قضايا وآراء

فلسطين الأبية في مواجهة غطرسة الصهاينة ونكبة الأنظمة العربية

1300x600

لا يزال الشعب الفلسطيني يعلمنا كيف تكون الكرامة، وكيف نضحي من أجل مقدساتنا، بعد أن اختفت النخوة لدى الكثير من أبناء الأمة العربية والإسلامية، لأسباب عديدة، أبرزها سيطرة الأنظمة المستبدة على كل مقدرات الشعوب، وسعيها الحثيث لتجفيف منابع الخير والأمل لدى الشعوب، بما تمارسه من كبت وقتل واعتقال، وتكميم للأفواه، ومحاربة كل من لديه بارقة أمل في المستقبل المشرق لأمة تمتلك كل أدوات التقدم في المجالات المختلفة.

ولعل ما قام به المقدسيون للدفاع عن المسجد الأقصى في أيام العشر الأواخر من رمضان 1442هـ، خير دليل على ذلك، في وقت تلهث فيه أنظمة عربية مهترئة، لا تعبّر، بأي حال من الأحوال، عن نبض شعوبها، بل فُرضت فرضا لقهر الناس وإذلالهم، وتسليم مقدرات الدول لأعدائها، والتمكين لهم. 

لقد ضحّى الشعب الفلسطيني بكل فئاته وأطيافه منذ النكبة في العام 1948 بأكثر من 100 ألف شهيد وأكثر من مليون مصاب، وهدم آلاف البيوت في كل ضواحي فلسطين، والتضييق الاقتصادي من القريب قبل الغريب، وتهجير الملايين في الشتات.

وتأتي رياح الذكرى الـ 73 على نكبة فلسطين، التي وافقت يوم السبت (15 ـ 5 ـ 2021)، لتكون شاهدا على عنصرية (إسرائيل) وإجرامها، فقبل أسابيع من حلول هذه الذكرى، تفجّرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية كافة.

وتسببت الانتهاكات الإسرائيلية في مدينة القدس، التي تصاعدت بداية شهر رمضان (13 إبريل/نيسان 2021) وخاصة في منطقة "باب العامود" والمسجد الأقصى ومحيطه، وحي "الشيخ جراح"، إثر مساع إسرائيلية لإخلاء 12 منزلا من عائلات فلسطينية وتسليمها لمستوطنين إسرائيليين، في إطلاق شرارة الأحداث.

وتمكّن المقدسيون الأبطال من فرض إرادتهم على الاحتلال الإسرائيلي، حيث أجبروه على إلغاء ترتيبات أمنية فرضتها في باب العامود، وإجبار القضاء على تأجيل النظر في طرد سكان الشيخ جراح.

كما نجحوا في إلغاء مسيرة كان يعتزم المستوطنون تنظيمها داخل البلدة القديمة، احتفالا بذكرى احتلال القدس.

وكان للمقاومة الفلسطينية لاحقا في قطاع غزة، الدور الأكبر في مواجهة غطرسة الاحتلال الإسرائيلي، بالصواريخ التي أمطرت سماء مناطق عدة في أراضي فلسطين المحتلة، وانفجرت في وجه المحتل، احتجاجات الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية، الذين أبدوا تضامنا واسعا مع الفلسطينيين في مواجهات وتظاهرات يومية، تضامنا مع إخوانهم في غزة.

إن ما يجري الآن على أرض فلسطين، ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، أعاد الاعتبار للقضية الفلسطينية بشكل كبير، وأظهر عجز الاحتلال الإسرائيلي، رغم قوته وإمكانياته الهائلة، على تطويع الفلسطينيين. كما تؤكد الأحداث، فشل (إسرائيل) في تطويع الشعوب العربية والإسلامية، واقتيادها نحو "التطبيع المجاني"، حيث أبدت تضامنا واسعا مع الفلسطينيين، وتفاعلا إيجابيّا مع قضيتهم.

