قضايا وآراء

مبادرات الخداع: نظرة أعمق إلى استراتيجات الولايات المتحدة وإسرائيل

حامد أبو العز
"يتأثر تورط الولايات المتحدة في مبادرة وقف إطلاق النار؛ ليس فقط بتحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل ولكن أيضا بالمخاوف الانتخابية المباشرة"- جيتي
"يتأثر تورط الولايات المتحدة في مبادرة وقف إطلاق النار؛ ليس فقط بتحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل ولكن أيضا بالمخاوف الانتخابية المباشرة"- جيتي
في المشهد السياسي المعقد في الشرق الأوسط، فإن أي فكرة عن نهج مستقل أمريكي أو إسرائيلي لحل الصراعات وتوقف المجازر الإسرائيلية في غزة ولبنان عبر مبادراتهم، هي وهْم. والواقع أن التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل ثابت ومنسق بشكل عميق، وهو يدير الأحداث بشكل منظم ومنسق في غزة ولبنان وغيرهما من الساحات. ومؤخرا، طرحت الولايات المتحدة خطة وقف إطلاق النار في لبنان، وهي الخطوة التي قدمت باعتبارها خطوة نحو السلام. ومع ذلك، فإن أي شخص ينظر إلى هذا باعتباره محاولة صادقة للدبلوماسية، يتجاهل الاستراتيجيات الجيوسياسية الأعمق التي تعمل على تحقيق هذه الغاية. وبينما نكشف عن طبقات هذه المبادرة، نرى جهدا محسوبا للغاية لصرف الانتباه، وكسب الوقت، وفي نهاية المطاف، حماية المصالح السياسية والعسكرية، عبر مبادرات وهمية لوقف إطلاق النار.

سراب محادثات وقف إطلاق النار: أداة لتحقيق مكاسب تكتيكية

لطالما كان النهج الإسرائيلي المستمر في مناقشات وقف إطلاق النار جزءا من لعبة أكبر من المناورات التكتيكية. لقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحاول طيلة أكثر من عام أن يتحايل على هذه المفاوضات، فيطرح مطالب غير واقعية كلما بدا السلام في متناول اليد، ثم يسحب دعمه في اللحظة الأخيرة. ويبدو أن نهجه يعطي الأولوية لإطالة أمد الأعمال العدائية بدلا من السعي إلى الاستقرار. وقد تحول هذا التكتيك الآن من غزة إلى لبنان، حيث ارتفعت المخاطر بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدتها إسرائيل على أرض المعركة.

وقف إطلاق النار المقترح في غزة ولبنان، هو في جوهره وهْم متطور. فهو يخدم الغرض المزدوج المتمثل في السماح لإسرائيل بإعادة تجميع صفوفها، في حين يمكن الولايات المتحدة من استرضاء فئات ديموغرافية رئيسية من الناخبين.

وفي لبنان، أصبحت دوافع إسرائيل أكثر وضوحا، فبعد سلسلة من الانتكاسات في مواجهاتها مع حزب الله، يعمل وقف إطلاق النار المقترح كمناورة استراتيجية لوقف الأعمال العدائية وإعادة التجمع. إن الانسحاب الأخير للفرقة 9204 الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية، ليس بادرة حسن نية أو شهادة على التزام إسرائيل بالسلام، بل إنه مؤشر صارخ على شدة الخسائر التي تكبدتها إسرائيل على الأراضي اللبنانية. ويسلط هذا التراجع الضوء على فعالية العمليات البرية التي يشنها حزب الله، مما يثبت أن الوجود الإسرائيلي في لبنان لم يقاوَم فحسب، بل ووجه بقوة كبيرة. من خلال الدعوة إلى وقف إطلاق النار، تهدف إسرائيل إلى تخفيف الضغط على قواتها، مع الاحتفاظ بالسيطرة على رواية مفاوضات السلام.

ومع ذلك، فإن قيادة حزب الله تدرك تمام الإدراك هذه التكتيكات، فقد أكد الأمين العام الجديد للحزب نعيم قاسم؛ علنا أن أي اتفاق يجب أن يكون بشروط لبنان، مشددا على أن قدرة حزب الله على الصمود غير قابلة للتفاوض. وبالنسبة لقوات المقاومة في لبنان، فإن دعوة نتنياهو المحسوبة للسلام، ليست أكثر من مجرد فترة راحة مؤقتة، وتوقف لا يحمل أي وعد بتنازلات حقيقية.

الارتباط الانتخابي الأمريكي: نداء محسوب للناخبين العرب والمسلمين

على الجانب الآخر من الأطلسي، يتأثر تورط الولايات المتحدة في مبادرة وقف إطلاق النار؛ ليس فقط بتحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل، ولكن أيضا بالمخاوف الانتخابية المباشرة. قبل أيام قليلة من الانتخابات الأمريكية، تواجه إدارة بايدن ضغوطا من المجتمعات العربية والإسلامية، وخاصة في الولايات المتأرجحة الحاسمة مثل ميتشيغان وبنسلفانيا. إن هذه المجتمعات، التي تأثرت بشدة بالسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، قد حشدت نفسها بشكل متزايد حول دعوات لإنهاء الإبادة الإسرائيلية في غزة ولبنان. وهذا التحول في مشاعر الناخبين مهم، فلأول مرة تفكر هذه المجموعات علنا في مقاطعة الانتخابات إذا فشلت الإدارة في دعم وقف إطلاق النار الحقيقي.

