كتب

الأكراد وإسرائيل وأمريكا واحتلال العراق.. أحداث ومواقف

كتاب يؤرخ لموقف الأكراد من حرب غزو العراق عام 2003 (الأناضول)

الكتاب: مذكرات الرئيس جلال طالباني (رحلة "ستون عاما" من جبال كردستان إلى قصر السلام)
الكاتب: صلاح رشيد، ترجمة: شيرزاد شيخاني
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت لبنان، الطبعة الأولى 2019،
(572صفحة من القطع الكبير).

يقول جلال الطالباني عن التحضيرات لحرب الغزو الأمريكية للعراق سنة 2003: "في نيسان عام 2002، دعينا أنا ومسعود البارزاني إلى الولايات المتحدة، والتقينا هناك بوفد أمريكي عالي المستوى، ضم ممثلي العديد من المؤسسات الرسمية مثل البيت الأبيض والبنتاغون والخارجية والمخابرات المركزية، وأبلغونا باستعدادهم للتعاون على شرط أن يؤسس في العراق نظام ديمقراطي اتحادي". بحثنا معهم الفيدرالية فوافقوا على تثبيتها في دستور العراق". 

 

العراق بلد محتلّ من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بريطانيا، والحركة الصهيونية العالمية


وأضاف: "بعد هذا اللقاء ذهبنا مرة أخرى في آب (أغسطس) من ذلك العام برفقة وفد عراقي إلى واشنطن، وبحثنا معهم المواضيع السابقة نفسها وأبلغناهم باستعداد قوى المعارضة العراقية للعمل معهم لإسقاط النظام، وأبدينا جاهزيتنا للمشاركة في انتفاضة العراقيين. وقلنا لهم بأن تحرير العراق عملية سهلة، لأن صدام ضعيف حاليا وسيسقط بسرعة، ولكن حكم العراق بعد سقوطه أصعب، ولا تستطيع أمريكا وحدها أن تدير الحكم فيه، وعليه يجب أن تتعاونوا مع قوى المعارضة الفاعلة على الأرض العراقية، وقد أظهرت الأحداث اللاحقة صدقية أطروحاتنا، وخاصة فشل الإدارة الأمريكية في إدارة شؤون البلاد بعد سقوط نظام صدام حسين"، (ص550).

 



ليس العراق بلدا محرّرا اليوم، بل بلد محتلّ من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بريطانيا، والحركة الصهيونية العالمية، إنه أمر بديهيّ. وكنّا اعتدنا في مثل وضع "بلد محتلّ" أن يحتل فيه موضوع التحرير المسألة المركزية في اهتمامات الشعب على اختلاف طوائفه وقومياته. هذه بديهيات الوطنية السياسية الحديثة، بيد أن هناك فئات من العراقيين تعدّ أن الجريمة الفظيعة التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية باحتلال العراق مغفورة، لأنها خلصته من نظام صدام حسين الدكتاتوري المقيت أولا، ولأنها  تخوض "حربا على الإرهاب" ثانيا. وهذه الفئات لا ترى أن الحرب الأمريكية على العراق من خلال اجتياح وقصف وتدمير مدن بأكملها، والدخول عنوة إلى المنازل واقتياد أفراد العائلة وتعذيبهم إرهاب، بل تدخل في إطار تحسين الوضع الأمنيّ.

قبل بدء الحرب الأمريكية العدوانية على العراق تحول إقليم كردستان العراق إلى قاعدة عسكرية خلفية للولايات المتحدة الأمريكية، إذ وضع الحزبان الكرديان قوات البشمركة تحت إمرة القوات الأمريكية من أجل مشاركتها في القتال ضد نظام بغداد، وبذلك شكل كردستان العراق البوابة الرئيسية الثانية بعد الكويت لغزو الأراضي العراقية، بعد أن رفضت تركيا السماح للقوات الأمريكية استخدام أراضيها كمعبر للغزو.

 

قبل بدء الحرب الأمريكية العدوانية على العراق تحول إقليم كردستان العراق إلى قاعدة عسكرية خلفية للولايات المتحدة الأمريكية


ومنذ أواخر سنة 2003، بدأت التقارير تتسرب وتتكاثر وتتراكم، وكلها تؤكد أن لاحتلال العراق زوايا استراتيجية في المشروع الصهيوني، ولأن الوجود الصهيوني أصبح ماثلا بوضوح على الأرض العراقية. فالتحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي حول تلك المسألة، هو تحالف استراتيجي ومصيري من أجل هدفين استراتيجيين: الامبراطورية الأمريكية، والدولة التوراتية اليهودية. 

لقد شاركت الصهيونية العالمية وربيبتها الدولة "الإسرائيلية" في فلسطين المحتلة، في رسم خرائط الحرب على العراق في غرفة عمليات مشتركة بين وزارتي الدفاع في واشنطن وتل أبيب، ووفرت كل المستلزمات اللوجستية والإعلامية والعسكرية للعدوان على العراق؛ إذ إن كل دبابة أو طائرة أو سفينة حربية أمريكية في العراق، كان يقودها أمريكي ومساعد إسرائيلي. وكانت صحيفة "معاريف الإسرائيلية" نشرت مقالا للكاتب الصهيوني بوعز غاوون تحت عنوان "قواتنا في العراق"، أكد فيه حقيقة الوجود الصهيوني، وقال صراحة إن "إسرائيل" دخلت العراق لتأخذ حصتها.