غزة الأبية رمز العزة والفخر لكل العرب والمسلمين

تأتي غزة رمز الصمود والعزة لتكون بارقة الأمل ليس فقط للفلسطينيين، بل لآمال وطموحات الشعوب العربية والإسلامية في الوقوف ضد غطرسة الكيان الصهيوني وإجرامه، وفي المقدمة من ذلك حركات المقاومة، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي تُلقّن، ولا تزال، العدو الصهيوني الدروس القاسية، وتكبده الخسائر الفادحة على مستويات عدة، وتبث فيهم روح الرعب والخوف، على الرغم من الترسانة العسكرية الكبيرة، والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، ويتباهى الكيان بأنه الجيش الذي لا يُقهر.

وعلى الرغم من كمّ الإجرام والتهجير والتفجيرات، وهدم البيوت التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، إلا أننا نجد نماذج في غاية الروعة من الصمود للرجال والنساء والأطفال، فغالبية الأُسر تضحِّي بأبنائها في الساحات المختلفة من أجل مقدسات المسلمين في القدس والمسجد الأقصى. فتحية لهؤلاء الأبطال الصامدين المرابطين الذين يقومون بما يجب أن يقوم به كل عربي ومسلم، ولكن قدّر الله لهم أن ينالوا هذا الشرف وحدهم، نتيجة للتآمر الإقليمي والدولي ضد فلسطين، والسعي الحثيث من المجتمع الدولي للتمكين للاحتلال الإسرائيلي على حساب أصحاب الأرض.

ولعل شهادة بعض الصهاينة تؤكد الدور المهم الذي تقوم به حماس في الوقوف ضد غطرسة الجيش الإسرائيلي وهجماته على غزة، وباقي مناطق السلطة الفلسطينية؛ يقول الصحفي الصهيوني سافي هندلر مغردا على تويتر: "حماس ألحقت بإسرائيل الهزيمة الأكبر في تاريخ المواجهة بينهما، إسرائيل لم تمن بهذه الهزيمة بسبب عدد الصواريخ التي أطلقتها حماس، بل بنجاح الحركة في لسع الوعي الإسرائيلي... لقد حولت حماس إسرائيل في نظر قاطنيها إلى مكان غير آمن، عنيف، متفكك، وهذه ضربة قوية للأمة الإسرائيلية، في الوقت الذي تباهي المستويات الإسرائيلية بعدد عمليات الاغتيال، وضرب مخازن السلاح التابع لحركة حماس".

ويقول الرئيس السابق للجنة الخارجية والأمن في الكنيست تسفي هاوز: "حماس حققت إنجازا استراتيجيّا، فبعد إفشال الانتخابات الفلسطينية، نرى أن الشعب الفلسطيني ينتخبها الآن شعبيّا عبر المقاومة، وانتفاض الضفة والداخل المحتل. ما نراه الآن هو إجماع فلسطيني غير مسبوق على قيادة حماس".

وفي المقابل، نجد العمالة والخيانة للقضية الفلسطينية عند الكثير من الأنظمة العربية ومن يمثلها، ولعل ما يعبر به الفريق ضاحي خلفان، نائب رئيس شرطة دبي، خير مثال على ذلك، إذ يطالب العرب بالقضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مدعيّا أنها المسؤولة عن تصعيد المواجهات مع (إسرائيل). وتابع خلفان في تغريداته، التي أثارت السخط على مواقع التواصل الاجتماعي: "لو قضت إسرائيل على حماس لقضت على المبرر بعدم قيام الدولة الفلسطينية (على مسؤوليتي)"، وقال: "فعلى العرب القضاء على حماس"!

ومن المؤسف، أيضا، ما ذكره الصحفي الإسرائيلي، أوهاد هيمو مراسل القناة 12 في تقرير مصور (الأحد 16-5-2021) قائلا: "أبو مازن اجتمع مع رؤساء الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وخاطبهم: لا أريد أن أرى حماس ترفع رأسها في الضفة، ولا أريد أن تخرج الأمور عن السيطرة، والضفة هي القصة الحقيقية".