يعترف الحزب الديمقراطي بقوة هذه الكتلة التصويتية، وفي الولايات التي تشهد صراعا محتدما، قد يؤثر الناخبون العرب والمسلمون على النتائج، مما يزيد الضغوط على الإدارة لتبدو داعمة للسلام. لكن اقتراح وقف إطلاق النار، في حين أنه في الوقت المناسب لحملة لكاملا هاريس، يبدو وكأنه خطوة محسوبة لتأمين الأصوات أكثر من كونه التزاما بالتغيير الحقيقي. إنها خدعة دبلوماسية، ومحاولة لإعطاء مظهر السلام دون معالجة القضايا الأساسية، المتمثلة في الاحتلال والسيادة وحقوق الإنسان التي تنتهكها إسرائيل بشكل مستمر.

الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل: إعادة رسم ساحة المعركة

يمتد تركيز إسرائيل على السيطرة على شروط الاشتباك إلى ما هو أبعد من لبنان وغزة. ففي كل مسرح من مسرحيات الصراع، سعت إسرائيل إلى تحديد السرد وتشكيل ساحة المعركة لصالحها. إن انسحاب الفرقة 9204 من جنوب لبنان، يشكل مؤشرا قويا على كيفية تطور هذه الأهداف الاستراتيجية، فبعد أن عجزت إسرائيل عن تأمين الانتصارات التي توقعتها، غيرت تكتيكاتها مستخدمة مقترحات وقف إطلاق النار كدرع سياسي وأداة لإعادة التنظيم العملياتي. ولا يشير هذا التراجع إلى استعداد للتفاوض، بل إلى الحاجة إلى إعادة ضبط الموقف في مواجهة المرونة المفاجئة التي يتمتع بها حزب الله.

ولكن في حين تحاول إسرائيل تعزيز قواتها والتكيف، فإن قوة حزب الله المستمرة تتحدى الأساس ذاته لهذه الاستراتيجيات. فكل انسحاب، وكل دعوة لوقف إطلاق النار، تسلط الضوء على سوء تقدير أساسي في التوقعات الإسرائيلية للهيمنة الإقليمية. وبعيدا عن التراجع، حافظ حزب الله على موقف هائل.

 القرارات التي يتخذها الناخبون العرب والمسلمون اليوم في الولايات المتحدة، سوف يتردد صداها إلى ما هو أبعد من الحدود الأمريكية. فمن خلال التمسك بمطالبهم بالسلام الحقيقي والمساءلة، تمتلك هذه المجتمعات القدرة على التأثير؛ ليس فقط على نتائج الانتخابات، ولكن أيضا على مسار السياسات الأمريكية الإسرائيلية في الشرق الأوسط. 

ختاما، إن وقف إطلاق النار المقترح في غزة ولبنان، هو في جوهره وهْم متطور. فهو يخدم الغرض المزدوج المتمثل في السماح لإسرائيل بإعادة تجميع صفوفها، في حين يمكن الولايات المتحدة من استرضاء فئات ديموغرافية رئيسية من الناخبين. ولكن بالنسبة لأولئك المتأثرين بشكل مباشر بالعنف سواء في لبنان أو غزة، فإن هذه الإيماءات تبدو جوفاء، ولن يتحقق السلام الحقيقي من خلال نصف التدابير والمناورات السياسية؛ بل يتطلب التزاما صادقا بمعالجة الأسباب الجذرية للحرب الإسرائيلية المستمرة ضد شعوب المنطقة، واحترام سيادة جميع الشعوب المعنية.

في نهاية المطاف، فإن القرارات التي يتخذها الناخبون العرب والمسلمون اليوم في الولايات المتحدة، سوف يتردد صداها إلى ما هو أبعد من الحدود الأمريكية. فمن خلال التمسك بمطالبهم بالسلام الحقيقي والمساءلة، تمتلك هذه المجتمعات القدرة على التأثير؛ ليس فقط على نتائج الانتخابات، ولكن أيضا على مسار السياسات الأمريكية الإسرائيلية في الشرق الأوسط. إن الطريق إلى السلام لن يكون ممهدا بوقف إطلاق النار الناتج عن المصلحة السياسية، ولن يتحقق ذلك من قبل أولئك الذين ينظرون إلى الدبلوماسية كأداة لتحقيق مكاسب مؤقتة، بل سوف تتم صياغته من قبل أولئك الذين يطالبون بالنزاهة والعدالة والسياسة الخارجية، التي تعطي الأولوية للناس على السلطة.

وبينما نواجه أوهام السلام هذه، دعونا نتذكر أن وقف إطلاق النار لا يكون حقيقيا، إلا بقدر النوايا الكامنة وراءه. في لبنان وغزة، وفي الولايات المتحدة وخارجها، حان الوقت لرفض الوعود الجوفاء والإصرار على مسار جديد للمضي قدما، ولذلك فأمام بايدن ونائبته هاريس خمسة أيام لإقرار خطة وقف إطلاق النار، وإلا فالمقاطعة هي الخيار الأنسب.
التعليقات (0)