قضايا وآراء

المؤتمر الوطني الفلسطيني: إنقاذ قضية وشعب

"يفتح المؤتمر الوطني الفلسطيني باب الحوار على مصراعيه، بين كل القوى الفلسطينية"- إكس
انطلقت صباح أمس أعمال المؤتمر الوطني الفلسطيني في الدوحة، بحضور ومشاركة مئات الشخصيات الفلسطينية الموقعة على بيان المؤتمر من فلسطين وبلدان الشتات ومن شرائح مختلفة، والذي جاء على شكل مبادرة، تدعو لوضع حدٍ لحالة العجز المستعصية على الساحة الفلسطينية منذ عقود، ولتحقيق الحد الأدنى من الوحدة الوطنية الفلسطينية.. خطوة يتطلع إليها جميع الفلسطينيين لعلها تضع لبنة أولى على طريق استعادة منظمة التحرير الفلسطينية لدورها الحقيقي كمظلة تمثل الشعب الفلسطيني كله، من خلال تفعيل المؤسسات الوطنية لتأخذ الدور المنوط بها، خصوصا في هذه المرحلة البالغة الخطورة، والتي لا تحتمل الانتظار والتأجيل والاستغراق في التعثر.

وإذا كان هناك صدى وتأثير لما أصاب الحالة الفلسطينية برمتها منذ أوسلو وصولا لحرب الإبادة الاسرائيلية في غزة إلى مشاريع التهجير وتصفية القضية الفلسطينية التي أصبحت على رأس أولويات المؤسسة الصهيونية بدعم أمريكي، فإن ذلك كله لا يعني الركون لحالة الشلل والفساد والتفسخ التي لحقت بحركة التحرر الوطني الفلسطيني، والتي يُؤمل أن تتوج أعمال المؤتمر برغبة قطاع واسع من الشارع الفلسطيني أن يُستعاد الدور الحقيقي لمنظمة التحرير ومؤسساتها الوطنية كونها صاحبة إرث نضالي طويل في حمل راية الكفاح الوطني، والدفاع عن قضايا الشعب ومصالحه، والتي تئن اليوم تحت مخاطر غير مسبوقة منذ النكبة عام 1948.

حالة الانكفاء التي ظن البعض محصورة فقط بجغرافيا التطهير العرقي للخلاص من القضية وصداعها؛ دفعت إسرائيل والإدارة الأمريكية للإيغال في الاستعلاء والتهديد والاستهزاء بشعوب وأنظمة عربية

هي محطة مصيرية، أن ينعقد المؤتمر الوطني الفلسطيني، وتكون بوصلته وعقله وصمام أمانه وحدة الشعب تحت مظلة المنظمة. المبادرة وأوراق العمل المطروحة ونقاشها، تركز على الدور الحيوي والتاريخي لمنظمة التحرير الفلسطينية، لاستعادة برنامج الوحدة الفلسطينية أو الإجماع الوطني الفلسطيني، الذي تتطلبه مرحلة مواجهة مخاطر التطهير العرقي في غزة والقدس والضفة على حد سواء، خصوصا في زمن مليء بمنظري الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في المؤسسة الصهيونية، والتي تتبنى الطروحات الفاشية بالنسبة لوجود الشعب الفلسطيني فوق أرضه.

وما كان لهذه الجولة من الفاشية أن تتمدد بهذا الشكل المسكوت عنه عربيا ودوليا لولا استغلال حالة الانكسار والتشظي الفلسطيني والعربي التي تتسلل منهما المواقف الأمريكية لدعم التوجه الصهيوني، بعد انكفاء منظمة التحرير لعقود طويلة عن دورها المفروض على مجمل المشروع الوطني الفلسطيني، واستفحال ظاهرة الانقسام التي تُستغل على الساحة الفلسطينية بتصادم غير مقبول مع تطلعات الشعب الفلسطيني ومشروعه التحرري من الاحتلال، وتُستغل عربيا بمحاولة الانكفاء عن القضية الفلسطينية، غير أن حالة الانكفاء التي ظن البعض محصورة فقط بجغرافيا التطهير العرقي للخلاص من القضية وصداعها؛ دفعت إسرائيل والإدارة الأمريكية للإيغال في الاستعلاء والتهديد والاستهزاء بشعوب وأنظمة عربية.

