خلال سنوات الصراع المسلح بين المعارضة
والنظام السوري بين عامي 2012 ـ 2017، كانت محافظة حماة أكثر المحافظات سيولة من
الناحية العسكرية، فهي لم تكن خالصة يوما للنظام أو للمعارضة، بقدر ما كانت ساحة
مفتوحة للصراع بين كر وفر بين الجانبين.
أهمية الموقع الجغرافي
مرد ذلك إلى كون حماة هي المحافظة الوحيدة
في سورية التي تمتلك خصائص جغرافية لا تتقاسمها معها أية محافظة أخرى، فهي أولا
تتوسط البلاد، وثانيا ترتبط بحدود مع محافظات عديدة: تلاصق حلب من الشمال، وإدلب
من الشمال الغربي، واللاذقية من الغرب، وطرطوس من الجنوب الغربي، وحمص من الجنوب
والشرق، والرقة من الشمال الشرقي.
موقعها جعلها ذات أهمية جيوإستراتيجية،
وجعلها بالمقابل ـ وهذه إحدى مفارقات الجغرافيا ـ ذات مرتبة ثانية في معادلة
المعارك العسكرية بسبب انفتاحها على هذا العدد الكبير من المحافظات، وهو السبب
الذي جعل أطراف الصراع خلال السنوات الماضية تحجم عن محاولة السيطرة على المحافظة
عسكريا، والاكتفاء بالحصول على موطئ قدم تبعا لحاجتها العسكرية.
إن السيطرة السريعة على مساحات جغرافية واسعة قد يكون له تبعات عسكرية مضادة: في الحالة السورية الحالية، إن تجاوز الفصائل لمدينة حماة والتوجه نحو حمص يتطلب عديدا بشريا كبيرا جدا، وقد يعرض الخطوط الخلفية للفصائل إلى خطر.
تكمن أهمية حماة في أنها المفصل الأخير في
المعركة حول المناطق المفيدة، ولما كان طرفا الصراع (المعارضة، النظام) غير قادرين
على حسم المعركة، ظلت المحافظة خارج عمليات الحسم، فاكتفت فصائل المعارضة المسلحة
بريف المحافظة الشمالي وعاصمتها مدينة مورك، فيما اكتفى النظام بمدينة حماة
ومحيطها إضافة إلى الريف الجنوبي للمحافظة.
ومن الأسباب الأخرى ذات الأهمية الكبيرة، أن
محافظة حماة تشكل بوابة للدخول نحو محافظتي اللاذقية وطرطوس، أهم معقلين شعبيين
للنظام السوري وخزانا التجنيد لديه.
على مدار سنوات الصراع السابقة، كانت
المعارضة المسلحة والنظام على السواء حريصين على عدم تحمل خسارة حماة بالكامل، فمن
شأن ذلك أن يزيل خطوط التماس الأمامية لمعاقلهم: بالنسبة للنظام لا يتحمل خسارة
مناطق جديدة قد تؤدي إلى قطع خطوط إمداده التي تصل بين مختلف المحافظات التي يسيطر
عليها، لاسيما اللاذقية وحلب، وبالنسبة للمعارضة لا تتحمل خسائر مواقع جديدة تهدد
سيطرتها على طريق حماة ـ حلب الدولي، ومن ثم تصبح إدلب المعقل الرئيس للمعارضة
مهددة.
وعليه ظلت حماة ساحة صراع هادئة، فلم تتطور
الأمور فيها إلى مستوى المعارك الشرسة كما هو حال المحافظات الأخرى، في الوقت الذي
لم تخرج فيه من دائرة الصراع.
جديد حماة
لأول مرة منذ بدء الثورة السورية تخضع مدينة
حماة بالكامل إلى سيطرة المعارضة المسلحة، في خطوة تشكل تحولا مهما على صعيد
جغرافيا الصراع العسكري، وتحديا كبيرا أمام المعارضة للحفاظ عليها في ضوء قربها من
معقلي النظام (اللاذقية، طرطوس).
