ملفات وتقارير

ورود حمراء في غزة.. طرق متعددة لموت الفلسطينيين

بائع ورود حمراء وصف غزة بأنها "متعطشة جدا لإظهار الحب" (أرشيفية) - الأناضول
بائع ورود حمراء وصف غزة بأنها "متعطشة جدا لإظهار الحب" (أرشيفية) - الأناضول
نشرت مجلة "أوريون21" الفرنسية تقريرا كتبته الصحفية أسماء الغول حول الحالة الإنسانية في قطاع غزّة، قالت فيه إنّ ستة أشهر مضت على نهاية الحرب في غزة، ورغم ذلك مازال الفلسطينيّون يعانون من حصار مضاعف، تفرضه عليهم "إسرائيل" والسلطات المصرية، ولم تتحقّق أي من وعود إعادة الإعمار، التي تم إغداقها في مؤتمر إعادة الأعمار، والمجتمع الدّولي أصبح يتعمد تجاهل الوضع.  

الموت البطيء.. والموت السّريع

وقالت الغول في تقريرها "لم يتبق للفلسطينيين من كل أشكال الحرية سوى حرية اختيار الطريقة التي يموتون بها، ما بين الموت البطيء، والموت السّريع".

ووصفت المجلّة الفرنسيّة ما عاشته غزّة يوم الرّابع عشر من شباط/ فبراير، الذي يصادف ما يسمى بـ"عيد العشّاق" بأنّه "يوم غير اعتياديّ بالمرة، فقد تم تزيين شوارع المدينة وطغى اللون الأحمر، كأنّ عيد العشاق أعاد لها الروح، ولو ليوم واحد". 

الإحباط الذي يعاني منه القطاع

وأشارت المجلة إلى أن بائعي الورد أعدوا أزهارهم وهداياهم على استحياء، ودون مبالغة، خوفا من مضايقات من وصفتهم كاتبة التقرير بـ"المتشدّدين"، الذين يجولون المدينة كلّ سنة لمنع الاحتفال بهذا اليوم.

وقالت "أوريون21" إنه "بهذه المناسبة أعد أبو محمود البالغ من العمر 32 سنة حوالي 140 دبا قطنيا، و1200 وردة حمراء، وتركها داخل المحلّ بعيدة عن أعين المتشددين، ومع نهاية اليوم كان قد باع كلّ بضاعته، وكأنّ غزة كانت متعطشة جدًّا لإظهار الحبّ".

وأضافت المجلة في تقريرها: "لحسن الحظّ لم يظهر المتشددون، ولم يتدخّل أحد لمنع اللون الأحمر كأن الجميع أحسوا بالإحباط الذي تعاني منه غزّة، منذ نهاية حرب صيف 2014، وقرّروا التغاضي عن الاحتفالات في هذا اليوم.

مسرحيّة كبيرة

 هذه هي غزة بتناقضاتها، كما تقول "أوريون21" في تقريرها، ولكن مع مطلع الخامس عشر من شباط/ فبراير تعود الحياة لتلبس رداء الحزن، وتعود الوجوه عابسةً كأن تلك الحالة من السعادة التي ظهرت بالأمس، لم تكن غير مسرحيّة كبيرة، شاركت فيها المدينة بأسرها، وارتدت أبهى حللها، وتجمّلت، ثمّ اختفت مع أولى خيوط فجر اليوم التالي. 

إغلاق معبر رفح

وأضافت المجلّة في تقريرها قائلة إنّ "مشكلات السكّان تفاقمت، ووصلت إلى حدّها الأقصى، فالكهرباء تنقطع لمدة اثنتي عشرة ساعة كل يوم، والأمر ازداد صعوبة مع إغلاق معبر رفح".

وتضيف المجلة أنه "منذ الانقلاب على الرّئيس المصري محمد مرسي في شهر يوليو 2013 ظلّ المعبر مغلقًا بشكل شبه دائم، والمرات التي تم فيها فتحه مؤقّتًا تُعدّ على الأصابع، كما أن صرف أجور موظفي حكومة حماس متوقّف منذ يوليو 2014، والموظفون التّابعون للسلطة الفلسطينيّة لا يتلقّون غير ستّين بالمائة من أجورهم، بعد احتجاز "إسرائيل" لأموال الضّرائب التي يُفترض بها تسليمها للسّلطة الفلسطينيّة".

وتتابع المجلة الفرنسية في تقريرها بالقول: "وما زاد الطّين بِلّة هو توقّف مشاريع إعادة الإعمار، بسبب تعطّل المصالحة الوطنية بين فتح وحماس".

التمسّك بحلم المصالحة

وتقول مجلّة "أوريون21" إن "غزة تمر بفترة يأس جماعي"، وفي هذا الصّدد نقلت المجلة تصريحات أحمد يوسف، وهو مسؤول في حركة حماس، الذي قال: " يعيش وطننا فترة صعبة بسبب الأزمة، وتُواصل غزة التمسّك بحلم المصالحة، وتكوين حكومة وحدة وطنيّة تنجز المهام العالقة، وتستأنف صرف الأجور ومشاريع إعادة الأعمار، ولكن للأسف، مازلنا لحدّ الآن نراوح مكاننا، ولم نحرز أي تقدّم في هذا المسار".