والمؤتمر الوطني الفلسطيني بحد ذاته منعطف تاريخي في حياة الشعب الفلسطيني وقضيته، إذا نظرنا إليه كبداية مرحلة جديدة ينهي قديمها لكنه لا يقطع معها، فالمرحلة الفلسطينية ومن ورائها العربية أمام استحقاقات ضخمة بما يتعلق بتداعيات العدوان على غزة والضفة بكل الأبعاد السياسية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية، وكما في كل المحطات التاريخية والأحداث الكبرى التي تقوم فيها وتتلاشى إمبراطوريات استعمارية وتنشأ قضايا أخرى تتعاطى مع هذه التحديات.

اليوم المؤتمر الوطني الفلسطيني يجيب على واحدة من أهم تحدياته المتصلة مع ماضي قضيته وحاضرها ومستقبلها، فليس من المعقول المضي في المواجهة مع احتلال فاشي استعماري استيطاني بجسد نصف مشلول يحاول منذ ثلاثين عام الوقوف بعكاكيز لم تطرحه أرضا فقط، بل جعلت منه زاحفا خلف سراب ووهم القدرة على النهوض بعد تخليه عن أطرافه المؤثرة.

التخلي الفلسطيني الرسمي، عن كثير من القضايا التي تحاكي واقع الشعب الفلسطيني على الأرض، وخصوصيات شتاته وترك همومه، وتغيير البرامج السياسية والشعارات والخطاب، وذلك أنتج قصورا وعجزا هبط بالقضية برمتها الى أسفل درك تعيشه مع الانقسام وإدارة الظهر للمنظمة ومؤسساتها في ظل سعير الهجمة الصهيونية وجرائم الإبادة، مما زاد في عمق مأساة الفلسطينيين وتفاقمها بالشكل الذي نعايشه على وقع الخطط والمشاريع التي تحاول طمس الحقوق الفلسطينية في مرحلة جديدة بكل مواصفاتها وأبعادها.

المؤتمر الوطني الفلسطيني خطوة أولى لإنقاذ قضية وشعب من خطط وعدوان وبرامج لا يتبناها بن غفير وسموتريتش ونتنياهو، بقدر ما هناك إجماع صهيوني على هذه الخطط، فالموعظة بتقليد هذا الإجماع والتمسك به والعودة للينابيع والثوابت بدون خوف وعرج

يفتح المؤتمر الوطني الفلسطيني باب الحوار على مصراعيه، بين كل القوى الفلسطينية وقواعدها مع قطاع النخب والمثقفين على قاعدة التمسك بثوابت الحرية للشعب الفلسطيني من خلال ضرورة مشاركة كافة قطاعات الشعب المستقلة، بعيدا عن التحزب والتمترس الأيديولوجي لاستعادة منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد لشعبٍ يريد تفعيل مؤسساته الوطنية المشكلة لهذه المنظمة والدفع لعودتها الفعلية والميدانية لتعبئة جهود شعبها.

ولأننا أمام مرحلة جديدة وأمام مشاكل وهموم واحتياجات أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، وأكثر من ضعفهم في الضفة والقدس والداخل المحتل عام 48، فقد أصبح الخروج من حالة الجمود والركود الى الفعل والتأثير، وهذه مهام كل قطاعات الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده وبتنمية روح العمل الجماعي الذي يقره المؤتمر الوطني الفلسطيني كأساس مادي لمواصلة النضال الفلسطيني بالحفاظ على مجتمع ديمقراطي فلسطيني ومزج الشعار بالعمل لإنجاح عملية البناء بمؤسسات تحقق وحدة الشعب، وربط هذا العمل بالتركيز على إعادة الاعتبار للعمق العربي للقضية الفلسطينية واستثمار تصاعد حملة مناصرة عدالة قضية فلسطين حول العالم.

والمؤتمر الوطني الفلسطيني خطوة أولى لإنقاذ قضية وشعب من خطط وعدوان وبرامج لا يتبناها بن غفير وسموتريتش ونتنياهو، بقدر ما هناك إجماع صهيوني على هذه الخطط، فالموعظة بتقليد هذا الإجماع والتمسك به والعودة للينابيع والثوابت بدون خوف وعرج، ومراقبة بعجز من يعود لآلاف السنين للبحث عن أساطير مزعومة، عليه مراجعة أربعة عقود من الوهم.

x.com/nizar_sahli