كتب

بين الثابت والمتغير.. هل حدث تغير في خطاب حركة حماس؟ كتاب جديد

في هذه الدراسة العديد من التفاصيل والخفايا التي يضعها الكاتب بين ثنايا فصول الدراسة التي تناولها بعمق على الصعيد الداخلي للحركة وعلاقاتها الخارجية..
الكتاب: "الثابت والمتغير في الخطاب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس (1987-2023م)"
الكاتب: سعيد جميل تمراز
الناشر: مركز غزة للدراسات الاستراتيجيات، الطبعة الأولى، (2023م)
عدد الصفحات: (222)


يقدم الكاتب في دراسته قراءة سياسية في خطاب حماس بين الثابت، والمتغير عبر تجربة حركة حماس منذ انطلاقتها عام(1978م) في شتى المجالات مروراً بمشاركة الحركة في الانتخابات التشريعية التي أقرتها السلطة الوطنية الفلسطينية عام (2006م)، ما يميز هذه الدراسة أن الكاتب وضع مقاربة حول خطاب حماس تجاه عدة قضايا تمس جوهر القضية الفلسطينية، كرؤيتها للدولة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومفهوم المقاومة والتحرير، بالإضافة للعلاقات العربية والإقليمية والدولية.

يرى الكاتب بأن الدراسة تهدف إلى التعرف على الخطاب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية حماس ومرتكزاته الأيديولوجية والسياسية، ومعرفة التحولات والتغييرات التي طرأت عليها منذ نشأتها وإصدار الميثاق عام (1988م)... ورغبتها في توسيع مشاركتها في البناء الوطني الفلسطيني، والكشف عن المؤثرات، بالإضافة إلى العوامل الداخلية  والخارجية التي تصنع مواقف الحركة ورؤاها واستراتيجياتها"، كما يعرض الكاتب مدى انسجامه مع ثوابت ومرتكزات الخطاب السياسي للحركة في مواثيقها الرسمية، وطبيعة المتغيرات التي طرأت على المواقف والأفعال السياسية لحماس في ضوء تطور تجربتها السياسية، وانتقالها من المعارضة إلى السلطة، تطوراً سياسيا يحسب للحركة، ويوضح مدى المرونة التي تمتعت بها على الصعيد السياسي لتتلاءم مع ظروف كل مرحلة مرت عليها. (ص11).

النشأة والتطور

صدر أول بيان لحركة حماس بتاريخ (14ديسمبر عام 1987م)، ظهرت كلمة حماس لأول مرة في البيان السابع من (فبراير 1988م)، تضمن ميثاقها الصادر في (18 أب 1988م)، فلسفة الحركة ومبرر وجودها ومواقفها من شتى القضايا، تتناغم مع مواقف جماعة الإخوان المسلمين" أرض فلسطين أرض وقف إٍسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط فيها أو بجزء منها، يقوم حل القضية الفلسطينية، من وجهة نظر حماس، على إزالة دولة اسرائيل وإقامة دولة اسلامية مكانها" ، اعتبر الكاتب أن اصدار الميثاق مؤشراً هاماً وأساسياً على صعيد اعتبار حماس حركة مؤسسة، لتصبح جناح مقاوم لحركة الإخوان المسلمين ، على الرغم من أنه لا يمثل برنامجاً أيديولوجياً أو سياسياً متماسكاً أو متكاملاً بالمقارنة مع برامج الأحزاب والحركات السياسية الأخرى، وبرامج فصائل منظمة التحرير الفلسطينية (ص28).

