كتب

جامعة الدول العربية وحركات التحرر في المغرب العربي.. قراءة في كتاب (2 من2)

يعود اهتمام الجامعة بالقضية الجزائرية منذ تأسيسها، بل إن أول نشاط قام به أمينها العام عبد الرحمن عزام باشا كان يتعلق بمجازر أيار/ مايو 1945.. الأناضول
يتناول كتاب "جامعة الدول العربية وحركات التحرر في المغرب العربي 1952 ـ 1962 ـ (الجزائر أنموذجا)" لمؤلفه رشيد ولد بوسيافة، دور جامعة الدول العربية في دعم حركات التحرر من الاستعمار في المغرب العربي. في هذه الحلقة الثانية سنعرض دور الجامعة في دعم هذه الحركات في كل من تونس والمغرب والجزائر.


الجامعة العربية والقضية التونسية

كانت تونس تابعة للخلافة العثمانية عندما احتلتها فرنسا عام 1881، وهي سبقت أن احتلت الجزائر.

لم يتأخر التونسيون في مقاومة الاحتلال الفرنسي. لكن أول حركة سياسية منظمة لمقاومة الاستعمار أسست عام 1907، بقيادة علي باش حنبا والشيخ عبد العزيز الثعالبي، هي حركة "تونس الفتاة". وأسست صحيفة بالفرنسية وساهمت في استقطاب الشباب.

تأخر اهتمام الجامعة العربية بالقضية التونسية، فبعد إعلان استقلال ليبيا، تحول اهتمام الجامعة إلى قضيتي تونس والمغرب. وكانت الوفود الممثلة للحركة الوطنية التونسية في القاهرة، تحظى برعاية الجامعة العربية. وفي عام 1947، وكل مكتب المغرب العربي زعيم الحزب الدستوري الجديد الحبيب بورقيبة بالسفر إلى أمريكا لجس نبض قادتها تجاه استقلال المغرب العربي.

منذ عام 1952، بدأت القضية التونسية تحظى شيئاً فشيئاً باهتمام في المحافل الدولية، وبخاصة في اجتماعات الأمم المتحدة. وفي 16 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إدراج القضية التونسية وإحالتها إلى اللجنة السياسية الخاصة، المختصة بتصفية الاستعمار.

وكانت جهود الجامعة العربية في التواصل مع المجموعة الأفريقية ـ الآسيوية وعدد من دول أمريكا الجنوبية لاستصدار قرار أممي يعيد الحقوق إلى الشعب التونسي. واستغرق النظر في القضية التونسية 10 جلسات أمام اللجنة السياسية الخاصة التابعة للأمم المتحدة، انتهت إلى قرار لا يحقق وجهة النظر التونسية، لكن الجامعة العربية اعتبرته في حينه كسبا سياسيا في منظمة دولية، حيث نجحت الجامعة في تدويل القضية التونسية.

في الفترة الممتدة بين عامي 1952 و1954، قامت فرنسا بأعمال قمع وحشي فضحتها الصحافة العالمية والفرنسية، في أعقاب حالة النفير العام التي أعلنها التونسيون لاستعادة سيادتهم منذ كانون الأول/ ديسمبر 1952.

تأخر اهتمام الجامعة العربية بالقضية التونسية، فبعد إعلان استقلال ليبيا، تحول اهتمام الجامعة إلى قضيتي تونس والمغرب. وكانت الوفود الممثلة للحركة الوطنية التونسية في القاهرة، تحظى برعاية الجامعة العربية. وفي عام 1947، وكل مكتب المغرب العربي زعيم الحزب الدستوري الجديد الحبيب بورقيبة بالسفر إلى أمريكا لجس نبض قادتها تجاه استقلال المغرب العربي.
في 31 آذار/ مارس 1954، وجّه التونسيون مذكرة مطولة إلى الجامعة العربية بمناسبة انعقاد دورتها الحادية والعشرين، رفضوا فيها حكومة محمد صالح مزالي التي شكلتها فرنسا في تونس، حيث أضربت البلاد ونُظمت التظاهرات وحدثت اشتباكات بين المتظاهرين وشرطة الاحتلال الفرنسي، سقط خلالها عدد من الشهداء التونسيين. وبعد تلقيها المذكرة، أقرت اللجنة السياسية في الجامعة العربية بإنشاء صندوق لتلقي مساهمات الحكومات العربية والحكومات الصديقة وغيرها، بقصد مؤازرة الشعب التونسي.

