريخ دون تضاؤل، وبمجرد دخولنا لعداد زمن جديد تتبخر الكلمات والشعارات والبرامج..

ولأن الزمن الفلسطيني مرتبط بالدم، ومحسوب بالضحايا والتضحيات والحطام ومراقبة ما تبقى من مساحة الأرض الباقية لشعب فلسطين، مضاف لها جرائم إبادة جماعية مستمرة للعام الثاني في غزة، دون إجراء مراجعة جدية ووقفة حقيقية أمام هذا الهوان المستمر والذل الفاقع للشعب والقضية، نتيجة عدم التصدي الفعلي للمشروع الصهيوني، فإن حرب الإبادة التي تتعرض لها غزة الصابرة على قدرها، لم تغير في الزمن العربي الفائت جموده وتخاذله، ولم تبدل في أجندة السياسة الفلسطينية الرسمية المنضمة لشلل عربي كاسح لاستعادة إشراقة فجر جديد، يعين على النهوض مجددا ويصد العدوان والتآمر عن الفلسطينيين، والإمساك بلحظة حقيقة واحدة بدل الوهم الذي تتناقله حركة التحرر الوطني الفلسطيني عاما بعد آخر.

تطفئ حركة "فتح" شمعتها الستين، مع سؤال: هل فعلا هناك شمعة، أو شعلة باقية "للكفاح" كما العاصفة التي انطلقت قبل ستة عقود؟ بالتأكيد تغير زمن العاصفة وبهت وهج الشعلة، أنهار كثيرة جرت تحت حركة التحرر الوطني الفلسطيني "فتح" وتحت القضية برمتها

تطفئ حركة "فتح" شمعتها الستين، مع سؤال: هل فعلا هناك شمعة، أو شعلة باقية "للكفاح" كما العاصفة التي انطلقت قبل ستة عقود؟ بالتأكيد تغير زمن العاصفة وبهت وهج الشعلة، أنهار كثيرة جرت تحت حركة التحرر الوطني الفلسطيني "فتح" وتحت القضية برمتها.. الاحتفاء بذكرى انطلاقة الثورة يصح بإنجازات تحققت على الأرض، وحفظت للشعب حقوقه ومكتسباته الوطنية، وليس البكاء على أطلال زمن انطلاقة "الرصاصة الأولى" في زمن تبدل الدريئة والهدف والبوصلة والعقيدة منذ شباب الحركة بعد ثلاثة عقود على انطلاقتها وانخراطها في أوسلو، وتجرع وهم التحول لسلطة ودولة يتم النظر إليها من تحت مجهر مكبر لدوائر سيطرة فلسطينية تحجمت لمخافر تُطارد كل مقاوم لسياسة توسيع الاستيطان والتهويد والتصدي الفعلي لإرهاب المحتل.

بحلول ستينية فتح وزمنها المتوقف عند البدايات وصولا لأوسلو وانتفاضة الأقصى مع مصير الراحل المؤسس ياسر عرفات، يفترض بحركة تحرر أن تتبين خيط الاستيطان الأسود من خيط الحقيقة الأبيض في حكاية الإمساك بوهم التسليم بالأمر الواقع الذي لم ينفع معه الاطمئنان الفلسطيني والعربي لنوايا المستعمر الصهيوني، رغم سنوات الخبرة الفلسطينية بحقيقة إسرائيل ومشروعها الاستعماري، وعدم حاجتهم لبراهين وأدلة لإثبات المسعى الصهيوني من حرب الإبادة الجماعية التي تشن عليهم فوق أرضهم، وحقيقة إسرائيل العارية الصارخة بدوسها القانون الدولي وشريعة الأمم المتحدة بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية. مع ذلك بقي الزمن الفلسطيني والعربي لاهثا خلف أمريكا للضغط على إسرائيل للكف عن جرائمها، وإسرائيل تواصل توجيه صفعات العدوان على الأرض والشعب الفلسطيني وتنتهك السيادة العربية على الأرض والأجواء، ويتفاخر بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل تغير وجه الشرق الأوسط، وأن الرئيس ترامب قادم لترتيب المنطقة حسب الزمن الإسرائيلي ومصلحته.

وحسب الخبرة المفترضة للطرف الفلسطيني المكتوي من صفعة القرن، ومن سياسة أمريكية متواطئة بالعدوان على الشعب الفلسطيني، بعد عامين من جرائم الإبادة الفلسطينية بسلاح أمريكي، يصطدم المرء بأن الخبرة تبدلت وأصبحت أمنية وعصرية من الزمن الأمريكي الإسرائيلي.