نظرت حركة حماس إلى القضية الفلسطينية باعتبارها قضيتها المركزية وبإعطائها الأولوية للنضال ضد الاحتلال الاسرائيلي، وسعت الحركة إلى المزج بين الدين والوطنية، وآمنت بالكفاح المسلح كاستراتيجية لنشاطها الهادف إلى محاربة الصهيونية وإسرائيل
نظرت حركة حماس إلى القضية الفلسطينية باعتبارها قضيتها المركزية وبإعطائها الأولوية للنضال ضد الاحتلال الاسرائيلي، وسعت الحركة إلى المزج بين الدين والوطنية، وآمنت بالكفاح المسلح كاستراتيجية لنشاطها الهادف إلى محاربة الصهيونية وإسرائيل، وشكل خوضها الانتفاضة الفلسطينية الأولى أهم خطوة اتخذتها جماعة الإخوان المسلمين على طريق اكتساب الشرعية السياسية، ومن ثم تطورت الحركة لتصبح من أكثر التنظيمات الاسلامية نفوذاً في فلسطين، لتنافس منظمة التحرير الفلسطينية في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، حينما رفعت شعار فلسطين من البحر إلى النهر.(ص30)

مرحلة التحول

بدأت مرحلة التحول في حركة حماس بخطابها السياسي والممارسات الميدانية، وقد بدا الأمر كأنه انتقال مفاجئ أسماه الكاتب حرق للمراحل بكل ما فيها من تناقض أو تداخل وتشابك في الصورة والخطاب بدخولها معترك الانتخابات التشريعية عام (2006م)، ويشير الكاتب" لا نجد إشارة إلى الدين مقابل حضور أيديولوجي سياسي مخالف للأيديولوجي الديني إن صح التعبير...تنتقل فيها حماس إلى لغة جديدة لا تخلو من الشعارات"، حاولت حماس تقديم صورة مختلفة لما يسمى حركات الاسلام السياسي الأخرى، لتظهر حماس معتدلة يمكن قبولها من الجميع. (ص41)

وثيقة المبادئ والسياسات العامة

طرحت حركة حماس وثيقة مبادئها بحلتها الجديدة عام (2017م)، التي تكونت من (42) مادة عبرت عن خلاصة فكر الحركة وموروثها السياسي على مدار (30 عاماً)، تناولت المرتكزات العامة للحركة، ضمت رؤيتها الإسلامية لفلسطين، وقضاياها الجوهرية، ويشير الكاتب بأن الوثيقة" مصاغة بحذر وعناية بدون رطانة لغوية فائضة، فيما تؤكد الوثيقة على مبادئها الأساسية، فإنها تبدي قسطاً وافراً من المرونة عبر ترك مساحات رمادية تمكن حماس من المناورة في المستقبل، لكن هذه المحاولة الحذرة من المقاربة والتسديد تتناقض، عملياً، مع ما تحاول الوثيقة والحركة تحقيقه في نفس الوقت، من إرضاء توقعات واشتراطات متنافرة لأطراف عديدة من الفرقاء" (ص45)

ملامح من الثبات والتغيير

عرفت حركة حماس نفسها في ميثاق عام (1988م)، بأنها جزء لا يتجزأ من حركة الإخوان المسلمين ، وأنها حركة فلسطينية متميزة تعطي ولائها لله وتتخذ من الإسلام منهج حياة، وحلقة من حلقات الجهاد في مواجهة الصهيونية، أما في وثيقة عام (2017م)، فأكدت فيها على وطنيتها وفلسطينيتها، هنا ظهر الاختلاف في التعريف"حركة تحرر ومقاومة فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، مرجعتيها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها" ، أي أنها ركزت على البعد الوطني والمقاومة أكثر من البعد الدين، غاب عن الوثيقة علاقة الارتباط بينها وبين حركة الإخوان المسلمين التي لم يرد ذكرها في الوثيقة " هذا يدلل على تواصل منحنى الفلسطنة داخل فكرها ومنظورها وسياستها على حساب الأسلمة"، ولكنها حافظت على البعد الاسلامي بقدر ما، ففي ميثاق عام (1988م)، ذكر الإخوان ست مرات، بينما غباب عن وثيقة عام (2017م)، فقد حاولت حركة حماس أن تظهر للدول الإقليمية والغربية أنها غير مرتبطة بمرجعيات تنظيمية دولية، وأنها حركة فلسطينية سياسية وسطية معتدلة في طرحها مستعدة للانفتاح وإقامة (ص50)

