في
كتابه "الحرب" الذي صدر مؤخرا نقل الصحفي الأمريكي الشهير بوب وودوارد تعليقات
لبعض قادة المنطقة أبلغوها لنتنياهو أو لمسؤولين أمريكيين؛ حول ضرورة مسارعة
الكيان الصهيوني بالتخلص من حركة
حماس، باعتبارها جزءا من تنظيم
الإخوان المسلمين
الذي يقودون هم أيضا حربا شعواء ضده، أي أنهم يتشاركون مع الكيان في مواجهة عدو
واحد، وأن من مصلحتهم التي لا يستطيعون التعبير عنها علنا؛ التخلص من حماس كلها
وليس فقط كتائبها العسكرية، في الوقت الذي يواصلون هم معركتهم مع الإخوان في
بلدانهم.
ما
ورد في كتاب الحرب يتطابق مع شهادة مستشار معهد واشنطن، والمبعوث الأمريكي الخاص
السابق إلى الشرق الأوسط، دينيس روس، والذي كتب في التاسع والعشرين من تشرين الأول/
أكتوبر 2023 مقالا في نيويورك تايمز أكد فيه أن إسرائيل ليست الوحيدة التي تعتقد
أن عليها هزيمة حماس، بل إن مسئولين عربا في أنحاء مختلفة من المنطقة يعرفهم منذ
فترة طويلة، أكدوا له خلال الأسبوعين التاليين للطوفان إنه لا بد من تدمير حماس في
غزة، لأن انتصارها من وجهة نظرهم سيضفي الشرعية على أيديولوجية الرفض التي تتبناها
الجماعة، ويعطي نفوذا وزخما لإيران والمتعاونين معها، ويضع حكوماتهم في موقف دفاعي.
المواقف العملية لأولئك القادة هي خير دليل على رغبتهم في القضاء على حماس والمقاومة حتى لو ادعوا إعلاميا خلاف ذلك، ولم يعد خافيا مشاركتهم في حصار المقاومة وحاضنتها الشعبية في غزة، بقبولهم المشاركة في حصار القطاع وتجويعه، لدفعه للانتفاض ضد المقاومة
وشرح
بأن أولئك الزعماء
العرب الذين تحدثوا إليه صرحوا له بموقفهم "على
انفراد" بينما مواقفهم العلنية على خلاف ذلك، لأنهم يدركون أنه مع استمرار
انتقام إسرائيل وتزايد الخسائر والمعاناة الفلسطينية، فإن مواطنيهم سوف يغضبون،
مؤكدا أن أولئك الزعماء يدافعون عن الفلسطينيين خطابيا فقط.
المواقف
العملية لأولئك القادة هي خير دليل على رغبتهم في القضاء على حماس والمقاومة حتى
لو ادعوا إعلاميا خلاف ذلك، ولم يعد خافيا مشاركتهم في حصار المقاومة وحاضنتها
الشعبية في غزة، بقبولهم المشاركة في حصار القطاع وتجويعه، لدفعه للانتفاض ضد
المقاومة، وسعيهم لإثارة الفتن داخل القطاع، ومحاولة صناعة طابور خامس من العملاء،
بل إرسال جواسيس من خارج القطاع تحت ستار المعونات الغذائية، والذين كشفت المقاومة
بعضهم، وقضت عليهم، وغنمت ما لديهم من سلاح.
حديث وودوارد
أو دينيس روس عن الإخوان في هذه المعركة لا يستهدف الإشادة بهم، بل إشراكهم في
تحمل المسئولية عن الطوفان، ومحاولة لدفع القوى الغربية المهيمنة وعلى رأسها
الولايات المتحدة لتصنيف الإخوان جماعة إرهابية، وهو الهدف الذي سعت له بعض
الحكومات العربية من قبل، لكنها فشلت في تحقيقه رغم ما قدمته من مليارات إلى لندن
وواشنطن، وهي تعيد الكرّة بعد طوفان الأقصى لعلها تنجح في مسعاها هذه المرة، وتزيل
هذا الخطر الذي يهدد حكمها.
في
الأول من أيار/ مايو 2017 أعلنت حركة حماس في مؤتمرها العام وثيقتها السياسية
الجديدة، والتي صيغت بطريقة أكثر إحكاما، وبما يناسب تطور دور الحركة في النضال
الفلسطيني، وقد هلل الكثيرون لما وصفوه بانفصال حماس عن جماعة الإخوان عبر تلك
الوثيقة.
