أن تنجح المقاومة الفلسطينية في غزة بقصف منظومة القبة الحديدية الدفاعية بعدد هائل من الصواريخ وتعطل بعضها، وتحاول قصف منصة تمار للغاز، فهذا أمر جديد في سياق الصراع العسكري غير المتوازن بين إسرائيل وغزة.
وأن تنجح المقاومة بإطلاق صواريخ يصل مدى بعضها إلى 250 كلم، ويجبر الاحتلال على إغلاق مطاري بن غوريون وحيفا، فهذا أمر جديد لم تعرفه إسرائيل من قبل في صراعها مع غزة.
وأن تنتفض الضفة الغربية بهذا الشكل غير المسبوق منذ سنوات، فهذا أمر مفاجئ للاحتلال وللسلطة الفلسطينية اللذين يخشيان من انتفاضة شعبية واسعة فيها، على غرار ما جرى عامي 1987 وعام 2000.
بالنسبة لإسرائيل، فإن انتفاضة واسعة في الضفة ستعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية باعتبارها قضية شعب يخضع للاحتلال، وقد عمدت إسرائيل عام 2011 بعد انطلاق ثورات الربيع العربي إلى الضغط على إدارة موقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت "فيسبوك"، وأجبرته على إغلاق صفحة تدعو لانتفاضة فلسطينية.
وبالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، فإنها تخشى من نشوء انتفاضة من شأنها أن تقوي من حركة "حماس" في الضفة الغربية، على حسابها.
وأن ينتفض فلسطينيو 48، فهذا أمر مفاجئ لإسرائيل التي أعرب رئيسها رؤوفين ريفلين عن خشيته من اندلاع ما سماه حربا أهلية.
وأن تنتفض مدن عالمية تأييدا للفلسطينيين وتنديدا بالاحتلال الإسرائيلي، فهذا تطور مهم، بعد سنوات طويلة من ضعف التأييد الشعبي العالمي.
لقد اكتشف قادة الاحتلال مأزق إسرائيل ليس على الصعيد الاستراتيجي فحسب، من حيث أنها دولة احتلال، بل مأزقها في إدارة الصراع العسكري في غزة والأمني في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني.
وما رفعها مستوى منسوب توجيه الضربات للأحياء المدنية والإعلامية في غزة، إلا دليلا على هذا المأزق، وفشل المستوى العسكري-الأمني في تحقيق أهدافه العسكرية.
لقد اكتشف قادة الاحتلال مأزق إسرائيل ليس على الصعيد الاستراتيجي فحسب، من حيث أنها دولة احتلال، بل مأزقها في إدارة الصراع العسكري في غزة والأمني في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني.
هذه المعطيات دفعت قوات الاحتلال إلى عدم إطالة العدوان على غزة بعدما بلغت أضرار إسرائيل خلال عملية القصف الفلسطيني على المدن الإسرائيلية أكثر من نصف حجم الضرر الذى حدث إبان عملية "الجرف الصامد" عام 2014 والتي استمرت 51 يوما، فضلا عن القدرات العسكرية للمقاومة التي فاجأت المستويين العسكري والأمني في إسرائيل، إذ نجحت المقاومة خلال 11 يوما بإطلاق أكثر من أربعة آلاف صاروخ، بعضها وصل إلى مسافات طويلة، في حين أن المقاومة أطلقت تقريبا نفس العدد من الصواريخ خلال 51 عام 2014.
ليس قبول إسرائيل بالهدنة بهذه السرعة، سوى مؤشر على أنها لا تريد أن تنفلت الأمور من بين أيديها، فاكتفت بإعلان قبولها المبادرة المصرية دون أية تفاصيل، فيما انبرت شخصيات سياسية إسرائيلية بتوجيه النقد لأداء حكومة نتنياهو.
كل هذه المعطيات، جعلت أصحاب القرار في إسرائيل (المجلس الأمني المصغر) استبعاد شن هجوم عسكري واسع على القطاع، ومع فشل المنظومة العسكرية-الأمنية الإسرائيلية في تدمير البنى التحتية العسكرية للمقاومة من جهة، وفشلها في قتل قيادات أمنية للمقاومة من جهة ثانية، لجأت إسرائيل إلى توسيع نطاق قصفها على المدنيين والبنى التحتية المدنية، وقد كان استهداف الأبراج السكنية والمرافق العامة واضحا في الأيام الأخيرة من الحرب الإسرائيلية.
وليس قبول إسرائيل بالهدنة بهذه السرعة، سوى مؤشر على أنها لا تريد أن تنفلت الأمور من بين يديها، فاكتفت بإعلان قبولها المبادرة المصرية دون أية تفاصيل، فيما انبرت شخصيات سياسية إسرائيلية إلى توجيه النقد لأداء حكومة نتنياهو.
غير أن نجاح المقاومة لا يجب أن يعمينا عن بعض الحقائق، وهي أن العمل العسكري الفلسطيني في غزة لا يستطيع إجبار الاحتلال على تقديم تنازلات سياسية تجاه القضية الفلسطينية، ولا على إجباره على وقف الاستيطان في الضفة الغربية، ولا على إجباره على وقف سياسة التهجير في أحياء القدس الشرقية.
إن أهم ما كشفته الأيام الأخيرة، يكمن في الترابط المصيري بين غزة والضفة الغربية والداخل الفلسطيني، من حيث أنهم ينتمون إلى قضية واحدة وإلى شعب واحد، وهذا ما يجب التعويل عليه مستقبلا، كأساس لقاعدة عمل مشتركة، قد تنتهي بتبني استراتيجية وطنية موحدة افتقدها الفلسطينيون منذ اتفاق أوسلو عام 1993.
*كاتب وإعلامي سوري
فلسطين الأبية في مواجهة غطرسة الصهاينة ونكبة الأنظمة العربية
قراءة في الموقف العربي من معركة "سيف القدس"
تاريخ الإرهاب الإسرائيلي ينير حرب الإبادة الراهنة!