واجبات شعبية لنصرة القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى

لا شك أن ما حدث في المسجد الأقصى وغزة، وباقي المناطق الفلسطينية، أيقظ في الشعوب العربية والإسلامية الأبية النخوة تجاه هذا الإجرام المتواصل ضد الشعب الفلسطيني، فشاهدنا العديد من التظاهرات في بعض العواصم العربية والإسلامية، وفي أماكن مختلفة من العالم، تنديدا بممارسات العدوان الإسرائيلي. ومن ثمَّ على الشعوب مواصلة غضبتها ضد ما يحدث، وضد الصمت المطبق من أنظمة فقدت شرعيتها، ومن أهم الأدوار والمهام والواجبات التي يجب على عموم المسلمين، والعلماء، والمثقفين، والفنانين، والنقابيين، والطلاب، القيام بها، كلٌ حسب إمكانياته وقدراته، منها:

أولا ـ إحياء القضية الفلسطينية مرة أخرى في نفوسنا ونفوس أبنائنا، وكل من نعرف بالطرق والوسائل المختلفة، والتعريف بطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، وأن هذا الاحتلال مغتصب لأرض فلسطينية عربية إسلامية، وفضح كل من يدّعي أن الفلسطينيين باعوا أرضهم، وأن قضية الأقصى والقدس لا تخص الفلسطينيين وحدهم، بل هي قضية كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

ثانيا ـ مطالبة السلطات والحكومات العربية والإسلامية باتخاذ مواقف أكثر جدية وضغطا وتأثيرا على المجتمع الدولي لوقف العدوان ودعم فلسطين، وعدم الاكتفاء ببيانات الشجب التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والضغط على هذه الأنظمة لفك الحصار عن القوى الوطنية المعادية لإسرائيل والداعمة لفلسطين، وإطلاق حريتها في التعبير عن غضبها إعلاميّا وسياسيّا وجماهيريّا، ومطالبة السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع (إسرائيل)، وسحب اعترافها باتفاق أوسلو مع الاحتلال الإسرائيلي.

ثالثا ـ نقل جرائم العدوان ووحشيتها لحظة بلحظة بالصورة والفيديو والخبر بكل اللغات، كلٌ في مكانه، عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وإرسال رسائل استنكار وإدانة واستغاثة لأهم الصحف العربية والعالمية، ولمواقع الأمم المتحدة، ووزارات خارجية دول العالم، ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والعالمية.

رابعا ـ الدعوة إلى إقامة صلاة الجنازة على شهداء فلسطين في المساجد والكنائس، مع الحرص على شرح القضية ودعمها في خطب الجمعة وقدّاسات الأحد، والاتصال بالشخصيات العامة وحضّها على اتخاذ مواقف جماعية ضد العدوان، والدخول على مقالات كبار الكتاب في المواقع الإلكترونية للصحف الكبرى، وكتابة التعليقات الداعمة لفلسطين.

خامسا ـ مطالبة مجالس النقابات المهنية والعمالية، والأحزاب السياسية في البلدان العربية والإسلامية بإصدار بيانات لإدانة الإجرام الصهيوني على قطاع غزة، وإنشاء لجان دائمة لدعم فلسطين، وإرسال القوافل الإغاثية بكل أشكالها من خلال المعابر والحدود المشتركة مع مصر، وسوريا، والأردن، ولبنان.

 

إن ما يجري الآن على أرض فلسطين، ومسرى الرسول، صلى الله عليه وسلم، أعاد الاعتبار للقضية الفلسطينية بشكل كبير، وأظهر عجز الاحتلال الإسرائيلي، رغم قوته وإمكانياته الهائلة، على تطويع الفلسطينيين. كما تؤكد الأحداث، فشل (إسرائيل) في تطويع الشعوب العربية والإسلامية، واقتيادها نحو "التطبيع المجاني"، حيث أبدت تضامنا واسعا مع الفلسطينيين، وتفاعلا إيجابيّا مع قضيتهم.