زار إسرائيل سرا

كما أقامت "إسرائيل "علاقات وثيقة مع زعامات كردية معروفة، حيث زار الزعيم الكردي جلال الطالباني الكيان الصهيوني سرّا، والتقى مع رئيس الحكومة الصهيوني آرييل شارون في مزرعته، وكان جهاز الموساد جند عملاء يحملون الجنسية العراقية وجاؤوا في ركاب الاحتلال الأمريكي. وكانت التقارير الغربية تسرب معلومات، مفادها أن المستشارين الصهاينة تسللوا إلى شمال العراق وهم يحملون صفة خبراء وتجار ومستشارين ومهندسين ورجال أعمال وسيّاح، وهم في الحقيقة عملاء من جهاز الموساد الإسرائيلي، لإثارة الفتن الطائفية والمذهبية والنعرات العرقية بين أبناء الشعب العراقي الواحد، وما يرافق ذلك من عمليات إبادة وتفجير وتخريب، تجعل الحضارة العراقية أطلالا، والخصوبة العراقية جفافا، والثقافة العراقية اقتتالا.

 



ولقد عبّدت الأحزاب الكردية الرئيسية المعروفة الطريق للتغلغل الصهيوني في العراق، برعاية وضمانات أمريكية، لإقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق، وذلك بالانفصال عن الدولة المركزية في بغداد، وهذا ما يصبّ في مخطط تقسيم العراق إلى دويلات مذهبية وطائفية برعاية أمريكية ـ بريطانية ـ صهيونية، حيث يقوم الصهاينة المتسللون خفية أو جهرا إلى العراق بالدور الرئيسي لتنفيذ هذا المخطط، خاصة في المناطق الكردية التي تشهد اليوم تطهيرا عرقيا ضد العنصر العربي والتركماني والآشوري وغيره.

 

لقد عبدت الأحزاب الكردية الرئيسية المعروفة الطريق للتغلغل الصهيوني في العراق، برعاية وضمانات أمريكية،


ومن ضمن الأهداف الأمريكية التي تقف وراء احتلال العراق دعم الوضع الاستراتيجي للكيان الصهيوني الذي يحلم بإعادة أمجاد "الدولة التوراتية"، وهي أهداف معادلة في القيمة لأهداف المشروع الأمريكي في السيطرة على الثروة النفطية العربية. وهذه الأهداف لن تتحقق إلا من من خلال تدمير دولة عربية كبرى، والحال هذه العراق. 

وقد أدى الصهاينة دورا كبيرا في تدمير البنية العلمية البشرية من خلال الاستمرار في اغتيال العلماء العراقيين، وقد أكد جنرال فرنسي متقاعد أن هنالك فرق كوماندوز صهيونية توجد في العراق وتقوم بمهمة اغتيال العلماء العراقيين، وعلى سبيل المثال لا الحصر، د. غالب الهيتي أستاذ الهندسة الكيماوية والمتخصص في بحوث الكيمياء النووية في مجال الطرد الذري، الذي يعدّ أساس علم الذرة، ود. مجيد حسين الأستاذ النابغة في العلوم، ود. محيي حسين العالم في هندسة الطائرات، ود. مهند الدليمي ود. شاكر الخفاجي ود. علي موجد الحميداوي.

أما على الجانب الإقليمي، فإنه يتمثل في الأزمة الأمريكية الأوروبية مع إيران، بخصوص برنامجها النووي بعدما لم يستبعد الرئيس الأمريكي السابق بوش الخيار العسكري في التعامل مع إيران إذا ما استمرت في برنامجها المذكور، كما أن أحداث الشغب التي قام بها أكراد سوريا في ربيع 2004 لا يمكن فصلها عن المهام التحريضية لجهاز الموساد الموجود في شمال العراق، وقد رفعت "إسرائيل" علمها المتميز على روابي "كردستان العراق"، وقام عملاء الموساد الصهيوني بدور النصح والاستشارة للأحزاب الكردية الرئيسية فيما يتعلق بصياغة الدستور، ولجهة تغذية النزعات الانفصالية التي أبداها الأكراد. 

ومن الواضح أن أكراد العراق يستقوون بالحلف المعادي للأمة العربية، ألا وهو الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني في سبيل تحقيق الانفصال عن الدولة المركزية في العراق، وبذلك يقدمون خدمة كبيرة لتحقيق المشروع الصهيوني القديم، الخاص بالعراق والمتمثل بمشروع "ينون"، الذي نشرته منظمة الصهيونية العالمية في مجلة "كيفونيم" العام 1982 تحت عنوان: "استراتيجية إسرائيلية في الثمانينيات"، وجاء فيه "إن تقسيم العراق إلى مقاطعات هو أحد أولويات أهداف إسرائيل".

 

اقرأ أيضا: الأكراد وتحديات الوجود السياسي.. قصة "الديمقراطي الكردستاني"

 

اقرأ أيضا: أكراد العراق.. مسار التحولات من السلاح إلى العمل السياسي