ويضيف يوسف قائلا "إنّ الانقسام الداخلي الفلسطيني وانقطاع أشغال الإعمار، يزيدان من تأزيم الوضع وتعقيد الحياة اليوميّة".

وقد اعتقد أهالي غزّة، حسب المجلّة، أنّ نهاية الحرب الدّامية في صيف سنة 2014، ستكون نهاية لمعاناتهم، أو على الأقل هذا ما كانت تطمح إليه (حماس) التي دخلت هذه الحرب، بهدف إيجاد حل للأزمة ،خاصة مع الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي في مصر، ولكن حصل العكس فقد زادت معاناة السّكان وعائلات الشّهداء، تعيش وسط اكثر من عشرين ألف منزل غير صالح للسّكن، وهذه كارثة تحتاج لعشرات السنوات لتداركها، دون ذكر مئات العائلات التي تعيش في مدارس الأونروا، أو التي تعيش مع أقاربها.

أوضاع مأساوية

ووصفت المجلّة أوضاع السيد وطن سكّار، البالغ من العمر  31 سنة، الذي يعيش مع زوجته وأطفاله الأربعة، في قسم بإحدى المدارس التّابعة لفرع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الأونروا في مخيّم الشاطئ.

ويضيف "سكّار" قائلا: "نحن لا نملك أي أموال لاستئجار منزل، لذلك نعيش هنا منذ ستّة أشهر في انتظار أن أتمكّن من الانتقال للعيش في منزل أبي، ربّما بعد أسبوعين من الآن". وفقدَ "سكّار" منزله خلال العدوان الإسرائيلي على حي الشجاعيّة، ولا يملك في القسم الذي تعيش فيه عائلته الآن غير بعض المفروشات، كما أنّ أقرب حنفيّة ماء تبعد عنهم أكثر من مئتي متر. 

كافة أشكال الموت خلال 8 سنوات

وفي مدرسة أخرى يتحدّث أهالي غزة للمجلّة الفرنسيّة عن عائلة فقدت رضيعها، وتعرّض أفرادها لحروق خطيرة، بسبب حريق نجم عن تماسّ كهربائي، وأضافت أنّ سكّان غزة عايشوا كافة أشكال الموت خلال ثماني سنوات من الحصار، وهم يعرفون أنّ الموت يترصّدهم في كلّ  لحظة، إمّا بسبب الغارات الجويّة والأرضيّة، أو بسبب الحرائق التي يسبّبها استعمال الشّموع التي تُعوّض انقطاع الكهرباء، أو بسبب وقت الانتظار الطّويل في المعابر  للوصول للمستشفى. 

كما يمكن أن يموت الشّخص من البرد مثل الأطفال الأربعة، الذين قضوا في يناير الماضي، أو غرقًا في إحدى قوارب الموت التي تنقل المهاجرين غير الشرعيّين، مثل أولئك الذين اختفوا في السّادس من أيلول/ سبتمبر 2014، أثناء محاولتهم الهروب نحو واقع أفضل، كما أن اغلب الطّامحين للهجرة يموتون اختناقًا في الأنفاق بين غزّة وسيناء. 

درجة غير مسبوقة من الفقر

ويقول السيّد خليل شاهين من المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان لمراسلة مجلة أوريون21 أنّ غزة وصلت لدرجة غير مسبوقة من الفقر، أدّت إلى إيقاف وكالة الأونروا لمساعداتها الموجّهة لضحايا الحرب، بسبب عدم كفاية هذه الموارد أمام الحاجيّات الهائلة للأهالي، وتزامن هذا التّأزّم في حالة القطاع مع سلسلة تفجيرات استهدفت نشطاء من حركة فتح ومقرّات جمعيّات والمركز الثّقافي الفرنسي. 

 تشكيل حكومة وحدة وطنيّة

وقد أعلنت السلطات المحلية التابعة لحركة حماس عن فتح تحقيق في هذه الأحداث، ولكنّها لم تتوصّل لأيّ نتيجة، ولم يتم تحديد مرتكبي هذه الجريمة، ويعدّ "أحمد يوسف" أنّ إنحدار الوضع الأمني له علاقة مباشرة بتعثّر مساعي تشكيل حكومة وحدة وطنيّة تلبّي حاجيّات القوّات التّابعة لوزارة الداخليّة في غزّة. 

وفي هذا الإطار، قدّر النّاشط خليل شاهين، خلال لقاء جمعه بالمجلّة، بأنّ الفوضى الأمنيّة مرشّحة للتّفاقم في غياب أيّ إرادة سياسيّة، للأخذ بزمام الأمور، إذْ تعيش غزّة تحت وطأة أزمات وانقسام كبير، وهو ما بيّنته حادثة جدّت مؤخّرًا، عندما تمّ تنظيم وقفة رمزيّة مع إشعال للشّموع أمام المركز الثّقافي الفرنسي، للتعبير عن التّضامن مع  ضحايا حادثة "شارلي إيبدو"، و ردّت عليهم مباشرة مجموعة من المُحافظين، بتنظيم وقفة  للاحتجاج على الرّسوم المسيئة للرّسول الأكرم، رُفعت فيها أعلام تنظيم داعش مع حرق أعلام فرنسا أمام مركزها الثّقافي.

للاطلاع على المادة الأصلية انقر هنا
التعليقات (0)