إشراكهم في تحمل المسئولية عن الطوفان، ومحاولة لدفع القوى الغربية المهيمنة وعلى رأسها الولايات المتحدة لتصنيف الإخوان جماعة إرهابية، وهو الهدف الذي سعت له بعض الحكومات العربية من قبل، لكنها فشلت في تحقيقه رغم ما قدمته من مليارات إلى لندن وواشنطن، وهي تعيد الكرّة بعد طوفان الأقصى لعلها تنجح في مسعاها هذه المرة، وتزيل هذا الخطر الذي يهدد حكمها
الحقيقة
أن الوثيقة لم تتضمن نصا صريحا على ذلك، هي فقط قدمت تعريفا محكما لنفسها في
المادة الأولى لم تأت فيه على ذكر الإخوان كما كان الأمر في وثيقتها السابقة،
وتضمن التعريف الجديد أن "حركة المقاومة الإسلامية "حماس" هي حركة
تحرّر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع
الصهيوني، مرجعيَّتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها".
بالطبع،
فإن حذف النصوص التي تضمنت ذكر الإخوان في وثيقتها التأسيسية السابقة يعني ضمنا
استقلالا تنظيميا، ولكنه أيضا يتسق مع الموقف العام للحركة التي أكدت في المادة 32
على ضرورة استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، وعدم ارتهانه لجهات خارجية، وبالتالي
فليس من المعقول أن تطالب الحركة غيرها بما لا تلزم به نفسها!
على
كل حال لا يمكن لعاقل أن يتصور انسلاخ حماس من انتمائها الإخواني، وهذا ما يفهمه
جيدا أعداؤها، وهنا يأتي السؤال عما قدمه الإخوان لها خلال معركة طوفان الأقصى، وهنا
أيضا تظهر الانتقادات وخاصة من أنصار الجماعة حول تقصيرها في دعم المقاومة على غير
المعتاد منها تاريخيا.
ليس
خافيا أن جماعة الإخوان منذ تأسيسها اعتبرت القضية الفلسطينية قضية مركزية، وأسست
ضمن هيكلها لجنة فلسطين التي لا تزال قائمة حتى الآن.
وليس
خافيا دور كتائب الإخوان في حرب 1948، وليس خافيا الدور الكبير الذي قامت به
الجماعة سواء بشكل مباشر، أو عبر أذرعها في النقابات المهنية ومؤسسات المجتمع
المدني المختلفة في كل مراحل النضال الفلسطيني السابقة، خاصة عقب الانتفاضة الأولى
والثانية، وفي الاجتياحات المتكررة لغزة.. وليس خافيا دور الرئيس الشهيد محمد مرسي
في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة في العام 2012.
كل
ذلك هو الآن تاريخ، بينما الواقع مختلف، فبخلاف بيانات الدعم والمساندة، وبعض
التبرعات التي تم جمعها لإسناد المقاومة، وبعض المظاهرات التي رتبها أو شارك فيها
الإخوان في بعض الدول العربية والغربية، فإن غزة لا تزال تنتظر دورا أكبر للإخوان،
الذين سيكونون الهدف التالي، خاصة بعد تولي ترامب الحكم في واشنطن بما له من علاقة
طيبة مع الحلف العربي المناهض للإخوان، وبما له من محاولة سابقة لتصنيف الإخوان
جماعة إرهابية لم يكتب لها النجاح، وقد يغريه أصدقاؤه في المنطقة لمعاودة المحاولة..
الجولة
الحالية للحرب ليست الأخيرة في مسيرة تحرير فلسطين، لكنها أصعب وأطول الجولات منذ
النكبة، كما أنها لا ولن تتوقف عند حماس أو فلسطين، بل ستطال دولا وأطرافا أخرى في
مقدمتها الإخوان أنفسهم كما ذكرنا، وبالتالي فإنها تحتاج إلى مواجهة واسعة وممتدة،
وتستدعي نفيرا عاما، والتحرك العملي لمقاومة المشروع الصهيوني بكل مساراته، ومعه مشروع
الهيمنة الغربي عموما في كل مكان، وليس في فلسطين وحدها، ومحاصرة الحضور الصهيوني واللوبيات
الداعمة له في كل مكان. وفي هذا الإطار فإن من المهم تصعيد معركة مقاطعة داعمي العدوان،
وتصعيد مواجهة كل أشكال التطبيع مع الصهاينة، ويستطيع الإخوان أن يقودوا تحركا
شعبيا عاما في هذه المسارات، فرغم ما يمرون به إلا أنهم لا زالوا يمتلكون تأثيرا
معنويا، وقدرة على حشد بقية القوى الشعبية في عموم العالم الإسلامي، وما تأخر من
بدأ.
x.com/kotbelaraby