ما حدث في
أمستردام من تبادل العنف بين داعمي الفريق
الإسرائيلي لكرة القدم
"مكابي تل أبيب" وبين مجموعات من الهولنديين ذوي الأصول العربية، والذين
ينحدرون بالخصوص من المغرب والجزائر وتونس، كشف عن دلالات لا يمكن التقليل من
شأنها، وذلك بعد أن اكتسب الحدث أبعادا دولية.
سنتوقف عند المسائل التالية:
* كان الإسرائيليون سباقين في إظهار نزعة التحرش والعدوانية،
حيث سارع بعضهم نحو تمزيق الأعلام
الفلسطينية المرفوعة فوق عديد المباني. ولم
يكتفوا بذلك بل رفعوا شعارات ضد العرب، وطالبوا بالقضاء عليهم رافعين شعار "اقضوا
على العرب! سننتصر". كما هاجم بعضهم سائق تكسي مغربي واعتدوا عليه
بالعنف. وبناء عليه، يتحمل هؤلاء مسؤولية هذا الاستفزاز المتعمد، الذي وفّر الظروف
الملائمة لحصول رد فعل قوي وعنيف من قبل الجمهور المغاربي الذي وجد نفسه وجها لوجه
مع "أبطال حرب الإبادة" المتواصلة في
غزة.
نموذج لمشهد قد يتكرر في مختلف الدول التي فيها جاليات عربية ومسلمة، وذلك من خلال استفزاز أطراف منها في مناسبات شبيهة. وبما أن أقصى اليمين في حالة صعود معتمدا في أيديولوجيته السياسية على بث خطاب الكراهية ضد الأجانب، تعمل الحركة الصهيونية على تغذية العنصرية باستدراج البعض نحو مواجهات خطيرة تقوم وسائل الإعلام بتغطيتها والنفخ فيها، وتكون النتيجة تأليب الرأي العام الأوروبي
* العنف في الملاعب ظاهرة عالمية تكاد لا تخلو منها دولة ما، وعند
حدوثها تتخذ في شأنها إجراءات مؤقتة، لكن إذا كان الأمر يتعلق بإسرائيل فسرعان ما
يتحول إلى مسألة تهدد جميع اليهود، وتدرج ضمن معادة السامية التي جعلت منها الحركة
الصهيونية ورقة ترفعها ضد كل من يجرؤ على الوقوف ضد عنجهية الحامل للجنسية الإسرائيلية
أو أن يكون يهوديا أجرم في حق شخص من ديانة أخرى، خاصة إذا كان عربيا. وبناء عليه
تم استغلال جزء مما حدث في أمستردام من قبل الأجهزة الصهيونية التي أطلقت صيحات الفزع
في كل اتجاه، بدءا من نتنياهو الذي قرر توجيه طائرتين لنقل الإسرائيليين "ضحايا" العنف، وتم استنفار وسائل الإعلام لتزييف الوقائع وتشويه الطرف المقابل. وبسرعة
فائقة تحرك بايدن، الرئيس الخاسر، على جميع الجبهات للتنديد بالحادثة. كما أعلن
السفير الأمريكي في هولندا عن تضامن بلاده مع المعتدين الذين تم تحويلهم إلى
ضحايا؟
* ما حصل كان محاولة لإشغال الرأي العام الدولي عما يحدث في غزة،
وما يخطَط لفلسطين والمنطقة. هو نموذج لمشهد قد يتكرر في مختلف الدول التي فيها
جاليات عربية ومسلمة، وذلك من خلال استفزاز أطراف منها في مناسبات شبيهة. وبما أن
أقصى اليمين في حالة صعود معتمدا في أيديولوجيته السياسية على بث خطاب الكراهية ضد
الأجانب، تعمل الحركة الصهيونية على تغذية العنصرية باستدراج البعض نحو مواجهات
خطيرة تقوم وسائل الإعلام بتغطيتها والنفخ فيها، وتكون النتيجة تأليب الرأي العام الأوروبي
بالخصوص ضد هذه الجاليات التي أصبحت ديموغرافيا وسياسيا قوة مؤثرة إلى حد ما، خاصة
بعد انكشاف بطلان السردية الإسرائيلية وظهورها بمظهر بشع أمام العالم نتيجة
استباحتها قتل والنساء والمرضى والعجزة والأطباء والصحافيين، وهي حقائق لم يعد الرأي
العام الغربي قادرا على إنكارها.
هذه التحولات رغم نسقها البطيء تبقى جد هامة، وانعكاساتها خطيرة على الكيان الصهيوني الذي يمر بعزلة دولية غير مسبوقة لا يمكن الاستهانة بها، خاصة إذا وضعنا كل ذلك في سياق تاريخي ينبئ بمستقبل لن يكون في صالح المسألة اليهودية. وهو ما أقر به العديد من الحكماء اليهود
* هذه التحولات رغم نسقها البطيء تبقى جد هامة، وانعكاساتها خطيرة
على الكيان الصهيوني الذي يمر بعزلة دولية غير مسبوقة لا يمكن الاستهانة بها، خاصة
إذا وضعنا كل ذلك في سياق تاريخي ينبئ بمستقبل لن يكون في صالح المسألة اليهودية.
وهو ما أقر به العديد من الحكماء اليهود بمن في ذلك بعض رجال الدين وكبار مؤرخيهم.
فالصهيونية العلمانية وفّرت الأرضية المناسبة لكي تتصدر المشهد الصهيونية الدينية
وتصبح هي التي تتحكم في الكيان وفي رسم السياسات وفي بناء الحالفات. وهذه القوى
تنكر وجود شعب فلسطيني، وتصف الفلسطينيين بكونهم عربا، وعندما يتحدثون عن قتل
العرب فهم لا يقصدون فقط القضاء على الفلسطينيين، وإنما يعممون خطابهم ليشمل كل
العرب بمن فيهم الذين اعترفوا بهم وأقاموا معهم علاقات دبلوماسية.
الخلاصة، أن ما وقع في أمستردام ليس حدثا معزولا، بقدر
ما هو جزء من مخطط ستتجلى بقية حلقاته خلال الفترة القادمة. الهجمات ستتواصل بطرق
متعددة، سواء بقي نتنياهو في الحكم أو خارجه، فهؤلاء الذين أخذتهم الحمية في شوارع
أمستردام، وردوا الفعل بشكل عفوي، قد يكون بعضهم أخطأ في الأسلوب، لكنهم في
النهاية أكدوا أنهم ليسوا مع حكوماتهم، وإنما هم مع الحق والعدل الذين يتعرضان
للطعن، ليس فقط من قبل إسرائيل والقوى الصهيونية وإنما أيضا من قبل كل الأطراف
التي ساندت ولا تزال هذه الهمجية الجديدة.