في الأمم المتحدة، تعاونت الكتلة الأفريقية ـ الآسيوية بوضوح عند طرح قضيتي تونس والمغرب على الجمعية العامة، إذ تضافرت الجهود للظفر بقرارات تتماشى ورغبة التونسيين والمغاربة بالحرية والاستقلال. ففي 9 تموز/ يوليو 1953، تقدم الممثلون الدائمون لدى الأمم المتحدة، بخطاب إلى الأمين العام للأمم المتحدة، طالبين إدراج مسألة تونس في جدول أعمال الدورة الثامنة للجمعية العامة. وفي 17 أيلول/ سبتمبر 1953، قررت الجمعية العامة إدراجها في جدول أعمالها. وفي 22 أكتوبر، صوتت الأمم المتحدة على مشروع قرار بشأن استقلال تونس، نال تأييد 29 صوتا في مقابل 22 صوتا ضده، وامتناع خمس دول عن التصويت. وأوصت للجنة الأولى في الأمم المتحدة، بأنه من الضروري اتخاذ الخطوات اللازمة لتأكيد حقوق التونسيين في السيادة التامة والاستقلال.

مرحلة الصدام بين القادة التونسيين

شُكلت في آب/ أغسطس 1954 حكومة تونسية برئاسة الطاهر بن عمار، من 10 وزراء تونسيين وخمسة وزراء فرنسيين، فنالت تأييد الحزب الدستوري الجديد بزعامة بورقيبة، الذي أطلقت فرنسا سراحه مع 150 من التونسيين بعد مفاوضات بين الطرفين.

وفي 24 أيلول/ سبتمبر، أرسل الحزب الدستوري التونسي القديم رسالة شديدة اللهجة إلى الجامعة العربية موقعة من أحد قادة الحزب، محمد الحبيب شلبي، يندد فيها بخرق بعض الأحزاب في المغرب العربي المواثيق الموقعة، التي تربط أي مفاوضات مع المستعمر بمبدأ تحقيق الاستقلال التام، وذلك بسبب فتح بعض الأحزاب مفاوضات مع المستعمر بشأن الاعتراف بحضوره الدائم في نطاق النظام السياسي الاستعماري، على أن تُمنح البلاد استقلالا داخليا بالتدريج. واتهمت رسالة الحزب الجامعة العربية بالسكوت عن هذه الحالة الخطيرة ومجاراتها والموافقة عليها.

جامعة الدول العربية والقضية المغربية

فرضت فرنسا سيطرتها على المغرب في بدايات القرن العشرين منذ العام 1911، بذريعة مساندة السلطان المغربي ضد القبائل المغربية، وذلك بعد تقاسمها النفوذ مع بريطانيا وألمانيا على بعض البلدان الأفريقية. وفي 30 آذار/ مارس 1913، وقعت معاهدة الحماية بين المغرب وفرنسا، لتبدأ فصول المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي، الذي سيطر على جميع بلدان المغرب العربي باستثناء ليبيا.

وكانت قد انطلقت من عمق الريف المغربي مقاومة شرسة ضد الاحتلال الإسباني، وسطع نجم عبد الكريم الخطابي الذي حقق انتصارات عظيمة، حيث اضطر الإسبان إلى عقد هدنة معه وإطلاق سراح الأسرى.

فرضت فرنسا سيطرتها على المغرب في بدايات القرن العشرين منذ العام 1911، بذريعة مساندة السلطان المغربي ضد القبائل المغربية، وذلك بعد تقاسمها النفوذ مع بريطانيا وألمانيا على بعض البلدان الأفريقية. وفي 30 آذار/ مارس 1913، وقعت معاهدة الحماية بين المغرب وفرنسا، لتبدأ فصول المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي، الذي سيطر على جميع بلدان المغرب العربي باستثناء ليبيا.
كان لتأسيس جامعة الدول العربية أثر كبير في الدعم المعنوي للوطنيين المغاربة في كفاحهم ضد الهيمنة الفرنسية. وفي 11 نيسان/ أبريل 1944، قدمت الحركة الوطنية المغربية مذكرة المطالبة بالاستقلال إلى الملك والإقامة الفرنسية الدائمة، وقد ساند الملك هذه المذكرة. لكن المقيم الفرنسي اعتقل المطالبين بالاستقلال من زعماء الحركة الوطنية وقدمهم إلى المحاكمة العسكرية، وقمع التظاهرات المطالبة بالاستقلال، وحاصر المدن وقطع عنها الماء والغذاء والكهرباء، ومنعت حركة المرور.