استعداد السلطة الفلسطينية للقبول بتجديد مهامها الأمنية بدأ، كمقدمة لنيل رضا أمريكي وإسرائيلي للتعامل مع الصيغة القادمة أيا تكن، المهم أن يكون الجسم الفلسطيني في وضعية الاستعداد الظاهر في جنين وبقية المدن الفلسطينية.. كان الفلسطينيون في حالة انتظار لجاهزية فلسطينية جدية لمصالحة فلسطينية وترتيب بيتهم الداخلي وأجنداتهم، نظرا لنفس التحديات والشعارات التي تقال في مناسبات الزمن الفائت والقادم، لكن يسأل المرء نفسه: كم جريمة حرب وإبادة وضد الإنسانية، وكم مشروع استيطاني تهويدي ومشاريع تهجير وضم باستطاعتها إفهام الطرف الفلسطيني ومن خلفه العربي للتوقف عن الانبطاح المستمر؟ أم أن لحظة الاحتفاء والتذكير بشعارات حركة التحرر الوطني قادرة على تبيت الرأس لعدم إدارة الخد الأيمن لتلقي الصفعات؟ بصراحة من يتابع هذه الأيام تصريحات القيادة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، ويراقب سلوكها في الضفة، يصاب بلوثة عدم الفهم لكل ما يجري.

المقولة القاتلة في العقل الفلسطيني المتغير في حركة تحرر وطنه، تشير لنموذج غزة في الركام والحطام والضحايا، بسبب المقاومة لا المنبع الصهيوني للإرهاب والإبادة، رغم اعتراف البعض بمسؤولية الاحتلال عن فشل كل رهاناتهم عليه وبأن خيارهم لم ينقذ شعبا ولا قضية، ولم يحفظ حقوقا، فحركة "فتح" خامدة مع شعلتها في ستينية انطلاقتها، ومخطوفة

السلوك الفلسطيني الرسمي منشغل بنزع مخالب شعبه، والتعاطي مع ملف التصدي لجرائم الاحتلال والعدوان المستمر على غزة، مسيء للقضية الفلسطينية وللثورة نفسها، التي يدعي بعض رجالاتها اليوم انتماءه لحركة أوقدت شعلتها ضد محتل مستمر بعدوانه وتمدده على الأرض الفلسطينية، ويعيد التمسك ببرامج تلمودية صهيونية استعمارية، مقابل إصرار فلسطيني رسمي على نبذ واحتقار وتجريم كل مقاومة وفعل يواجه هذا المستعمر وقطعانه، أو يحاول الإمساك بناصية "الثورة" نفسها، لأن التغيير اجتاح عقل من يمثل الشعلة الفلسطينية الأولى ورصاصتها الخامدة لإعلاء شعار "احمونا".

المقولة القاتلة في العقل الفلسطيني المتغير في حركة تحرر وطنه، تشير لنموذج غزة في الركام والحطام والضحايا، بسبب المقاومة لا المنبع الصهيوني للإرهاب والإبادة، رغم اعتراف البعض بمسؤولية الاحتلال عن فشل كل رهاناتهم عليه وبأن خيارهم لم ينقذ شعبا ولا قضية، ولم يحفظ حقوقا، فحركة "فتح" خامدة مع شعلتها في ستينية انطلاقتها، ومخطوفة في جيب سلطة لا تجرؤ على انتهاج مبدأ إطلاع قواعدها المتدرجة في جهاز أمنها وتثقفها وتفهمها أدبياتها ومسيرتها، فهذا تحريض على "الإرهاب"، ولا تُطلعها على حقائق ثابتة في المشروع الصهيوني.

فالسلوك المعتمد تطبيقه على جيل فلسطيني نشأ وترعرع تحت رعاية سلطة التنسيق الأمني، يحفظ ويمتحن وفق أدبيات كينيث دايتون ومايك فنزل المشرفين على تدريب قوات الأمن الفلسطينية، وفق عقيدة حماية الاحتلال وقمع الشارع الفلسطيني. بهذا تخطو حركة فتح نحو إتمام ستينية انطلاقتها وقد تحولت لعكاكيز سلطة تسند مشروع المحتل، وهي الحركة نفسها التي تزعم مسؤوليتها على الحرص من أجل ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني وتصويبه، مع أن القواعد والأصول المتبعة تخطت كل حدود العقل حتى لو بلغ عمر التجربة ستين عاما من حلم حولته لسراب.

x.com/nizar_sahli