 



سادسا ـ الكشف بالتفصيل للرأي العام حقيقة اتفاقيات العار مع (إسرائيل) والمطالبة بإلغائها، وسحب الاعتراف بها وسحب السفراء منها وقطع العلاقات معها، وكسب أنصار جدد للقضية الفلسطينية، مع شرح حكاية اغتصاب فلسطين لمن لا يعرفها بالتفصيل، وتنظيم دورات تثقيفية حول الصراع العربي الإسرائيلي، وعدم إهمال القضية أو تركها بعد توقف العدوان.
 
سابعا ـ دعوة الكتاب والمثقفين والفنانين للكتابة والتفاعل مع ما يحدث في القدس والأقصى وغزة، وكل فلسطين، وفضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بأنه يدافع عن نفسه، وأنه اغتصب الأرض، وهدم البيوت، وقتل الأطفال والنساء، وأن الشعب الفلسطيني بكل أطيافه لديه الحق الكامل برد هذا العدوان بكل الوسائل المتاحة.

ثامنا ـ التبرع بالمال للمؤسسات والهيئات والنقابات المهنية والجمعيات الخيرية المعنية، لدعم الفلسطينيين الذين هُدّمت منازلهم وشُردوا خارج ديارهم، وشراء الدواء والمستلزمات الطبية للمستشفيات، والكساء والطعام للأطفال الذين فقدوا عوائلهم جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، والضغط الشعبي لرفع الحصار الظالم عن غزة.

تاسعا ـ وضع صورة علم فلسطين على الصدور والسيارات ومواقع التواصل الاجتماعي، وطبع وتوزيع ورفع أكبر عدد ممكن من أعلام فلسطين في كل مكان، لإحياء القضية في نفوس الناس، والقيام بحملات المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الأمريكية لدعمها الدائم لإسرائيل، ولكل الدول التي تؤيد العدوان الإسرائيلي على فلسطين.

عاشرا ـ فضح التطبيع والمطبعين وصفقات الغاز، ومثيلاتها مع الكيان الصهيوني، وتجديد العداء للصهيونية والاحتلال الإسرائيلي المغتصب، والتذكير بحقيقة أهدافه تجاه الأمة العربية والإسلامية، وبجرائمه ومذابحه واعتداءاته التي لم تتوقف منذ احتلاله لفلسطين، ومناهضة المشروع الصهيوني في المنطقة، ومناشدة الجميع بالتوحد ضد العدو الحقيقي، وترك كل أشكال الصراع والاقتتال الداخلي.

وختاما.. ستبقى قضية فلسطين حاضرة في نفوسنا، ويجب أن ننقلها إلى أولادنا وأحفادنا، على الرغم من موجات التطبيع مع الكيان الصهيوني، من أنظمة فقدت شرعيتها، وباعت الوهم للشعوب، بأن التقارب مع العدو الصهيوني، سيجلب الخيرات والاستقرار للمنطقة!

ولا أمل في مجتمع دولي يدّعي سعيه لإقرار حق الشعوب في تقرير مصيرهم، فالغرب في مجمله يدعم الكيان الصهيوني، على حساب فلسطين وأهلها، ولا تعويل على الكيانات الرسمية العربية والإسلامية (الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي)، التي لم تقم بالدور المطلوب منها.

والأمل الوحيد في وعي الشعوب وتحركها لإزاحة الأنظمة المستبدة التي تقف حجر عثرة في منع كل من يريد نصرة القضية الفلسطينية، والتعويل الكبير على صمود الشعب الفلسطيني بكل فئاته، وعلى قدرات المقاومة المشروعة في كل فلسطين وإمكانياتها لردع العدو الإسرائيلي المحتل، وإيقافه عند حده.
  
https://twitter.com/drgamalnassar