تحول موقف الملك المغربي وصار معارضا للحماية الفرنسية، وأوضح ذلك خلال زيارتيه إلى فرنسا عامي 1946 و1950، وقدم مذكرة إلى الرئيس الفرنسي طالب بوجوب تغيير نظام الحماية، لكن لم ترد عليها الحكومة الفرنسية.

وفي نيسان/ أبريل 1947، في خطاب حماسي له في طنجة، دان الملك محمد الخامس مبدأ الحماية وأعلن رغبته في أن يصبح المغرب عضوا في جامعة الدول العربية. وقد ساهمت الجامعة في التصدي للمناورات الفرنسية لزعزعة مكانة الملك لدى المغاربة. يرى بوسيافة أن نضال المغاربة ضد الاحتلال كان أعنف وأعمق مقارنة بنضال التونسيين، كما كانت القضية المغربية أكثر حضورا في اجتماعات الجامعة. وكانت تقارير الأمين العام للجامعة لا تكاد تخلو من قضية المغرب. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 1951، قدم المندوبون الدائمون العرب أمام الأمم المتحدة، طلبا لإدراج القضية المغربية في جدول أعمال المنظمة الدولية. وفي موازاة الجهود الدبلوماسية في الأمم المتحدة، دعت الجامعة العربية إلى إنشاء صندوق مالي لدعم حركات المقاومة في المغرب وشمال أفريقيا.

في 2 آذار/ مارس 1954 تكللت المفاوضات الفرنسية المغربية بالنجاح، واعترفت فرنسا باستقلال المغرب. وسارعت الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية بالاعتراف بالمغرب دولة مستقلة ذات سيادة، وانضم المغرب في عام 1958 إلى الجامعة.

الجامعة العربية والقضية الجزائرية

في الفصل الثالث، "جامعة الدول العربية والقضية الجزائرية"، يتناول الباحث بوسيافة مسألة الجامعة العربية والقضية الجزائرية. إذ يعود اهتمام الجامعة بالقضية الجزائرية منذ تأسيسها، بل إن أول نشاط قام به أمينها العام عبد الرحمن عزام باشا، كان يتعلق بمجازر أيار/ مايو 1945، إذ قام بمراسلة ممثلي الدول الغربية محملا دولهم مسؤولية ما حدث. كما طالب حزب الشعب الجزائري بمذكرة موجهة إلى الجامعة العربية بوقفة للمشرق العربي مع كفاح الجزائر المستميت.

ما إن انتهى النصف الأول من القرن العشرين، حتى نضجت فكرة الاستقلال لدى المناضلين الجزائريين، وظهر جيل جديد منهم يؤمن بأن الطريق الوحيد لنيل الحرية هو الكفاح المسلح. وابتداء من تشرين الثاني/ نوفمبر 1954، انطلق عهد جديد من النضال بالقوة المسلحة لطرد الاحتلال الفرنسي.

ويرى المؤلف أن اهتمام جامعة الدول العربية بالقضيتين التونسية والمغربية خلال عامي 1953 و1954، كان أكبر من اهتمامها بالقضية الجزائرية، وذلك بسبب انقسام الحركة الوطنية والتخلي شبه المعلن عن الكفاح المسلح. لذلك لم يكن للقضية الجزائرية مكان في اجتماعات جامعة الدول العربية وتقاريرها، إلا بعد تفجر الثورة التحريرية في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 1954، حيث أضحت القضية الأولى للجامعة. وبادرت الجامعة في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 1954 إلى إذاعة بيان عن موقف الجامعة العربية من الثورة الجزائرية، بررت فيه باستحياء لجوء الجزائريين إلى الكفاح المسلح، إذ لم تشأ الجامعة أن تقدم نفسها أمام العالم بأنها عراب للكفاح المسلح، باعتبارها منظمة إقليمية تدفع باتجاه الاستقرار والسلم في العالم، بحسب بوسيافة.