أما رؤيتها للصراع الفلسطيني الإسرائيلي فهو قائم منذ أطماع الحركة الصهيونية الاستعمارية في احتلال الأرض، وطرد سكانها وتشريد أهلها وأنه صراع ينتهي بزوال الاحتلال، لم تميز حماس في ميثاقها بين الصهيونية واليهود، بل ركزت عليهما باعتبارهم واحد" عملوا على جمع ثروات مادية هائلة ومؤثرة، سخروها لتحقيق حلمهم؛ فبالأموال سيطروا على وسائل الاعلام العالمية، من وكالات أنباء، وصحافة، ودور نشر، وإذاعات وغير ذلك؛ وبالأموال فجروا الثورات في مختلف بقاع العالم لتحقيق مصالحهم وجني الثمار"؛ لذلك تبنى الميثاق خطاب متشدد تجاه استمر الاحتلال، ودعا بشكل ضمني إلى تدمير دولة الاحتلال الإسرائيل التي ستبقى قائمة إلى أن يبطلها الإسلام كما أبطل من قبلها، ولكنها ترى في الصراع الحالي مع الاحتلال بأنه صراع سياسي له أبعاده الدينية والسياسية والقانونية والأمنية والأخلاقية، وأنه صراع مفتوح لأجيال قادمة، قد تتغير فيه موازين القوى بالشكل الذي يسمح بدحر الاحتلال (ص53)

برزت ملامح التغيير في خطاب حركة حماس تجاه الحل المرحلي، في وثيقة الوفاق الوطني، التي جاء فيها "أن الشعب الفلسطيني في الوطن والمنافي يسعى من أجل تحرير أرضه، وإنجاز حقه في الحرية والعودة والاستقلال وفي سبيل حقه في تقرير مصيره بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها مدينة القدس الشريف على جميع الأراضي المحتلة عام (1967م)"، كما ورد في برنامج حكومة الوحدة الوطنية، التي شكلتها حماس مع بعض الفصائل الوطنية، تأكيد على الحل المرحلي، إذ تضمن برنامج الحكومة بأنها " ستعمل مع الاشقاء العرب والمجتمع الدولي من أجل انهاء الاحتلال، واستعادة الحقوق المشروعة لشعبنا، وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، كاملة السيادة على جميع الأراضي التي احتلت عام (1967م) وعاصمتها القدس"، ذلك كله تغيير واضح في توجه حركة حماس نحو الحل المرحلي، وهذا نتيجة لانخراطها في النظام السياسي الفلسطيني، ومشاركتها في الانتخابات التشريعية، وتشكيلها حكومة: وفق اتفاق أوسلو، إلا أنها لم تظهر موقفها الصريح من قضيتين أساسيتين، هما مرجعية انشاء الدولة الفلسطينية، وحدودها المستقبلية، فهل هذا كان قبول لقراري الأمم المتحدة (181) الخاص بتقسيم فلسطين، أو قرار (242) الخاص بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلتها عام (1967م)، وهو تغير جوهري بالانتقال من دولة الإسلام إلى الحل المرحلي للصراع بإقامة دولة ذات حدود مؤقتة، مع رفض الاعتراف بإٍسرائيل. (ص 66)

علاقات حماس الوطنية والإقليمية

اتسمت العلاقة بين حماس وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية بالتنافس وعدم الثقة والاقتتال في بعض الأحيان، على الرغم من عملهم المشترك في الانتفاضة والمقاومة، ولكن أسهم وجود برنامجين مختلفين في: زيادة الخلافات بينهما، يقول الكاتب: " جوهر الخلاف بين حماس ومنظمة التحرير قائم على أساس وجود تناقض بين مشروعين، وله علاقة بالمرجعية الأيدلوجية لكلا الحركتين، واستناد كل منهما إلى منطلقات أيدلوجية وفكرية مختلفة"، ومما أثار مخاوف قيادة منظمة التحرير، أن حماس لم تقر في ميثاقها  بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بل انها اشترطت على المنظمة تعديل أيدولوجيتها العلمانية مقابل الانضمام لها. (ص80)