سهلت السيطرة على حماة لفصائل المعارضة من
التوجه سريعا نحو محافظة حمص، لأن مدينة حماة تقع على بعد أكثر من ثلث الطريق من
حلب، والسيطرة على حمص، من شأنها أن تقطع شريان المواصلات والإمدادات بين العاصمة
دمشق والساحل السوري.
إن الاكتفاء بمدينة حماة ثم استكمال السيطرة على المحافظة بالكامل قد يكون خطوة ذات أهمية كبرى، عبر تعزيز المواقع العسكرية للمعارضة، وجعلها نقطة انطلاق لاحقة نحو حمص ذات المساحة الكبيرة.
السيطرة على حماة تختلف اختلافا كبيرا عن
السيطرة على حلب: من ناحية المعارضة تشكل حلب درة تاج الشمال، فالسيطرة عليها تسمح
للمعارضة بامتلاك قاعدة بشرية وعسكرية واقتصادية هامة، تمنحها قدرة أكبر على
الصمود، فضلا عن مساحتها الجغرافية الواسعة التي تسمح للمعارضة بحرية الحركة
والمناورة.
فيما يتعلق بحماة تنقلب المعادلة، فالمدينة
ذات أهمية استراتيجية بالنسية للنظام أكثر منها للمعارضة، حيث يستطيع النظام
التعايش مع سقوط حلب على ما فيها من قوة اقتصادية، لكنه لا يستطيع التعايش مع سقوط
مدينة حماة، لا لرمزيتها التاريخية فقط في الوعي السوري، بل لأنها تشكل المدخل
الجغرافي الرئيسي للانقضاض على معاقله ثم الولوج إلى قلب جغرافيا النظام.
ماذا بعد حماة؟
قد يكون هذا السؤال هو الأهم في ظل سرعة
تحركات فصائل المعارضة وسرعة انهيارات قوات النظام وتراجعاتها.
المعطيات الحالية تشير إلى نية فصائل
المعارضة الوصول إلى مدينة حمص بعد سيطرتها على مدينة الرستن بوابة الدخول إلى
المحافظة من ناحية حماة، ثم مدينة تلبيسة التي تبعد نحو 13 كيلومترا عن مدينة حمص
من ناحية الشمال، والمدينتان تقعان على طريق "إم 5" (M5) الرابط بين حلب ودمشق، مرورا بحماة وحمص، ثم
السيطرة على بلدة الدار الكبيرة في ريف حمص القريبة من مدينة حمص.
لكن السيطرة على مدينة حمص دونها عقبات
كبرى، ويُخشى أن يكون النظام يتبع استراتيجية جر المعارضة إلى هذه المدينة
ومحيطها، فالمنطقة الممتدة من مدينة حمص نحو الجنوب والجنوب الغربي، تعتبر خط
الدفع الأمامي للنظام و "حزب الله" الذي نشر عديد قواته في المناطق
المحاذية للبنان داخل المحافظة خلال السنوات الماضية، وفي مقدمها مدينة القصير قبل
أن يسحب كثير من قواته منها.
بلغة الحروب، إن السيطرة السريعة على مساحات
جغرافية واسعة قد يكون له تبعات عسكرية مضادة: في الحالة السورية الحالية، إن
تجاوز الفصائل لمدينة حماة والتوجه نحو حمص يتطلب عديدا بشريا كبيرا جدا، وقد يعرض
الخطوط الخلفية للفصائل إلى خطر.
إن الاكتفاء بمدينة حماة ثم استكمال السيطرة
على المحافظة بالكامل قد يكون خطوة ذات أهمية كبرى، عبر تعزيز المواقع العسكرية
للمعارضة، وجعلها نقطة انطلاق لاحقة نحو حمص ذات المساحة الكبيرة.