لكن ما ساعد الجامعة العربية في أداء دورها في نصرة القضية الجزائرية، هو أن الأمر أصبح قضية رأي عام عربي، وباتت الثورة الجزائرية على كل لسان، إذ تحركت النقابات والمنظمات والأحزاب في العالم العربي بأسره، مطالبة بنصرة الشعب الجزائري بكفاحه المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، وتلقت الجامعة وبعض الزعماء العرب، وعلى رأسهم الرئيس المصري جمال عبد الناصر، عشرات الرسائل والبرقيات والمذكرات بهذا الشأن. وقد تجاوبت الجامعة العربية مع نداءات الأحزاب والمنظمات الجماهيرية العربية، وباتت القضية الجزائرية على رأس اهتماماتها.

في 18 أيار/ مايو 1956، عقدت اللجنة السياسية للجامعة العربية اجتماعا في دمشق، حضره ممثلو جبهة التحرير الوطني الجزائرية الذين عرضوا الحالة الجزائرية. وقد أسفر اللقاء عن القرارات التالية: الطلب من الوفود العربية بطلب عرض قضية الجزائر على مجلس الأمن الدولي، السعي لدى فرنسا بوقف إجراءاتها العسكرية والاعتراف بحق الجزائر في الاستقلال، دراسة الجامعة لمقاطعة فرنسا سياسيا واقتصاديا وثقافيا، لكن مسألة مقاطعة فرنسا بقيت حبرا على ورق، إذ تملصت الحكومات العربية عن تشكيل لجنة مخصصة لذلك، بينما لا يمكن إنكار جهود الجامعة العربية على صعيد الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

يشير المؤلف إلى قضية اختطاف فرنسا لطائرات قادة المقاومة الجزائرية الخمسة، الذين استدعاهم السلطان محمد الخامس للاجتماع به وبرئيس الحكومة التونسية في تونس؛ أملا بإيجاد حل سلمي لقضية الجزائر، حيث أدت إلى انقسام عربي، حيث كان عبد الناصر يخشى من تورط حكومتي المغرب وتونس بعملية الاختطاف، التي أثارت ضجة كبيرة في العالم، إذ عقدت الجامعة العربية في اليوم التالي جلسة خاصة لدراسة القضية، حيث قامت بتحركات سياسية ودبلوماسية على مستوى عربي وأممي ودولي لإطلاق سراح القادة وضمان سلامتهم.

يقول بوسيافة؛ "إن أهم ما يُسجل في تعامل الجامعة العربية مع القضية الجزائرية، خلال السنتين الأوليين من الثورة التحريرية، التصاعد التدريجي لاهتمام الجامعة العربية بالقضية؛ فكان كلما تأججت الثورة التحريرية، ازدادت حماسة الجامعة العربية لكفاح الشعب الجزائري، مع العلم أن خطابات الأمين العام وتقاريره قبيل اندلاع الثورة الجزائرية وفي أثنائها، لم تكن مع الكفاح المسلح صراحة في بداية الأمر، لكن هذا الخطاب "المسالم" سرعان ما تلاشى، وحل محله خطاب حادّ، يعتمد الكفاح المسلح لتحقيق استقلال أقطار المغرب العربي".

دعم الجامعة العربية للقضية الجزائرية

في الفترة بين عامي 1957 و1959، أدّت جامعة الدول العربية دورا كبيرا في دعم القضية الجزائرية، التي باتت تحتل الأولوية في المحافل الدولية؛ نتيجة الكفاح المسلح وخاصة بعد هجمات الشمال القسنطيني في 20 آب/ أغسطس 1955، ثم مؤتمر الصمام في اليوم نفسه، وبعده حادث اختطاف طائرة قادة الثورة في الخارج، ثم وقوع اليخت "أتوس" الذي كان يحمل أسلحة في قبضة الفرنسيين. وهكذا صارت الجامعة العربية تفتتح جلساتها بالقضية الجزائرية، إلى درجة أضحت تقدم على القضية الفلسطينية. بل إن العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 كان وثيق الصلة بقضية الجزائر، وفقا للأمين العام للجامعة العربية. وعبّر مسؤولون فرنسيون حينها، أن فرنسا كانت تأمل من القضاء على مصر ـ عبر العدوان الثلاثي ـ، تسهيل مهمتها في القضاء على الثورة في الجزائر.