برزت ملامح التغيير في خطاب حركة حماس تجاه الحل المرحلي، في وثيقة الوفاق الوطني، التي جاء فيها "أن الشعب الفلسطيني في الوطن والمنافي يسعى من أجل تحرير أرضه، وإنجاز حقه في الحرية والعودة والاستقلال وفي سبيل حقه في تقرير مصيره بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها مدينة القدس الشريف على جميع الأراضي المحتلة عام (1967م)"
أقرت حماس في ميثاقها الجديد بأن منظمة التحرير هي إطار عمل وطني للفلسطينيين وتدعو إلى إصلاحه وإعادة هيكلته لتصبح المنظمة إطاراً جامعاً بحق، وبما يمهد طريق انضمام حماس إليها، وبحسب الكاتب تؤكد حركة حماس ضرورة بناء المؤسسات الديمقراطية لتكون أساساً للشراكة الوطنية، ومن ثم حدثت محاولات عدة لدمج حماس في المجلس الوطني الفلسطيني، وبعض المؤسسات القائمة في منظمة التحرير، لكنها كانت تخشى ألا تعطى النسبة التي تمثلها في الشارع الفلسطيني، ما يعني أنها تصبح مجرد ديكور داخل المنظمة، ولا تتمكن من اتخاذ أي قرار، لذلك فقد اشترطت حماس للدخول في المنظمة: تمثيلها في المجلس بعدد يساوي ويكافئ ثقلها في الساحة بمعدل (40-50) من أعضاء المجلس الوطني، منذ عام (2006م) طالبت حركة حماس إعادة بناء مؤسسات المنظمة يجب أن يستند إلى الواقع الجديد في بنية النظام السياسي الفلسطيني على ضوء تنامي دور حركات الإسلام السياسي، وتراجع دور قوى وفصائل منظمة التحرير.(ص86)

سعت حركة حماس لإقامة علاقات مع الدول العربية تأكيداً لحضورها على الساحة السياسية العربية، واطلاع الأطراف العربية على وجهات نظر الحركة بما يساعد على تفهمها منها هي، والانفتاح السياسي للحركة لتحقيق تقارب مواقف هذه الدول السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية مواقف الحركة وحصولها على اعتراف رسمي من الدول العربية بها، ولكن هناك مجموعة من المحددات تحكمت في طبيعة العلاقة التي سعت لها حركة حماس هي:

1 ـ البعد الأيديولوجي كحركة إسلامية تستمد فكرها وأيديولوجيتها من حركة إسلامية كبرى، وامتداد جذورها لحركة الإخوان المسلمين التي تطمح للسلطة في الدول العربية مما يعني تقوية نفوذ التيارات الإسلامية.

2 ـ انخراط بعض الدول العربية بمعاهدات السلام مع إسرائيل، الأمر الذي حالة توتر بين الحركة والأنظمة المندرجة في تلك المعاهدات، في الوقت الذي ترفض في حماس التفاوض مع إسرائيل.

3 ـ الخلافات العربية والمحاور الإقليمية، فقد حاولت حماس النأي بنفسها عن المحاور العربية والصراعات الداخلية بين هذه الدول، في ظل حالة الاستقطاب العربي والإيراني للقوى الناشئة، وظهور نظام المحور الممانعة ومحور الاعتدال، حيث صنف حماس نفسها بمحور الممانعة مما يعني سوء علاقتها بشكل تلقائي مع محور الاعتدال. (ص93)

في هذه الدراسة العديد من التفاصيل والخفايا التي يضعها الكاتب بين ثنايا فصول الدراسة التي تناولها بعمق على الصعيد الداخلي للحركة وعلاقاتها الخارجية، يُبين فيها: أين وصلت حالة المرونة لدى حركة حماس، وهذا السرد التاريخي والتحليل مهم لفهم حالة الاستقطاب الشديد داخل محاور القضية الفلسطينية، ناهيك عن الاستقطاب الخارجي من عدة دول لهذا الفصيل أو ذاك، في الوقت الذي تحاول فيه حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف الاستفراد بمدينة القدس، وابتلاع أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية، والاستفراد بالمدن الفلسطينية المدينة تلو الأخرى.