أخذت الجامعة بجدية كبيرة موضوع تطوع المقاتلين للمشاركة في الكفاح المسلح الجزائري، بعد الطلبات التي تقدمت بها الحكومة الجزائرية المؤقتة بهذا الصدد. وبدأ كثير من الدول العربية والأفريقية بتدريب المتطوعين وإرسالهم إلى الجزائر. وكان دور الأردن بارزا في هذا المجال، من حيث فتح البلاد لعبور المقاتلين أو تطوع آلاف الأردنيين.
أعطت التطورات الداخلية في الجزائر الثورة زخما، حيث تم تشكيل أول حكومة جزائرية مؤقتة في 19 أيلول/ سبتمبر 1958، ونالت اعتراف الدول العربية، وهو ما اعتبتره الجامعة العربية مكسبا مهما على طريق تحرير الجزائر. وأمام الزخم الكبير الذي حظيت به الثورة الجزائرية عربيا ودوليا، رأت الجامعة العربية أن تضاعف عنايتها بالقضية الجزائرية في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة، من خلال تقرير ميزانية ثابتة لدعمها بمساهمة الدول الأعضاء، الأمر الذي أقر في نيسان/ أبريل 1958 وحددت مساهمة كل دولة.

تعددت ضغوط الجامعة العربية وجهودها في دعم القضية الجزائرية، وطالت جوانب عديدة بينها الجانب الاقتصادي حيث أوصلت لجنة خبراء البترول بمقاطعة الشركات النفطية الأجنبية التي تتعاون مع السلطات الفرنسية.

كما أخذت الجامعة بجدية كبيرة موضوع تطوع المقاتلين للمشاركة في الكفاح المسلح الجزائري، بعد الطلبات التي تقدمت بها الحكومة الجزائرية المؤقتة بهذا الصدد. وبدأ كثير من الدول العربية والأفريقية بتدريب المتطوعين وإرسالهم إلى الجزائر. وكان دور الأردن بارزا في هذا المجال، من حيث فتح البلاد لعبور المقاتلين أو تطوع آلاف الأردنيين.

الجامعة العربية والملفات الجزائرية الكبرى

في الفصل الرابع وهو الأخير، المعنون "جامعة الدول العربية والملفات الكبرى في القضية الجزائرية"، يتناول بوسيافة ثلاثة ملفات كبرى هي: الأول، تقارير الأمين العامة للجامعة العربية، والدور الكبير الذي قامت به الجامعة في الملف الإنساني في الثورة التحريرية، سواء بشأن أعمال القمع والتعذيب والإعدام التي كان الجيش الفرنسي يقوم بها، أو أوضاع اللاجئين الجزائريين في تونس والمغرب، والأوضاع في مراكز الاعتقال التي أقامتها فرنسا داخل الجزائر.

أما الملف الثاني، فهو ملف تدويل القضية الجزائرية في المحافل الدولية، ولا سيما في الأمم المتحدة، فقد أدت جامعة الدول العربية أدوارا كبرى في طرح القضية الجزائرية، والمرافعة عنها في جلسات الأمم المتحدة من خلال دولها الأعضاء.

الملف الثالث، هو ملف المفاوضات الجزائرية الفرنسية، التي تابعتها الجامعة العربية. وكان موقف الجامعة من اتفاق إيفيان الذي قضى باستقلال الجزائر وإنهاء الاستعمار الفرنسي، لافتا؛ إذ أدلى الأمين العام للجامعة عبد الخالق حسونة بتصريح جاء فيه؛ "إن يوم 18 آذار/ مارس 1962، من الأيام المشهودة في كفاح الشعب الجزائري الباسل، وإن جامعة الدول العربية لَتُحيي أبطال الجزائر وشهداءها الأبرار ورجال حكومتها المخلصين، فقد ضربوا لنا أروع الأمثلة في النضال الوطني، وفي الميدان السياسي، واعتزت بهم قضايا الحرية في العالم أجمع".

*باحث وأستاذ جامعي لبناني

اقرأ أيضا: جامعة الدول العربية وحركات التحرر في المغرب العربي.. قراءة في كتاب (1 من2)